62 – أثر الأمراض المعدية في الفرقة بين الزوجين

الأربعاء 19 رجب 1445هـ 31-1-2024م

 

62 –  أثر الأمراض المعدية في الفرقة بين الزوجين pdf

 

 

 

 

أثر الأمراض المعدية

في الفرقة بين الزوجين

 

تأليف

أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

 

 

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ([1])،{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}([2])، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً}([3])، وبعد:

فإن الشريعة الإسلامية الغراء قد وجهت إلى المصالح التي تعود على الفرد والمجتمع والأمة بالخير والسعادة في الدنيا قبل الآخرة، لقوله تعالى: {فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}([4]). وحذرت من كل ما يعود على الفرد والمجتمع  والأمة من المفاسد والمصائب التي تفسد على الجميع حياتهم دينيناً ودنيوياً، وخاصة في اتباع أهل الباطل والأهواء الذين يأخذون بالأمم إلى الهلاك الدائم والعذاب السرمدي، وصدق الله العظيم إذ يقول:{وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ}([5]).

وبرغم تحذيرات علماء الشريعة والطب التي تدعو إلى تجنب الوقوع فيما نهى الله تعالى عنه إلا أن هناك أصنافاً كثيرة من البشر قد انساقوا وراء شهواتهم وملذاتهم، واتبعوا فيها أهوائهم، فعاد ذلك عليهم بالوبال والخسران في الدنيا والآخرة.

وإن ما نراه الآن من تردي الأخلاق وسوء التعامل بين الناس ما هو إلا بسبب البعد الشديد عن أوامر الله تعالى ونواهيه، وترك العمل بالشريعة الغراء التي جاءت بكل خير، ونهت عن كل شر. وإذا نظرنا إلى شريعتنا الإسلامية نظرة واسعة وجدناها تهدف إلى تحقيق مصالح العباد.

يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد([6]).

وأورد رحمه الله كثيراً من النصوص الدالة على ذلك كقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}([7])، وقوله:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}([8])، واستدل أيضاً بتعليل الشارع لكثير من الأحكام تعليلاً يحقق مصالح العباد كقوله بعد آية الوضوء:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ}([9])، وقال في الصيام:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}([10])، وقال في الصلاة:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}([11])، وقال في القصاص: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}([12]).

وقد عقب على الاستدلال بهذه النصوص بقوله: وإذا دل الاستقراء على هذا، وكان في مثل هذه القضية مفيداً للعلم، فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة ([13]).

ومن الذين قرروا ما قرره الشاطبي من أعلام العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله، فقد قال في قواعده: الشريعة كلها مصالح،إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح، فإذا سمعت الله يقول:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..}، فتأمل وصية الله بعد ندائه، فلا تجد إلا خيراً يحثك عليه، أو شراً يزجرك عنه، أو جمعاً بين الحث والزجر، وقد أبان الحق تبارك وتعالى في كتابه ما في بعض الأحكام من المفاسد، حثاً على اجتناب المفاسد، وما في بعض الأحكام من المصالح حثاً على إتيان المصالح ([14]).

ومن أجل ذلك رأيت أن أكتب عن بعض الموضوعات الهامة التي ترتبط بها المرأة المسلمة من خلال الجوانب التي بينتها في مخطط هذا البحث، فالله أسأل أن ينفعني به وإخواني، وأن يجعله حجة لنا لا علينا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                                                                                                وكتب

                                                                       أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                          1/ 7/ 1428هـ

ملخص البحث

الهدف من البحث:

بالنظر إلى واقع العالم اليوم من التقدم الحضاري المادي، وتيسر سبل التعارف بين أجناس العالم حيث أصبحت الأرض في سائر أنحائها ملتقى لكثير من الأفراد والجماعات، ومع التقدم التقني الهائل الذي أوصل كل غث وسمين إلى شعوب العالم، من حيث الثقافات والأخلاق والعادات التي بدأ المسلمون يتأثرون بها تأثراً بليغاً حتى سار بعض المسلمين على طريق الغرب في كل صغيرة وكبيرة، ويلاحظ أن كثيراً من أبناء المسلمين بدأوا بالسفر إلى دول العالم شرقها وغربها، واختلطوا بأفراد من هذه الدول التي تنتشر فيها الإباحية والشذوذ إلى درجة كبيرة، عن طريق العمل أو الدراسة أو السياحة، ولضعف الوازع الديني عند غالب هؤلاء الشباب وغيرهم وقعوا في مخالطة نساء هذه الدول التي تحمل بين طياتها الكثير من الأمراض الجنسية المعدية التي ظهرت مؤخراً، والتي بدأت تنتشر انتشار النار في الهشيم لكثرة الواقعين فيها، ولما شعر علماء الأمة الإسلامية بخطورة هذا الأمر، وظهور هذه الأمراض على بعض أبناء أمتهم بادروا إلى إيضاح خطورتها لتنبيه المسلمين من الوقوع في براثنها، وحتى يسلموا بدينهم وصحتهم من أن تصيبهم هذه الأمراض الخطيرة، وحرصاً على إيضاح بعض الأمور المتعلقة بالمرأة المسلمة من حيث زواجها ومعاشرتها وحملها وتأثير هذه الأمراض عليها إما عن طريق زواجها من شخص مريض أو وقوعها في براثن الخلطة المحرمة التي سببت لها هذه الأمراض فقد تم كتابة هذا البحث، وصدق الله العظيم إذ يقول:{فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(النور:63)، وقال صلى الله عليه وسلم: (خمس بخمس: ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر)([15]).

نسأل الله الكريم أن يحفظ علينا ديننا وعافيتنا، وأن يحفظ أبناء المسلمين وبناتهم من كل شر وفتنة.

خطة البحث:

اشتمل البحث على عدة مباحث ومطالب، ويتفرع عنها بعض المسائل والفروع التي تتعلق بها:

المبحث الأول: الفحص الطبي قبل الزواج ومدى الإلزام به، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: إلزام الحاكم به.

المطلب الثاني: إلزام ولي الأمر به.

المبحث الثاني: الزواج من المصاب بالمرض المعدي، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: إذا كان أحد الخاطبين هو المصاب.

المطلب الثاني: إذا كان الخاطبان كلاهما مصابا.

المبحث الثالث: المباشرة للمصاب بالمرض المعدي، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: المباشرة فيما دون الفرج.       

المطلب الثاني: استعمال الأشياء الواقية أثناء المباشرة.

المبحث الرابع: حمل المرأة المصابة بالمرض المعدي.

المبحث الخامس: هل يجوز إجهاض حمل المصابة بالمرض المعدي؟، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: إجهاض الحمل قبل أربعين يوماً.       

المطلب الثاني: إجهاض الحمل بعد الأربعين وقبل نفخ الروح فيه.

المطلب الثالث: إجهاض الحمل بعد نفخ الروح فيه.

المبحث السادس: استدامة العشرة بين الزوجين المصابين أو أحدهما، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: استدامة العشرة إذا كان أحد الزوجين هو المصاب..   

المطلب الثاني: استدامة العشرة إذا كان الزوجان كلاهما مصابا.

المبحث السابع: التفريق بين الزوجين المصابين أو أحدهما عند الطلب؟، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: طلب الزوجة السليمة الفرقة.           

المطلب الثاني: طلب الزوج السليم التعويض عند فراق الزوجة المصابة.

المبحث الثامن: حضانة المصاب بالمرض المعدي للطفل السليم، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: حضانة الأم المصابة للطفل السليم.            

المطلب الثاني: حضانة الأم السليمة للطفل المصاب.

المطلب الثالث: حضانة الأب المصاب للطفل السليم.

الخاتمة.

المبحث الأول: الفحص الطبي

قبل الزواج ومدى الإلزام به

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: إلزام الحاكم به

أولاً: وقبل الخوض في هذه المسألة، أود إيضاح أهمية نعمة الزواج، وأنها آية من آيات الله تعالى الدالة على عظمته وقدرته، فلقد اقتضت حكمة الله تعالى أن جعل لكل من الذكر والأنثى خواصاً تساعد على الترابط الوثيق بينهما، لتحصل لهما السكينة الجسدية والنفسية المرجوة بعد زواجهما، ذلك أن القوة الجسدية لكل منهما لها تأثير إيجابي أو سلبي على العملية الجنسية التي شرعها الله تعالى لهما عن طريق الاتصال الجنسي المباح، وقد بين الله تعالى ذلك في قوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}([16])، وقوله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}([17]).

وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية هذه العلاقة، وأنها جعلت لحفظ الأمة من الوقوع في براثن المخالفات التي نهى الله تعالى عنها، ولو نظرنا إلى توجيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة إذا هي منعت زوجها من حقه الواجب وأثر ذلك عليها فقال:(وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلاَّ كَانَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا)([18])، وكما أن للزوج الحق في السكينة مع زوجته، فإن لها الحق في ذلك مما هو مبين في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً الزواج له مقاصد أخرى تتمثل في إنجاب الذرية، ومصداق ذلك قوله تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}([19])، وأما السنة فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالزواج في قوله:(تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)([20]).

ولاشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بالزواج والإنجاب كان يدرك ما للنسل وكثرته من أثر في الأمم، وقوتها ومنعتها؛ فثمة بون شاسع بين أمة قليلة العدد وأمة كثيرة العدد.

ومن مقاصد هذا الزواج أيضاً إعمار الأرض، وعمارة الأرض سنة من سنن الله تعالى في خلقه، بل هو في مقدمة هذه السنن، فالغاية من خلقهم عبادة الله وحده، وهذه العبادة لا تتحقق إلا بعمران الأرض، وهذا العمران لا يتحقق إلا من خلال النسل، وفي هذا قال الله عز وجل: {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}([21])، وإعمار الأرض يقتضي بالضرورة وجود الإنسان القوي في جسده وعقله.

لذلك فالزواج بمقاصده الشريفة يتحقق به دوام النسل، وحفظ الأمم من التداعي والضعف  الذي يسبب فنائهم وانقراضهم.

ولكن في الآونة الأخيرة ظهرت قضايا ومشكلات مشتركة بين الزوجين أو أحدهما من الناحية الجسدية والعقلية، وقد بين الفقهاء قديماً وحديثاً بعضاً من هذه المشكلات مثل أمراض الجب، والخصاء، والرتق، والعتَّة، والعنَّة، والقرن، والجذام، وغير ذلك من الأمراض، مما جعلهم يرتبون عليها أحكاماً تقتضي في بعضها فسخ عقد الزواج، ومنها ما يترتب عليها نيل حقوق معينة.

ومع مرور الأزمان، وتطور مفاهيم الإنسان، ومع كثرة المشكلات الاجتماعية جدت عليه نوازل وقضايا كان من اللازم عليه التعامل معها وفقاً لمفاهيمه وعقائده، ومن هذه النوازل تطور مفهوم الوراثة، واكتشاف العديد من الأمراض المعدية.

ولقد بيّنت خريطة جينات الإنسان (الجينوم البشري) العوامل الوراثية للإنسان، وقد بلغت هذه الجينات بضعة آلاف، واكتشاف هذه الأمراض في الوقت الحالي مع تقدم الطب في أبحاثه وآلياته يفتح الطريق إلى معرفة الطرق الصحيحة لعلاج هذه الأمراض، وخاصة الأمراض المعدية.

ولقد وجه الإسلام بعلاج الأمراض من جهة الزوج والزوجة، وذلك بالوقاية منها قبل حدوثها، وذلك عن طريق تحصين أفراد الأمة بما يمنع انتشارها بينهما، سواء كانت وراثية أو معدية، وتقع المسؤولية في هذا الشأن على الإنسان نفسه بحيث يجب عليه عدم التعرض للأسباب المؤدية للمرض، كالزواج من الأقارب، كما تقع المسؤولية أيضاً على الدولة بما يجب عليها من منع تعرض أفراد الأمة للأمراض المعدية كفرض الوقاية الصحية على الأفراد كافة.

والأصل في هذه الوقاية التوجيهات الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما أعظم هذه التوجيهات لو تمسك بها العباد، وعملوا بمقتضاها.

فمن كتاب الله تعالى يقول الله عز وجل:{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}([22])، وقال عز وجل:{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}([23]).

وأما من السنة فقد قال صلى الله عليه وسلم:(تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ)([24]).

ولما جاء إليه رجل ولدت زوجته ولداً أسود خلافاً للون أبيه وأمه وأراد الرجل نفي هذا الولد، سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟). قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَمَا أَلْوَانُهَا؟). قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: (فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟). قَالَ : نَعَمْ. قَالَ: (أَنَّى تَرَى ذَلِكَ؟). قَالَ : لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَهُ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم (فَلَعَلَّ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ).  

ثم أنكر عليه نفيه لولده. قال ابن حجر تعليقاً على هذا الحديث، فلما بحثوا وجدوا أن للولد جدة سوداء من جهة أمه([25]).

وهذا يدل على أن حسن الاختيار بين الزوج والزوجة من ناحية الصفات الدينية والخلقية له أثر كبير على الذرية. ولقد ظهرت مواليد بإعاقات كثيرة تبين أن الزوج أو الزوجة ربما كانوا واقعين في بعض المعاصي من الزنا، أو شرب الخمر، أو الدخان، أو غير ذلك مما قد يكون سبباً في إيجاد هذه الذرية المشوهة.

وعندما تكلم الفقهاء عن الأمراض وتأثيرها في العلاقة بين الزوجين لم يكن قد تم اكتشاف العديد من هذه الأمراض، ومع التقدم العلمي الكبير تم اكتشاف أمراضٍ أخرى كثيرة، منها ما هو خطر، ومنها ما هو غير ذلك، وهذه الأمراض يمكن انتقالها من شخص إلى آخر بطريق العدوى، وهذه الأمراض إن لم يتم تحجيمها بمنع تعديها فسيؤدي ذلك إلى كوارث وبائية تلتصق بالأجيال المستقبلة، وتتسبب في تدمير حياة الأمم الصحية والاقتصادية والاجتماعية.

ومن أجل تجنب هذه الأمراض كان واجباً علينا اتخاذ الوسائل المانعة لها، وذلك من خلال الفحص الطبي لراغبي الزواج قبل زواجهما ليكون كل منهما على علم بحال الآخر، ومن خلال هذا الفحص يمكن معرفة الأمراض التي يمكن التغاضي عنها بين الزوجين، أو أن كلاً منهما يذهب بعيداً عن الآخر باحثاً عمن يتوافق معه جسدياً ونفسياً.

ونظراً لما كان يتمتع به الأولون من صدق وأمانة في الإخبار عن معايبهم النفسية والجسدية عموماً، ونظراً لبساطة الحياة آنذاك لم تكن هناك ثمة حاجة للتأكد وفحص المقبلين على الزواج، ومن الأمثلة على الصدق في إيضاح ما كانوا عليه حديث أم سلمة مع النبي صلى الله عليه وسلم حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها، قالت رضي الله عنها: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني، فقلت: ما مثلي تنكح، أما أنا فلا ولد لي، وأنا غيور، ذات عيال، فقال: (أَنَا أَكْبَرُ مِنْكِ وَأَمَّا الْغَيْرَةُ فَيُذْهِبُهَا اللَّهُ وَأَمَّا الْعِيَالُ فَإِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ)([26]).

وأما في العصر الحاضر فإضافة لما طرأ في حياة الناس من انحدار في مستوى الأمانة والصدق بسبب البعد عن الأخلاق الإسلامية السامية التي ينبغي أن يتحلى بها المسلمون، ونتيجة للتقدم العلمي والتقني في حياة البشر، واتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة للتأكد من سلامة الزوجين من الأمراض، فقد دعا ذلك العديد من البلدان إلى سن قوانين لإجراء الفحص الطبي قبل الزواج، والإلزام به، فما موقف الشريعة من ذلك؟ ولكي يتضح الأمر نعرض للموقف الطبي في هذه المسألة.

الفحص الطبي قبل الزواج من الناحية الطبية؟

لقد تم دراسة السلبيات والإيجابيات التي تنتج عن إجراء عملية الفحص الطبي قبل الزواج، وعلى أثر دراستها تبين آراءهم في هذه المسألة، وهي كما يلي:

(1) تعتبر هذه الفحوصات من الوسائل الوقائية الفعالة جداً في الحد من الأمراض الوراثية والمعدية الخطرة.

(2) تشكل حماية للمجتمع من انتشار الأمراض والحد منها، والتقليل من أي أضرار تحدث من الناحية الإنسانية أو الاقتصادية للأفراد والأسر والمجتمعات، خاصة لدى ارتفاع نسب المعاقين في المجتمع، وتأثيره المالي والإنســاني من كون متطلباتهم أكثر من حاجــات الأفراد الأسوياء.

(3) ضمان إنجاب أطفال أصحاء سليمين عقلياً وجسدياً.

(4) قابلية الزوجين المؤهلين للإنجاب من عدمه، بصورة عامة وإلى حدٍ مَا.

(5) التحقق من قدرة كل من الزوجين المؤهلين على ممارسة علاقة جنسية سليمة مع الطرف الآخر بما يشبع رغبات كل منهما بصورة

 طبيعية، والتأكد من عدم وجود عيوب عضوية، أو فيزيولوجية مرضية.

(6) التحقق من عدم وجود أمراض مزمنة مؤثرة على مواصلة الحياة بعد الزواج، مثل السرطانات وغيرها مما له دور في إرباك استقرار الحياة الزوجية المؤلمة.

(7) ضمان عدم تضرر صحة كل من الخاطبين نتيجة معاشرة الآخر جنسياً، وحياتياً، والتأكد من سلامتهما من الأمراض الجنسية والمعدية وغيرها من الوبائيات.

سلبيات الفحص الطبي قبل الزواج:

(1) وجود الإحباط الاجتماعي، بحيث إذا أثبتت الفحوصات أن هناك احتمالاً لإصابة المرأة بالعقم، أو بسرطان الثدي، وعلم الآخرون بذلك فإن ذلك يسبب لها أضراراً نفسية واجتماعية، وفي هذا قضاء على مستقبلها، خاصة أن الأمور الطبية تخطئ وتصيب.

(2) جعل حياة بعض الناس قلقة مكتئبة ويائسة إذا ما تم إخبار الشخص بأنه مصاب بمرض عضال لا شفاء منه.

(3) تكون نتائج التحاليل احتمالية في العديد من الأمراض، وهي ليست دليلاً صادقاً لاكتشاف الأمراض المستقبلية.

(4) تحرم هذه الفحوصات البعض من فرصة الارتباط بزواج نتيجة فحوصات قد لا تكون أكيدة.

(5) قلما يخلو إنسان من أمراض، خاصة إذا علمنا أن الأمراض الوراثية التي صنفت تبلغ أكثر من (3000) مرض وراثي.

(6) التسرع في إعطاء المشورة الصحية في الفحص يسبب من المشاكل أكثر مما يحل.

(7) قد يساء للأشخاص المقدمين على الفحص، بإفشاء معلومات الفحص واستخدامها استخداماً ضاراً.

وعلى الرغم من هذه السلبيات إلا أن الرأي الطبي اتجه إلى ضرورة إجراء مثل هذا الفحص للراغبين فيه، وعلى هذا فيحق للطبيب حينها وبناء على طلب الخاطبين إبداء المشورة الطبية.

أما عند إلزام الناس وإجبارهم على إجراء الفحص الطبي فقد اتجه الرأي الطبي في مجموعه إلى ضرورة تحديد أنواع معينة من الأمراض، لأن هذا الإجبار حينها يقوم “للحد من انتشار بعض الأمراض الوراثية، ويمكن الكشف عن حاملها قبل الزواج، والتي يمكن وقاية الأطفال منها، وهي أمراض قليلة واضحة الانتشار معروفة الوراثة طبياً، وإمكانية التوصل إلى حاملها من الأبوين معروفة علمياً وطبياً” ([27]).

الفحص الطبي قبل الزواج من الناحية الشرعية؟

لقد تعرض العلماء المعاصرون لهذا الموضوع وقاموا بدراسة جوانبه، وبينوا أهميته من الناحية الشرعية، فجاء رأيهم متفقاً مع رأي الأطباء إلى حد كبير، ويظهر ذلك واضحاً من خلال آراء الذين تعرضوا له، ومن هؤلاء الأستاذ محمد شبير الذي يرى أن الفحص الطبي “لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ولا مع مقاصد الزواج، ولأن زواج الأصحاء يدوم ويستمر أكثر من زواج المرضى، ويمكن تنظيمه ـ الفحص الطبي ـ بحيث لا يترتب عليه ضرر بالرجل أو المرأة” ([28]).

والأستاذ الصابوني في توضيحه لضرورة الفحص الطبي نجده يضع بعض المسوغات الشرعية، فيقول: “إصابة أحد الزوجين بمرض معد ينتقل للزوج الآخر فيه من الضرر ما لا يخفى، كما أن فيه تغريراً للسليم منهما إذ ربما لو علم بمرض زوجه لما وافق على الزواج به، وإني اقترح أن يضيف المشرع إلى هذه الشهادة تقريراً يتضمن فحص فصيلة دم كل من الزوجين، فقد اثبت الطب الحديث بما توصل إليه المختبر من دقة في التحليل على أن فصيلة دم الزوجة إذا لم تكن على وفق مع فصيلة دم الزوج فقد يحصل تشويه في الجنين أو إجهاض قبل الأوان، أو ينشأ الولد مريضاً إلى غير ذلك من الأمور التي يمكن للطب حالياً أن ينبئ عنها نتيجة فحص زمرة دم كل من الزوجين. إن تقريراً من طبيب لا يؤخر زواجاً، ولكنه يعطي صورة واضحة لكل راغبي الزواج عن شريك حياته المقبل، والشريعة الإسلامية تتقبل كل ما هو نافع ومفيد للفرد والأسرة في هذا المضمار ولو لم ينص عليه الفقهاء بعينه” ([29]).

ويقول عارف علي عارف في بحثه حول الأمراض الوراثية وهو يرى ضرورة إجراء التحليل الجيني قبل الزواج “وهو جزء من اختبار الفحص الطبي” أنه: “قد يحقق مصالح شرعية راجحة، ويدرأ مفسدة متوقعة، وليس في هذا مضادة لقضاء الله وقدره، بل هو من قضاء الله وقدره، وينفع التحليل الجيني خاصة في العائلات التي لها تاريخ وراثي لبعض الأمراض، ويتوقع الإصابة بها يقيناً أو غالباً، والمتوقع كالواقع، والشرع يحتاط لما يكثر وقوعه احتياطه لما تحقق وقوعه” ([30]).

