المواعظ الحسنة الحسينية في مستعمل شرب التتن

الأحد 19 جمادى الآخرة 1440هـ 24-2-2019م
المواعظ الحسنة الحسينية
في مستعمل شرب التتن
وشجرته الخبيثة وآلته القبيحة

 

 

أنشأها
السيد عماد الدين يحيى ابن أحمد بن محسن الصنعاني المتوفى (875) هـ
دراسة وتعليق
الدكتور/ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
الأستاذ المشارك بقسم الفقه
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم

 

 

 

المقدمة

 

الحمد لله الذي أمر الخلق باتباع دينه، وتصديق رسوله، وأمر بالاقتداء بأحكامه والأخذ بما سن وشرع من الأحكام في كتابه وعلى لسان رسوله وجعل العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام يقومون مقام الرسل في حفظ الشرع والشهادة بتبليغ الدين كما جعل الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم شهيداً عليهم: (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم)([1])، وبعد:
فمما دعاني لكتابة هذه الأسطر ثلاثة مواقف في أوقات مختلفة وأمكنة متباينة وكثيراً ما تفرض المواقف نفسها على الشخص حتى تمتلك كثيراً من مشاعره وأحاسيسه وهذه المواقف هي:
1) كنت ذات يوم في أحد الأماكن العامة المزدحمة بالمراجعين وكان الوقت صيفاً، وفي نفس المكان مجموعة من المدخنين فأخذت رائحة الدخان تنبعث من هنا وهناك وأخذ الجو يتغير شيئاً فشيئاً حتى ضاق بنا المكان وتركت مع مجموعة من المراجعين مكانناً حفاظاً على صحتنا وحين سألت أحد المدخنين ألا تلاحظ أذيتك للناس قال: بلى، وأنا أعلم بضرره على صحتي ولكنني مبتلي به ودار بيني وبينه نقاش طويل جعلني أفكر في الكتابة حول الموضوع.
2) كنت ذات مرة راكباً في حافلة ـ اضطراراً ـ من مدينة إلى مدينة وبعد مسافة قصيرة بدأت الرائحة تنبعث وكان الوقت شتاء والنوافذ محكمة وأحسست وكأنني أختنق فتحدثت مع السائق وبعض المدخنين ثم تكلمت بكلمة عامة على الجميع فاستجاب كل من في الحافلة إلا السائق حيث دار بيني وبينه نقاش طويل جعلني أفكر في الكتابة حول الموضوع لعل الله أن يجعل فيه فائدة عامة.
3) كنت ذات مرة راكباً في القطار من مدينة إلى مدينة وكانت السفرة ممتعة إذ كان معي مجموعة من الأحباب وطلاب العلم وكان الجو مفعم بالمسائل العلمية والمطارحات الأدبية وفجأة أشعل أحد المجاورين لنا الدخان فتأزم الجو وتحدث معه أحد الأحباب لكنه لم يستجب وتبعه ثان وثالث حتى خالطت الرائحة الثياب واللحم من شدة سريانها فأطرقت ملياً ثم طلبت من أحد العاملين في القطار أن يغير أمكنتنا أو أمكنة المدخنين أو أن يمنعهم فاستجاب مشكوراً لكن الموقف أملى عليّ أن أكتب حول الدخان فكانت هذه الصفحات.
وأخيراً أرجو من كل محب يطلع عليه ألا يحرمني من توجيه صادق أو إرشاد صائب أو ملاحظة هادفة فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه.
وصدق القائل:محض النصيحة من محب فاضل
***
توجيهه للحق بالكلمات

إن كان مكتوباً فذاك مرادنا
***
أو هاتفاً ينبي عن الشطحات

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المحقق

مخطط البحث
جعلت البحث في مقدمة وبابين وخاتمة.
الباب الأول: التعريف بالمخطوطة والتعليق عليها ويشمل فصلين:
الفصل الأول: التعريف بالمؤلف والكتاب وتحته مبحثان.
المبحث الأول: التعريف بالمؤلف.
المبحث الثاني: التعريف بالكتاب.
الفصل الثاني: التعليق على المخطوطة.
الباب الثاني: دراسة شاملة للدخان ويشمل سبعة فصول:
الفصل الأول: تعريفه وتاريخ ظهوره وتحته مبحثان:
المبحث الأول: تعريفه.
المبحث الثاني: اكتشافه وتاريخ ظهوره.
الفصل الثاني: أسباب انتشار التدخين وتحته تسعة مباحث:
المبحث الأول: القرين.
المبحث الثاني: البيئة.
المبحث الثالث: الشعور بالنقص.
المبحث الرابع: التقليد الأعمى.
المبحث الخامس: الدعاية.
المبحث السادس: سهولة الحصول عليه.
المبحث السابع: التساهل في التربية.
المبحث الثامن: التقصير في مكافحته.
الفصل الثالث: أضراره وآثاره وتحته ستة مباحث.
المبحث الأول: أضرار التدخين على الدين.
المبحث الثاني: أضرار التدخين على البدن.
المبحث الثالث: أضرار التدخين على العقل.
المبحث الرابع: أضرار التدخين على المال.
المبحث الخامس: أضرار التدخين على العرض.
المبحث السادس: أضرار أخرى.
الفصل الرابع: حكم الدخان وتحته مبحثان.
المبحث الأول: حكم الدخان.
المبحث الثاني: شبه مستحليه.
الفصل الخامس: فتاوى العلماء في تحريمه.
الفصل السادس: بعض القصائد فيه والقصص الواقعية للمدخنين وتحته مبحثان.
المبحث الأول: بعض القصائد في الدخان.
المبحث الثاني: بعض القصص الواقعية للمدخنين.
الفصل السابع: كيفية الإقلاع عنه.
الخاتمة:
الفهارس:
* فهرس الآيات القرآنية.
* فهرس الأحاديث النبوية.
* فهرس الأبيات الشعرية.
* فهرس المصادر والمراجع.
* فهرس الموضوعات.

