130 – هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الثلاثاء 25 رجب 1445هـ 6-2-2024م

 

130 –  هدي الرسول صلى الله عليه وسلم

في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر pdf

 

 

رسالة في

هدي الرسول

في الأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر

 

تأليف

أ.د/ عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

 

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم

في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (النساء:1).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً}(الأحزاب:70، 71)، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أحبابي وإخواني في الله:

في هذه الليلة المباركة وفي مساء هذا اليوم الأربعاء الموافق للسابع عشر من شهر ربيع الآخر من العام التاسع والعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، وفي هذا المكان الطاهر في جامع (موضي السديري في مدينة الرياض).

ووسط هذا الجمع المبارك الطيب، وفي مجلس نرجو أن تحفه الملائكة، وتغشاه الرحمة، وتتنزل عليه السكينة، في مجلس ندعو أن يحبه الله تعالى ويباهي به ملائكته، في مجلس نسأل الله ألا يقوم فيه من حضره إلا وقد غفرت له ذنوبه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)(رواه مسلم)، وقال أيضاً: (ما جلس قوم يذكرون الله تعالى إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفورا لكم)(صححه الألباني في صحيح الجامع رقم5609).

إخواني وأحبابي في الله:

إن الله عز وجل امتن على أمة الإسلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أكرمه ربه بذكره في كتابه بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4)، فأخرجها الله به من العمى إلى البصيرة، ومن الضلالة إلى الهداية، ومن الظلمات إلى النور، قال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(آل عمران:164).

وجعله الله سداً منيعاً لأمته من عذاب الله ما دام أنه يعيش بين أظهرهم، قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}(الأنفال).

ولقد بعثه الله عز وجل إلى الثقلين ـ الإنس والجن ـ كافة يحذرهم من الشرك، ويدعوهم إلى التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة، والبراءة من الشرك وأهله، والولاء للتوحيد وأهله، والتمسك بجميع الأخلاق الحميدة، والبعد عن الأخلاق الرذيلة المنكرة.

ولقد أخذ صلى الله عليه وسلم على هذا نحواً من ثلاث عشرة سنة بمكة، ثم هاجر بأمر ربه تبارك وتعالى إلى المدينة المنورة، فلما استقر فيها أمر ببقية الشرائع، وإن مما أمر به صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال تعالى آمراً له:{خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ}(الأعراف:199)، فاستجاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ودعا إلى الله حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة.

تعريف المعروف والمنكر:

معلوم لما للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من منزلة في دين الله تعالى، بل عدَّه بعض العلماء بأنه الركن السادس من أركان الإسلام، وذلك لفضله وأهميته.

والمعروف: “فهو ما عرف الناس بأنه محبوب للشارع سواء كان مفروضا كان أو مسنونا أو مستحباً”.

والمنكر:  “هو ما ينكره الشارع سواء كان محرماً أو مكروهاً”.

يقول الإمام ابن حزم رحمه الله: “اتفقت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف بين أحد منهم لقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران: 104)”.

ويقول الإمام القرطبي رحمه الله عند تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(آل عمران:21). 

قال: “دلت هذه الآية على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجباً في الأمم المتقدمة وهو فائدة الرسالة وخلافة النبوة”.

وقال الحسن البصري رحمه الله: “من أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه”.

ومن أجل ذلك أنشئت هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للقيام بهذه الوظيفة في هذه البلاد المباركة وهي تدعم من ولاة الأمر ـ وفقهم الله ـ كغيرها من الدوائر الحكومية.

ومن الأدلة الشرعية على أهمية هذه الفريضة ما يلي:

من كتاب الله:

قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران:110).

وقال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران:104).

وقال تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}(الحج: 41).

وقال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(التوبة: 71).

ومن السنة:

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)(أخرجه الترمذي، وأحمد، والبيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع).

وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم)(رواه أحمد وأهل السنن بعدة روايات، وحسنه الترمذي).

لذا فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وظيفة الرسل جميعاً، وإن أكبر معروف هو معرفة الله وتوحيده، وأكبر منكر هو الكفر بالله وعبادة غيره معه.

وهو وظيفة أتباع الرسل الصادقين أيضاً الذين تمسكوا بالصراط المستقيم، ولم يبتدعوا في دين الله تعالى.