وفي مقابل هذا الاتجاه الذي يرى الجواز،يرى فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله في بعض فتاويه أنه لا حاجة لهذا الكشف، “ونصح المقدمين على الزواج بإحسان الظن بالله، فالله سبحانه يقول: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) ([31])، كما روي ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم، ولأن الكشف يعطي نتائج غير صحيحة”([32]).

والذي أراه أن رأي فضيلة شيخنا ابن باز مرجوح في هذه المسألة، وأن الرأي القائل بالجواز هو الراجح، فالثقة بالله لا تتعارض مع الأخذ بالأسباب، وليس أدل على ذلك من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : “نفر من قدر الله إلى قدر الله”([33]) ، حين وقع الطاعون بالشام.

أما كون نتائج الكشف احتمالية، فقد أثبت الطب الحديث قدرته الأكيدة على اكتشاف العديد من الأمراض المعدية والوراثية، وإمكانية المعالجة للعديد منها قبل أن تؤثر سلباً على الزوجين والذرية، وإن كانت أيضاً تبقى هناك احتمالية، فالشرع يحتاط لما يكثر وقوعه احتياطه لما تحقق وقوعه.

ولكن حينما نقول بالجواز فلابد أن ينبه إلى أن ذلك لا يمنع بأي حال من الأحوال المقدمين على الزواج بعد معرفتهما بعيوب معينة فيهما من الاستمرار في إنجازه، فعملية الفحص لا تلغي حرية المقدمين على الزواج بالقبول بالزواج على الرغم من وجود العيوب.

ويمكن الاستدلال على جواز الفحص الطبي بالأدلة التالية ([34]):

(1) تدعو الشريعة الإسلامية إلى المحافظة على النسل باعتباره أحد الكليات الخمس الضرورية،وقد دعا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأن يرزقهم الله ذرية طيبة، فقال الله تعالى حاكياً عن زكريا عليه السلام بقوله: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}([35]) ولا تكون الذرية طيبة إلا إذا كانت خالية من العيوب الخلقية.

(2) المحافظة على كيان الزوجية، فقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: “أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسَّها فلها صداقها كاملا وذلك لزوجها غرم على وليها”([36])، ومن ثمَّ فالفحص الطبي يحافظ على كيان الزوجية من الفسخ الجائز عند الغرر على رأي بعض الفقهاء.

(3) ورود الأدلة العامة على اجتناب المصابين بالأمراض المعدية، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تُورِدُوا الْمُمْرِضَ عَلَى الْمُصِحِّ)([37]).

وقوله  صلى الله عليه وسلم: (لا عَدْوَى  وَلا طِيَرَةَ  وَلا هَامَةَ([38]) وَلا صَفَرَ  وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ([39]) كَمَا تَفِرُّ مِنْ الأَسَدِ) ([40]) وهذا لا يعلم إلا عن طريق الفحص.

(4) توجيه النبي صلى الله عليه وسلم  إلى اختيار الزوج لزوجته  بحيث تكون من عائلة تعرف بناتها بالإنجاب، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ)([41])، مما يدل على أهمية عنصر الاختيار على أسس صحة النسل والولادة المستقبلية.

(5) حثه صلى الله عليه وسلم لمن أراد الخطبة بالنظر إلى المخطوبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه:  أن رجلاً خطب امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(.. فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا)([42]) مما يدل على ضرورة معرفة العيوب في المخطوبة، وعلى أوليائها ذكر ذلك.

(6) نص العلماء من المالكية([43])، والشافعية([44])، والحنابلة([45])، على القول بأن عقد النكاح يدخله خيار العيب كغيره من العقود المدنية، وإن اختلفوا في تحديد العيوب التي يفسخ بها العقد، مما يدل على أنه من الواجب على الخاطبين معرفة عيوب كل منهما الجسدية لكي لا يحدث الفسخ وما ينبني عليه من إشكالات مادية ونفسية وإنسانية.

(7) استحب بعض أهل العلم تغريب النكاح، فيبتعد عن الزواج بالقريبات، كابنة العم، وابنة الخال، وذلك تفادياً لضعف بنية الأولاد، وقد نبه عمر رضي الله عنه إلى ذلك فقال: “اغتربوا ولا تضووا” ([46])، أي تزوجوا الغريبات حتى لا يضعف النسل.

(8) الفحص الطبي يحقق مصالح مشروعة للفرد الجديد، وللأسرة والمجتمع، ويدرأ مفاسد اجتماعية ومالية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.

(9) الوسائل تأخذ أحكام الغايات، فإذا كانت الغاية هي سلامة الإنسان العقلية والجسمية، فإن الوسيلة المحققة لذلك مشروعة.

(10) هناك بعض الأمراض يكون مخيفاً، ويخشى على الزوجين منه، فيعد الإقدام على الزواج دون معرفة من الآخر به ضرر، والقاعدة تقول: (لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَارَ) ([47]).

ومما تقدم يمكن القول بأن الفحص الطبي أمرٌ لا تعارضه الشريعة الإسلامية،بل تؤيده لما فيه من المصالح العديدة للأفراد والأسر والمجتمعات.

ولكن هل يمكن أن تصل ضرورة إجراء الفحص الطبي إلى درجة الإلزام والإجبار؟

إذا رأى ولي الأمر إلزام الناس به وإجبارهم عليه حالة انتشار أمراض معينة في بلد معين، وكان الزواج أحد أسباب زيادة انتشاره، جاز ذلك من باب السياسة الشرعية، إلا أن هذا الإجبار وإن كان فيه الإلزام القانوني أو ترتبت عليه عقوبات مالية، لا يؤثر في صحة العقد، فالعقد صحيح إذا تكاملت فيه شروط الانعقاد الأخرى.

أما جبر الناس على إجراء فحص طبي شامل، فضلاً عن تكلفته المادية الباهظة فهو يؤدي إلى نتائج سلبية، وتصبح هنا المفاسد أكثر من المصالح، وتتحول أداة الفحص الطبي إلى أداة ضارة، ولا يمنع هذا الخاطبين من إجراء فحوصات شاملة ما داما يريدان ذلك.

المطلب الثاني:

إلزام ولي أمر المرأة به:

تعريف الولي:

لغة: مصدر من (الواو، واللام، والياء) وهو أصل صحيح يدل على قرب، من ذلك الولي: القريب([48])، والولي: الناصر، والولاية تطلق على: القرابة، والخطة، والإمارة، والسلطان، والبلاد التي يتسلط عليها الوالي([49]).

والولي: هو ولي المرأة في النكاح، وولي المرأة: هو الذي يلي عقد النكاح عليها، ولا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه([50]).

والولي اصطلاحاً: الولي من الولاية، والولاية: هي قيام شخص كبير راشد على شخص في تدبير شؤونه الشخصية([51]).

وقد اختلف الفقهاء في اعتبار الولي على ثلاثة أقوال، والراجح منها هو قول جمهور العلماء من المالكية،والشافعية، والحنابلة، وابن حزم([52]).

إن من شروط صحة عقد الزواج وجود ولي المرأة الذي يقوم بالموافقة على الشخص المتقدم لموليته، فلا يصح نكاح المرأة إلا بوجوده لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ) ([53]).

لذلك فقد أمر الشارع الحكيم الولي بتحري المصلحة العائدة على موليته وذلك بتزويجها ممن يكون كفئاً لها، ويكون خالياً من العيوب التي تكون سبباً في فسخ عقد النكاح، ومن المصلحة العائدة عليها مطالبة الخاطب بتقديم فحص طبي يؤكد خلوه من الأمراض المعدية لأن ذلك فيه مصلحة راجحة لموليته، ويعتبر ذلك من الشروط المباحة للولي. وقد ذهب الفقهاء إلى أن الكفاءة حق للمرأة وللأولياء لأن لها الحق في أن تصون نفسها عن ذل الاستفراش لمن لا يساويها في خصال الكفاءة، فكان لها حق في الكفاءة، أما الأولياء فإنهم يتفاخرون بعلو نسب الختن، ويتعيرون بدناءة نسبه، فيتضررون بذلك، فكان لهم أن يدفعوا الضرر عن أنفسهم بالاعتراض على نكاح من لا تتوافر فيه خصال الكفاءة، فاقتضى ذلك تقرير الحق لهم في الكفاءة.

لذلك ذكر الفقهاء أن من خصال الكفاءة السلامة من العيوب:

فقد ذهب المالكية، والشافعية، وابن عقيل، وغيره من الحنابلة إلى أن السلامة من العيوب المثبتة لخيار فسخ النكاح من خصال الكفاءة في النكاح.

وقال ابن رشد من المالكية: المراد أن يساويها في الصحة، أي يكون سالماً من العيوب الفاحشة، وهذا هو الذي يؤخذ من كلام بعض الأصحاب([54]).

وفصّل الشافعية فقالوا: من الخصال المعتبرة في الكفاءة السلامة من العيوب المثبتة للخيار، فمن به بعضها كالجنون أو الجذام أو البرص لا يكون كفئاً لسليمة منها، لأن النفس تعاف صحبة من به ذلك، ويختل به مقصود النكاح، ولو كان بها عيب أيضاً، فإن اختلف العيبان فلا كفاءة، وإن اختلفا وما به أكثر فكذلك، وكذا إن تساويا أو كان ما بها أكثر في الأصح، لأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه، وكذا لو كان مجبوباً وهي رتقاء أو قرناء. واستثنى العنّة لعدم تحققها. وألحق بعضهم بالعيوب الخمسة العيوب المنفرة، كالعمى والقطع وتشوه الصورة، وقالوا: إنها تمنع الكفاءة.

واشتراط السلامة من العيوب هو على عمومه بالنسبة إلى المرأة، أما بالنسبة إلى الولي فيعتبر في حقه الجنون والجذام والبرص، لا الجب والعنّة.

قالوا: والتنقي من العيوب إنما يعتبر في الزوجين خاصة دون آبائهما، فابن الأبرص كفء لمن أبوها سليم ([55]).

وقال الحنفية وأكثر الحنابلة: لا تعتبر في الكفاءة السلامة من العيوب([56])، لكن غير الأب والجد من الأولياء لو زوج الصغيرة من عنين معروف لم يجز، لأن القدرة على الجماع شرط الكفاءة كالقدرة على المهر والنفقة، بل أولى، وأما الكبيرة إذا زوجها الوكيل غنياً مجبوباً فيجوز، وإن كان لها التفريق بعد([57]).

وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه بعث رجلاً على بعض السقاية، فتزوج من امرأة وهو عقيم، فقال له عمر رضي الله عنه: “هل أعلمتها أنك عقيم؟ قال: لا، قال: فأعلمها ثم خيرها”([58]).

وعلى ذلك فيحق لولي المرأة أن يطالب من يتقدم لموليته بالفحص الطبي للاطمئنان من خلوه من الأمراض المعدية والوراثية التي تعود على موليته بالضرر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)([59]).

وهذا الفحص من الشروط الجائزة التي أباحها الشرع الحنيف فإذا طلب ولي المرأة ذلك كان على المتقدم تلبية طلبه، وأن يلتزم به إذا كان راغباً في الزواج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ)([60]) وقوله صلى الله عليه وسلم:(أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) ([61]).

 

المبحث الثاني: الزواج من

المصاب بالمرض المعدي

وفيه مطلبان:

المطلب الأول:

إذا كان أحد الخاطبين هو المصاب

الزواج نعمة من نعم الله تعالى أنعم بها على عباده، فيه الراحة والهدوء، والسكينة والاطمئنان، والسعادة والسرور، لأنه يجمع بين شخصين بدءَا حياتهما ببناء عش جميل هادئ يحمل بين طياته نظرات مستقبلية جميلة من التمتع بالزواج، والرزق بالأولاد، والقيام بمسؤوليات هذا البيت الذي يرجوه منهم الإسلام.

فإذا كان الهدف من الزواج سامياً، فلابد من الصدق والوضوح في بداية الارتباط بين الخاطب والمخطوبة لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}([62])، وقوله صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)([63])، فعندما يتقدم الخاطب إلى من يريد الزواج منها فلابد له من مصارحتها بما يعانيه من الأمراض أو الأسقام التي لابد له من المصارحة فيها حيث أنها ستكون معه بعد الزواج، وكذلك العكس.

وعندما يقدم الخاطب على الزواج من مخطوبته وقد ابتلي بمرض معدي، أو مرض وراثي يؤثر سلباً على حياتهما، ولم يبين ذلك إلا بعد زواجه، فقد أوقع نفسه وزوجته السليمة في حرج عظيم، وهذا يعتبر غشاً وتدليساً، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغش وبيَّن أن من يفعله ليس على هديه وسننه، قال صلى الله عليه وسلم: (.. مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي)([64])، ويؤثر ذلك سلباً على حياتهما، ويزداد الشقاق بينهما لأن الطرف الآخر لم يكن صادقاً في إيضاح أمره قبل الزواج.

وقد أوجب الشرع الحنيف عدم الإضرار بالنفس، في قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}([65])، وعندما يفاجأ الطرف السليم بهذا الوضع وأنه تزوج من شخص مريض يقع عليه ضرر عظيم يظل أثره في حياته دائماً، وقد نهى الشرع الحنيف عن الإضرار بالنفس وبالغير، قال صلى الله عليه وسلم:(لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَارَ )([66])، فوجب على الطرف المصاب إخبار الطرف السليم بذلك قبل بداية عقد النكاح حتى ينظر الطرف السليم فيما يتعين عليه فعله، فإما أن يختار الاستمرار في الإقدام على الزواج، أو يفضل الابتعاد حفظاً لنفسه من الضرر وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في توجيهه لأحد الصحابة عندما جاءه يخبره بزواجه من امرأة من الأنصار، فقال له:(أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟) قَالَ: لا، قَالَ:(فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا)([67]).

وهذا التوجيه في شيء ربما لا يهتم به أحد ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد التنبيه إلى ضرورة التأكد ممن يريد الارتباط بها حتى لا يفاجأ بشيء بعد الزواج يكون أثره سلبياً في حياتها.

فكيف إذا كان المرض الذي يحمله أي من الخاطب أو المخطوبة مرضاً معدياً تكون نتيجته حصول الأذى للطرف السليم وللذرية التي تأتي منهما.

وعلى ذلك فلا يجوز لمن يقدم على الزواج وبه مرض معدي، أو مرض وراثي له تأثير على من يعاشره، أن يكتم ذلك، وعليه الإيضاح، وأن يتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة التي تمنع إيقاع الضرر على الشخص الآخر السليم.

 

المطلب الثاني:

إذا كان الخاطبان كلاهما مصابين

إذا تقدم الخاطب لمخطوبته للزواج منها، وصارح كل منهما الآخر بأنه يحمل في جسده مرضاً معدياً، أو مرضاً وراثياً يعود سلباً عليهما، وعلى ذريتهما ووافقا على ذلك فيرجع في هذا الأمر لأهل التخصص في ذلك، وهم الأطباء المعنيون بهذه الأمراض لمعرفة رأيهم في هذه الحالة.

أولاً: من الناحية الطبية:

قد علم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومعرفة درجة المرض الذي يحمله كل من الخاطبين يتم من خلاله تحديد مدى استطاعة هذين الشخصين الارتباط والزواج من عدمه.

ومعلوم أن الأمراض من الناحية الطبية تنقسم إلى أمراض معدية، وأمراض غير معدية، فالأمراض غير المعدية يمكن تفادي أثرها على الشخص الآخر بحيث لا يؤثر ذلك عليه بعد الزواج ، وعلى ذلك فزواجه من شخص مصاب بأمراض غير معدية لا شيء فيه، وإذا كان الشخصان مريضين بنفس هذه الأمراض غير المعدية فمن الناحية الطبية يكون الزواج بينهما أولى.

وأما إن كانت الأمراض معدية وأراد الخاطبان الزواج، وعلم كل منهما بحال الآخر وأنهما مصابان بنفس المرض فالزواج بينهما أولى لما فيه من المصالح ودرء المفاسد بشرط الاستمرار على العلاج من قبلهما.

ثانياً: من الناحية الشرعية:

اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: جواز الزواج:

إذا أقر الأطباء المختصون بهذه الأمراض عن طريق لجنة مكونة منهم أن هذه الأمراض الغالب فيها أنها لا أثر لها على الزواج سلباً على الطرفين،أو أن إيجابياته أكثر، ففي هذه الحالة يمكن للزوجين المصابين الإقدام على الزواج، ولما كان الهدف من منع الزواج هو عدم اتصال شخص مريض بمرض معدي بشخص آخر سليم لئلا يتم انتقال العدوى إليه، فهنا إذا كان الزوجان مصابين بنفس الأمراض ولو كانت معدية فهنا ينتفي المنع من الزواج.

فإذا كان من الممكن علاج الزوجين قبل الزواج من هذه الأمراض، وتحصينهما بالعلاج المناسب فهذا أولى وأفضل، وإن كان المرض لا يرجى معه علاج للزوجين فهنا النكاح بينهما لا بأس به إذا تم عن رضا الطرفين، ولكن هذا الزواج لا يتم أيضاً إلا بعد أخذ رأي المختصين من الناحية الطبية عن مدى تأثير هذا الزواج على الطرفين، وأثره في حياتهما، وما ينتج عنهما من ذرية.

وقد استدل من قال بالجواز ببعض الأدلة العقلية، ومن ذلك أن كل واحد منهما مصاب بنفس المرض، أو قريباً منه، وأن كلا منهما سيتحمل هذا البلاء ما دام أنهما مشتركان فيه، وأنه لا حاجة إلى كتمان ذلك بينهما.

وأيضاً: أن ذلك ليس فيه ظلم ولا ضرر ولا غش ولا تدليس، فالأمر بينهما واضح، وكلاهما يتحمل تبعات ذلك ما داما متفقين على الزواج.

وأيضاً: أن هذا البلاء قد نزل بهما، وكونهما يتمتعان معاً بحياة زوجية بعيداً عن الوقوع في الحرام أولى لهما وللمجتمع من حولهما، لئلا يزداد إثمهما وظلمهما للمجتمع، ونشر أمراضهما فيه.

القول الثاني: منع الزواج:

إذا قرر المختصون من أهل الطب الذين يباشرون هذه الأمراض، وعندهم دراية بواقعها وأثرها على الأفراد والمجتمع، وعلموا أن هذين الشخصين كلاً منهما يحمل بين جنباته مرضاً مختلفاً عن الآخر، وأن هذه الأمراض تسبب تدهور الحالة الصحية لهما، وأن ضررها واقع، فهنا ينظر في حالتهما من ناحية المصالح والمفاسد، ومدى الضرر الواقع، وينظر أيضاً في رغبة الشخصين المصابين بالزواج وإلحاحهم فيه، بحيث أنه إذا منعا من الزواج حصل منهما مفاسد للمجتمع بحيث يتسببان في نشر هذه الأمراض بغية قضاء وطرهم، عن طريق الاتصال المحرم فهنا الزواج أولى، وأما إن كانت المفاسد المترتبة على عدم الزواج أقل من المصالح فهنا الأولى عدم الزواج، وهذا ينظر فيه من ناحية القاعدة الشرعية (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، وهنا يقاس على هذه القاعدة حالة الشخصين من هذه الناحية. وهذا يختلف باختلاف الأشخاص ودرجات المرض من حيث العدوى والوراثة.

وفي هذا الشأن يرجع إلى أهل التخصص الذين يوجهون إلى الأولى والأفضل بحيث يشيرون للمقدمين على الزواج بالتأني في هذا الشأن، والنظر في عواقبه، وهل له إيجابيات أو سلبيات، ويقومون بنصحهما إلى ما يعود عليهما بالخير، وحتى لا يكون الضرر أكبر على المجتمع كافة. وينظر في ذلك للمصالح والمفاسد كما ذكرنا، فإن غلبت المصلحة كان الزواج أولى، وإن غلبت المفسدة فعدم الزواج أولى، وقد تتلاشى هذه الأمراض مع العلاج، ولا تكون لها سلبيات، وإن وجدت فهي لا تقارن بالمصالح العائدة على الطرفين، وعلى المجتمع ككل.

ولقد جاء في ملخص أعمال الندوة الفقهية الطبية السابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت حول هذا الشأن من حيث الأمراض المعدية، وخاصة مرض الإيدز: “بالنسبة للمصابين يمكن أن يجامع كل منهما الآخر، ويستحسن أن يكون ذلك باستخدام العوازل الذكرية، أو الأنثوية لمنع تكرار نقل العدوى بينهما خاصة، وأن الفيروس قد تتغير نوعيته داخل جسم المصاب بالعدوى كما أن تكرار العدوى تسبب تطور العدوى إلى المرض”([68]).

وإذا تم وضع ضوابط للزوجين المصابين عند اختلاطهما عن طريق الزواج، وتم إرشادهما إليها، وتم تطبيقها بينهما رجع ذلك بالمصلحة عليهما وعلى المجتمع، ومن تلك الضوابط:

أولاً: أن يكون بواسطة بعض الأدوات الطبية الحديثة التي تمنع وصول العدوى، وخاصة في الأمراض الخطرة مثل الإيدز وغيره.

ثانياًَ: الاستمرار في تلقي العلاج ومتابعة الأطباء المختصين، لتكون هناك ثمرة مرجوة في الشفاء من هذه الأمراض أو إضعاف وجودها.

ثالثاً: الحرص على منع الإنجاب، وخاصة لمرضى الإيدز، وأما الأمراض الأخرى، فينظر من الناحية الطبية، إذا كان الجنين لا يتأثر بها فهنا يجوز لهما الإنجاب مع وضع الضوابط الصحية التي تساعد على الحفاظ على الجنين من هذه الأمراض، وأما إن كان الجنين يتأثر بمثل هذه الأمراض فالأولى عدم الإنجاب حرصاً على عدم وجود أولاد مصابين بنفس الأمراض، أو التسبب في الإعاقة الجسدية أو الذهنية لهم.

