124 – لقاء مفتوح

الثلاثاء 25 رجب 1445هـ 6-2-2024م

 

124 –  لقاء مفتوح pdf

 

 

لقـاء مفتـوح

 

تأليف

أ.د/ عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

1- لو عدنا بالذاكرة إلى الوراء لنسأل عن بدايتكم في طلب العلم.

2- عُرف عن الشيخ د. عبد الله قيامه بجمع وإعداد بعض مؤلفات الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ كيف البداية ؟ وما الأسباب التي دعتكم لذلك ؟

3- لا شك أن الذاكرة تحتفظ بالكثير من المواقف مع الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ هلا أطلقت العنان لهذه الذاكرة لتعرض لنا شيئاً من ذلك ؟

4- كثر الاهتمام في الآونة الأخيرة بموضوع ( الرؤى ) ما أسباب ذلك ؟

5- كثر الاهتمام أيضاً بموضوع ( الرقية ) فبماذا توجهون حيال ذلك ؟

6- الشباب هم محور الاهتمام هذه الأيام خاصة مع ضلوع الكثيرين منهم في الأحداث الأخيرة، كيف يرى فضيلتكم التعامل المناسب مع هذه الفئة ؟

7- التعجل بدفع الفتى أو الفتاة إلى مجال الإلقاء والخطابة خاصة إذا التمس فيه نوع من الذكاء والألمعية والتوقد في هذا الجانب، هل تعتبرها خطوة إيجابية أم عكس ذلك ؟

8- الفتاوى المباشرة في الإذاعة والتلفاز تعرض أسئلة خاصة في العلاقات الزوجية يعترض البعض على طرحها بهذه الكيفية، فما رأيكم ؟

9- كثرة الإصدارات للكتيبات والرسائل والمطويات يراه البعض بعين التفاؤل كظاهرة إيجابية بينما يراها البعض الآخر بعين الضيق كظاهرة سلبية تنتج علماً هزيلاً ودعوة ضعيفة، ما تعليقكم ؟

10- التلمذة على يد شيخ فاضل مسلك ورثناه عبر الأجيال في طريق طلب العلم، هلا حدثتنا عن محاسن هذا المسلك ؟

  

ج1: خلق الله الخلق لعبادته وفي هذا المجال يتنافس المتنافسون، ويتسابق الجادون المشمرون، وكان هدي سلف الأمة السبق في هذا الميدان. وطلب العلم من أفضل الأعمال التي تقضى فيها الأوقات وتبذل الأموال وتضاعف فيها الجهود.

ولقد يسر الله لي أن التحقت بالمعهد العلمي وفيه وعلى أيدي بعض المشايخ الموثوقين بدأت الرغبة في العلم والاستزادة منه، وهكذا استمر الحال في كلية الشريعة ثم الدراسات العليا.

ولقد استفدت كثيراً من بعض العلماء منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ـ غفر الله لهم جميعاً وجزاهم عني وعن طلاب العلم خير ما يجزي شيخاً عن تلميذه ـ.

  

ج2: كانت البداية حينما كنت أحضر في دروس الشيخ الخاصة، ألح عليّ بعض المحبين أن أُخرج بعض مؤلفات الشيخ فاستأذنته في ذلك فأعطاني إذناً خطياً، وأخرجت مجموعة منها، ثم طلب مني رحمه الله أن أتوقف لإعادة النظر في مؤلفاته، ثم أذن لي في آخر حياته في إخراج اللقاء الشهري والباب المفتوح، ومعي الشيخ محمد السحيباني. أما الأسباب فالشيخ له فضل علينا كبير وما نقوم به جزء من رد جميله وفضله علينا جمعنا الله به في دار كرامته.