ومعلوم للجميع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما تصلح به الأمم، وبدونه تعتريها الآفات والمصائب، وتنعدم فيها الأخلاق، وتضيع فيها القيم، ويسود فيها الفساد، ويؤخذ العامة بذنوب الخاصة، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(الأنفال:25).

وبهذا يعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أجل الأعمال ومن أفضل القربات إلى الله عز وجل، ويتحقق بالقيام به الخيرية المشار إليها في قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران:110)، أي إن الخير سيظل فيكم ما دامت فيكم فئة تأمر بالخير وتنهى عن الشر.

بل إنه لن يتحقق لأمتنا الفلاح إلا بالتناصح وتوجيه بعضنا لبعض لا فيما نحب ونهوى، بل حتى فيما نكره ونبغض، نتناصح ونتكاتف، ونكون أولياءً لبعض، كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة:71).

فمتى قمنا بهذه المهمة وخصص لهذه الفريضة العظيمة من أهل العلم والحزم والحلم من يقوم بها، وناصرناهم بأقوالنا وأفعالنا وكتاباتنا، ولم نلتفت يوماً من الأيام إلى من يطعن بهذه الفريضة، وما يقوم به أولئك الذين يبذرون الشوك في الطريق ويعيقون كل دعوة خير ويثيرون حولها من الشكوك والشبه ما يكرِّه الناس بهذه الفريضة والقائمين عليها، فهنا نستحق نصر الله لنا كما قال تعالى:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}(الحج :40، 41).

فالقول قول الله والحكم حكم الله، إنهم هم المفلحون، وإنهم هم المنصورون، وإنهم هم الموفقون، فلن تضرهم الصيحات ضدهم، ولن ينخر جدارهم العظيم مقالات تطعن بهم أو مجالس تشوِّه فعلهم أو كتابات تحذر منهم.

إن من قام بحق الله وأدى فريضة الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان حقاً على الله نصره وتأييده وتوفيقه، والله كفيل بإسكات هذه الصيحات التي تخاف وترتعد من إظهار هذه الفريضة، والذين يعلمون حق اليقين أنهم سيكونون أول من سيبدأ بهم قبل غيرهم لما عندهم من التقصير والأخطاء، والسعيد كل السعادة من ضمن الله له الفلاح وأرشده إليه، والشقي كل الشقاء من خالف أمر الله وحارب دينه.

 

أهمية هذا الموضوع

ونظراً لأهمية هذا الموضوع، وضرورته لأمتنا ومجتمعنا، وحيث أن إدراك الناس لأهمية هذا الركن العظيم قد ضعف، وقلَّ المنكرون، وظن بعض الناس من ضعاف الإيمان أنه سيف مسلط على رقابهم، وبعض المبطلين تلاعب بحكايات ملفقة حوله من أجل إبغاض الناس فيه، ووقوع بعض المنكرين من المسلمين في مفاسد كثيرة لقلة فقههم بهذا الركن العظيم، وخاصة تلك الفئة الشاذة التي خرجت على أمة الإسلام تكفر، وتقتل، وتروع، وتفسد، وتنفر من أصحاب الإرهاب الذين أفسدوا وشوَّهوا صورة الخير وأهل الخير.

لذلك كله سأبين هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم في هذا الركن العظيم، وما كان يقوم به من الإنكار، وكيفية تعامله مع المخطئين، وأسلوبه في التوجيه والنصح، وحلمه ورفقه بالناس كافة، وكيف أنه صلى الله عليه وسلم كسب قلوب كل من تعامل معه، وسمع توجيهاته ونصائحه.

 

رسول الله صلى الله عليه وسلم

الأسوة الحسنة

الناظر في حياة نبينا صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة حول هذا الركن العظيم يجد العجب العجاب، فالمواقف والأحداث التي مر بها أثناء رحلة الدعوة تبين مدى تخلقه بصفات يعجز عن وصفها المنصفون، وتتوقف عند عظمتها أقلام الصادقين.

فحري بنا أن ننظر في سيرته، ونشرب من معينه، ونستعرض أعماله ومآثره، حتى نسير على طريقه، ونتلمس دربه فلا نضل بعد هدى، ولا نعمى بعد نور.

النبي صلى الله عليه وسلم هو الأسوة لنا في كل شيء، والقدوة لنا في كل صغيرة وكبيرة، وكيف لا وقد أمر الله تعالى أمة الإسلام باقتفاء أثره، والاستنان بسنته، والعض عليها بالنواجذ، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ..} (الأحزاب:21).