 

المبحث الثالث: المباشرة

للمصاب بالمرض المعدي

وفيه مطلبان:

المطلب الأول:

المباشرة فيما دون الفرج

إذا حرص كلٌّ من الرجل والمرأة وخاصة إذا كان أحدهما مصاباً بمرض معدي والآخر سليم على إتمام الزواج، فلابد من الإشارة إلى بعض التوجيهات التي ترتبط بهذا الزواج بعد إتمامه، ومن ذلك الأخذ بالأسباب التي تكون معينةً بإذن الله على عدم نقل العدوى من المصاب إلى السليم.

وإذا أراد أحد الزوجين التمتع بالآخر فيما دون الوطء فهل يعد ذلك خطراً على السليم منهما إذا كان ذلك عن طريق التقبيل، والملامسة، وانتقال اللعاب وغيره؟

في هذه الحالة لابد من مراجعة جهة الاختصاص من الناحية الطبية لينظروا هل هذه الوسائل تعتبر ناقلة للعدوى أم لا.

وقد افترق الأطباء في هذه المسألة إلى ثلاث فرق:

فالفريق الأول: يرى أن المعايشة والمخالطة حتى الحميمة منها لا تنقل المرض، وإنما ينتقل فقط بالوسائل المحصورة التي أوضحوها، ومنها: الاتصال الجنسي، من زنا ولواط، وعن طريق نقل الدم بواسطة الإبر والمحاقن، وأثناء نقل الأعضاء، والحجامة، والحلاقة، وغير ذلك من وسائل نقل الدم.

وأيضاً عن طريق استعمال الإبر المخدرة التي استعملها مريض بمرض معدي وهي ملوثة بفيروسات الأمراض المعدية، وأيضاً انتقال المرض عن طريق الجنين الذي في بطن الأم عند حملها به أو حال الولادة أو الرضاعة.

وأما حصول القبلة والملامسة فلا ينتقل المرض بها لأن وجوده في اللعاب ضئيل جداً.

جاء في كتاب قصة الإيدز: “لا ينتقل فيروس الإيدز عن طريق اللعاب والعرق والدموع أو البول أو رذاذ التنفس أو المصافحة أو ماء حمام السباحة، أو الحمامات العامة، أو المراحيض، أو الغذاء، أو ماء الشرب”([69]).

والفريق الثاني: يرى أن هناك ظناً بإمكان انتقال الأمراض المعدية عن طريق اللعاب حيث أن حمَّة الخلية اللمفية المغذية ( T ) البشرية تتواجد أحياناً في اللعاب، وقد استطاع الباحثون أن يستخلصوها من لعاب المرضى المصابين بالإيدز، في دوره البادري([70])، ومن الأشخاص المحتكين بنفس المرض، وهذا مما يؤيد الظن بأن عوامل الفيروسات المعدية تستطيع الانتقال عن طريق التقبيل أو بواسطة الرذاذ الذي يتطاير من الفم في الهواء عند العطاس والسعال([71]).

وأما الفريق الثالث: فيقول “أما العلاقة الجنسية غير المحمية عن طريق الفم فإنها تحمل بعض مخاطر الإصابة ببعض فيروس عوز المناعة البشرية، غير أن المعطيات المتوفرة حتى الآن محدودة جداً، ولا تسمح بتحديد صحيح لدرجة المخاطر التي قد تتأتى عن هذا النوع من العلاقة الجنسية… وإن اللعاب يحتوي على القليل جداً من فيروس عوز المناعة البشرية، ولم يظهر حتى الآن أن التقبيل يسبب انتقال المرض، ومع ذلك توجد مخاطر من الزاوية النظرية بانتقال فيروس الإيدز أثناء قبلة عميقة أو أثناء قبلة رطبة ـ والتي يستخدم فيها اللسان ـ إذا كان الدم النازف من اللثة أو قروح في الفم موجوداً في اللعاب”([72]).

ويرى بعضهم: أن المرض انتقل إلى عشـرات الأطفــال الأبريـــاء الذين أصيب أحد أبويهم بالإيدز، وكانت إصابة هؤلاء الأطفال نتيجة الاتصال الوثيق بين الأم ووليدها([73]).

والخلاصة من الناحية الطبية:

أن المرض لا ينتقل مباشرة دون الفرج والقبلة ونحوها، إلا أن هناك ظناً باحتمال انتقال المرض بذلك، يؤيده ما توصل إليه الباحثون من استخلاص الفيروس من اللعاب([74]).

 

المطلب الثاني:

استعمال الأشياء الواقية

أثناء المباشرة

تعريف الواقي:

هو عبارة عن غشاء بلاستيكي مطاطي معقم، يوضع على الذكر لمنع ملامسة إفرازات الطرفين([75]).

والغرض من استعماله تحقيق استمرارية الحياة الزوجية بدون اضطرابات جسدية، والحيلولة دون انتقال المرض إلى السليم من الزوجين إلى حد كبير.

الرأي الطبي في استعمال العازل، أو الواقي:

من المعلوم طبياً أن الاتصال الجنسي يعتبر أكثر الوسائل المفضية لنقل الأمراض المعدية من المريض إلى السليم، وإذا حصل اتصال جنسي مباشر بين مريض بمرض معدي وشخص سليم ترتب على ذلك خطر كبير على الطرف السليم، ويتسبب ذلك في نقل المرض إليه.

قال الدكتور محمد صادق زلزله: “على المرأة التي يحمل زوجها حمة الإيدز أن تمتنع عن الاتصال الجنسي معه، مما يهددها بالإصابة بالمرض قبل إصابة جنينها الذي سيخلق بعد حين” ([76]). وذكر في موضع آخر:”لأن السوائل المحيطة بالمني تحمل الفيروس، فإذا عاشر أحد الزوجين الآخر وهو مصاب أصيب الآخر ـ غالباً ـ فزوجات المصابين أصيب عدد كبير منهن” ([77]).

وجاء في بحث معلومات أساسية حول مرض الإيدز: “إن احتمالات انتقالات العدوى من الزوج المريض إلى الزوجة السليمة واردة، ولاسيما إذا كان المريض يرفض استعمال العازل الذكري” ([78]).

والسؤال الوارد: ما نتيجة استعمال العازل أو الرفال؟ ([79])

والإجابة عن هذا السؤال كالآتي: “إن استعمال الرفال المضبوط يضعف احتمال الانتقال إلى احتمال ضئيل يعود إلى نوع الرفال ووقت الاستعمال له”([80]).

وينصح الأطباء إذا كان أحد الزوجين مصاباً بالابتعاد عن الاتصال الجنسي ما أمكن ذلك. فإن أصرا على الاتصال الجنسي، فيكون ذلك عن طريق استعمال العازل الذكري ـ الكبوت ـ والذي بدوره يمنع ملامسة الإفرازات الجنسية لكل من الطرفين، وبالتالي تخفف نسبة انتقال العدوى إلى السليم، لأنه قابل للتهتك في بعض الحالات، وهكذا فهو لا يكفل

الحماية المطلقة من العدوى وإن كان يحققها بدرجة كبيرة([81]).

إن العازل أو الواقي يخفض احتمال انتقال المرض من المصاب إلى السليم بنسبة 7%.

الفرق بين استخدام العازل وعدم استخدامه:

أولاً: إذا لم يتم استخدام العازل:

فالأمر يختلف باختلاف نوع المصاب وأنواع العدوى:

ولقد ثبت طبياً أن انتقال العدوى من الرجل المصاب إلى المرأة السليمة بنسبة واحد في الألف لكل اتصال جنسي، ومن المرأة المصابة إلى الرجل السليم بنسبة واحد في الألفين لكل اتصال جنسي.

وقد تزيد النسبة عن هذا الحد متى وجدت عوامل أخرى أوضحها الأطباء، مثل الإصابة بأمراض معدية أخرى، أو يكون الاتصال الجنسي خلال فترة الحيض أو النفاس عند المرأة، أو عند خروج دم أثناء العملية الجنسية، لأي سبب آخر مثل فض غشاء البكارة، أو الاغتصاب.

ثانياً: إذا تم استخدام العازل:

إذا استعمل العازل بشكل دائم وصحيح، فالنسبة التي خرجت بها إحدى  الدراسات  التي  شملت  العلاقة  بين  المتزوجين  بعد  حوالي (15000) اتصال جنسي هي (صفر).

الرأي الفقهي في استعمال العازل أو الواقي:

إذا نظرنا في واقع المصابين وجدنا أن النفس تنفر من أي مرض معدي، فكيف إذا تم انتقال هذه الأمراض عن طريق الاختلاط بصاحبها ومعايشته ومضاجعته والنوم معه ومعاشرته، ولكن من رحمة الله تعالى أن جعل الحياة الزوجية تختلف اختلافاً كلياً عن الحياة البهيمية التي يعيشها أصحاب الشذوذ والأهواء.

فالزواج رابطة أسرية، وعاطفة فطرية تكمن في قلوب الزوجين، ومن أجل ما يراه أهل الاختصاص من أن وسائل نقل المرض محصورة فقد يختار الزوج السليم منهما البقاء مع المريض، ومع حلول هذه المصيبة ولاسيما إذا كانت الزوجة هي السليمة فهي تتوتر هلعاً من هذه الأمراض المستعصية والتي تسبب الخوف والاضطراب، وخوفاً من العنوسة المتأخرة، وتزداد حزناً على فلذات أكبادها الذين يهددهم ألم الفراق وحزن اليتم التربوي، ومع تلك الظروف، وهذا الواقع المرير فقد تفضل الزوجة السليمة البقاء مع اشتراط عدم الوقاع تحفظاً من أكبر الخطرين، ودرءًا لأعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما.

وبناء على هذا الرأي الطبي فهناك قولان لأهل العلم في تلك الحالة:

القول الأول: أن المباشرة فيما دون الفرج أمر محرم، ويجوز للسليم طلب التفريق([82]) وقد استدلوا بقول الله تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}([83])، وهذه قاعدة عامة منع الله تعالى فيها الناس من إلقاء أنفسهم إلى الضرر والتهلكة.

وقد جاء في تفسيرها: أنها في العدول عن الخير إلى ما هو أقل منه مما يفضي إلى الهلاك كترك الإنفاق إلى الهلاك([84])، وهنا ما هو أعظم وهو ترك الخير إلى الشر، وترك الصحة إلى السقم.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إيقاع الضرر على النفس أو الغير، في قوله:(لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَارَ)([85]).  وهذا الأمر بلا شك من أعظم الضرر لأنه يعود بمفسدة كبيرة على النفس.

وهذا موقف من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الأخذ بالأسباب دفعاً للضرر جائز من الناحية الشرعية، فعندما جاء وفد ثقيف يبايع النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيهم رجل مجذوم أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ)([86]).

ومعلوم أن الأمراض المعدية وخاصة الإيدز يحتاج معها إلى الابتعاد عمن هو مصاب به دفعاً للضرر الحاصل من الاختلاط به، وعلى ذلك فلا تجوز المعاشرة حتى ولو كانت فيما دون الفرج.

القول الثاني: أن المباشرة فيما دون الفرج جائزة، ولكن مع استخدام كافة الاحتياطات، كالواقي الذكري ـ الكبوت ـ أو العازل، حيث أجاز هؤلاء المعاشرة الزوجية والمساس حال الرضا([87]).

واستدلوا بأن الأصل هو بقاء الزوجية وعدم التفريق، فمتى ثبتت لا يجوز التفريق، إلا بدليل من كتاب أو سنة وإلا فلا.

قال ابن حزم رحمه الله: “لا ينفسخ النكاح بعد صحته بجذام حادث ولا برص كذلك، ولا بجنون كذلك، ولا بأن يجد بها شيئاً من هذه العيوب، ولا بأن تجده هي كذلك” ([88]).

وأيضاً فإن حصول المرض بالمباشرة فيما دون الفرج مشكوك فيه، ولا يزول اليقين بالشك([89])، وتبعاً للأصل، والأصل بقاء ما كان على ما كان([90]).

وأيضاً أن التدابير الوقائية يجب أن تقتصر على طرق انتقال المرض، وما دامت هذه المباشرة ليست ناقلة فما الداعي لحظرها([91]).

ومعلوم أن الضرورة تقدر بقدرها([92])، وهذه قاعدة شرعية تحكم في مثل هذا المقام وغيره، وهذا هو الأصل. وما دام أن المرض لا ينتقل بهذا الطريق فما الداعي للمنع من ذلك.

وإذا كان الأمر كذلك فإن حرمان الزوج من زوجه يعد عقاباً مادياً ونفسياً علاوة على الآلام النفسية والصحية التي يعاني منها الشيء الكثير، وقد صرخ بعض المصابين عندما طرد من عمله قائلاً: “إنك لا تعيش آلام الإيدز فقط، ولكن تعيش منبوذاً في المجتمع، وحتى إذا مت فإنهم يرفضون تجهيز جثتك ولا شيء يجعلك تشعر بالتعاسة أكثر من هذا”([93]).

وأيضاً من العلماء من يرى الاستمرار في الحياة الزوجية، ويفهم من كلامه أنه يجيز الجماع ـ أيضاً ـ فالمباشرة دون الفرج من باب أولى.

جاء في بحث إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي من مرض الإيدز: “… وإن انتقلت العدوى كان الخيار لمن ابتلي بها بالتفريق أو الاستمرار، لكني أميل إلى ضرورة الاستمرار في الحياة  الزوجية ومراعاة الجانب الإنساني حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً”([94]).

وعلى ذلك فالمتأمل في القولين السابقين يجد أن كلا منهما يستحق العمل به، والأصل هو احترام ميثاق النكاح والحياة الزوجية، لكن متى بقي الخطر واضحاً لدى الأطباء أو وجد احتمال مؤثر لانتقال المرض فإن المنع هو الصواب.

ومتى اتضح للمختصين ضعف احتمال انتقال المرض عن طريق اللعاب والمعاشرة الحميمة غير الاتصال الجنسي، فتجوز العشرة الزوجية، والمباشرة فيما دون الفرج بالضوابط التالية:

(1) أن يكون احتمال انتقال العدوى بها ضئيلاً جداً.

(2) التزام الزوجين باستعمال كافة الاحتياطات التي يوصيهم بها الطبيب، ومنها استخدام العازل بكل انتظام ودقة.

(3) الاستمرارية في استعمال العازل حتى مع طول المدة، وعدم التساهل في تركه، ولاسيما أن الحياة الزوجية الأصل فيها الدوام.

فإذا لم تتوفر هذه الضوابط فالأولى في ذلك المنع لأنه الأحوط نظراً لخطورة الأمراض المعدية وبخاصة مرض الإيدز.

ومتى رأى الطبيب أن استعمال الواقي للزوجين عملي، وأنهما يحسنان استخدامه من جهة، ويعلمان خطورة تركه من جهة أخرى، واتضح للطبيب أن نسبة الإصابة ضئيلة جداً ففي هذه الحالة ينظر في حال الزوجين، فإن كانا شابين فهما أقرب إلى قوة الشهوة وعدم الانضباط، فإن الأولى منعهم من ذلك، حيث أن الشهوة ستطغى عليهما ـ غالباً ـ فيصاب السليم.

وإن كان الزوجان أقرب إلى العقل والاتزان وكبر السن، فالصحيح الإذن في ذلك، لأنهم أكثر انضباطاً وأبعد عن قوة الشهوة المفضية إلى ترك استخدام العازل أو تهتكه حال الوطء.

 

المبحث الرابع:

حمل المرأة المصابة

بالمرض المعدي

الأسرة هي المجتمع الصغير الذي يولد فيه الصغير ويتربى فيه منذ نعومة أظفاره، وينشأ من أول عهده بالحياة في أحضانها، ينطبع بطابعها ويرى الأشياء بعينها، ويتعرف عليها عن طريق ميوله واتجاهاته وماله من إيحاء حين يستحسن ما يراه حسناً أو يستقبح ما يراه قبيحاً.

ولذلك أدرك علماء الاجتماع أن البيت هو الينبوع الأول الذي يمد الأمة بالرجال والنساء، وأنه إذا كان هذا الينبوع طيباً صافياً خالياً من الشوائب المفسدة، كان إمداده خيراً على الأمة، وزاداً لها من الأفراد الصالحين الطيبين الذين يصبحون في مجتمعها لبنات قوية، وحلقات تعاون، ودعاة فضيلة، ومصادر سعادة، وإذا كان هذا الينبوع مشوباً بالشوائب قائماً على الفوضى والإهمال فإن إمداده يكون شراً على الأمة، وخطراً على مقوماتها، ونكداً ووبالاً عليها، وصدق الله العظيم إذ يقول:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً}([95])، فإذا تم اختيار المرأة الصالحة الطيبة السليمة من الأمراض والأسقام خرجت الذرية طيبة ـ بإذن ربها ـ وانتفعت بها الأسرة والمجتمع، والعكس صحيح.

ومن هنا يتبين لنا أهمية النسل للبشرية، فهي طريقها إلى الدوام والتكاثر، فإذا ما وفقت أسرة في الإنجاب، وتأخر عنها لأسباب معينة ازداد الحرج بازدياد الزمن وتقدمه، ومن هنا كان لابد من التوجيه أن منع الحمل لابد أن يحصر في نطاق ضيق، وظروف خاصة؛ رغبة في تكاثر النسل، ورفعاً للحرج عن الزوجين، لكن متى كان المولود مآله العناء والتعب في حياته، وفي مستقبله فيما يظهر لأهل الاختصاص، كان لابد من النظر إلى المصلحة الراجحة لوجوده من عدمه، وهنا نشير إلى أهمية الرأي الطبي من هذا الحمل حتى يكون الرأي الشرعي لهذا الحمل مبنياً على الحقيقة الواضحة التي تمكنه من البت في هذا الأمر وإصدار الحكم الشرعي المناسب له.

الرأي الطبي في حمل الزوجة المصابة:

لقد قرر الأطباء أن الحمل هو أحد أسباب انتقال المرض المعدي من الأم إلى الجنين.

يقول كل من الدكتور محمد البار، والدكتور محمد صافي: “بالإضافة إلى الأطفال الذين يصابون بمرض الإيدز نتيجة نقل الدم أو محتوياته بسبب مرض الهيموفيليا (الناعورية) فإن هناك عدداً من الأطفال يصابون بمرض الإيدز نتيجة انتقال الفيروس من أحد الأبوين إلى الطفل” ([96]).

وقالا أيضاً: “وينتقل الفيروس ـ أيضاً ـ إلى الأجنة فيصيبها، وهناك عدة نظريات في كيفية وصول الفيروس إلى الأجنة؛ وهي كالتالي:

(1) الحيوان المنوي المصاب، وتحدث الإصابة في مرحلة مبكرة، ويعزى حدوث بعض حالات الإجهاض إلى هذا السبب.

(2) من دم الأم إلى دم الجنين عبر المشيمة ومنه إلى الحبل السري فالجنين.

(3) أثناء الولادة ونزول الولد من الرحم والمهبل مصاب.

(4) بعد الولادة نتيجة الالتصاق والصلة الحميمة بينه وبين الأم أو الأب المصاب قبل ظهور الأعراض غالباً.

(5) احتمال حدوث ذلك في أثناء التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب وقد حدثت بالفعل عدة حالات في استراليا([97]).

وقال الدكتور محمد صادق زلزلة: “وتكون الحامل أكثر تعرضاً للعدوى؛ لأن التغيرات التي تحدث في جهاز المناعة والتي ترافق الحمل تتيح لِحُمة المرض فرصة كبيرة للعدوى”([98]).

وذكر بعض الأطباء أنه باستعمال أحدث طريقة لكشف جزئيات الفيروس على أن نسبة إصابة الجنين ـ وهو داخل الرحم بالعدوى هي ـ نسبة ضئيلة لا تتجاوز عشرة بالمائة، وتحدث معظم حالات العدوى للجنين في أثناء الولادة من جراء تلوث الجنين بالمفرزات التناسلية المعدية بمعدل ثلاثين بالمائة، ولا تنتقل العدوى من الأم إلى الجنين في ستين بالمائة من الحالات([99]).

وقال بعضهم: “أن نسبة 10%  أثناء الحمل ومن 20 ـ 30% أثناء الولادة؛ لأن الإفرازات ناقلة للجرثوم”([100]).

وتبين مما سبق أن إصابة الأطفال من الأم المصابة يكون بواسطة الحمل والولادة، وأن الحمل في بعض الأحيان يؤدي إلى وفاة الأم المصابة، لكنه ليس سبباً مباشراً لوفاتها إلا أنه يؤدي إلى زيادة تقدم حالة المريضة في المرض فتتوفى بسبب ذلك، فتترك خلفها أطفالاً قد يكونون مصابين بنفس المرض.

مراحل حمل الأم المصابة والعلاج الفعال:

عن طريق المتابعة الطبية من جهة أهل الاختصاص تبين لهم أن للأم مع الحمل والعلاج حالات ثلاثاً:

الأولى: أن تحمل وهي مصابة بالمرض المعدي، ثم تلد ولادة طبيعية، ثم تقوم بإرضاع مولودها، ولا تستخدم العلاج المضاد للفيروس، في هذه الحالة بواسطة الحمل تكون نسبة

الإصابة 13ـ 45% إذا كان ذلك بولادة طبيعية، ورضاع بواسطة ثديها.

الثانية: أن تحمل الأم المصابة، ولا تستخدم العلاج، ثم تضع بعملية قيصرية، تنخفض نسبة الإصابة إلى نصف النسبة السابقة تقريباً.

الثالثة: أن تحمل الأم المصابة، وتستخدم العلاج الفعال، عندها تصبح كمية الفيروس في الدم أقل من الحد الأدنى لجهاز التحليل، وتكون أقل من 2%، سواء كانت الولادة طبيعية أو قيصرية مع منع الرضاع منها، وقيل: إلى نسبة 8% أو أقل، وهذا واضح أنه يخفف نسبة إصابة الجنين.

الرأي الشرعي في حمل الزوجة المصابة:

ينبغي توجيه النصح إلى المرأة المصابة بمرض معدي ـ أيًّا كان نوعه ـ بتجنب الحمل والإنجاب، وأن تتخذ الوسائل والاحتياطات اللازمة التي تمنعها، لا لقطع النسل، ولا لمنعها من حنان الأم ورغبتها في الطفل، ولكن لما يترتب على الحمل من مشكلات ومفاسد([101])، ومنها:

أولاً: أن فيروس الإيدز ـ أو غيره من الأمراض المعدية الخطرة ـ ينتقل من الأم المصابة إلى جنينها، وذلك عبر الوسائل التي تمت الإشارة إليها في الرأي الطبي، وهي:

(1) بواسطة المشيمة أثناء الحمل، وتبلغ نسبة ذلك 10% تقريباً.