الفصل الأول
المبحث الأول: ترجمة المؤلف

هو يحيى بن أحمد بن علي الصنعاني عماد الدين بن مظفر من فقهاء الزيدية باليمن، أحد العلماء المبرزين من الزيدية في علم الفقه الذي أخذه عن علماء عصره كالفقيه يوسف بن أحمد بن محمد بن عثمان، كما صرح بذلك صاحب الترجمة في أول مصنفه الذي سماه (البيان) فإنه قال: وجعلت فيه ما كان مطلقاً فهو من كتابي التذكرة والزهور، أو ما نقلته عن شيخي المشهور عالم الزمان يوسف بن أحمد بن محمد بن عثمان أو مما استحسنته من البحر الزخار.
وقد عكف الطلبة على كتابه المذكور في ديار الزيدية كصنعاء وذمار وصعده وغيرها، وصار لديهم من أعظم ما يعتمدونه في الفقه، ومن جملة مشايخه الإمام المهدي أحمد بن يحي له مصنفات كثيرة منها:
البيان الشافي، والدر الصافي المنتزع من البرهان الكافي، والجامع المفيد الداعي إلى طاعة الحميد المجيد، والكواكب على التذكرة. توفي رحمه الله في هجرة حمده باليمن سنة 875هـ.
وقد رثى بمراثٍ كثيرة منها ما هو مكتوب على ضريحه ومنها:
بموت عماد الذين ماتت مكارم
***
فأكرم به ما عشت في الله مكرما

فمن ذا يقود الناس للرشد والهدى
***
بحلم ورشد زانه وتعلما

إلى أن قال:
وكنت لعلم الفقه أبلغ ناقل
***
وتصنيفك البرهان علماً محكما

كذاك البيان الشايع اليوم ذكره
***
بشرق وغرب في البلاد قد انتمى

وفي الجامع المجموع في الدهر شاهد
***
بأنك قد صنفت في الدهر مغنما

إلى آخر القصيدة وهي طويلة([2]).

المبحث الثاني: التعريف بالكتاب:

المواعظ الحسنة الحسينية في مستعمل شرب التتن وشجرته الخبيثة وآلته القبيحة، وألفها عماد الدين يحيى بن أحمد الصنعاني المتوفى سنة 875.
عثرت على هذه المخطوطة في معهد المخطوطات العربية بالكويت، وتبين لي أنها صورة من مكتبة الأحقاف للمخطوطات بتريم (مجموعة أل الجنيد)، تحمل رقم (22).
تاريخ التصوير 23 محرم 1403هـ.
عدد الصفحات (8).
المقاس 15×20سم. النسخة كتبت بقلم معتاد وتاريخ النسخ كما هو مثبت في المخطوطة سنة 1055هـ.
عدد الأسطر في الصفحة الواحدة في حدود 15 سطراً.
عليها تعليق في الجوانب يظهر أنه من الناسخ لأنه يشير إلى اختلاف الوقت عن وقت المؤلف.
ثم ختمت المخطوطة بتعليق في حدود صفحة واحدة تبين لي أنه من الناسخ لأنه نقل عن بعض الأعلام من حكام اليمن الذين وجدوا بعد المؤلف بقرن كامل من الزمان، وعلى العموم فالمخطوطة قليلة الحجم عظيمة الفائدة لأنها أفادت معلومة تاريخية هامة وهي أن الدخان موجود قبل اكتشاف أمريكا، لكنه لم يشتهر وينتشر إلا بعد اكتشافها، ثم أن المؤلف في بيئة تقبل على الدخان والشيشة والقات، ومع ذلك قطع بتحريم الدخان لما عايش من أضراره بل إنه بالغ فجعله كالخمر أو أشد مما سنوضحه في أثناء هذا البحث المختصر إن شاء الله.
حاولت جاهداً المحافظة على النص إلا في حالة عدم وضوح العبارة فإني أقوم بتعديلها مع المحافظة على أصلها قدر المستطاع.
عزوت الآيات الواردة في المخطوطة.
علقت على كلام المؤلف وحرصت على توضيح العبارة وبيان مقصود المؤلف وما رأيت أن المؤلف بالغ فيه أوضحت ما أرى أنه الصواب في نظري وكل ذلك محفوف بالأدب مع المؤلف وتقدير جهده وعلمه.
حاولت جاهداً أن أشرح الكلمات الغامضة وقد اعتمدت على المراجع الأصلية في كتب اللغة والمعاجم كاللسان والقاموس وغيرهما.
عقدت مقارنات موجزة بين كلام المؤلف وواقعنا المعاصر مما يوضح عظم بلية من ابتلي بشرب هذا الداء الخبيث.
وأخيراً فقد اجتهدت في التعليق على نصوص المؤلف مما رأيت أنه يكمل ويجمل هذه الرسالة اللطيفة سائلاً المولى جل وعلا أن يثيبني ويتجاوز عني ويغفر لي الزلل في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.