وقال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}(آل عمران:31).

وقال صلى الله عليه وسلم في آخر حياته موجهاً الأمة إلى التمسك بهديه وسنته آمراً لهم ألا يحيدوا عنها ففيها الخير والرشاد، وأن يعضوا عليها بالنواجذ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)(رواه مالك في الموطأ، وصححه الألباني في صفة الفتوى).

فيجب على المسلمين من أجل تغيير الانحرافات الواقعة في الأمة، وإيجاد الفضيلة والخير أن يكونوا سائرين على المنهج الذي سار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن منهجه ضل وهلك.

لقد اتصف النبي صلى الله عليه وسلم بأجل الصفات وأكرمها، وحوى منها ما لم  يحصل عليه بشر في هذه الدنيا، ولقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أمته أن يلتزموا بما كان عليه حتى يحصلوا على خيري الدنيا والآخرة.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أرفق الناس بالناس، وكيف لا وهو حاصل على أجل صفات البشر من الرفق والحلم، وها هو صلى الله عليه وسلم يوجه لمن أراد أن يأمر وينهى أن يتصف بصفة عظيمة يحتاجها الآمر والناهي، وهي صفة الرفق. فقال: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف)(رواه مسلم)، وقال أيضاً: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)(رواه مسلم)، وعن جرير رضي الله عنه مرفوعاً: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله)(رواه مسلم).

فهذه الصفة وغيرها من الصفات الحميدة من الرحمة والشفقة والإحسان محببة إلى الخلق كافة،

لأن الإنسان بطبعه وفطرته يحب الإحسان ويكره الإساءة، وهو يقبل من طريق الرفق ما لا يقبل من طريق العنف والشدة، بل إن الإنسان ـ غالباً ـ إذا أُمِر بعنفٍ فإنه تأخذه العزة بالإثم، فيأنف ويصر على خطئه عناداً، وهو بطبعه نفور من أهل الفظاظة والغلظة، قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران:159).

ولذا أرشده المولى جل وعلا إلى المدخل إلى نفوسهم وقلوبهم وهو ضد ذلك الوصف الرديء، فقال:{فَاعْفُ عَنْهُمْ}، وهذا ولاشك إذا كان المقام يحتمل ذلك، ثم أعقب ذلك بقوله {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}، فاتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالشفقة والرحمة والخوف على مصلحة المأمور أمر ضروري لقبول دعوته.

وهكذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى عنه:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر غير منكر..”.

 

ومن الأمثلة العجيبة في تحقيق هذا المطلب

في واقع المسلمين

من الكتاب والسنة ما يلي:

قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}(الأحزاب:21).

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، في أقواله وأفعاله وأحواله.

ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل صلوات الله وسلامه عليه ـ دائما إلى يوم الدين، ولهذا قال تعالى للذين تضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ ولهذا قال:{لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}.

ونقل عنه صلى الله عليه وسلم نماذج كثيرة من سيرته الحسنة في باب الحسبة، وكيف كان من أجل الناس وأحسنهم تعليماً وإرشاداً، ومن ذلك:

* عن عائشة رضي الله عنها أن يهوداً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة رضي الله عنها عليكم، ولعنكم الله وغضب عليكم، قال: (مهلاً يا عائشة عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش)، قالت: أو لم تسمع ما قالوا، قال: (أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ)(متفق عليه، واللفظ للبخاري).

* وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سباباً ولا فاحشا، ولا لعانا، كان يقول لأحدنا عن المعتبة ماله ترب جبينه)(أخرجه البخاري).

وكان عليه الصلاة والسلام حليماً في تغييره للمنكر وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ينظر دائماً إلى عواقب الأمور، فإذا رأى في ذلك مفسدة صبر حتى يجد الفرصة المناسبة ويبين لصاحبها، وإذا لم تكن هناك مفسدة باشر تغيير المنكر بيده.

ومن أوضح الأمثلة على ذلك:

حادثة تبول الأعرابي في المسجد ـ والتي سيأتي ذكرها ـ وتسابق الصحابة رضي الله عنهم على توبيخه على هذه الفعلة وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الأمر كله بالحلم والأناة ونهيه لأصحابه عن زجره وتوبيخه فقال: (لا تزجروه وصبوا على بوله ذنوباً من ماء)(رواه البخاري).