(2) عند الولادة ونسبة الإصابة به وما بعده 30% تقريباً.

(3) أثناء الرضاع أو المخالطة([102]).

ثانياً: أن المرأة ضعيفة الخلق، والحمل يزيدها وهناً على وهن: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ}([103])، هذا وهي معافاة سليمة، فكيف وقد أصابها مرض خطير كهذا، فسوف تلم بها العاهات من كل جانب، ولذلك كان لزاماً عليها تجنب الحمل مع هذا الداء([104]).

ثالثاً: سيجتمع عليها بؤسان، بؤس نفسها، وبؤس طفلها المصاب، أو حتى على فرض سلامته فسيكون عليها عناء ونكدا([105]).

رابعاً: عدم قدرتها على رعاية طفلها إذا اشتد بها المرض فلا تستطيع أن تقوم بشؤونه([106]).

خامساً: أن إصابة الحمل أمر يغلب على الظن حصوله وليس وهماً متوقعاً، والأحكام مبناها على غلبة الظن، وكثير من مسائل الدين كذلك إذ اليقين عزيز([107]).

سادساً: جناية الأم على ولدها في تحميله مرضاً عضالاً يعيش بعده في شقاء وحزن.

سابعاً: يكلف المريض بالمرض المعدي ـ وخاصة مرض الإيدز ـ الكثير من المال والوقت.

ثامناً: قواعد الشريعة جاءت بدفع المفاسد، وأنه متى اجتمع في الشيء مفسدة ومصلحة فتكافأتا أو كانت المفسدة أعظم ـ كما هو الحال في حمل الأم  بهذا المرض ـ فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح([108]).

تاسعاً: أن الحمل من جملة العوامل التي تقصر مرحلة كمون المرض، وتسارع بظهوره وهذا ـ لاشك ـ أنه أمر عضال يؤدي إلى تدهور صحته([109]).

عاشراً: الآثار المترتبة وهي وجود الكثير من الأطفال المصابين الذين فقدوا أمهاتهم، فكون المرأة تحمل ثم يصبح طفلها إما مصاباً أو يتيماً، أو كليهما فهذا مما يؤدي إلى ضياع الأولاد.

وعلى الرغم من قوة هذا الرأي ـ قبل الحصول على الدواء لغالب الأمراض المعدية ـ إلا أن هناك عوامل جديدة ظهرت لمكافحة هذه الأمراض وهي وجود العلاج الفعال الذي يخفض نسبة الإصابة إلى أقل من 8%، بل إلى 12%، كما سبقت الإشارة إليه في الرأي الطبي.

وعلى ذلك فما دام أهل الاختصاص من الأطباء توصلوا إلى هذه النتيجة، وهي مناسبة جداً، وانخفض معها معدل احتمال إصابة الجنين إلى نسبة ضئيلة لذلك فالذي أراه في هذه المسألة جواز الحمل للمرأة المصابة مع وجود الضوابط التالية:

(1) استخدام المرأة المصابة ـ التي ترغب في الحمل ـ العلاج بانتظام.

(2) المتابعة من قبل الطبيب المختص في مدى انتظامها باستخدام العلاج، ومدى استجابة الفيروس للعلاج أيضاً.

(3) أن يكون المرض لدى المرأة في مراحله الأولى،أو يأذن الطبيب وينصح بالحمل في تلك المرحلة.

(4) أن تتابع مع الطبيب جميع التوصيات الموجهة إليها متى كانت راغبة في الحمل.

(5) غلبة الظن في عدم إصابة الجنين بالمرض.

وإذا كانت الزوجة سليمة والزوج مصــاباً، واستدامــا العشــرة معـاً، وأرادا حصول الحمل، فللأطباء رأي في ذلك، حتى ينجو الطفل من الإصابة، وذلك بفصل الحيوانات المنوية من السائل المنوي بالتقويم بطرق خاصة.

فيأخذون من الزوج السائل المنوي، ويتم فصل الحيوانات المنوية ثم تعاد إلى المرأة السليمة ويكون الطفل ـ بإذن الله ـ سليماً.

وقد وجدت مائتا حالة حمل بهذه الطريقة وقد سلموا من الإصابة، ولم تثبت إصابتهم، فلا الأم أصيبت بالعدوى ولا الجنين؛ لأن الحيوان المنوي لا يدخله الفيروس، فكانت طريقة آمنة مأمونة المخاطر لأن الفيروس موجود بالسائل المنوي لا الحيوان ذاته([110]).

 

المبحث الخامس:

هل يجوز إجهاض

حمل المرأة المصابة

بالمرض المعدي

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول:

إجهاض الحمل قبل أربعين يوماً

تعريف الإجهاض:

لغةً: يطلق الإجهاض في اللغة على صورتين: إلقاء الحمل ناقص الخلق، أو ناقص المدة، سواء من المرأة أو غيرها. والإطلاق اللغوي يصدق سواء كان الإلقاء بفعل فاعل أم تلقائياً([111]).

واصطلاحاً:لا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة إجهاض عن هذا المعنى([112])، وكثيراً ما يعبرون عن الإجهاض بمرادفاته كالإسقاط، والإلقاء، والطرح، والإملاص.

ويعرف الإجهاض من الوجهة الطبية بأنه: (سقط الحمل من داخل الرحم قبل أن يصبح قادراً على الحياة بذاته، أي قبل الأسبوع الـ 22، أو بلوغه وزن ـ 500جرام ـ أو أكثر). وعرفه الدكتور محمد علي البار بأنه: (خروج محتويات الحمل قبل (28 أسبوعاً) تحسب من آخر حيضة حاضتها المرأة([113]). وعرّفه الدكتور إليوت فيليب بأنه: (نهاية الحمل قبل الأسبوع الثامن والعشرين من بداية الحمل)([114]).

نعمة الأولاد:

لقد امتن الله على عباده بنعمة الذرية، وجعلها من أجل النعم وأعظمها، قال تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}([115])، فبالذرية تدوم الحياة على هذه البسيطة، فهم الذين يعمرون الأرض ويستخلفونها بعد آبائهم، وهم القوة الفعالة في الحياة، فهم مداد الخير، وقوة المستقبل، قال صلى الله عليه وسلم:(إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)([116]).

ولقد حرص الإسلام حرصاً شديداً على إيجاد النسل وتكثيره، والإرشاد إلى تربيته تربية سليمة صحيحة تقوم على حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وتقوم على محبة الخير لمن حوله، قال صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)([117]).

وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم بإيجاد هذه الذرية الطيبة التي ينتفع بها الإسلام والمسلمون.

وإن من الأمور التي طرأت في الأزمنة المتأخرة ظهور حالات الإجهاض التي كثرت بشدة، وانتشر أثرها على المجتمعات، وخاصة المجتمعات الغربية لما يعيشون فيه من الانحلال الأخلاقي، وتشتت الأسر، والبعد عن القيم الفاضلة لولوجهم في الأمور المخالفة للفطرة الإنسانية من زنا ولواط وغير ذلك، فانتشرت الأمراض المعدية بشكل هائل، مما أثر ذلك على النساء وما يحملن في بطونهن، لذلك نظر العالم إلى هذه الوسيلة، هل هي وسيلة صحية، أم غير صحية، أما من الناحية الشرعية فللفقهاء آراء توضح حكم هذا العمل.

أنواع الإجهاض:

قبل معرفة آراء الفقهاء في حكم الإجهاض لمن بها مرض معدي، لابد من معرفة أنواعه المنتشرة بين الناس،وبين الأطباء، وبين الفقهاء، حيث قسمه كل فريق إلى تقسيمات متعددة بحسب معايير مختلفة.

قسَّم الناس عموماً الإجهاض إلى ثلاثة أنواع وهي:

العفوي، والعلاجي، والاجتماعي (الجنائي)، وهذا التقسيم بحسب دوافعه ومبرراته التي يلجأ إليها الناس.

الأول: الإجهاض العفوي (التلقائي ـ الذاتي):

وهو الذي يحصل بغير إرادة المرأة، حيث يعمل الرحم على طرد جنين لا يمكن أن تكتمل به عناصر الحياة، وقد يحدث بسبب خلل في جهاز المرأة التناسلي أو بسبب خطأ ارتكبته كحمل شيء ثقيل، أو توتر نفسي، أو شربها لدواء مضر بالحمل والجنين.. إلخ. وهذا يعتبر إجهاضاً طبيعياً حدث تلقائياً بدون أي تدخل خارجي.

الثاني: الإجهاض العلاجي:

وهذا النوع من الإجهاض الذي يستدعي اللجوء إليه ضرورة طبية؛ “فهو الذي يقوم به الطبيب الموثوق في دينه وعلمه، أو يأمر به إنقاذاً لحياة الأم عندما تتعرض للخطر بسبب الحمل” ([118]).

الثالث: الإجهاض الاجتماعي (الجنائي أو الإجرامي):

وهو الذي يتعمد فيه إنهاء الحمل بطريقة غير شرعية، حيث يجريه أشخاص غير متخصصين، عن طريق أسباب معينة للتخلص من الجنين، وقد يجرى كذلك في عيادات طبية بإشراف أطباء متخصصين تحت ذريعة إنقاد فتيات قصر أو نساء من حمل غير مرغوب فيه مقابل مبالغ مالية خيالية.

وبعد هذا التقديم نبين حكم إجهاض الحمل قبل أربعين يوماً:

في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح اتجاهات مختلفة وأقوال متعددة، حتى في المذهب الواحد:

فمنهم من قال بالإباحة مطلقاً بعذر أو بغير عذر:

قال به بعض الحنفية، فقد ذكروا أنه يباح الإسقاط بعد الحمل ما لم يتخلق شيء منه، والمراد بالتخلق في عبارتهم تلك نفخ الروح([119]).

وقال به بعض المالكية فيما قبل الأربعين يوماً([120]). وقال به بعض الشافعية قبل الأربعين أيضاً.

ومن الشافعية من قال: إذا كانت النطفة من زنى فقد يتخيل الجواز قبل نفخ الروح([121]).

وقال به بعض الحنابلة في أول مراحل الحمل، إذ أجازوا للمرأة شرب الدواء المباح لإلقاء نطفة لا علقة، قالوا: وما دامت لم تحله الروح فلا يبعث،ويؤخذ من ذلك أنه لا يحرم إسقاطه([122]).

ومنهم من قال بالإباحة لعذر فقط: وهو مذهب الحنفية، فقد نقل ابن عابدين عن بعضهم عدم الحل لغير عذر، إذ المحرم لو كسر بيض الصيد ضمن لأنه أصل الصيد. فلما كان يؤاخذ بالجزاء فلا اقل من أن يلحقها ـ من أجهضت نفسها ـ إثم هنا إذ أسقطت بغير عذر. وقال بعضهم: إن إباحة الإسقاط محمولة على حالة الضرورة([123])، ومن قال من المالكية والشافعية والحنابلة بالإباحة دون تقييد بالعذر فإنه يبيحه هنا بالأولى.

وقال بعض الشافعية: أن المرأة لو دعتها ضرورة لشرب دواء مباح يترتب عليه الإجهاض فينبغي أنها لا تضمن بسببه([124]).

ومنهم من قال بالكراهة مطلقاً:

وهو ما قال به بعض فقهاء الحنفية، حيث قالوا: يكره الإلقاء قبل مضي زمن تنفخ فيه الروح، لأن الماء بعد ما وقع في الرحم مآله الحياة، فيكون له حكم الحياة، كما في بيضة صيد الحرم([125]).

وهو رأي عند المالكية فيما قبل الأربعين يوماً([126])، وقول عند الشافعية، قالوا: لا يقال في الإجهاض قبل نفخ الروح إنه خلاف الأولى، بل محتمل للتنزيه والتحريم. ويقوي التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه جريمة([127]).

ومنهم من قال بالتحريم:

وهو المعتمد عند المالكية، حيث قالوا: لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم، ولو قبل الأربعين يوماً.

وقد  نقل ابن  رشد  أن  مالكاً  قال: كل ما طرحته المرأة  بجناية، من مضغة أو علقة، مما يعلم أنه ولد، ففيه الغرة([128])، وقال: واستحسن مالك الكفارة مع الغرة.

والقول بالتحريم هو الأوجه عند الشافعية، لأن النطفة بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق، مهيّأة لنفخ الروح([129])، وهو مذهب الحنابلة مطلقاً كما ذكره ابن الجوزي، وهو ظاهر كلام ابن عقيل، وما يشعر به كلام ابن قدامة وغيره بعد مرحلة النطفة، إذ رتبوا الكفارة والغرة على من ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً، وعلى الحامل إذا شربت دواء فألقت جنيناً([130]).

وقبل أن نبين الراجح في حكم الإجهاض قبل الأربعين، ننظر إلى الرأي الطبي في هذه المسألة:

فالذي يراه أهل التخصص أنه:

(1) ثبت طبياً وجوب الإصابة في زمن مبكر أي زمن جواز الإجهاض شرعاً.

(2) إذا كان ذلك لمصلحة الأم، لما يلحقه الحمل بها من الأضرار فيكون مسوغاً أكبر للإجهاض، حفاظاً على الأصل.

ومن هنا يتضح أن الفيروس من المرض المعدي ينشأ من بداية الحمل ولحظاته الأولى أو أثنائه أو عند الولادة، فالحمل أحد تلك الطرق للإصابة بمرض معدي ـ كالإيدز ـ وبناء على الخطر الكبير المترتب من هذا المرض أو غيره مما هو معروف فلا شك أن نجاة الإنسان منه تعد فوزاً دنيوياً عظيماً، فهل يا ترى يسوغ الفرار من هذا المرض بناءً على الاحتمال الوارد أم أن مجرد الاحتمال لا يجدي. جاء في كتاب (معضلة الإيدز الكبرى): “إن من الأفضل للحامل التي تحمل حمَّة الإيدز في جسمها أن تجري لها عملية الإجهاض”([131]).

بينما يرى رأي آخر: أن استعمال المرأة المصابة للأدوية المقررة من قبل الطبيب المختص أثناء الحمل يخفف نسبة احتمال الإصابة إلى أقل من 8%، وعليه فهو يرجح عدم الإجهاض([132]).

والظاهر مما سبق أن أرجح الأقوال هو من ذهب إلى تحريم الإجهاض، ولو كان قبل نفخ الروح، ما لم يكن ذلك لعذر شرعي، وذلك لما يلي: أن النطفة في أول مراحل التخلق، يصدق عليها اسم الجنين، فما سمي الجنين جنيناً إلا لاستتاره في الرحم([133])، وما دام الأمر كذلك فقد جاء في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المطهرة اعتبارها واحترامها والإشارة إليها، ومن ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ}([134])، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}([135]) قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:(هذا الضمير عائد على جنس الإنسان كما قال في الآية الأخرى {وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ}([136]). وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود:(إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ..)([137]).

قال بعض العلماء: “إن طور النطفة هو طور التقدير، إذ بعد أن تتحرك النطفة المؤنثة في بطن المرأة ليجمع الخلق فإن المشج([138])، يقع في حوالي اليوم الرابع عشر، وتستقر في الرحم بعد سبعة أيام أخرى، وتصبح علقة بعد تسعة عشر يوماً أخرى، أي بعد أربعين يوماً من أول يوم من آخر طمث”([139]).

ولذلك فإن لهذه النطفة حرمة، فلا يجوز إخراجها أو إفسادها، وأيضاً في مرحلة العلقة أو المضغة وإن لم ينفخ فيها الروح، إلا لوجود عذر شرعي يقتضي ذلك، ومن فعل ذلك فهو آثم سواءٌ كان الطبيب أم غيره، مأذون له أم لا.

وقد صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، فصلت فيها ضوابط الإجهاض في الطور الأول من الحمل، وهي مدة الأربعين يوماً، فقالوا: “إن كان الحمل في الطور الأول وهي مدة الأربعين، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع  متوقع، جاز إسقاطه، أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو الخوف من العجز عن تكاليف معيشتهم أو تعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاء بما لدى الزوجين من أولاد فغير جائز” ([140]).

 

المطلب الثاني:

إجهاض الحمل بعد الأربعين

وقبل نفخ الروح فيه

لقد أوضحنا رأي الفقهاء، والأطباء في مسألة الإجهاض قبل الأربعين وأوردنا خلاف الفقهاء في ذلك، وتبين مما سبق أن القول بالتحريم هو القول الراجح لما فيه من درء للمفاسد الشرعية الكثيرة، ولما فيه من حفظ للأنفس المعصومة، وهنا نبين تفصيل مسألة الإجهاض للجنين بعد الأربعين وقبل نفخ الروح فيه.

فالمالكية متفقون على تحريم الإجهاض مطلقاً ـ كما ذكرنا ـ أي منذ أن يكون نطفة إلى مرحلة ما قبل نفخ الروح فيه، على أساس أن النطفة مستعدة لقبول الحياة، والجناية عليها ممنوعة بأي حال من الأحوال؛ ففي إجهاض الجنين في مراحله الأولى تعدٍ على إنسانيته وحقه في الحياة، وهذا القول ذهب إليه بعض أئمة الأحناف، مثل الإمام السرخسي.

وأما الحنابلة والشافعية وبعض الحنفية فإنهم ذهبوا إلى أن منع التعدي على الجنين يكون من مرحلة المضغة فقط لا قبلها؛ لأنه لم يتصور بعد، وأما في المرحلة الثانية من المضغة ـ وإن ظهر تصور قليل ـ فإن الراجح أنه لا يعد تعدياً أو جناية، فأساس التعدي هو بدأ تخلق الجنين، وأما قبلها فإن المسألة مباحة، أي جواز إسقاط الجنين قبل اثنين وأربعين يوماً، وهي (المرحلة التي يكون فيها الجنين وسطاً بين الوجود الإنساني وخلافه)([141]).

بعض آراء الفقهاء المعاصرين في هذه المسألة:

وقد انقسموا إلى فريقين؛

فريق يرى جواز الإسقاط: في أي مرحلة قبل ألـ (120يوما) أي قبل نفخ الروح.

وفريق آخر ذهب إلى حرمة الإسقاط حين دخول النطفة الرحم واستقرارها فيه.

وقبل إيراد رأي هذا الفريق، جاء في الندوة التي أقيمت بدولة الكويت عن موضوع (الإنجاب في ضوء الإسلام) عام 1983م، جاء في توصيتها السابعة في موضوع ـ الإجهاض ـ ما يلي: “استعرضت الندوة آراء الفقهاء السابقين وما دلت عليه من فكر ثاقب ونظر سديد…، وقد استأنست الندوة بمعطيات الحقائق العلمية الطبية المعاصرة، فخلصت إلى أن الجنين حي من بداية الحمل، وأن حياته محترمة في كافة أدوراها خاصة بعد نفخ الروح، وأنه لا يجوز العدوان عليها إلا للضرورة الطبية القصوى، وخالف بعض المشاركين فرأوا جوازه قبل تمام الأربعين يوماً، وخاصة عند وجود الأعذار”([142]).

وهذا الدكتور جميل بن مبارك وهو من الفريق الذي لا يجيز الإجهاض في هذه المرحلة يقول في هذه المسألة: “والذي ينبغي المصير إليه في مسألة الإجهاض ـ والله أعلم ـ هو أنه إذا كانت هناك ضرورة تدعو إليه فيرخص فيه وإلا فلا. وهذا الحكم ينبغي أن يسري على المرحلتين معاً قبل التخلق وبعده؛ لأن إسقاطه ولو في مرحلة ما قبل التخلق يعد تلاعباً وقطعاً للطريق أمام الحمل، ما دام العزل ووسائل منع الحمل الأخرى مباحة”([143]).

ويقول الدكتور البوطي وهو من المجيزين للإجهاض قبل الأربعين يوماً “أن الحكم الراجح في مسألة الإجهاض هو جواز إسقاط المرأة حملها إذا لم يكن قد مضى على الحمل أربعون يوماً” ([144]).

وقد قرر الدكتور عبد الكريم زيدان تعليقاً على رأي فقهاء المذهب الحنفي فقال: “وواضح من هذا أن الإجهاض قبل مضي أربعة أشهر على الحمل لضرورات العلاج يعد إجهاضاً بعذر مشروع” ([145]) أي أنه قرن بين إباحة الإجهاض وبين حالة العلاج للمرأة الحامل المريضة، فيعد المرض الذي يسبب العدوى من الأعذار المبيحة للإجهاض قبل نفخ الروح.

والذي يفهم من أقوال بعض الفقهاء عموماً أن الإجهاض يجوز قبل تخلق الجنين؛ أي ما قبل مرحلة المضغة، ورغم هذه الإباحة فإن الأطباء المسلمين لا يرون مسوغاً يدعو الحامل للتخلص من جنينها لأي سبب تراه، بحجة أن الروح لم تنفخ فيه بعد، أو أن خلقه لم يظهر.

يقول الدكتور محمد علي البار: “ينبغي على من يعملون بالمهنة الطبية أن ينتبهوا إلى هذه النقطة، وعليهم إذا اضطروا لإجراء الإجهاض أن يحرصوا على أن يكون في الفترة التي تسبق نفخ الروح (120يوماً) إلا في حالة واحدة وهي تعرض حياة الأم للخطر” ([146]).

وإذا تأملنا فيما سبق إيراده لاحظنا أن التحريم هو أساس المسألة، وإلا فالمجيزون للإجهاض يضعون شرط الضرورة، ومعلوم أن من أهم الضرورات حفظ النفس، فإذا تبين يقيناً أن الجنين سوف يتأثر بوضعه في الأم المصابة بالمرض المعدي ـ كالإيدز ـ فالقول بالجواز يكون في هذه المسألة بعد المراجعة الطبية وأهل التخصص، والاعتماد على الأطباء الثقات العدول، لأن هذه المسألة يتلاعب فيها كثير من الأطباء الذين لا يحملون إلا حبهم للمال فقط، فيبيعون ذممهم من أجله ولو على حساب الأنفس المعصومة.