  

ج3: المواقف كثيرة وقد أشرت إلى طرف منها في محاضرة عن (مواقف من حياة الشيخ محمد رحمه الله )، ولكن أمثل بمثالين:

الأول: أن الشيخ من أحرص الخلق على سلامة الصدر والصفح عن المخالف، ولو أساء الأدب معه، ولقد كتب أحد الصحفيين مقالاً لمز فيه الشيخ في رأيه في إحدى المسائل العلمية الكبيرة، وهذا الصحفي ليس بطالب علم ولكن هذا أحد طرق الشهرة النيل من أحد القمم العالية يلفت الأنظار للشخص لكن حاله وحال الشيخ كقول القائل:

كناطح صخرة يوماً ليوهنها  ***     فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

فقلت للشيخ أنا أعتزم الرد على هذا الصحفي، فقال الشيخ دعه فالرد يشهره وأنا لا أهتم بمثل ذلك، فقلت للشيخ لكن الناس يهتمون بهذا الأمر ويطلبون منا أن ندافع عن شيخنا، فقال: الأمر أهون وأيسر ولعلنا ننشغل بما هو أنفع وأصلح للمسلمين، ثم ألحيت على الشيخ أن أرد على هذا الصحفي فأذن لي، وقال: لكن هذا الأمر أنت مسؤول عنه، فقلت نعم أتحمل مسؤوليته كاملة وما يترتب عليه.

الثاني: الموقف الآخر كان بداية العلاقة القوية بالشيخ حينما تعينت عميداً لكلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم عام 1403هـ قبل عشرين عاماً، ودعاني الشيخ للغداء وحدد لي موعداً بالساعة، وقال لي لا تتأخر، فتأخرت عشر دقائق لظرف خاص بالشيخ المدعو معي، لكن شيخنا خرج من منزله وركب سيارته وقال بعد أن وقفنا عند بابه أنتم تأخرتم وأنا عندي موعد وإن رغبتم تغدوا مع الأولاد، فتفاجأت بالأمر وقلت للشيخ لن أدخل إذا لم تكن معنا، فتبسم ودخل معنا وتغدينا عنده، فقلت للشيخ أتذهب وتتركنا؟ فضحك وقال عليكم بالدقة في المواعيد، وقد كان ذلك درس لي في هذا الباب.

  

ج4: الواقع أن الناس بالغوا في هذا الأمر وتصدى له من لا يحسن، وما علم هؤلاء أن التعبير فتوى، وقد أحجم عن ذلك كثير من العلماء، وانبرى هؤلاء الشباب لهذا الأمر، بل أصبح الواحد منهم يعرض بضاعته وفي المجالس يقول عبرت كذا وكذا، ووقع كذا وكذا ولاشك أن هذا نوع من الفتنة، وقد طالبت سابقاً بوقف مثل هذا الأمر وحسمه، وألا يتصدى له إلا العلماء الموثوقون الذين منحهم الله العلم والورع والتقى. وإني أطلب من كل من ابتلي بهذا الأمر أن يتقي الله في نفسه وفي المسلمين، وألا يقدموا على شيء حتى يتثبتوا، فكم من أسرة تفرقت بسبب تعبير خاطئ، وكم من شخص ظلم بسبب متسرع ممن يعبرون الرؤيا، وسيقف بين يدي الله جل وعلا ويسأله عن ذلك، ولا أنسى ذلك الشخص الذي اتصل بي يشكو أحد المعبرين ويأخذ رأيي في مقاضاته لأنه تسبب في طلاق قريبته حيث عبَّر لزوجها رؤيا أشعره فيها أن عنده امرأة فاسقة، فاتهم الزوج زوجته وانتهت حياتهما بالفراق. ولعل أهم أسباب الحرص على تعبير الرؤيا هو الرغبة في الشهرة، حمانا الله وإياكم من ذلك.

  

ج5: وهذه مثل أختها السابقة، فالرقية توسع الناس فيها، ووضعوا حولها قصصاً وحكايات، وانبرى بعض الجهلة للرقية رغبة في المال، أو طمعاً في الشهرة، أو لأن في القلب مرضاً وجد أن طريق تغذيته الرقية وخصوصاً للنساء، وكم حصل من المصائب والبلايا في هذا الباب. ولقد وقع بعضهم في أمور تخل بالمعتقد وعند بيان الأمر له قال لم أنتبه لمثل ذلك.