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني تعليقاً على هذا الحديث: “وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزم من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عناداً ولاسيما إن كان ممن يحتاج إلى استئلافه، وفيه رأفة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه”.

وما فعله كبير المنافقين من سب للنبي صلى الله عليه وسلم واتهامه بعرضه، وترك النبي صلى الله عليه وسلم له ولأصحابه عن قتالهم أو إيذائهم تحقيقاً للمصلحة وبعداً عن المفسدة التي كان يتوقعها عليه الصلاة والسلام من ذلك، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ومن هذا الباب إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن أبيّ وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان فإزالة منكر بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمداً يقتل أصحابه”.

 

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم

في مجال العقيدة:

* جاء في سنن الترمذي عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ونحن حديثو عهد بكفر، وكانوا أسلموا يوم الفتح قال: فمررنا بشجرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، وكان للكفار سدرة يعكفون حولها، ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط، فلما قلنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم)(أخرجه الترمذي وابن أبي عاصم واللفظ له).

ففي هذا الحديث لم يعنفهم النبي صلى الله على طلبهم ولم يشدد عليهم، ولكنه وجههم التوجيه السديد وذلك بتكبير الله تعالى وتعظيمه، وأشعرهم بأن طلبهم هذا من أمور الجاهلية، ووجههم إلى عظم أمر التوحيد، وأن الوقوع في مثل هذه الأمور فيه شبه من اليهود الذين طلبوا من موسى عليه الصلاة والسلام أن يصنع لهم عجلاً ليعبدوه من دون الله، وحذرهم من استنانهم سنن السابقين من أهل الكتاب.

وهذا موقف آخر:

* جاء في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال: (السيد الله تبارك وتعالى)، قلنا وأفضلنا فضلاً وأعظمنا حولاً، فقال: (قولوا بقولكم، أو بعض قولكم ولا يستجزينكم الشيطان).

* وكما ورد أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى بن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)(متفق عليه).

 

زجره صلى الله عليه وسلم

عن الغلو والمديح والتكلف في العبادة

ومن لينه ورفقه صلى الله عليه وسلم في احتسابه على الناس استخدامه للتعليم والنصح العام، كقيامه بجمع الناس ونصحهم عن منكر وقع فيه البعض تذكيرا وتحذيرا للكل عما وقع فيه البعض، وربما أشار وألمح إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: ما بال أقوام.

كما ورد ذلك في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال: (ما بال أقوام يتنزهون عن شيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية)(متفق عليه).

 

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم

في مجال العبادة

* ومن ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن عروة رحمه الله قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون أحسب اسمها خولة بنت حكيم على عائشة وهي باذّة الهيئة فسألتها ما شأنك؟ فقالت زوجي يقوم الليل ويصوم النهار. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت عائشة ذلك له فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فقال: (يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا أفما لك فيّ أسوة، فوالله أني أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده).

 

أمره ونهيه في الوضوء

* عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة، ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار) مرتين أو ثلاثاً.(متفق عليه، واللفظ للبخاري).

قال الحافظ بان حجر رحمه الله في الفتح: “وفي الحديث تعليم الجاهل، ورفع الصوت بالإنكار، وتكرار المسألة لتفهم”.

ونقل الحافظ عن ابن بطال أنه قال: “كأن الصحابة أخروا الصلاة في أول الوقت طمعاً أن يلحقهم النبي صلى الله عليه وسلم فيصلوا معه، لما ضاق الوقت بادروا إلى الوضوء ولعجلتهم لم يسبغوه، فأدركهم على ذلك فأنكر عليهم”.

فعلى المحتسب أن يأخذ بهذا التعليم والإرشاد والتوجيه الذي يستخدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ـ فإذا رأى وهو في المسجد متوضئاً ـ قد قصَّر في وضوئه أن ينكر عليه فعله وأن يعلمه طريقة الوضوء ولا يعنف ولا يغلظ في ذلك، بل عليه بالحلم والصبر .

 

أمره ونهيه في الصلاة

ومن الصور الرائعة في حياته صلى الله عليه وسلم من خلال تلك الفريضة العظيمة ما يلي:

* ما رواه معاوية بن الحكم رضي الله عنه بينما أنا أصلي مع رسوله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمّاه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فو الله ما كرهني ولا ضربني ولا شتمني قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن).