وأما إذا تبين أن الجنين لن يتأثر بمرض أمه مع الأخذ بالأسباب التي أوردناها في المطلب الأول فالأولى في ذلك تحريم الإجهاض ما دامت أن نسبة انتقال العدوى من الأم إلى الجنين نسبة بسيطة، ومعلوم أيضاً أن بعض الأطفال يكونون في بداية الحمل إيجابي المرض، ثم يشاء الله تعالى أن تنقلب حالتهم إلى المرض السلبي.

 

المطلب الثالث:

إجهاض الحمل بعد نفخ الروح فيه

حكم الإجهاض بعد نفخ الروح عند الفقهاء:

معلوم أن نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين يوماً، كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه ابن مسعود مرفوعاً (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ..) ([147]).

ولا يعرف خلاف بين الفقهاء في تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح، فقد نصوا على أنه إذا نفخت في الجنين الروح حرم الإجهاض إجماعاً.

وقالوا: إنه قتل له بلا خلاف([148]).

والذي يؤخذ من إطلاق الفقهاء تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح أنه يشمل ما لو كان في بقائه خطر على حياة الأم وما لم يكن كذلك.

وصرح ابن عابدين بذلك فقال: لو كان الجنين حياً، ويخشى على حياة الأم من بقائه، فإنه لا يجوز تقطيعه، لأن موت الأم به موهوم، فلا يجوز قتل آدمي لأمر موهوم([149]).

وعلى ذلك فقد اتفق العلماء على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح إلا لعذر قوي، كأن يكون الجنين خطراً مؤكداً على الأم كما ذكرنا سابقاً، وهذا يرجع فيه إلى الأطباء العدول الموثوقين، وخاصة في مثل حالة الأم المريضة بمرض معدي ـ كالإيدز وغيره ـ مما هو معروف لدى الأطباء، ومدى خطره على الجنين.

وقد ذكر الأطباء بأن الإصابة بمرض معدي ـ كالإيدز ـ لا تتم للجنين غالباً ـ إلا بعد تقدم الحمل ـ نفخ الروح في الجنين ـ أو عند الولادة، وعليه فلا يجوز الإجهاض في هذه الحالة إلا إذا تحقق الخطر المؤكد على الأم فيجوز([150]).

وهذا الموضوع صدر فيه قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في الدورة الثانية عشرة والتي عقدت بمكة المكرمة بتاريخ: 15ـ 22/7/1410هـ، والذي جاء فيه أن المجلس قرر بأكثرية الأصوات ما يلي:

“إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً فلا يجوز إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة، إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه سواءً كان مشوهاً أولا؛ دفعاً لأعظم الضررين…. ” إلى آخر ما قرره المجمع([151]).

وصدر أيضاً عن مجمع الفقه الإسلامي: أنه لا يجوز إجهاض الجنين حيث جاء في قرارهم رقم (90)(7/9) بشأن مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز والأحكام الفقهية المتعلقة به في البند ثالثاً ما نصه:

“ثالثاً: إجهاض الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز ـ نظراً لأن انتقال العدوى من الحامل المصابة بمرض الإيدز نقص المناعة المكتسبة إلى جنينها لا تحدث ـ غالباً ـ إلا بعد تقدم الحمل ـ نفخ الروح في الجنين ـ أو أثناء الولادة، فلا يجوز إجهاض الجنين شرعاً” ([152]).

وجاء في ملخص أعمال الندوة الفقهية الطبية السابعة: “…. وفي حالة التأكد من إصابته بعد تمام مائة وعشرين يوماً على بدء حمله، فلا يجوز إسقاطه، شأنه في ذلك شأن الجنين المشوه الذي لا يجوز إسقاطه وشأن مريض الإيدز الذي لا يجوز أن نمتنع عن علاجه فضلاً عن أن نميته” ([153]).

وعلى ذلك فإنه لا يجوز إجهاض المرأة المصابة بمرض معدي ـ كالإيدز ـ لأن الروح قد نفخت فيه، ولا يجوز قتلها له بغير حق.

وهذا هو رأي المجامع الفقهية والمنظمات الصحية والإسلامية كما سبق ذكره سلفاً، وهي اجتهادات جماعية لم يظهر لها مخالف.

 

المبحث السادس:

استدامة العشرة بين الزوجين

المصابين أو أحدهما

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: استدامة العشرة

إذا كان أحد الزوجين هو المصاب

تعريف العشرة:

في اللغة: اسم من المعاشرة والتعاشر، وهي المخالطة. والعشير: القريب، والصديق.  وعشير المرأة: زوجها، لأنه يعاشرها وتعاشره([154])، وفي الحديث:(يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ..)([155]).

والعشرة اصطلاحاً: هي ما يكون بين الزوجين من الألفة والانضمام([156]).

حكم العشرة بالمعروف:

ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن العشرة بالمعروف بين الزوجين مندوبة ومستحبة([157]).

وذهب المالكية إلى: وجوب العشرة بالمعروف ديانة لا قضاء ([158]).

الحث على العشرة بالمعروف:

حثَّ الشارع على العشرة بين الزوجين بالمعروف، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}([159])، وقال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}([160]). قال أبو زيد: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم، وقال الضحاك في تفسير هذه الآية: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها، ويكف عنها أذاه، وينفق عليها من سعته([161]).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ)([162]).

ومعنى العشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها الأزواج في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}([163]) هو: أداء الحقوق كاملة للمرأة مع حسن الخلق في المصاحبة([164]).

قال الجصاص: ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم،وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب([165]).

وتتحقق العشرة بالمعروف بين الزوجين بأداء الحقوق كاملة مع حسن الخلق في المصاحبة، وهذه الحقوق إما أن تكون للزوج أو للزوجة أو مشتركة بينهما.

وليس هنا المجال في الكلام عن الحقوق الزوجية، ولكن أردت إيراد معنى العشرة لأهمية خلو الزوجين مما يعيق حياتهما الزوجية الكريمة.

مسألة: هل يمكن استدامة العشرة بين الزوجين إذا كان أحدهما مصاباً بمرض؟

يجب أولاً: إذا كان أحد الزوجين مصاباً فيجب عليه أولاً أن يخبر الطرف الآخر بمرضه وقد مر معنا في المبحث الثاني في حكم الزواج من المصاب بمرض معدي.

والأمر الثاني: إذا علم السليم من الزوجين بوجود مرض معدي في الزوج الآخر، فما حكم بقائهما معاً، هذا ما سيتم إيضاحه.

لقد تكلمنا عن أثر المرض المعدي في حياة الشخص المصاب وأثر ذلك على من يعاشره وخاصة إذا تزوج بشخص آخر سليم، وما يترتب على ذلك طبياً من نقل العدوى وزيادة فرصة انتشار المرض، وهذا الأمر قد ذكره الأطباء سابقاً وبينوا أن الاتصال الجنسي بين شخص مصاب وآخر سليم يعتبر من أعظم وسائل نقل المرض، وأن نسبة انتقال المرض عن طريق هذا الاتصال تصل إلى أكثر من 90% من حالات العدوى، ولا سيما أن هناك ممارسات جنسية معينة تكون بين المتعاملين فيه، عن طريق اللواط، والزنا، وتعدد القرناء، ومخالطة البغايا وغيرها([166]).

لذلك فإن الأطباء ينصحون بالابتعاد عن الاتصال الجنسي ما أمكن، فإن أصرا على الاتصال الجنسي فيكون ذلك عن طريق استعمال العازل الذكري أو الأنثوي، لمنع ملامسة الإفرازات الجنسية لكل من الطرفين مما يقلل نسبة الإصابة للسليم([167]).

وفي بحث معلومات أساسية لمرض الإيدز: “إن احتمالات انتقال العدوى من الزوج المريض إلى الزوج السليم واردة، ولاسيما إذا كان المريض يرفض استعمال العازل الذكري” ([168]).

ويذكر الأطباء أن الاتصال الجنسي ينقل الفيروس إلى الشخص السليم بمعدل تقريبي ينقص باستعمال العازل الذكري.

وأما رأي الفقهاء المتأخرين فقد اختلفوا في ذلك على قولين:

الأول: جواز طلب التفريق من الطرف السليم متى طلب ذلك([169])، ولا يجوز للمصاب إجبار زوجته على البقاء أو المعاشرة الجنسية([170]).

جاء في بحث إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي من مرض الإيدز: “الثانية: أن يمتنع الطرف الآخر عن المعاشرة ويبقى معافى من الإصابة، وهذا يجوز له أن يطلب التفريق حماية لنفسه ومستقبله، ومستقبل أولاده من العدوى الممكنة في كل وقت بالدم أو المعاشرة أو اللبن” ([171]).

الثاني: إذا لم تنتقل العدوى فإنه يفرق بينهما ولو رضي السليم، فإذا كانت المرأة هي السليمة فعلى الأولياء أن يأخذوا على يدها لما تقرر شرعاً من الضرر الحاصل ببقائها معه.

وإذا كان السليم هو الزوج فيجب على الأمة منعه وحجره عن ذلك، إن لم يبتعد عما هو فيه.

جاء في بحث الأحكام الشرعية المتعلقة بمرض الإيدز: “إلا أنني أرى أن تزوج الرجل المعافى من مريض بمرض خطير ضار ـ كالإيدز والبرص والجذام ـ أولى من سفه التصرف بالمال، فالسفه في التصرف في النفس وإهلاكها أشد خطراً من السفه في التصرف بالمال”([172]).

والأولى في ذلك أن ينظر في حال الزوجين كما ذكرنا ذلك في المبحث الثاني، وإمكانية عدم حصول الضرر، إذ الأمر يرجع إلى سن الزوجين، وقوتهما، والتزامهما بالضوابط والتوجيهات الصحية اللازمة لحماية السليم منهما من المرض.

وهذا الأمر هو الذي ينظر فيه الأطباء من حيث المصالحة والمفسدة، وعلى ذلك يتم تحديد الأولى إما باستمرارية العشرة بين الزوجين، أو التفريق بينهما.

 

المطلب الثاني:

استدامة العشرة إذا كان

الزوجان كلاهما مصابين

إذا تزوج رجل وامرأة وتبين أنهما مصابان بنفس المرض المعدي، سواء كان ذلك قبل النكاح أو بعده، وسواءٌ كان ذلك بسبب الوقوع في سلوك محرم، أو عن طريق الوسائل الأخرى كنقل الدم وغيره، وربما طالت حياتهما الزوجية، وربما رزقوا بأبناء، ففي هذه الحالة هل يجوز لهما شرعاً الاستمرار معاً أم لا؟ وإذا كان ذلك جائزاً، فهل هناك ما ينبغي مراعاته شرعاً؟

إن أهل الاختصاص من الأطباء لم يجزموا بنصح الزوجين بالاستمرار أو عدمه، ولكن ظهرت أقوال بعضهم أن العدوى قد تزداد مع بقاء المصابين معاً، وأن ذلك ممكن ويؤدي إلى زيادة نشاط الفيروس إلا أنه لا توجد دراسة واضحة قامت على متابعة مثل هذه الحالة وأوضحت ذلك بأمثلة واقعية.

جاء في ملخص الندوة الطبية الفقهية التابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت: ما يفيد أن الأطباء يرون أن لذلك أثراً، وأن العدوى قد تتكرر بالاتصال الجنسي بين المصابين، وقد جاء في ملخص أعمالها: “وبالنسبة للزوجين المصابين يمكن أن يجامع كل منهما الآخر، ويستحسن أن يكون ذلك باستخدام العوازل الذكرية أو الأنثوية لمنع تكرار نقل العدوى بينهما خاصة أن الفيروس قد تتغير نوعيته داخل جسم المصاب بالعدوى، كما أن تكرار العدوى تسبب سرعة تطور العدوى إلى المرض”([173]). وذلك يتبين منه ضرر استدامة الجماع والعشرة بين الزوجين.

إلا أن بعضاً من الأطباء المتخصصين يرون أن الزواج بين المصابين أولى، كما أن استدامة العشرة بينهما خير لهما ووفاء بالميثاق؛ ولأن المرض قد وقع، والمصالح الناجمة عن ابتداء النكاح واستمراره أقوى بكثير من المفاسد المتوقعة ولاسيما إذا كان الفيروس مستجيباً للعلاج عند الطرفين.

وأما من ناحية الحكم الشرعي، فقد قرر الفقهاء أن الحكم ينبني على ما تقرر من جهة الاختصاص، من حيث حصول الضرر من عدمه. وأنه متى قرر أهل الاختصاص بأنه لا ضرر عليهما أو أن هناك ضرراً محتملاً، ففي هذه الحالة لا إشكال في استدامة النكاح بينهما([174]).

ويرى البعض الآخر وجوب استدامة العشرة بينهما. ومن هنا يتضح لنا من قول أهل الاختصاص من الأطباء، ورأي الفقهاء في هذه المسألة أن الأصل بقاء استمرار العشرة بين الزوجين المصابين،ولا يتفرقا ما لم ينصح الأطباء بالفرقة، أو بترك المعاشرة الزوجية.

 

المبحث السادس:

التفريق بين الزوجين المصابين، 

أو أحدهما عند الطلب

وفيه مطلبان:

المطلب الأول:

طلب الزوجة السليمة الفرقة

أو التعويض من الزوج المصاب

تعريف الفرقة:

لغة: بضم الفاء ـ اسم من المفارقة، ومعناها في اللغة: المباينة، وأصلها من الفرق بمعنى الفصل، يقال: فرق بين الشيئين فرقاً وفرقاناً: فصل بينهما، وافترق القوم فرقة: ضد اجتمعوا([175]).

وفي الاصطلاح: يذكر الفقهاء هذه الكلمة ويريدون بها انحلال رابطة الزواج، والفصل والمباينة بين الزوجين، سواء أكانت بطلاق أم بغيره([176]).

وقد ذكر الفقهاء أسباباً كثيرة للفرقة، وليس هذا مجال ذكرها، ولكن سنذكر سبباً من أسبابها وهو ما يتعلق بموضوعنا.

فمن أسباب الفرقة التي وضعها الفقهاء:

الفرقة بسبب العيب:

فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التفريق بسبب العيب في الرجل أو المرأة على سواء.  وخص الحنفية جواز الفرقة بينهما بعيوب في الزوج، وهي: الجب والعنة والخصاء فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وزاد عليها محمد: الجنون([177]).

واختلف الجمهور في أنواع العيوب التي تجوز بسببها الفرقة بين الزوجين بين موسع ومضيق([178]).

فعند المالكية يفرق بالعيوب التالية: عيوب الرجال وهي: الجب([179])، والخصاء([180])، والعنة([181])، والاعتراض([182])..

وعيوب النساء هي: الرتق([183])، والقرن([184])، والعفل([185])، والإفضاء([186])، والبخر([187]).

والعيوب المشتركة هي: الجنون([188])، والجذام([189])، والبرص([190])، والعذيطة([191])، والخناثة المشكلة([192]).

وعند الشافعية يفرق بالعيوب التالية: عيوب الرجال وهي: العنة، والجب.

وعيوب النساء هي: الرتق والقرن. والعيوب المشتركة هي: الجنون، والجذام، والبرص([193]).

وعند الحنابلة يفرق بالعيوب التالية: عيوب خاصة بالرجال هي: العنة، والجب. وعيوب خاصة بالنساء هي: الفتق، والقرن، والعفل. وعيوب مشتركة وهي: الجنون، والبرص، والجذام([194]).

إلا أن أبا بكر وأبا حفص من الحنابلة زادا على العيوب المتقدمة استطلاق البطن،وسلس البول، وقال أبو الخطاب: ويتخرج على ذلك من به الناسور والباسور، والقروح السيالة في الفرج لأنها تثير النفرة، وتعدى بنجاستها، وقال أبو حفص: الخصاء عيب وفي البخر والخناثة وجهان([195]).

وكل هذه العيوب السابق ذكرها لا تدل على أنها من أسباب العيوب فقط، بل توجد عيوب أخرى عند بعض الفقهاء تلحق بها ما يماثلها في الضرر.

ومن ذلك ما قاله ابن تيميه رحمه الله في الاختيارات العلمية: “وترد المرأة بكل عيب ينفر عن كمال الاستمتاع”.

 وما قاله ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: “وأما الاقتصار على عيبين أو ستة، أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها أو مساو لها فلا وجه له،فالعمى والخرس والطرش، وكونها مقطوعة اليدين والرجلين أو أحدهما، أو كون الرجل كذلك من أعظم المنفرات”.

وقوله: “والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار”([196]).

وما قاله الكاساني: وقال محمد: خلوّه من كل عيب لا يمكنها المقام معه إلا بضرر، كالجنون، والجذام،والبرص شرط للزوم النكاح،حتى يفسخ به النكاح حيث جاءت هذه العيوب بصيغة التمثيل.

هذا إلى جانب أن نصوص الفقهاء عامة كانت تعلل التفريق للعيب بالضرر الفاحش وبالعدوى، وعدم القدرة على الوطء، وهو ظاهر في جواز القياس عليها([197]).

شروط التفريق للعيب لدى الفقهاء:

اختلفوا في الشروط المثبتة للتفريق للعيب على مذهبين، وفق ما يلي:

أولاً: ذهب الجمهور إلى أن التفريق بالعيب يشترط فيه ما يلي:

(أ) عدم الرضا بالعيب قبل الدخول أو بعده، في العقد أو بعده، صراحة أو دلالة، فإن رضي السليم من الزوجين، كأن يقول رضيت بعيب الآخر، أو يطأها، أو تمكنه من الوطء، فإنه لا خيار لهؤلاء في الفسخ بعد ذلك. وهذا مذهب الحنابلة، والشافعية يوافقونهم فيه إلا في مسألة العنين، فإن زوجته إذا رضيت بعنته بعد الدخول فلا خيار لها عندهم خلافاً للحنابلة.

ومذهب المالكية يوافق مذهب الحنابلة أيضاً إلا في مسألة المعترض، وهو العنين عند الحنفية والشافعية والحنابلة إذا مكنته من التلذذ بها بعد علمها باعتراضه، فإنه لا يسقط بذلك حقها في التفريق عند المالكية،  لاحتمال أنها كانت ترجو برأه بذلك([198]).

مسألة: هل يعد الرضا بالعيب قبل النكاح مسقطاً للخيار، كما لو أخبرها بعنته فرضيت بذلك صراحة أو دلالة؟

الجمهور على أن ذلك مسقط للخيار، وقال الشافعي في الجديد كذلك: إلا في العنين، فإنه قال: يؤجل لأنه قد يكون عنيناً في نكاح دون نكاح، ثم إن عجزه عن وطء امرأة ليس دليلاً على عجزه عن وطء غيرها([199]).

(ب) سلامة طالب الفسخ من العيوب في الجملة: فالمبدأ العام لدى الجمهور: أنه لا يشترط لطلب التفريق بالعيب سلامة طالب التفريق من العيوب، خلافاً للحنفية، إلا أنهم اختلفوا في ذلك في  بعض الصور على ما يلي:

ذهب المالكية إلى أن طالب التفريق للعيب إذا كان فيه عيب مماثل للآخر فإن للزوج التفريق دون المرأة لأنه بذل الصداق لسالمة، دونها هي. فإذا كان عيبه من جنس آخر كان لكل واحد من الزوجين طلب التفريق مطلقاً.  وفي قول آخر لهم: له التفريق مطلقاً، سواء أكان عيبه من جنس عيبه، أم لا، أم لم يكن معيباً، وهو الأظهر عندهم([200]).

وذهب الشافعية في الأصح: إلى أن للمعيب أن يطلب فسخ النكاح لعيب الآخر، وسواء أكان عيبه من جنس عيبه أم لا، وقيل: إن وجد به مثل عيبه من الجذام والبرص قدراً وفحشاً مثلاً، فلا خيار له لتساويهما([201]).

وذهب الحنابلة إلى أن طالب الفسخ، إذا كان معيباً بعيب من غير جنس عيب الآخر كالأبرص يجد المرأة مجنونة، فلكل واحد منهما الخيار لوجود سببه، إلا أن يجد المجبوب المرأة رتقاء، فلا ينبغي ثبوت الخيار لهما لأن عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الاستمتاع.

فإن كان عيبه من جنس عيب صاحبه، ففيه وجهان: أحدهما: لا خيار لهما، لأنهما متساويان، ولا مزية لأحدهما على الآخر،فأشبها الصحيحين. الثاني: له الخيار لوجود سببه([202]).

وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ذي الرقم 90 (7/9)، في الفقرة خامساً منه ما نصه: “حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز: للزوجة طلب الفرقة من الزوج المصاب باعتبار أن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) مرض معدٍ تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي” ([203]).

وجاء في ندوة رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز “باعتبار أنه مرض معدٍ تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي ويستوي في ذلك أن يكون موجوداً قبل العقد أم وجد بعده” ([204]).

وأدلة ذلك تتبين فيما يأتي:

(1) أن الله تعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}([205]). وفي هذه الآية دليل على أن بقاء الزوجة السليمة مع زوجها المريض بهذا المرض عسر وحرج ومشقة لا تطاق([206])، وأيضاً ما تقرر طبياً من خطورة المرض المعدي ـ وخاصة الإيدز ـ وأن السنة أمرت بالبعد عن المريض كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الأَسَدِ)([207]).

وعمر رضي الله عنه “لما علم أن رجلاً عقيماً تزوج بامرأة، قال: أخبرتها، قال: لا، قال: أخبرها ثم خيّرها”([208]).

وبناء على ذلك الأثر يتبين أن الإنجاب من الأغراض السامية وأن فقده يعد عيباً، ولأجله أمر عمر رضي الله عنه بالإعلام والتخيير.

والمرض المعدي ـ كالإيدز ـ مما قد يمنع معه الإنجاب، ومعلوم أن الإنجاب إحدى وسائل انتقال المرض إذا لم يتم الانتفاع بالعلاج، ثم إن خطر هذا المرض أعظم من العقم فدل على الجواز.

أن هذا المرض يحول دون تحقيق مقاصد النكاح من الاستمتاع وتحقيقه الولد والإحصان والمودة والرحمة، لما يسببه من نفرة تمنع قربانه، قياساً على الجذام والبرص.

وأيضاً معلوم أن ضرر هذا المرض متعدي إلى من يخالط صاحبه، بل قد يتعدى إلى النسل، ومعلوم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح([209]).