المهم أن الناس توسعوا في هذا الباب، فهذا قارئ يلمس المرأة، يلمس يدها، رجلها، جسدها، كيف يجوز له ذلك.

وآخر يستخدم الجن ويزعم أنه يستخدم جناً صالحين، ومن هذا الرجل الذي دانت له الجن، ومن الذي يقول أن هؤلاء من الجن الصالحين، الأمر جد خطير ويحتاج إلى وقفات، بل يحتاج إلى تدخل عاجل وحاسم من الجهات ذات العلاقة بهذا الأمر، الهيئات، ووزارة الشؤون الإسلامية، والإفتاء، ووزارة التربية والتعليم، وغيرها من الجهات التي لها اهتمام بهذا الأمر.

  

ج6: الشباب هم بحر الأمة الدافق، وقلبها النابض، هم أمل المستقبل وزينة الحاضر.

ولذا كثرت حولهم المصائب، وخطط الأعداء لاصطيادهم بكل وسيلة متاحة، وهؤلاء الشباب مثل العجينة بيد الخباز يقلبها حسب ما يريد، فهم أمانة في أيدي آبائهم وأولياء أمورهم، ومعلموهم عليهم أن يوجهوهم لما فيه خيرهم وخير أمتهم وبلادهم.

والشباب كما قلت: سريعو التأثر والتأثير، ولذا يغرر بهم أحياناً، فيمشون خلف الأعداء في أفكار ساقطة مشينة، وأحياناً يقتنعون بأفكار فيها غلو وتطرف وهذه سمة ظاهرة لشباب هذا الوقت.

ووصيتي للدعاة والمسؤولين عن القطاعات الشبابية أن يعتنوا بهذه المسألة غاية العناية لأن بناء عقول الشباب في هذه الأوقات والأعمار ينبني عليها التخطيط للمستقبل لهم ولأمتهم، وكم من أفكار شانئة فيها شطط وبعد عن الوسطية أردت الشباب وجعلتهم ضحية وألعوبة بيد الأعداء يقلبونهم كيف يريدون، ولو أننا استعنا بالله وحصَّنا شبابنا ووضعنا سياجاً حصيناً يحميهم بإذن الله من تأثير المغرضين والحاقدين على البلاد والعباد لكسبنا مكاسب عظيمة لا تقاس بالذهب والفضة. وانسب الطرق لكسب الشباب وتأليف قلوبهم هو الحوار الهادئ الهادف المتأني المبني على أصول شرعية دقيقة، ووضع الحوافر للعاملين في القطاعات الشبابية ورصد الجوائز لهم وتهيئة الأجواء المناسبة التي ترغبهم في الخير وتدفعهم إليه، وتقوي ولاءهم وانتماءهم لأمتهم ودينهم وبلادهم.

  

ج7: الاستعجال في كل شيء غير محمود وخصوصاً العجلة التي لم تبن على أسس دقيقة، وكم من فتى وفتاة دفعهم الاستعجال للإحباط والقعود والكسل، بل والبعد عن العطاء بسبب موقف لم يخطط للتعامل معه بإتقان ولا زلت أذكر ذلك الشاب قبل ثلاثين عاماً حينما كنا طلاباً في الجامعة فاشترك معنا في ركن من أركان النشاط يسمى (ركن طالب يرتجل) كان شيخنا يدربنا فيه على الخطابة فجاء شخص وطلب من الشيخ أن يلقي، فقال له الشيخ انتظر لك يومين أو ثلاثة حتى ترى كيف يلقي زملاؤك الذين سبقوك وتستعد لهذا الموقف، فقال الشاب أنا أستطيع أن ألقي الآن، فوقف أمامنا والعرق يتصبب من جبينه ولم يزد على أن قال الحمد لله رب العالمين، فتلعثم وارتبك وتغير لونه، وظهر الخوف على وجهه ثم أجلسه شيخه وقال له يا بني قلت لك انتظر، فخرج زميلنا من القاعة ولم يعد إليها.