فهذه طريقته صلى الله عليه وسلم، لم يكن يعنف أحداً ولا يشتم أحداً في تعليمه، بل كان حكيماً حليماً في تعليمه، متواضعاً عليماً بأحوال الناس وكان أحيانا يقول:

(ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا).

(ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله).

(ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء).

فهو بذلك قدوة مطلقة لكل أحد في الدين وهكذا أيضاً في تعامله مع الدنيا.

* وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) – ثلاثا – فقال: والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره، فعلمني، قال: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)(متفق عليه، واللفظ للبخاري).

قال الحافظ رحمه الله وفي هذا الحديث من الفوائد: “.. فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن التعليم بغير تعنيف وإيضاح المسألة وتخليص المقاصد، وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه”.

* وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال، فلما صلى قال: (ما شأنكم؟) قالوا استعجلنا إلى الصلاة. قال: (فلا تفعلوا. إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)(متفق عليه).

* وعن الحسن أن أبا بكرة رضي الله عنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصلَ إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (زادك الله حرصا، ولا تعد)(أخرجه البخاري).

 

رفقه ولينه صلى الله عليه وسلم

مع الغريب ومن لا يعرف آداب الإسلام

قدَّر الله تعالى أن تقع حادثة هي عظيمة في نفوس الصحابة إلا أنها أظهرت لهم عظم سعة رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفقه ولينه مع المسلمين وكان ذلك في المسجد المعظم في نفوس المسلمين الذي كان عليه الصلاة والسلام حريصا على نظافته أشد الحرص، لا يرضى لأحد أن يقذره.

* روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزجروه دعوه) فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله دعاه فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر. إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن) قال: فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء فشنه عليه)(متفق عليه).

فانظر إلى حكمته صلى الله عليه وسلم في الانتظار حيث ترك الأعرابي يكمل بوله، ومنع أصحابه من الاحتساب عليه لعلمه صلى الله عليه وسلم ما سيقع من المفاسد بعد ذلك حيث سينتشر البول في المسجد وربما اتسخت ثياب الأعرابي وربما نفر من فعلهم وترك الإسلام، ولكن القدوة كان حكيماً في ذلك. فقد انتظر حتى انتهى من فعله ثم بيَّن له خطأ تصرفه ببيان واضح مقنع.

 

أمره بالمعروف صلى الله عليه وسلم

بسبب التقصير في أداء الزكاة

معلوم أن الله تعالى جعل الزكاة فريضة يجب على كل مسلم أداؤها إذا حال الحول على ماله وقد بلغ النصاب، فإذا امتنع العبد عن أدائها وجب على الوالي أن يجبره على إخراجها،

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بالاحتساب على المقصرين أداء شيء منها، وينبه إلى وجوب إخراجها مع ذكر الوعيد الشديد للمتهاونين فيها في كل مناسبة تقتضي ذلك.

* عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: إن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها: (أتعلمين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة بسوارين من نار؟ قال: فجعلتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله).

والشاهد من هذه القصة أن هذه المرأة لم تؤد زكاة هذا الذهب فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجه وخوّفها من التساهل في إخراج الزكاة وبين لها أن مصيرها سيكون النار، وتعذب بهذين السوارين، وقد بادرت المرأة ـ رضي الله عنها ـ إلى إلقاء السوارين حسبة لله سبحانه وتعالى.

 

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم

في الصوم

كان عليه الصلاة والسلام يحب الصيام ويكثر منه، وكان يحبه لأمته ويدعوهم إليه لما في ذلك من صحة البدن والحد من تمادي النفس في الاستغراق في الشهوات، وحيث أن المبالغة في الصوم تضر البدن وتنهكه فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب إذا شعر من أحد التكلف فيه ويحتسب عليه.

* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله، قال: (وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقين). فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: (لو تأخر لزدتكم) كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا. (متفق عليه).

* وحديث أنس رضي الله عنه الذي تقدم في النفر الثلاثة، الذين سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم كأنهم تقالّوها، (وقال أحدهم وأنا أصوم الدهر ولا أفطر. فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يصوم ويفطر وأن ذلك الفعل ليس من سنته).

 

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم

في موسم الحج

الحج فريضة عظيمة تجمع المسلمين من أنحاء العالم، ويقع ـ حين أداء مناسك الحج ـ بعض المخالفات الشرعية وأكثرها من جهل الناس وتفريطهم أو لتساهلهم في تطبيق أحكام الشريعة .