وأيضاً من القواعد الشرعية المعتبرة: أن “الضرر يزال” ([210])، وفي هذه القاعدة يلحق بالزوجة السليمة ضرر كبير بزواجها من المريض، وإزالته واجب شرعي.

وقاعدة: (يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام) ([211])، وعلى هذه القاعدة أيضاً يتبين أن الضرر الذي سيلحق الزوج بالفراق مهما كان، فهو خاص، بينما أن بقاء الزوجية يزيد الضرر ويصبح عاماً، فيشمل الزوجة والذرية ويتفشى حتى يعم المجتمع، فيحتمل الضرر الذي سيلحق الزوج مقابل دفع الضرر العام.

وقاعدة: (إذا ضاق الأمر اتسع) ([212])، فإن الحرج والضيق والمشقة ستبلغ بالزوجة كل مبلغ، وعندها يتسع الأمر، فيصح لها طلب الفراق، ويلزم الزوج بذلك فالمشقة تجلب التيسير([213]).  لقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}([214])، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}([215]).

فالذي أراه في هذه المسألة بعد تقرير أهل الاختصاص من الأطباء بخطورة المرض المعدي وخاصة ـ مرض الإيدز وما هو على شاكلته ـ ، وأيضاً بعد رأي الفقهاء أن أي ضرر أو عيب أو مرض يضر بالزوجة فإن لها حق طلب الفسخ، يتبين أن هذه الأمراض تدخل من ضمن أسباب التفريق، وأنه يحق للزوجة أن تطلب الفرقة من زوجها ويجوز لها ذلك، وعلى الزوج إجابتها لذلك.

مسألة: هل يحق للزوجة أن تطلب التعويض من الزوج المصاب عند طلب الفراق؟

لا يخلو الأمر في هذه المسألة من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكتشف المرض ويكون التفريق قبل الدخول، وهنا سيكون التعويض المشار إليه هو المهر، فهل لها نصيب منه بما أن سبب الفرقة من قبل الزوج؟

ذلك لأن الزوجة لم يلحقها في هذه الحالة إلا الضرر المعنوي وهو الطلاق ومدى تأثير التفريق بالعيب على المهر قبل الدخول.

فهذه المسألة اختلف فيها الفقهاء على قولين:

الأول: أن الفرقة إذا وقعت بسبب العيب وكانت قبل الدخول، أو الخلوة الصحيحة فللزوجة نصف المهر المسمى، أو المتعة([216]) إن لم يكن المهر مسمى؛ وبه قال الحنفية([217]).

ووافقهم المالكية([218]) في حال صدور الفرقة من الزوج لزوجته المعيبة بلفظ الطلاق.

الثاني: أن  الفرقة  إذا  وقعت  قبل  الدخول  وما  في  حكمه([219])،  فليس للزوجة شيء

من المهر سواءٌ أكان العيب في الزوج أم في الزوجة.

وبه قال جمهور الفقهاء من الشافعية([220])، والحنابلة([221]).

وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([222]).

وقال به بعض المالكية([223]) في حالتين:

الأولى: أن تكون الزوجة هي الطالبة للفرقة من زوجها المعيب، ولا فرق هنا أن تكون الفرقة بلفظ الطلاق أو غيره.

الثانية: في حالة صدور الفرقة من الزوج لزوجته المعيبة بغير لفظ الطلاق.

والراجح: هو قول الحنفية والمالكية لأن عقد الزواج تم بأركانه وشروطه والمرأة سليمة ليس بها عيب، ولكن ثبت العيب في الزوج بعد الزواج، فهو المتسبب في الفرقة، ولو كان ذلك بطلب المرأة.

والعبرة بتحقيق الأمر لا بظاهره، ولفظ الطلاق في الآية الكريمة {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}([224]) تدل على أن الفرقة من قبل الزوج. وهذا واقع في هذه المسألة، والله  تعالى  أمر  بالمتعة  للمطلقات  مطلقاً، قال ـ جل وعلا ـ :{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}([225])، وهذه من باب أولى([226]).

ويتبين رجحان هذا القول بأن المرأة قد تشوفت للنكاح واستعدت له وبورك لها فيه، فما يصيبها من الحزن بسبب العيب هو كالذي يصيبها بسبب الطلاق، بل ربما كان أبلغ عندما تشعر أنه كان سيخدعها أو يغشها أو يدلس عليها، إذا كان يعلم مرضه، فيجبر ذلك الشعور بنصف المهر حال التسمية، أو المتعة عند عدمها، هو الموافق لمقاصد الشريعة.

جاء في بحث الإحقاق في أن مرض الإيدز مسوغ لطلب الطلاق: “إن كان طلب الفرقة قبل الدخول، وكان السبب هو إصابة الرجل بمرض الإيدز، فتكون الفرقة طلاقاً يجب به نصف المهر المسمى بالعقد تعويضاً لها عما لحقها من الضرر” ([227]).

الحالة الثانية: أن يكتشف المرض ويكون الفراق بعد الدخول والخلوة: وفي هذه الحالة الضرر الواقع على الزوجة أكثر منه في الحالة الأولى لحصول الدخول والخلوة بها مما يفقدها بكارتها فتصبح ثيباً وليست الثيب كالبكر. فهل في هذه الحالة تستحق المهر، وهل لها تعويض زائد على المهر؟

أجمع الفقهاء ـ في الجملة ـ على أن الفرقة بالعيب إذا حدثت بعد الدخول، وما يقوم مقامه وهي الخلوة، فإن للزوجة المهر المسمى([228]).  وبيان ذلك كما يأتي:

ذهب  أبو  حنيفة([229])، والصحيح  من  مذهب الحنابلة([230])، أن الفرقة إذا وقعت بالعيب وبعد الدخول أو الخلوة الصحيحة فللزوجة المهر كاملاً إن كان مسمى وإلا مهر المثل إن كان المهر غير مسمّى.

وعند أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، أنه إذا كان قد دخل بها فلها المسمى إن كان وإلا فلها مهر المثل، وإن كان لم يدخل بها وإنما خلا بها فقط فلها نصف المهر([231]).

وعند المالكية إنه إذا كانت الزوجة هي الطالبة للفراق لعيب في زوجها، ولو كانت معيبة ـ أيضاً ـ ففي هذه الحالة يجب لها المهر المسمى كاملاً إن كان ممن يتصور منه الوطء، فإن كان لا يتصور منه فلا شيء لها([232]).

وذهب الشافعية: أن الفرقة إذا كانت بعد الدخول وكان العيب مقارناً للعقد أو حادثاً بين العقد والوطء وجهلته الزوجة، فلها مهر المثل، ويسقط المسمى.

والراجح: ما ذهب إليه أبو حنيفة، والصحيح من مذهب الحنابلة أن للزوجة بعد الدخول أو الخلوة المهر المسمى إن وجد، وإلا فلها مهر المثل.

وعلى ذلك فإن كانت الفرقة حاصلة بسبب عيب في الزوج كوجود ـ مرض الإيدز المعدي ـ فإن لها المهر المسمى، وإلا فلها مهر المثل إن لم يسم عند العقد؛ لأن الفرقة وقعت في نكاح صحيح، لولا العيب لوجب المهر المسمى بالدخول، وهكذا يجب المهر بالفرقة من قبل الزوج.

مسألة: هل للزوجة طلب تعويض زائد عن المهر؟

الواضح من هذه المسألة أن الزوجة وقع عليها ضرر يتمثل في إصابتها بالمرض المعدي من زوجها لمعاشرتها إياه، وهذا يعتبر من أعظم الضرر، ويضاف إلى ذلك نفرة الناس عنها حتى أقرب الناس لها، وتشويه سمعتها، إلى غير ذلك من الأضرار المعنوية.

فإن قدِّر لها النجاة من الإصابة بهذا المرض فلا أقل من حصول بقية الأضرار الأخرى المفضية ـ غالباً ـ إلى العنوسة ما دامت أصيبت بهذا المرض المعدي. وهذا يعتبر من أعظم الضرر عليها.

وعلى ذلك فهذه المسألة على حالتين:

الأولى: أن تبتلى بالإصابة.

الثانية: ألا تصاب بهذا المرض وتطلب التعويض عن ضرر السمعة، وجميع الأضرار المعنوية والأدبية التي لحقت بها بسبب هذا الزوج.

فالجمهور: على تعزيره على إساءته لغيره بالفعل أو القول.

وأما الحنفية: فقد استثنوا ما إذا وصف شخص آخر بأوصاف الوحوش مثل يا حمار، ويا خنزير، ويا كلب… فقالوا:  لا يعزر؛ لأنه  لم يلحق به الشين.

وقال ابن القيم في هذه المسألة: “فيرى أن العدل ومقتضى الكتاب والميزان وآثار الصحابة أن يفعل بالجاني نظير ما فعل به متحرياً للعدل ما لم يكن حراماً، وهذا أقرب للعدل من التعزير المخالف للجناية جنساً ونوعاً وقدراً وصفة ويرى أن ما ذهب إليه هو مقتضى القياس. ويشير إلى أن الحيف والتعدي الذي يحصل في التعزير المخالف للجناية أكثر منه في التعزير بالنظير” ([233]).

فالأولى في هذه المسألة أن ينظر الحاكم أو القاضي فيها: فكما أنه قد يرى أن النظير هو العدل والأقرب له، فقد يرى أن التعزير بالمخالف هو مقتضى العدل؛ لأن أعراف الناس تختلف فقد يكون أشد ما عند قوم من السب والشتم هو أهون ما عند آخرين.

ورأي ابن القيم أقرب للصواب في هذه المسألة إلا إذا لم يظهر أن النظير والمثل لا يؤثر في الجاني فيؤخذ بقول الجمهور. وعلى ذلك فحكم الضرر المعنوي عند الجمهور([234]) فيه تأديب الجاني فحسب.

وقال أبو يوسف من الحنفية([235]): فيه أرش الألم، بينما استحسن ابن عرفة من المالكية([236]) أن في الجرح الذي ليس فيه أرش مقدر أجرة الطبيب.

فتبين مما سبق أن قول الجمهور هو الأرجح لأن الأصل عدم التعويض، ولكن إذا رأى الحاكم أو القاضي أن الأصلح هو العقاب بالمال إما لشناعة الفعل فيجمع على الجاني عقوبتين، وإما لفساد الناس وانتشار ذلك الجرم فيهم؛ والعقوبة التعزيرية لم تعد ذات أثر عليهم فلا بأس بالتعويض في هذه الحال بالمال.

 

المطلب الثاني: طلب الزوج السليم

التعويض عند فراق الزوجة المصابة

ذكرنا في المطلب السابق أن الزوجة يحق لها طلب الفراق إذا تبين أن زوجها مصاب بمرض معدي ـ كالإيدز ـ وفي هذا المطلب إذا كان العكس، فيكون الزوج سليماً والزوجة هي المصابة، فهل يحق له فراقها وطلب التعويض منها بسبب هذا العيب الذي أصيبت به؟

أولاً: حكم طلب الزوج السليم الفرقة بسبب عيب في الزوجة:

للعلماء في هذه المسألة قولان:

الأول: يحق لكل من الزوجين طلب الفرقة، سواءً الزوج أو الزوجة.

وهو قول جمهور العلماء([237])، من المالكية([238])، والشافعية([239])، والحنابلة([240]) واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية،وتلميذه ابن القيم،وهو مروي عن عمر، وابنه، وابن عباس، وغيرهم رضي الله عنهم.

الثاني: لا يجوز الفسخ بالعيب مطلقاً.  

وهو قول الحنفية([241])، والظاهرية([242]) ، ووافقهم الشوكاني([243]).

فالحنفية يوافقون الظاهرية في هذه المسألة ـ الذين لا يرون جواز الفسخ بالعيب مطلقاً، والحنفية لا يثبتون ذلك للزوج، بل الخيار له إن شاء أمسك وإن شاء طلق؛ لأن العصمة بيده.

والراجح: مما سبق هو قول الجمهور.  

وهو جواز طلب الزوج السليم الفرقة من زوجته المصابة، لأن هذا حق للسليم، وهو من أوجب الواجبات.

فالمرض المعدي ـ كالإيدز ـ ليس كغيره من الأمراض، بل يعد كارثة ليست كغيرها من الكوارث، لأن هذا المرض يدوم بدوام الناس، فهو ينتقل من الأقدم إلى الأحدث وهكذا.

ثانياً: حكم طلب الزوج التعويض من الزوجة المصابة:

من يرى من العلماء أحقية الزوج في طلب الفرقة لا يرى التعويض له، بل إن شاء أمسك وإن شاء طلق.

والذين يقولون بأحقيته في طلب الفراق يكون النظر لديهم على اعتبارين أو حالتين: حصول الدخول والخلوة أو عدمها.

الحالة الأولى: إذا كان الزوج يطالب بالتعويض قبل الدخول والخلوة الصحيحة.

فللعلماء في ذلك قولان:

الأول: أنه لا شيء للزوجة من المهر، وعليها أن تعيد جميع المهر للزوج، لأن الفرقة بسببها، وهذا قول الشافعية([244])، والحنابلة مطلقاً([245])، والمالكية([246]) إذا كان الزوج قد فارق زوجته المعيبة بغير لفظ الطلاق.

الثاني: للزوجة نصف المهر إذا فارقها بلفظ الطلاق قبل الدخول. وهو قول المالكية([247]).

والراجح من ذلك هو قول الجمهور: من أنه لاشيء للزوجة لأن الفرقة لعيب فيها وذلك قبل الدخول والخلوة.

ويقوى قول المالكية فيما إذا طلق الزوج السليم زوجته المعيبة بلفظ الطلاق من غير طلب للعوض ابتداءً، ولا طلب من حاكم أن يحكم له بالفرقة.

فمتى طلق من نفسه كان لها نصف المهر، وإن طلب ذلك بواسطة وليها أو الحاكم وأقروا أن ذلك عيب معتبر فلا شيء لها، ولو كان الفراق بلفظ الطلاق.

وأما مطالبة الزوج السليم من زوجته المصابة التعويض إذا كانت المطالبة قبل الدخول والخلوة:

فالراجح في هذه المسألة: أنه إذا طلق الزوج زوجته المصابة بمرض معدي قبل الدخول، وبطلب من الزوج سواء عن طريق الولي أو عن طريق الحاكم ففي هذه الحالة يكون التعويض: رد الزوجة جميع المهر للزوج، وليس لها فيه حق ولا بعض حق. وللزوج المطالبة بما أنفقه خلال ذلك العقد؛ لأن الفرقة بسببها.

وأما  إذا  طلقها  دون  طلب  منه  للفرقة، وكان  ذلك قبل الدخول فلها نصف المهر لأنه فوت على نفسه حقه بذلك.

الحالة الثانية: إذا طالب الزوج بالفرقة من الزوجة المعيبة بعد الدخول أو الخلوة:

ففي هذه المسألة:

ذهب الحنفية إلى أنه: إذا حصلت الفرقة بالعيب بعد الدخول أو الخلوة الصحيحة، فإن للزوجة المهر كاملاً إذا كان في العقد مهر مسمى، وإلا وجب لها مهر المثل([248]).

وذهب المالكية إلى أنه: إذا كان طالب التفريق هو الزوج لعيب في زوجته وكذا لو كانا معيبين، فلهم في ذلك تفصيل: أن يكون ولي الزوجة عالماً بحال موليته، ولا يخفى عليه أمرها، كأب وأخ وأبن، فلا يخلو:

(1) إما أن تكون الزوجة حاضرة في مجلس العقد، فيخير الزوج بين إقامة الدعوى بالمطالبة للولي أو للزوجة؛ لأنهما اشتركا في التدليس فله مطالبة أي منهما.

(2) ألا تكون الزوجة حاضرة لمجلس العقد، فيرجع الزوج على الولي الذي لا يخفى عليه حال موليته، كأب وأخ وابن، أو عالم بالعيب ولو بعيداً([249]).

(ب) إن كان ولي الزوجة لا يعلم بحال موليته، ويخفى عليه أمرها لكونه غير محرم لها، كابن عم وحاكم وكل ولي قريب أو بعيد شأنه أن يخفى عليه حالها فلا يخلو:

(1) إذا لم تكن الزوجة حاضرة العقد فإن الزوج يرجع على الولي بشيء، ولا يرجع الولي على الزوجة بما غرمه للزوج لعيبها ـ أيضاً ـ.

(2) فإن كانت الزوجة حاضرة العقد، فللزوج أن يرجع عليها فقط. ويترك لها ربع دينار لحق الله؛ لئلا يعرى البضع عن الصداق([250]).

وذهب الشافعية: إلى أن الفرقة بالعيب إذا كانت بعد الدخول، وكان في الزوجة وجهله الواطئ فلا يخلو:

(أ) أن يكون العيب مقارناً للعقد أو حادثاً بين العقد والوطء،فلها مهر المثل ويسقط المسمى في الأصح، وهو المشهور من المذهب، لأن الفسخ مستند إلى العيب الموجود حال العقد، فصار كما لو كان نكاحاً فاسداً.

ولا يرجع الزوج بالمهر على من غرَّه، سواء أكان ولياً أم زوجة بالعيب المقارن؛ ـ في الجديد ـ وذلك لاستيفائه منفعة البضع المتقومة عليه بالعقد([251]).

(ب) وإن حدث العيب بعد العقد والوطء، فلها في الأصح المهر المسمى كله؛ لأنه قد وجب ـ أي المسمى ـ بالعقد والوطء، فلا يتأثر بما طرأ بعدهما([252]).

(ج) إذا حدث العيب بعد العقد، فإذا فسخ بسببه العقد فلا يرجع بالمهر جزماً لانتفاء التدليس([253]).

وذهب الحنابلة: أنه إذا حصلت الفرقة بالعيب، وكانت بعد الدخول أو الخلوة الصحيحة ونحوها، كالقبلة واللمس بشهوة. فللزوجة المهر المسمى على القول الصحيح من المذهب([254]).

  • لأنه نكاح صحيح وجد بأركانه وشروطه فترتب عليه أحكام الصحة.
  • ولأن المهر يجب بالعقد، ويستقر بالخلوة، فلا يسقط بحادث بعده([255]).

ويرجع الزوج على من غرّه([256]) من امرأة عاقلة، أو ولي، أو وكيل عالمٌ بالعيب.

لقول عمر رضي الله عنه:(أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها، فلها صداقها كاملاً، وذلك لزوجها غرم على وليها)([257]). ولأنه غرّه بالنكاح بما يثبت به الخيار فكان المهر عليه. فإن لم يعلم الولي بالعيب فلا غرم عليه، والغرم على الزوجة، وللزوج أن يعود عليها بجميع ما أصدقها([258]).

فإن صدّقه الزوج أو كان له بيّنة وإلا فالقول قوله بيمينه([259]). لأن الأصل عدم علمه بالعيب.

وإن وجد التغرير من الولي ومن الزوجة، فالضمان على الولي؛ لأنه المباشر للعقد.

أما إن وجد منها ومن الوكيل فالضمان عليهما مناصفة؛ لأن فعل الوكيل كفعل الموكل بخلاف الولي؛ فليس فعله فعل موليِّه([260]).

قالوا: ومتى طلق الزوج زوجته المعيبة قبل الدخول والخلوة، ثم علم أن بها عيباً يقتضي الفسخ، فعليه نصف الصداق، ولا يرجع به على أحد؛ لأنه قد رضي بالتزام نصف الصداق.

أما إن مات الزوج قبل علمه بعيبها و ماتت قبل العلم به أو بعده، وقبل الفسخ، فلها الصداق كاملاً لتقرره بالموت ولا يرجع به على أحد، لأن سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد([261]).

والراجح: هو قول المالكية والحنابلة حيث أنهما يقرَّان إعادة المهر للزوج، بالرجوع على من غره سواءٌ أكان الولي العالم بالعيب، أم الزوجة، أم الوكيل ونحو ذلك.

وبناء على ما سبق يتبين أن للزوج السليم في حالة معرفته بإصابة زوجته بمرض معدي ـ كالإيدز ـ والعلم بهذا بعد الدخول والخلوة الصحيحة ـ سواء حدث المرض قبل الدخول أو بعده ـ المطالبة بالمهر كاملاً من الزوجة نفسها أو ممن غرر به.

 

المبحث الثامن:

حضانة المصاب بالمرض

المعدي للطفل السليم

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول:

حضانة الأم المصابة للطفل السليم

تعريف الحضانة:

لغة: مصدر حضن، ومنه حضن الطائر بيضه إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحيه، وحضنت المرأة صبيها إذا جعلته في حضنها أو ربته، والحاضن والحاضنة الموكلان بالصبي يحفظانه ويربيانه، وحضن الصبي يحضنه حضنا: رباه([262])

والحضانة شرعاً: هي حفظ من لا يستقل بأموره وتربيته بما يصلحه([263]).

حكم الحضانة:

الحضانة: واجبة شرعاً لأن المحضون قد يهلك، أو يتضرر بترك الحفظ، فيجب حفظه عن الهلاك، فحكمها الوجوب العيني إذا لم يوجد إلا الحاضن، أو وجد ولكن لم يقبل الصبي غيره، والوجوب الكفائي عند تعدد الحاضن([264]).

المستحقون للحضانة:

الحضانة تكون للنساء والرجال من المستحقين لها، إلا أن النساء يقدمن على الرجال، لأنهن أشفق وأرفق ، وبها أليق وأهدى إلى تربية الصغار، ثم تصرف  إلى  الرجال لأنهم على الحماية  والصيانة  وإقامة مصالح  الصغار أقدر([265]).

وحضانة الطفل تكون للأبوين إذا كان النكاح قائماً بينهما، فإن افترقا فالحضانة لأم الطفل باتفاق، لما ورد (أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي)([266]).

سقوط الحضانة:

تسقط الحضانة بوجود مانع منها،أو زوال شرط من شروط استحقاقها كأن تتزوج الحاضنة بأجنبي عن المحضون،وكأن يصاب الحاضن بآفة كالجنون والعته، أو يلحقه مرض يضر بالمحضون كالجذام وغير ذلك…وهذا كله متفق عليه عند جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة… ([267]).