فوصيتي لأحبابي الشباب وأخواتي الفتيات ألا يستعجلوا في هذا الشأن، وأن يخططوا لمثل هذه المواقف ويتدربوا عليها لتكون بدايتهم جادة وهادفة وقوية.

  

ج8: هذه مسألة جد خطيرة، وقد أشرت إلى طرف من سلبياتها في لقاء في مجلة الدعوة في آخر شهر ربيع الثاني وقلت إن هذه الفتاوى لها أبعاد خطيرة على الناس فمن على المنبر الواحد يفتي هذا بأن هذا الأمر حلال، وبعده بدقائق يفتي آخر بأن هذا الشيء نفسه حرام، وأحياناً ينتصر الشخص لرأيه ويسقط الرأي الآخر، وأنا لا أستطيع الحجر على أحد لكن أقول لابد من تنظيم هذا الأمر والعناية به. ولقد كان من سلفنا من يحدد الفتوى ويخص بها رجلاًَ، وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر ألا يفتي إلا فلاناً ويمنع ابن مسعود من الفتوى في بعض المسائل ومن هو ابن مسعود رضي الله عنه.

وأقول لأخواني وزملائي طلاب العلم إن الأمر في غاية الخطورة فليتدارسوا الأمر وليحسبوا النتائج وليصدروا عن أمر فيه مصلحة المسلمين عموماً. وكم شاهدنا وسمعنا من تكلموا في أهل العلم ووصموهم ببعض الأمور التي هم منها براء لكن بسبب التفاوت في الفتوى، ثم إن الشباب أصبحوا يتكلمون بأهل العلم ويسقطون من لا يريدون فتواه، وهذا متشدد وهذا لا يفهم في كذا، والأمة أحوج ما تلتف على علماؤها وتأخذ برأيهم لاسيما في قضاياها الكلية.

  

ج9: ما قلناه في الاستعجال في الإلقاء والخطابة نقوله هنا، فالتعجل بالتأليف وإشهار الاسم له آثار سلبية على الشخص قد تكون حرمانه من بركة العلم ولذته، ثم إن هذه الإصدارات التي لم يرتب لها ويتم عرضها على أهل العلم والدعوة المختصين في هذا المجال قد تؤدي إلى نتائج عكسية سلبية، ثم إن كثيراً من هذه الكتيبات والمطويات ما فيها مكرر وبعض الشباب يهمه أن يرقم عليها اسمه. والمهم هو الوسط في هذا الأمر، فلا نمنع هذه الرسائل التي لها آثار طيبة وثمار عظيمة، ونمنع هذا الكم من الرسائل التي هي تكرار لغيرها وقد تسيء للخير وأهله.

  

ج10: العلم لا يمكن أن يتمكن فيه طالبه إلا عن طريق شيخ ضابط متقناً وكلما ثنى التلميذ ركبته عند شيخه فإنه يدرك من دقائق العلم وتفصيلاته الشيء الكثير، وقديماً قيل: “من كان كتابه أستاذه فخطؤه أكثر من صوابه”.

وهل ضلَّ من ضلَّ من بعض الطوائف والأفراد إلا حينما اعتمدوا على القراءة المجردة غير المرشدة والمسددة، فالشيخ يعود تلميذه على الاستنباط والفهم والدقة في ضبط النصوص وفهم مراميها ولعل ساعة عند شيخ متقن خير من أيام يقرأ فيها الشخص قراءة مجردة.

ولعله من النادر أن تجد عالماً متمكناً ليس لديه ثلة من المشايخ الذين تتلمذ عليهم.

فوصيتي لأحبابي الطلاب أن يحرصوا على هذا المسلك وأن يجتهدوا فيه، وأن يبتعدوا عن الاعتماد على النفس والقراءة المجردة بالكتب دون وعي وضبط وإتقان، فمن لم يستكمل آلة العمل لا يخوض في غماره، وهكذا من لم يستكمل وسائل السلامة والنجاة لا ينبغي أن يعوم في البحر.