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في ذلك اليوم ولم يشغله الزحام عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان إذا رأى بعض المعاصي يغيرها في الحال أو بعض الاجتهادات الخاطئة يصوبها لصاحبها ومن ذلك:

* ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان يسير ـ أو بخيط أو بشيء غير ذلك ـ فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال: (قُدْهُ بيده).

قال الحافظ رحمه الله قال النووي: “وقطعه عليه الصلاة والسلام السير محمول على أنه لم يمكن إزالة هذا المنكر إلا بقطعه، أو أنه دق على صاحبه فتصرف فيه”.

وقال غيره: “كان أهل الجاهلية يتقربون إلى الله بمثل هذا الفعل، قلت: قال ابن بطال في هذا الحديث: إنه يجوز للطائف فعل ما خف من الأفعال وتغيير ما يراه الطائف من المنكر”.

* عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من جعثم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: (نعم)، وذلك في حجة الوداع.(متفق عليه).

هكذا صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل رضي الله عنه، وفي بعض الروايات أنه صرفه أكثر من مرة وقال: (رأيت شاباً وشابة فخشيت عليهما من الشيطان).

فإن للشيطان مداخل وللقلب حالات يضعف فيها فيكون للشيطان في هذا الوقت أثر ربما صرفه إلى الوقوع في المحذور، ولكن إذا كان المحتسب موجودا، فإن له أثرا كبيرا في منع وقوع مثل تلك الحالات والمحافظة على أعراض الناس.

* وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: (من شبرمة؟) قال: أخ لي، أو قريب لي، قال: (حججت عن نفسك؟) قال: لا، قال: (حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) (أخرجه أبو داود).

فعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الرجل قد نوى في حجته أن يحج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه بعد، لأنه ربما مات قبل أن يحج عن نفسه فيكون في ذلك مقصرا تاركا للواجب وهذا منكر مخالف لما جاء عن الشارع، فأمره أن يحج عن نفسه أولا ثم عن غيره إن شاء.

 

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم

في الدعاء

كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد صحابته إلى كيفية الدعاء وآدابه، فقد يصدر من بعض الصحابة ما يخالف به أصل الدعاء فيعود ذلك عليه بالضرر لأنه يدعو سميعاً بصيراً سريع الإجابة سبحانه إذا دعاه العبد بإخلاص وتضرع، كان له نعم المجيب، ولكن قد يدعو الإنسان بأمر يظن أن فيه خيرا له، ويكون هذا الدعاء ضررا عليه في دنياه، وربما وصل إلى دينه، كما لو كان يدعو الرجل على نفسه، وكان الله يستجيب له .

* عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه؟). قال: نعم. كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله لا تطيقه ولا تستطيعه أفلا قلت اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار). قال فدعا الله به فشفاه الله (أخرجه مسلم).

 

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم

داخل بيته

* كان عليه الصلاة والسلام يهجر أزواجه شهرا كاملا إذا رأى منهن ما يغضبه كأن يكثرن عليه المراجعة أو غير ذلك فيحلف عليه الصلاة والسلام أن لا يدخل عليهن زجرا لهن وتأديبا، فمن ذلك: ما روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا وقعد في مشربة له، فنزل لتسع وعشرين، فقيل: يا رسول الله إنك آليت شهرا، قال: (إن الشهر تسع وعشرون)(متفق عليه).

* وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك، ففهمتها فقلت: عليك السام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله) فقلت: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فقد قلت عليكم)(متفق عليه).

فأرشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عملية الإنكار كيف تكون وهي الحلم والرفق والأناة، وكان صلى الله عليه وسلم في تعليمها حليما متأنيا، ولو نظرنا إلى الأحاديث المذكورة في هجره نسائه وإنكاره لعائشة في الغيبة كيف كّره إليها الغيبة بتصويرها أمرا صغيرا أفسد البحر العظيم، لتشعر وتدرك إثم فعلها وكذلك كان يستخدم عملية الهجر فقد هجرهن شهرا تأديبا لهن حتى لا يعدن إلى مخالفته أو الوقوع في تلك المعصية .

وكان عليه الصلاة والسلام يذهب إلى أقاربه فيدعوهم إلى الإسلام ويلح في ذلك عليهم، لحرصه صلى الله عليه وسلم في إخراجهم من الظلمات إلى النور.