مسألة: إذا تبين أن الأم مصابة بمرض معدي ـ كالإيدز ـ :

فقد ذكر أهل الاختصاص من الأطباء رأيين في هذه المسألة:

الأول: من رأى منهم أنه لم يثبت طبياً انتقال العدوى بسبب المعاشرة العادية والاختلاط بين الأفراد.

جاء في بحث معلومات أساسية حول مرض الإيدز: “ولم يثبت انتقال العدوى في العائلات حتى ولو لم تتخذ احتياطات إضافية إلا بين الزوج والزوجة، فإذا راعت الأم الأساسيات البسيطة لنقل العدوى فلن تكون مصدر خطر على طفلها…” ([268]).

الثاني: يرى الأخذ بالأحوط، فذكروا أن الصلة الحميمة تفترق عن الممارسات العادية، فالصلة الحميمة قد تسبب انتقال المرض.

جاء في كتاب الإيدز وباء العصر: “تحدث الإصابة بعد الولادة نتيجة الالتصاق والصلة الحميمة بين الجنين وبين أمه، أو الأب المصاب قبل ظهور الأعراض غالباً”([269]).

وأما الفقهاء فقد افترقوا في هذه المسألة: بناءً على افتراق أهل الاختصاص، إلا إذا تم الأخذ بالأصل وهو الحضانة، أو الاحتياط وهو عدمها مراعاة لصالح المحضون.

فعند الفقهاء المتقدمين:

جاء عند المالكية: اشتراط خلو الحاضن أو الحاضنة من العاهة أو المرض المضر كقولهم: “يشترط في الحاضنة العقل، والكفاية، وأن لا يكون بها جذام يضر ريحه أو رؤيته، ومثله كل عاهة مضرة يخشى على الولد منها، ولو كان بالوالد مثله؛ لأنه بالانضمام حصل زيادة في المرض على ما كان على ما جرت به العادة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (.. وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الأَسَدِ)([270])([271]).

وجاء عند الشافعية والحنابلة مثل ذلك: ففي المجموع المذهب: “لو كانت الأم مجذومة والولد غير رضيع فينبغي القول بإسقاط حضانتها” ([272]).

وجاء في كشاف القناع: “وإذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها في الحضانة كما أفتى به المجد ابن تيمية، وصرح بذلك العلائي الشافعي في (قواعده)، وقال: لأنه يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها”، وقال في الإنصاف: “وقال غير واحد وهو واضح في كل عيب متعد ضرره إلى غيره، فالجذامى ممنوعون من مخالطة الأصحاء، فمنعهم من حضانتهم أولى”([273]).

وجاء في الكشاف: “ولا يجوز للجذماء مخالطة الأصحاء عموماً …….. وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الأصحاء بأن يسكنوا في مكان منفرد  لهم” ([274]).

وعلى ذلك فالفقهاء المتقدمون يرون إسقاط الحضانة عن المصاب بمرض يمكن انتقاله إلى المحضون، ويكون خطراً عليه، كالجذام وغيره.

وأما الفقهاء المتأخرون فرأيهم في هذه المسألة:

* أنه إذا لم يكن للمحضون حاضن بديل، فلا تسقط حضانته([275]).

* أن الأفضل هو إبعاد المحضون عن المصاب.

* واختلفوا فيما إذا كان هناك بديل للمحضون، ولكن الحاضن الأقرب مصاب.

وعلى ما سبق فلهم في هذه المسألة قولان:

الأول: لا يجوز إسقاط الحضانة من المصاب بمرض معدي:

وقال بذلك جملة منهم، وهو ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي([276])، وكذا الندوة الفقهية الطبية.

جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم:90 (7/9) بشأن مرض الإيدز والأحكام الفقهية المتعلقة به جاء في الفقرة: “رابعاً: حضانة الأم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) لوليدها السليم وإرضاعه:

لما كانت المعلومات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم

المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز لوليدها السليم وإرضاعها له، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية، فإنه لا مانع شرعاً من أن تقوم الأم بحضانته ورضاعته ما لم يمنع من ذلك تقرير طبي” ([277]).

والواضح أن المجمع جزم بعد إسقاط الحضانة والحال هذه، ما لم يأت الطب بإثبات انتقال العدوى عن هذا السبيل.

القول الثاني: إيقاف حضانة المصاب بمرض الإيدز حتى يتضح الأمر، ويقطع بعد الانتقال، إن وجد من يقوم بحضانته غير المصاب([278]).

جاء في كتاب الإيدز أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعية: بعد ذكر المؤلف لبعض أقوال الفقهاء المتقدمين الداعية إلى إسقاط الحضانة، قال: “….. وعليه فإن القول بإيقاف حضانتها حتى يتضح الأمر قول وجيه، فإن امتنع الولي وأصر فسق..” ([279]).

وقال قبل ذلك: “.. ولكن الذي أميل إليه والحالة هذه من عدم وضوح وسائل انتقاله: أنه يأخذ حكم الجذام والبرص حتى يقطع بعدم الانتقال بالمعايشة إن وجد من يقوم بحضانته غير المصاب، وإلا وجب بقاؤه مع المريض”([280]).

والراجح من هذين القولين: أن يكون الطفل في حضانة أمه من حيث وجوده في البيت وأشرافها عليه، وهذا يفي بالأغراض المرادة من الحضانة عطفاً وتربية وحناناً، ولكن دون ملاصقة حميمة أو تقبيل في الفم خاصة تفادياً لاحتمال انتقاله بواسطة اللعاب ـ وإن ضعف ـ مما قد يكون سبباً لنقل المرض.

 

المطلب الثاني:

حضانة الأم السليمة

للطفل المصاب

مما سبق يتبين أن الخوف الحاصل على الطفل سيكون هو نفسه المخوف على الأم، وبناءً على ما تقدم ذكره في المطلب الأول، فإذا كان الخوف هناك على الطفل السليم فالمحذور نفسه هنا في حق الأم، إلا أن الاحتمال ضعيف، والأصل عدم انتقال المرض بذلك.

وما تم ذكره في المطلب الأول يذكر هنا من باب أولى، لأن حياة الأم أعظم من حياة الطفل؛ لما يترتب عليها من أعباء الحياة، وتربية الأبناء الآخرين، والقيام بحق الزوج.

ولذلك فإن الحكم السابق في المطلب الأول يطبق على هذه المسألة في هذا المطلب لكون الأم تقوم على حضانة طفلها، وتشعره بحنانها دون تقبيل، أو ملاصقة حميمة ونحو ذلك مما يكون مظنة لانتقال العدوى، وطلباً للاحتياط.

 

المطلب الثالث:

حضانة الأب المصاب

للطفل السليم:

قد يكون الأب هو الحاضن للطفل السليم، ويكون هو المصاب بالمرض المعدي، وقد تكون الأم متوفاة أو متزوجة بأجنبي، أو لا تستطيع الحضانة لسبب أو لآخر، والأب المصاب هو الأولى بالحضانة ففي هذه الحالة، وبناء على ما تقدم من كلام أهل الاختصاص من الأطباء، والأئمة الفقهاء المتقدمين والمتأخرين: فيجوز للأب المصاب أن يحضن ولده السليم بناءً على المعطيات الطبية الحالية لأنه لا خطر على الأب منه، ولكن ينبغي أن يحتاط الأب لنفسه، وأن تكون ممارسته واختلاطه بالمحضون فيها شيء من التحفظ ـ بإذن الله تعالى ـ..

 

الخاتمة

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، وبعونه تقضى الحاجات، والصلاة والسلام على قدوة الأنام، ورسول الإسلام الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد:

فهذا البحث أردت فيه بيان بعض الأمور الهامة التي تحتاجها المرأة المسلمة في حياتها الزوجية والاجتماعية، وإني أحمد الله على توفيقه وإعانته وتيسيره وأسأله المزيد من فضله. ووصيتي لنساء المسلمين في جميع أنحاء العالم أن يتوجهن الاتجاه الصحيح في طلب العلم الشرعي حيث الحاجة شديدة إلى معرفته من أجل الدفاع عن الإسلام، ولاسيما في قضايا المرأة، خاصة في وقتنا الحالي الذي كثر فيه التهجم على الشريعة وأهلها وخاصة المرأة، وكثر فيه البعد عن الله تعالى، والله تعالى أوضح لنا السبل الموصلة إليه وذلك ببذل الجهد والوقت من أجل التحصن به من مزالاق شياطين الإنس والجان، ويا بشرى لمن سمع وعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)([281]).

هذا ما تم تقييده فما كان فيه من صواب فبتوفيق من الكريم المنان، وما كان فيه من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان، وإني أرجو الله تعالى أن يبارك في هذا البحث، وأن ينفع به المسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها. وأسأله جل في علاه أن يجعله خالصاً لوجهه، مقبولاً عند خلقه، وأن يجعله حجة لنا لا علينا، وأن يكون في موازين الحسنات يوم نلقاه.  وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

الفهرس

الموضوع
المقدمة:
المبحث الأول:  الفحص الطبي قبل الزواج ومدى الإلزام به، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: إلزام الحاكم به:
الفحص الطبي قبل الزواج
سلبيات الفحص الطبي قبل الزواج:
الفحص الطبي قبل الزواج من الناحية الشرعية
أدلة جواز الفحص الطبي من الناحية الشرعية
المطلب الثاني: إلزام ولي أمر المرأة به:
تعريف الولي:
المبحث الثاني: الزواج من المصاب بالمرض المعدي:
المطلب الأول: إذا كان أحد الخاطبين هو المصاب:
المطلب الثاني: إذا كان الخاطبان كلاهما مصابين:
أولاً: من الناحية الطبية:
ثانياً: من الناحية الشرعية:
أقوال العلماء في هذه المسألة:
القول الأول: جواز الزواج
القول الثاني: منع الزواج:
المبحث الثالث: المباشرة للمصاب بالمرض المعدي:
المطلب الأول: المباشرة دون الفرج:
افتراق الأطباء في هذه المسألة:
الخلاصة من الناحية الطبية
المطلب الثاني: استعمال الأشياء الواقية أثناء المباشرة:
تعريف الواقي:
الرأي الطبي في استعمال العازل أو الواقي:
نتيجة استعمال العازل أو الرفال:
الفرق بين استخدام العازل وعدم استخدامه:
أولاً: إذا لم يتم استخدام العازل:
ثانياً: إذا تم استخدام العازل:
الرأي الفقهي في استعمال العازل أو الواقي:
أقوال أهل في هذه المسألة:
القول الأول: أن المباشرة فيما دون الفرج أمر محرم
القول الثاني: أن المباشرة فيما دون الفرج جائزة
المبحث الرابع: حمل المرأة المصابة بالمرض المعدي:
الرأي الطبي في حمل الزوجة المصابة:
مراحل حمل الأم المصابة والعلاج الفعال:
الرأي الشرعي في حمل الزوجة المصابة:
المبحث الخامس: هل يجوز إجهاض حمل المرأة المصابة بالمرض المعدي:
المطلب الأول: إجهاض الحمل قبل أربعين يوماً:
تعريف الإجهاض:
نعمة الأولاد:
أنواع الإجهاض:
الأول: الإجهاض العفوي (التلقائي ـ الذاتي)
الثاني: الإجهاض العلاجي
الثالث: الإجهاض الاجتماعي (الجنائي ـ الإجرامي)
حكم إجهاض الحمل قبل أربعين يوماً
خلاف العلماء………
الرأي الطبي في هذه المسألة:
الراجح في حكم الإجهاض قبل الأربعين
المطلب الثاني: إجهاض الحمل بعد الأربعين وقبل نفخ الروح:
بعض آراء المعاصرين في هذه المسألة:
الفريق الأول: يرى جواز الإسقاط
الفريق الثاني: يرى حرمة الإسقاط
المطلب الثالث: إجهاض الحمل بعد نفخ الروح فيه:
حكم الإجهاض بعد نفخ الروح عند الفقهاء:
المبحث السادس: استدامة العشرة بين الزوجين المصابين أو أحدهما:
المطلب الأول: استدامة العشرة إذا كان أحد الزوجين هو المصاب:
تعريف العشرة:
حكم العشرة بالمعروف:
الحث على العشرة بالمعروف:
مسألة: هل يمكن استدامة العشرة بين الزوجين إذا كان أحدهما مصابا:
رأي الفقهاء المتأخرين حول هذه المسألة:
المطلب الثاني: استدامة العشرة إذا كان الزوجان كلاهما مصابين
المبحث السابع: التفريق بين الزوجين المصابين أو أحدهما عند الطلب:
المطلب الأول: طلب الزوجة السليمة الفرقة أو التعويض من الزوج المصاب:.
تعريف الفرقة:
من أسباب الفرقة عند الفقهاء:
شروط التفريق للعيب عند الفقهاء:
مسألة: هل يعد الرضا بالعيب قبل النكاح مسقطاً للخيار، كما لو أخبرها بعنته فرضيت بذلك صراحة أو دلالة؟
مسألة: هل يحق للزوجة أن تطلب التعويض من الزوج المصاب عند طلب الفراق؟
مسألة: هل يحق للزوجة طلب تعويض زائد عن المهر؟
المطلب الثاني: طلب الزوج السليم التعويض عند فراق الزوجة المصابة:
أولاً: حكم طلب الزوج السليم الفرقة بسبب عيب في الزوجة:
أقوال العلماء في هذه المسألة:
الراجح في هذه المسألة:
ثانياً: حكم طلب الزوج التعويض من الزوجة المصابة:
الحالة الأولى: إذا كان الزوج يطالب بالتعويض قبل الدخول والخلوة الصحيحة:
أقوال العلماء في هذه الحالة:
الراجح من أقوال العلماء
الحالة الثانية: إذا طالب الزوج بالفرقة من الزوجة المعيبة بعد الدخول أو الخلوة:
أقوال العلماء في هذه المسألة:
الراجح من أقوال العلماء
المبحث الثامن: حضانة المصاب بالمرض المعدي للطفل السليم:
المطلب الأول: حضانة الأم المصابة للطفل السليم:
تعريف الحضانة:
حكم الحضانة:
المستحقون للحضانة:
سقوط الحضانة:
مسألة: إذا تبين أن الأم مصابة بمرض معدي كالإيدز:
آراء الأطباء في هذه المسألة:
أراء الفقهاء في هذه المسألة:
رأي الفقهاء المتقدمين:
رأي الفقهاء المتأخرين:
المطلب الثاني: حضانة الأم السليمة للطفل المصاب:
المطلب الثالث: حضانة الأب المصاب للطفل السليم:
الخاتمة
الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) سورة آل عمران: الآية 102.

([2]) سورة النساء: الآية 1.

([3]) سورة الأحزاب: الآيتان 70، 71.

([4]) سورة طه: الآية 123.

([5]) سورة يونس: الآية 113.

([6]) الموافقات للشاطبي (2/3).

([7]) سورة الأنبياء: الآية 107.

([8]) سورة الملك: الآية 2.

([9]) سورة المائدة: الآية 6.

([10]) سورة البقرة: الآية 183.

([11]) سورة العنكبوت: الآية 45.

([12]) سورة البقرة: الآية 179.

([13]) الموافقات (2/4).

([14]) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام (1/11).

([15]) حسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (3240).

([16]) سورة الأعراف: الآية 189.

([17]) سورة الروم: الآية 21.

([18]) رواه مسلم في كتاب النكاح ـ باب تحريم امتناعها من فراش زوجها (120).

([19]) سورة النحل: الآية 72.

([20]) رواه أحمد (3/158)، وابن ماجة في رواية أخرى (1/599)  كتاب النكاح ـ باب تزويج الحرائر والولود (1863).

([21]) سورة هود: الآية 61.

([22]) سورة آل عمران: الآية 38.

([23]) سورة الفرقان: الآية 74.

([24]) رواه ابن ماجه، والبيهقي، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم ( 2928).

([25]) رواه البخاري في كتاب الطلاق ـ باب إذا عرَّض بنفي الولد (5305).

([26]) رواه أحمد (6/307)، وصححه الألباني في الصحيحة (1/589 رقم 293).

([27]) عادل سناء: ندوة الفحص الطبي، ص17.

([28]) موقف الإسلام من الأمراض الوراثية، شبير محمد عثمان، مجلة الحكمة، العدد السادس، ص210.

([29]) أحكام الزواج في الفقه الإسلامي، لعبد الرحمن الصابوني، ص237.

([30]) الاختبار الجيني والوقاية من الأمراض الوراثية من منظور إسلامي، د. عارف علي عارف، مجلة التجديد، ص124.

([31]) رواه البخاري ـ كتاب التوحيد ـ باب قول الله تعالى:{ويحذركم الله نفسه..}(6856).

([32]) جريدة المسلمون، العدد: 597.

([33]) رواه البخاري ـ كتاب الطب ـ باب ما يذكر في الطاعون (5288).

([34]) بعض هذه الأدلة مستقاة وبتصرف من: كتاب الجنين المشوه، لمحمد علي البار، ص361ـ366، الاختبار الجيني، لعارف علي عارف، ص122ـ 125، موقف الإسلام من الأمراض الوراثية، محمد عثمان شبير، ص 209ـ211.

([35]) سورة آل عمران: الآية 38.

([36]) رواه مالك ـ كتاب النكاح ـ باب ما جاء في الصداق والحباء (4/30 رقم 969).

([37]) رواه البخاري ـ كتاب الطب ـ باب لا عدوى (5330).

([38]) هامة: الهامة الرأس واسم طائر، وهو المراد في الحديث، ذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها وهي من طير الليل، انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، تحقيق: طاهر الزاوي، دار الفكر (5/283).

([39]) جذم: جذم الرجل صار أجذم، وهو مقطوع اليد، والجذام داء، انظر: مختار الصحاح لأبي بكر الرازي، ص42.

([40]) رواه البخاري ـ كتاب الطب ـ باب الجذام (17/476).

([41]) رواه أبو داود، والنسائي، وصححه الألباني في المشكاة (ج2 رقم 3091).

([42]) رواه مسلم ـ كتاب النكاح ـ باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد أن يتزوجها (2552).

([43]) الاستذكار لابن عبد البر، تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي (16/92ـ100).

([44]) روضة الطالبين للنووي (3/176ـ183).

([45]) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، تحقيق محمد حامد فقي، ط2، (8/186ـ202).

([46]) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، تحقيق طاهر الزاوي وآخرين (3/106).

([47]) رواه مالك،وابن ماجة،وأحمد، والبيهقي، والدار قطني، وصححه الألباني في الإرواء (ج3 رقم 896).

([48]) معجم مقاييس اللغة (6/141).

([49]) المعجم الوسيط (2/170).

([50]) لسان العرب (15/401).

([51]) حاشية رد المحتار على الدر المختار (3/55).

([52]) قوانين الأحكام الشرعية ص221، بداية المجتهد (4/214)، المدونة (5/258)، مغنى المحتاج (3/147)، الحاوي الكبير (9/38)، المقنع والشرح الكبير والإنصاف، ت: د.التركي (20/155)، الكافي لابن قدامة، ت:د.التركي (4/223)، المحلى (9/26).

([53])  رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه أحمد، وابن معين، وصححه الألباني في الإرواء(ج6 رقم 1839).

([54]) مواهب الجليل (3/460)، والشرح الكبير (2/249).

([55]) شرح المنهاج،وحاشية القليوبي (3/234)، ومغني المحتاج (3/165)، ونهاية المحتاج (6/251).

([56]) مطالب أولي النهى (5/86)، رد المحتار (2/324)، والمغني (6/485).

([57]) رد المحتار (2/324).

([58]) مصنف عبد الرزاق (6/162،253)، المحلى (10/61)، وانظر: موسوعة فقه عمر ÷، د.قلعجي، ص630،زاد المعاد(5/165).

([59]) رواه البخاري ـ كتاب الأحكام ـ باب قوله تعالى{وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول..} (6605)، ومسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق (3408).

([60]) رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني في إرواء الغليل (ج8 رقم 1303).

([61]) رواه البخاري ـ كتاب النكاح ـ باب الشروط في النكاح(4754).

([62]) سورة التوبة: الآية 119.

([63]) رواه البخاري ـ كتاب الأدب ـ باب قول الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}(5629).

([64]) رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب قول النبي ×:=من غشنا فليس منا+(147).

([65]) سورة البقرة: الآية 195.

([66]) سبق تخريجه، ص 22.

([67]) سبق تخريجه، ص 21 .

([68]) الملخص، د.أحمد رجائي الجندي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع (4/557).

([69])  قصة الإيدز، رفعت كمال، ص91.

([70])  مجلة المجتمع، العدد الثامن (5/9)، قرارات المجمع للدورات من (1 ـ 10) ص185.

([71]) كتاب الإيدز معضلة الطب الكبرى، د.محمد صادق زلزلة، ص147، رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز، بحث معلومات أساسية حول مرضى الإيدز، ود. محمد خياط، ود. محمد حلمي وهدان، ص62ـ99، الأمراض الجنسية، د.نبيل الطويل،ص23.

([72]) أمراض القرن العشرين، د. علي نعمة (1/144).

([73]) الإيدز، د. محمد البار، ود. محمد صافي، ص86.

([74]) المرجع السابق، ص84، 85.

([75]) قصة الإيدز، د. رفعت كمال، ص23.

([76]) الإيدز معضلة الطب الكبرى، د. محمد صادق زلزله، ص352.

([77]) الإيدز وباء العصر، ص70، ورؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز، ص98.

([78]) رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز، د.محمد هيثم خياط، ود.محمد حلمي وهدان، ص69.

([79]) المرجع السابق، ص81.

([80]) المرجع السابق، ص87، 89، 91.

([81]) قصة الإيدز، د.رفعت كمال، ص23، مناقشات الجلسة الطبية الثانية في ندوة رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز ص89، 99، 109، 116.

([82]) إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي مرض الإيدز، أحمد موسى الموسى، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع (4/516).

([83]) سورة البقرة: الآية 195.

([84]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/236).

([85]) سبق تخريجه، ص22.

([86]) رواه مسلم ـ كتاب السلام ـ باب اجتناب المجذوم ونحوه (2231).

([87]) دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة، مجموعة من الباحثين، بحث أ.د. عمر الأشقر (1/63)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، بحث: أحمد موسى الموسى، إجراءات الوقاية الزوجية لمرض الإيدز، العدد التاسع (4/516).