 

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم

مع الناس خارج العبادة

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في اللباس والزينة:

(1) ستر العورة:

* عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: أقبلت بحجر أحمله ثقيلا، وعليَّ إزار خفيف قال: فانحل إزاري ومعي الحجر ولم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرجع إلى ثوبك فخذه، ولا تمشوا عراة).

وعن جرهد رضي الله عنه أنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفة فقال: (أما علمت أن الفخذ عورة).

* وعن يعلى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل من البراز بلا إزار، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل ستّير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر).

وهذا دليل للمحتسب إذا سار في الأسواق أو مرّ بالحمامات أو دخل مسجدا من المساجد فوجد رجلا قد كشف عن عورته أو امرأة كشفت عن حجابها أن ينهاهم عن ذلك ويأمرهم بستر عوراتهم.

(2) اللباس والزينة:

هناك بعض الألبسة منع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة من لبسها حتى لا يقعوا في التكبر أو التشبه بالنساء، أو يكون ثوبه متسخا فيؤذي منظره، ورائحته للمسلمين فيبين عليه الصلاة والسلام له بلطف إذا كان الأمر لا يحتاج إلى غلظة، وقد يغلظ عليه إذا استدعى الأمر ذلك.

* روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال: (يا عبد الله ارفع إزارك)، فرفعته، ثم قال: (زد فزدت) فما زلت أتحراها بعد. فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: أنصاف الساقين.

* وروى أحمد عن الشريد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تبع رجلاً من ثقيف حتى هرول في أثره حتى أخذ ثوبه فقال: (ارفع إزارك) قال: فكف الرجل عن ركبته، فقال: يا رسول الله إني أحنف، وتصطك ركبتاي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل خلق الله عز وجل حسن) قال: ولم ير ذلك الرجل إلا وإزاره إلى أنصاف ساقيه حتى مات.

فانظر كيف كلمه النبي صلى الله عليه وسلم إذ وعظه ثم أمره برفع إزاره إلى أنصاف ساقيه، وبلغ من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم أنه هرول خلفه ليشعره بعظم فعله وحرصه على تنبيهه لخطئه.

* وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده)؟ فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم) (أخرجه مسلم).

* وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا في منزلنا فرأى رجلا شعثاً فقال: (أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه؟) ورأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال: أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه)(أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود).

* وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال: (احلقوه كله أو اتركوه كله)(أخرجه أبو داود).

 

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم

في أدب الاستئذان

كان عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه كيف يستأذنون، فإذا زار أحدهم أخاه يلقي التحية ويذكر اسمه ولا يقف أمام الباب فيطلع على عورات أهل البيت بل يبتعد يمينا أو شمالا، وكان إذا رأى أحداً خالف شيئاً من ذلك ربما زجره زجراً عنيفاً حتى يكاد يؤذي عضوا من أعضائه إذا كان يستحق هذه العقوبة.

وإذا كانت المخالفة لا تستحق مثل ذلك كان يبين له خطأه ويوضح له الصواب كما في التحية.

* عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دينٍ كان على أبي، فدققت الباب، فقال: (من ذا؟) فقلت: أنا، فقال: (أنا، أنا)، كأنه كرهها)(متفق عليه واللفظ للبخاري)، وعند مسلم: (فخرج وهو يقول أنا، أنا).

* وعن أبي جرير جابر بن سليم رضي الله عنه قال: رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: عليك السلام يا رسول الله مرتين قال: (لا تقل عليك فإن عليك السلام تحية الميت قل السلام عليك)(أخرجه أبو داود).

 

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم

في المجالس

المجالس مجمع الناس ومختلطهم فيقع منهم أشياء ربما توافق الشرع وربما تخالفه، فكان عليه السلام إذا رأى شيئا من ذلك نبّه عليه، حتى تكون مجالسهم بعيدة عن المنكرات والأخلاق السيئة، وحتى تغمرهم الفضيلة والمحبة وهذا واجب المسلم إذا حضر مجالس العامة أن ينكر عليهم بعض ما يقعون فيه من منكرات ومخالفات وينصحهم ويرشدهم إلى الخير.

* وعن سلمة بن الأكوع: أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: (كل بيمينك) قال: لا أستطيع. قال: (لا استطعت ما منعه إلا الكبر. قال: فما رفعها إلى فيه).

وعن عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك)، فما زالت تلك طعمتي بعد.(متفق عليه، واللفظ للبخاري).

 

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم

على زائري القبور

* عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: (اتقي الله واصبري). قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه. فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين. فقالت: لم أعرفك، فقال: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى)(متفق عليه).

 

موقفه صلى الله عليه وسلم

فيمن تسرع في تخطئة أخيه

* عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلما سلم لببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها فقال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها وأنت أقرأتني سورة الفرقان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أرسله يا عمر اقرأ يا هشام) فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هكذا أنزلت)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ يا عمر) فقرأت القراءة التي أقرأني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هكذا أنزلت)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه)(رواه النسائي).

 

موقفه صلى الله عليه وسلم

في إقناع المخطئ

عن أبي أمامة قال إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنى. فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه. فقال: (ادنه). فدنا منه قريبا. قال فجلس. قال: (أتحبه لأمك؟) قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم). قال: (أفتحبه لابنتك؟) قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: (ولا الناس يحبونه لبناتهم). قال: (أتحبه لأختك؟) قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: (ولا الناس يحبونه لأخواتهم). قال: (أتحبه لعمتك؟) قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: (ولا الناس يحبونه لعماتهم). قال: (أتحبه لخالتك؟) قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: (ولا الناس يحبونه لخالاتهم). قال: فوضع يده عليه وقال: (اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه). فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (رواه أحمد، والطبراني، والبيهقي).

 

موقفه صلى الله عليه وسلم

فيمن وقع على امرأته في نهار رمضان

* عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تجد رقبة تعتقها) قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين) قال: لا. قال: (هل تجد إطعام ستين مسكينا) قال: لا. فسكت. فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق تمر فقال: (أين السائل خذ هذا تصدق به)، فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله، فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: (أطعمه أهلك)(متفق عليه).

فانظروا إلى حسن أخلاقه، ورفقه، وحلمه، وفرحه بإدخال السرور عليهم، وحرصه العظيم على أمته ـ فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الجديدان الليل والنهار ـ.

مما سبق ذكره ـ وغيره كثير ـ يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس أمراً ونهياً وزجراً ونصحاً وإرشاداً للأمة في مجال دينها ودنياها في عبادتها وعادتها، وكل ذلك كان تبعاً لمرضات الله تعالى، واتباعاً لأمره ونهيه، وحرصاً على الخلق، وأخذاً بأيديهم لما فيه رضا الله تعالى.

وعلى ذلك فيجب على كل محتسب ـ بل على كل مسلم ـ أن يقتدي به في قوله وفعله، وأن يجتهد في الاتصاف بأخلاقه وشمائله، وأن يستعين بربه في أمره ونهيه وأن يكون قدوة صادقة لمن حوله حتى تقبل نصيحته وتوجيهه.

أسأل الله تعالى بمنه وكرمه وجوده وإحسانه أن يعيننا على الاقتداء بصفوة الخلق وحبيب الرب صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يمن على أمة الإسلام بالعافية في دينها ودنياها.

اللهم تقبل عملنا، واجعله خالصاً لوجهك، وانفعنا به وإخواننا يوم نلقاك يا أكرم الأكرمين. اللهم اهدي ضال المسلمين وردهم إلى دينهم رداً جميلاً.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

فهرس الموضوعات

الموضوع
هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تعريف المعروف والمنكر
أهمية هذا الموضوع
رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في مجال العقيدة
وهذا موقف آخر
زجره صلى الله عليه وسلم عن الغلو والمديح والتكلف في العبادة
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في مجال العبادة
أمره ونهيه في الوضوء
أمره ونهيه في الصلاة
رفقه ولينه صلى الله عليه وسلم مع الغريب ومن لا يعرف آداب الإسلام
أمره بالمعروف صلى الله عليه وسلم بسبب التقصير في أداء الزكاة
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في الصوم
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في موسم الحج
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في الحج
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم داخل بيته
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم مع الناس خارج العبادة
1-ستر العودة
2-اللباس والزينة
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في أدب الاستئذان
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في المجالس
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم على زائري القبور
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم فيمن تسرع في تخطئة أخيه
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في إقناع المخطىء
موقفه صلى الله عليه وسلم فيمن وقع على امرأته في نهار رمضان
فهرس الموضوعات