([88]) المحلى (10/63ـ67).

([89]) الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص75، والأشباه والنظائر للسيوطي، ص118.

([90]) الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص76، والأشباه والنظائر للسيوطي، ص119.

([91]) مرض نقص المناعة المكتسبة،د. سعود بن مسعد الثبيتي، مجلة المجمع الفقهي، الدورة التاسعة (4/440)

([92]) الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص107، والأشباه والنظائر للسيوطي، ص174.

([93]) الإيدز وباء العصر، د. محمد البار، د. محمد الصافي، ص89.

([94]) بحث: أحمد موسى الموسى، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة التاسعة (4/512).

([95]) سورة الأعراف: الآية 58.

([96]) الإيدز وباء العصر، د. محمد البار، د. محمد صافي، ص70.

([97]) الإيدز وباء العصر، د. محمد البار، ود. محمد صافي، ص72.

([98]) الإيدز معضلة الطب الكبرى، ص347.

([99]) انظر: معلومات أساسية حول مرض الإيدز، د. محمد هيثم خياط، د. محمد حلمي وهدان، رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز ص62، ومناقشات الجلسة الطبية الأولى، رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز، ص88، 90.

([100]) مناقشة الجلسة الطبية الأولى، رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز، ص88 ـ 90.

([101]) انظر: الأحكام الشرعية المتعلقة بمرض الإيدز، بحث: أ.د. عمر بن سليمان الأشقر، دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة لمجموعة من الباحثين (1/64)، الأمومة ومرض الإيدز، بحث: د. محمد بن سليمان الأشقر، رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز ص302، دور الزواج في الوقاية من مرض الإيدز، د.ولي الطبطباني، رؤية إسلامية، ص293، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة التاسعة (4/512)،(452) بحث: أحمد موسى الموسى، نقص المناعة المكتسبة الإيدز، د. سعود الثبيتي ص40.

([102]) انظر: المراجع السابقة.

([103]) سورة لقمان: الآية 14.

([104]) انظر: المراجع السابقة، ونقص المناعة المكتسبة، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد التاسع (4/417)، الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهية، نفس المجلة (4/623)، نقص المناعة المكتسبة الإيدز، د. سعود الثبيتي ص40.

([105]) انظر: المراجع السابقة.

([106]) دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة، بحث: أ.د. عمر الأشقر (1/64).

([107]) انظر: الأمومة ومرض الإيدز، بحث: د. محمد الأشقر، رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز ص303.

([108]) الإيدز، د. سعود الثبيتي، ص40.

([109]) انظر: قصة الإيدز، د. رفعت كمال، ص19، ومعلومات رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز، ص66.

([110]) انظر: المراجع السابقة ص37.

([111]) الموسوعة الفقهية الكويتية (2/56).

([112]) البحر الرائق (8/389)، حاشية البجيرمي (2/250).

([113]) خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص425.

([114]) العقم: أسبابه وطرق علاجه، أليوت فيليب، ص165.

([115]) سورة الكهف: الآية 46.

([116]) رواه مسلم ـ كتاب الوصية ـ باب ما يلحق الإنسان بعد وفاته (3084).

([117]) سبق تخريجه، ص 9.

([118]) مشكلة الإجهاض دراسة طبية فقهية، د. محمد علي البار، ص12، وما بعدها.

([119]) فتح القدير (2/495)، حاشية ابن عابدين (2/380).

([120]) حاشية الرهوني على شرح الزرقاني (3/264) ط.الأولى.

([121]) تحفة الحبيب (3/303)، حاشية الشرواني (6/248)، نهاية المحتاج (8/416).

([122]) الفروع (6/191)، الإنصاف (1/386)، غاية المنتهي (1/81)، الروض المربع (2/316) ط. السادسة، كشاف القناع (6/54).

([123]) حاشية ابن عابدين (2/380).

([124]) الإقناع بحاشية البجيرمي (4/129 فما بعدها).

([125]) حاشية ابن عابدين (2/380).

([126]) حاشية الدسوقي (2/266ـ 267) ط. عيسى الحلبي.

([127]) نهاية المحتاج (8/416).

([128]) بداية المجتهد (2/453) ط.1386هـ، والغرة كما في كتب اللغة: عبد أو أمة، وأصل الغرة البياض في وجه الفرس، واستعملت بمعنى العبد والأمة مجازاً. ورجح القاضي عياض: أن لفظ الغرة جاء في الحديث القائل:=غرة عبد أو أمة+ جاء منوناً فيكون ما بعده جاء على سبيل التفسير.  وقال ابن أبي عاصم: إن من ليس عنده عبد ولا أمة يجزيه عشر من الإبل. (نيل الأوطار 7/70).

([129]) تحفة الحبيب (3/303)، حاشية الشرواني (6/248)، نهاية المحتاج (8/416).

([130]) الإنصاف (1/386)، المغني (7/816)ط. الرياض.

([131]) الإيدز معضلة الطب الكبرى، ص352.

([132]) وهذا مقتضى رأي كافة الأطباء أو أكثرهم بعد انخفاض نسبة احتمال الإصابة إلى 2% بالعلاج الفعال.

([133]) مختار الصحاح، ص489.

([134]) سورة الحج: الآية 5.

([135]) سورة المؤمنون: الآية 12، 13.

([136]) تفسير القرآن العظيم (3/251).

([137]) رواه البخاري ـ كتاب التوحيد ـ باب:{ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين}(7016)، ومسلم ـ كتاب القدر ـ باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله ..(2643).

([138]) المشج: مفرد أمشاج، قال تعالى:{من نطفة أمشاج نبتليه}(الإنسان:2)، فقيل: نطفة الرجل مختلطة بنطفة المرأة، وما اختلط سمته العرب أمشاجاً، انظر: أحكام القرآن للشافعي (2/189).

([139]) الاكتشافات العلمية الحديثة، ص20.

([140]) فتاوى هيئة كبار العلماء (رقم 140 وتاريخ:20/6/1407هـ).

([141]) المسؤولية الجنائية للأطباء، الخولي، ص113.

([142]) ندوة (الإنجاب في ضوء الإسلام)، ص351،نقلاً عن محمد عبد الجواد، بحوث في الشريعة الإسلامية والقانون في الطب الإسلامي، ص58.

([143]) نظرية الضرورة الشرعية، لابن المبارك، ص427.

([144]) مسألة تحديد النسل، للبوطي، ص89.

([145]) المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم (3/121).

([146]) مشكلة الإجهاض، د. محمد البار، ص45.

([147]) سبق تخريجه، ص71.

([148]) الشرح الكبير المطبوع مع حاشية الدسوقي (2/267) ط عيسى الحلبي، حاشية الرهوني على شرح الزرقاني (3/464) ط 1306هـ، ونظر: البحر الرائق (8/233) ط العلمية الأولى، حاشية ابن عابدين (1/602، 5/378) ط1272، فتح القدير (2/495) ط بولاق، نهاية المحتاج (8/416) ط مصطفى الحلبي، حاشية الجمل (5/409) ط الميمنية، حاشية البجيرمي (3/303) ط مصطفى الحلبي، والزرقاني على التحفة (6/248)، الإنصاف (1/186)، الفروع (1/191)،المغني (7/815) ط الرياض، المحلى (11/29ـ31) ط المنيرية 1352هـ.

([149]) الدر وحاشية ابن عابدين (1/602)، وانظر: البحر الرائق (8/233)، والمجموع (5/301) ط. المنيرية، واللجنة ترى: أنه إذا كان الفقهاء منعوا هتك حرمة جسد الأم وهي ميتة وضحوا بالجنين الحي، فإن الحفاظ على حياة الأم إذا كان في بقاء الجنين في بطنها خطر عليها أولى بالاعتبار لأنها الأصل وحياتها ثابتة بيقين، علماً بأن بقاء الجنين سيترتب عليه موت الأم وموت الجنين أيضاً. وفي الطب الحديث أنه إذا تعذر إجراء عملية قيصرية لإخراج الجنين وإنقاذ حياة الأم فإنه يمكن إجهاضها بواسطة تقطيع الجنين، أو ثقب رأسه وإنزاله ميتاً، (انظر: المسؤولية الطبية، قانون العقوبات للدكتور/فائق الجوهري، رسالة لنيل الدكتوراه من حقوق القاهرة 1951م، فيجب مراعاة مقاصد الشريعة التي لا تأبى ذلك.

([150]) الأسرة ومرض الإيدز، د. جاسم بن علي سالم، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع (4/486).

([151]) منشور مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الثامن، 1991م.

([152]) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي للدورات من (1ـ10)، ص205، ومجلة المجتمع العدد الثامن (3/9).

([153]) ملخص أعمال الندوة الفقهية الطبية السابعة، د. أحمد رجائي الجندي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة التاسعة (4/564).

([154]) لسان العرب، والمصباح المنير، مادة: عشرة.

([155]) رواه البخاري ـ كتاب الحيض ـ باب ترك الحائض الصوم (293)، مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر  (114).

([156]) كشاف القناع (5/184)، مطالب أولي النهى (5/254).

([157]) بدائع الصنائع (2/334)، كشاف القناع (5/185).

([158]) أحكام القرآن لابن العربي (1/363).

([159]) سورة النساء: الآية 19.

([160]) سورة البقرة: الآية 228.

([161]) المغني لابن قدامة (7/18) ط. الرياض، أحكام القرآن للجصاص (1/442) ط المطبعة البهية 1347هـ.

([162]) رواه ابن ماجة (1/594)، وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة (1/594) رقم (1851).

([163]) سورة النساء: الآية 19.

([164]) تفسير الطبري (4/312)، إعانة الطالبين (3/371).

([165]) أحكام القرآن للجصاص (2/132).

([166]) الإيدز وباء العصر، ص70، الإيدز معضلة الطب الكبرى، ص142، قصة الإيدز، ص23.

([167]) قصة الإيدز، ص23.

([168]) معلومات أساسية حول مرض الإيدز، د. محمد هيثم الخياط، د. محمد حلمي وهدان.

([169]) بحث إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي من مرض الإيدز، أحمد الموسى، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع (4/516).

([170]) بحث الأحكام الشرعية المتعلقة بمرض الإيدز، أ.د. عمر الأشقر.

([171]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع (4/516).

([172]) بحث الأحكام الشرعية المتعلقة بمرض الإيدز، أ.د. عمر الأشقر.

([173]) د. هيثم الخياط، مناقشات الجلسة الفقهية الثانية، رؤية إسلامية لمشكلات الإيدز، ص327.

([174]) دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة، بحوث لجمع من الباحثين، بحث الإيدز، أ.د. عمر الأشقر (1/37).

([175]) لسان العرب، ومتن اللغة، مادة: فرقة.

([176]) المنثور في القواعد (3/24، 25).

([177]) فتح القدير (3/267)، البحر الرائق (4/126).

([178]) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (2/277) مغني المحتاج (3/202،203) المغني لابن قدامة (7/125،127)

([179]) الجب: عند الجمهور هو: قطع الذكر والأنثيين، ومثله في الحكم قطع الذكر وحده، فإذا كان الذكر صغيراً كالزر فهو كالمجبوب في الحكم أيضاً. وعند المالكية: هو قطع الذكر والأنثيين الجمهور، ومصله قطع الأنثيين دون الذكر عند المالكية.

([180]) الخصاء عند الجمهور هو: قطع الأنثيين أو رضّهما أو سلهما دون الذكر وعند المالكية قطع الذكر دون الأنثيين.

([181]) العنّة عند الجمهور: هي العجز عن الوطء مع سلامة العضو، وسمي بذلك لأن الذكر يعن يمنة ويسرة ولا يطأ في الفرج، وذهب المالكية إلى أن العنة هي صغر الذكر بحيث لا يتأتى به الجماع.

([182]) الاعتراض: عند المالكية: هو عدم انتشار الذكر، ويقابله عند الجمهور العنة.

([183]) الرّتق: هو انسداد محل النكاح، بحيث لا يمكن معه الوطء، وربما كان ذلك لضيق في عظم الحوض أو لكثرة اللحم فيه.

([184]) القرن: هو شيء ناتئ في الفرج يسده ويمنع الوطء، وربما كان ذلك من لحم أو عظم.

([185]) العفل: رغوة في الفرج تحدث عند الجماع، أو هو ورم في اللحمة التي بين مسلكي المرأة فيضيق به فرجها فلا ينفذ به الذكر، وقيل: هو القرن.

([186]) الإفضاء: هو اختلاط مسلك النكاح مع مسلك البول، أو اختلاط مسلك النكاح مع مسلك الغائط.

([187]) البخر: هو نتن الفرج، أو نتن الفم.

([188]) الجنون: هو آفة تعتري العقل فتذهب به.

([189]) الجذام: هو علة يحمرّ منها العضو، ثم يسود ثم يتقطع ويتناثر، ويتصور ذلك في كل عضو من أعضاء الجسم، إلا أنه في الوجه أكثر.

([190]) البرص: هو بقاء بقع بيضاء على الجلد تزداد اتساعاً مع الأيام، وربما نبت عليها شعر أبيض، وربما كانت بقعة سوداء.

([191]) العذيطة: هي التغوط عند الجماع، والتبول مثله.

([192]) الخرشي (2/73).

([193]) مغني المحتاج (3/302).

([194]) المغني (7/582) مع الشرح الكبير.

([195]) ابن عابدين (3/494)، الشرح الكبير (2/277)، مغني المحتاج (3/202)، المغني (7/125).

([196]) زاد المعاد (5/166).

([197]) بدائع الصنائع (2/327)، بداية المجتهد (2/55)، مغنى المحتاج (3/203) نقلاً عن الأم، (المغني (7/581) مع الشرح الكبير. وكل هذه العيوب المنصوص عليها ليست للحصر، إنما هي للتمثيل، ولذلك فإنه يلحق بها كل ما كان في معناها أو زاد عليها، كالإيدز وما شابهه من الأمراض التي تفوق بعض ما ذكر.

([198]) الشرح الكبير (2/277).

([199]) المغني (7/128، 129)، مغني المحتاج (3/203).

([200]) الدسوقي (2/277).

([201]) المغني (7/112).

([202]) المرجع السابق.

([203]) قرارات وتوصيات المجمع للدورات من(1ـ10)ص205، 206،ومجلة المجمع العدد الثامن (3/9)

([204]) ملخص أعمال الندوة، د. أحمد رجائي الجندي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع (4/559)، ومجلة الندوة ص343ـ457.

([205]) البقرة: 185.

([206]) الإيدز، د. سعود الثبيتي، ص36.

([207]) سبق تخريجه، ص20.

([208]) رواه عبد الرزاق في مصنفه (6/253).

([209]) الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص113، الأشباه والنظائر للسيوطي، ص179.

([210]) الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص105، الأشباه والنظائر للسيوطي، ص173.

([211]) المصدران السابقان.

([212]) الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص105، الأشباه والنظائر للسيوطي، ص172.

([213]) الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص96، الأشباه والنظائر للسيوطي، ص160.

([214]) سورة الشرح: الآية 5.

([215]) سورة الحج: الآية 78.

([216]) المتعة: هي ما يعطيه الزوج لزوجته المطلقة زيادة على مهرها استحباباً أو بدلاً عنه كما في نكاح المفوضة ـ الذي خلا من تسمية المهر ـ وجوباً وهي غير محددة بل المعروف على قدر حال الزوج المفارق.

([217]) بدائع الصنائع (2/326)، ملتقى الأبحر (1/289)، المبسوط (5/104).

([218]) الفواكه الدواني (2/68)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/285).

([219]) يقصد بذلك: الخلوة الصحيحة، وهذا عند الحنابلة، انظر: كشاف القناع (5/158).

([220]) الأم (5/91)، المجموع (11/275)، مغني المحتاج (3/204).

([221]) الإنصاف للمرداوي (8/201)، كشاف القناع (5/113)، المغني (6/655).

([222]) الفتاوى الكبرى (3/129).

([223]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير(2/285) الفواكه الدواني(2/68)،مواهب الجليل (30/491).

([224]) سورة البقرة: الآية 237.

([225]) سورة البقرة: الآية 241.

([226]) فتح القدير (3/264)، الفواكه الدواني (2/68).

([227]) رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز، د. عبد الرزاق الشايجي، ص395.

([228]) الأم (5/91)، حاشية الشرقاوي (2/256)، الخرشي على مختصر خليل (3/244)، مواهب الجليل (3/497)، المبسوط (5/102)، اللباب في شرح الكتاب للميداني (3/25)، المغني لابن قدامة (6/655)، الإنصاف في معرفة الخلاف للمرداوي (8/201).

([229]) حاشية رد المحتار على الدر المختار(3/137) بدائع الصنائع(2/291) اللباب في شرح الكتاب (3/17).

([230]) حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع (6/345)، مطالب أولي النهى (5/152)، الإنصاف (8/201)، المقنع (3/59).

([231]) ملتقى الأبحر (1/249)، المبسوط (5/102).

([232]) جواهر الإكليل (1/302)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/286)، الخرشي على مختصر خليل (3/244)، المدونة (2/145).

([233]) إعلام الموقعين (1/318).

([234]) المبسوط (26/81)، الأم (6/83)، المغني مع الشرح الكبير (9/665).

([235]) حاشية ابن عابدين (5/515)، مجمع الضمانات للبغدادي ص171.

([236]) بلغة السالك لأقرب المسالك (2/370).

([237]) بداية المجتهد(2/43) الإفصاح في معاني الصحاح (2/133) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص274.

([238]) الدسوقي على الشرح الكبير (2/277)، مواهب الجليل (3/483)، المدونة الكبرى (2/167) حاشية البجيرمي (3/387).

([239]) فتح الوهاب (2/49)، المجموع (16/268)، مغني المحتاج (3/202).

([240]) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (32/171)، القواعد لابن رجب ص332، المغني لابن قدامة (6/650)، حاشية الروض المربع (6/334)، المحرر في الفقه لأبي البركات (2/24).

([241]) الاختيار للموصلي (3/115) بدائع الصنائع (2/332) الهداية (2/27)، الفتاوى الهندية (3/273).

([242]) المحلى (11/357).

([243]) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار للشوكاني (2/289).

([244]) الأم (5/91)، مغني المحتاج (3/204)، المجموع (16/275).

([245]) الإنصاف (8/201)، زاد المعاد (5/168)، المغني (6/655)، كشاف القناع (5/113).

([246]) حاشية الدسوقي (2/285)، سراج السالك للجعلي (2/59)، الفواكه الدواني (2/68)، مواهب الجليل (3/491)

([247]) الفواكه الدواني (2/68)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/285).

([248]) بدائع الصنائع (2/291)، حاشية رد المحتار على الدر المختار (3/137).

([249]) المبسوط (5/102)، اللباب في شرح الكتاب (3/16، 17).

([250]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/286)، الخرشي على مختصر خليل (3/244)، جواهر الإكليل (1/302).

([251]) الجمل على شرح المنهج (4/216)، روضة الطالبين (7/181)، مغني المحتاج (3/204)، نهاية المحتاج (6/306)، المجموع (16/275)

([252]) المجموع (16/275)، نهاية المحتاج (6/307).

([253]) مغني المحتاج (3/205)، نهاية المحتاج (6/308)، روضة الطالبين (7/181).

([254]) الأنصاف(8/201)،المقنع(3/59)، حاشية الروض المربع (6/345)، زاد المعاد (5/168).

([255]) كشاف القناع (5/113)، المغني (655).

([256]) انظر المراجع السابقة، ومطالب أولي النهى (5/152)، زاد المعاد (5/168).

([257]) سبق تخريجه، ص20 .

([258]) كشاف القناع (6/656)، الكافي (3/62)، مطالب أولي النهى (5/152).

([259]) كشاف القناع (5/114).

([260]) كشاف القناع (5/114)، الكافي (3/62)، مطالب أولي النهى (5/152).

([261]) كشاف القناع (5/114)، المبدع لابن مفلح (7/111)، الكافي لابن قدامة (3/13).

([262]) لسان العرب، المصباح المنير، مادة: حضن.

([263]) مغني المحتاج (3/452)، كشاف القناع (5/495، 496)، المغني (7/613)، القوانين الفقهية، ص224، ابن عابدين (2/641).

([264]) الفواكه الدواني (2/102)، المغني (7/612).

([265]) ابن عابدين (2/636)، الدسوقي (2/532)، نهاية المحتاج (7/219)، مغني المحتاج (3/456)،  كشاف القناع (5/496)، المغني (7/624)

([266]) رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وحسَّنه الألباني في الصحيحة (1/709) رقم (368).

([267]) الموسوعة الفقهية الكويتية (17/313)، أثر مرض الإيدز في الأحكام الفقهية، د. راشد الشهري، رسالة دكتوراه، ص628.

([268]) رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز، ص66.

([269]) الإيدز وباء العصر، ص69، الأمراض الجنسية، د. محمد البار، ص143.

([270]) سبق تخريجه، ص20.

([271]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/52)مغني المحتاج(3/456) كشاف القناع (5/499).

([272]) المجموع المذهب للعلائي(5/258).

([273]) كشاف القناع (5/499) حاشية الدسوقي (2/52)، مواهب الجليل (4/215)، نهاية المحتاج (6/273)، الأم (5/74).

([274]) كشاف القناع (6/126)، شرح منتهى الإرادات (3/267).

([275]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع (4/490، 566)، قرارات مجمع الفقه الإسلامي للدورات من (1،10)، ص(204)، رؤية إسلامية لمرض الإيدز، ص272، نقص المناعة المكتسبة الإيدز، أ.سعود الثبيتي، ص43.

([276]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع (4/490)، قرارات مجمع الفقه الإسلامي للدورات، ص(204)، ملخص أعمال الندوة الفقهية الطبية السابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة التاسعة (4/566)، حكم الإجهاض والحضانة في ظل مرضى الإيدز؛ أ.د. محمد أبو النيل، رؤية إسلامية لمرض الإيدز، ص272.

([277]) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي (1ـ97)، ص206، مجلة المجمع، العدد الثامن (2/571).

([278]) مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، د. سعود الثبيتي، ص43.

([279]) رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز، ص248.

([280]) المرجع السابق، ص247.

([281]) رواه مسلم ـ كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ـ باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر (4867).