بسم الله الرحمن الرحيم(1)
الحمد لله[2] الذي حرم كل بدعة[3]. مخترعة ومريبة عن مواعظ مستمعه، الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، وميز له الحلال من الحرام، وما يحصل به الثواب والآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله شهادة من خافه وخشاه، ونبذ كل معبود سواه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أي ابتدئ أو أفتح أو أؤلف باسم الله تعالى مستعيناً به وفي إيثار وصفي الرحمن والرحيم المفيدين للمبالغة في الرحمة إشارة إلى سبقها وغلبتها فرحمة الله تسبق وتغلب غضبه، وقدم لفظ الجلالة على وصفي الرحمن والرحيم لأنه اسم ذات وهماً اسماً صفة والذات مقدمة على الصفة، وقدم الرحمن على الرحيم لأنه خاص إذ لا يقال لغير الله تعالى بخلاف الرحيم والخاص مقدم على العام([3]).
[2] أتى بالحمد بعد البسملة تأسياً بالكتاب العزيز وعملاً بما جاء في سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم) ([4]).
[3] البدعة: بدعتان بدعة هدى وبدعة ضلال فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه الله أو رسوله فهو في حيز المدح([5]).
قال في مختار الصحاح (البدعة: الحدث في الدين بعد الإكمال)([6]).

عباد الله: أوصيكم وإياي بتقوى[4] الله وبما في تركه رضا الله، فإنكم عاكفون[5] على بدعة قبيحة ومخزية كريهة[6]. تخزي صاحبها عند رئيس وفقيه[7]، وترفع محله عند سوقي[8]، وسفيه[9]،……………………………………………………………………..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[4] التقوى هي وصية الأنبياء لأممهم من أولهم إلى آخرهم وهي ما ينبغي أن يوصي به كل مسلم من تحت يده في حال حياته وبعد موته، ومعنى التقوى في اللغة الصيانة والحذر والحماية والحفظ. وفي الاصطلاح فعل المأمورات التي تستوجب رضا الله وتجنب المنهيات التي تستوجب عقابه([7]).
[5] مأخوذ من عكف وبابه دخل وجلس يقال عكف على الشيء أقبل عليه مواظباً([8]).
[6] الدخان وما في حكمه خليق بهذه الأوصاف كيف لا وهو من الخبائث التي لا توجد في مجالس الأخيار والصالحين وإنما تدار في مجالس الفسقة والأشرار.
[7] الفقه في اللغة: الفهم، وفي الاصطلاح معرفة الأحكام الشرعية العلمية بأدلتها التفصيلية، والفقيه هو من يعرف الأحكام ويبين أمور الحلال والحرام.
[8] السوقي: جمعه سوقة يستوي فيه الواحد، والجمع والمؤنث والمذكر قالت بنت النعمان بنت المنذر:
فينا نسوس الناس والأمر أمرنا
***
إذا نحن فيهم سوقه نتصف

أي نخدم الناس وعليه فالسوقة من لم يكن ذا سلطان، وقيل هم أوساط الناس([9]).
[9] السفيه قال ابن سيده سفيه علينا جهل فهو سفيه، والجمع سفهاء، وسفاه قال الله تعالى: [كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ] أي الجهال والسفيه الجاهل، والأنثى سفيهة والجمع سفيهات وسفائه وسفه وسفاة([10]).

فينظر من له معقول إلى ما اعتمد عليه كل غمر[10] جهول من تقبيل[11] الشيطان في كل ساعة وأوان والانقياد له مد الأزمان الآفالة الأتتان هي منقار الشيطان، يلقيه في فم الإنسان فيورث في قلبه النسيان، فيورث في قلبه النسيان[12] ويليه عن تلاوة[13] القرآن ويزين له الفسوق والعصيان، ويقرقر[14] بصوته في المباح فيخرس به الإنسان عن الاستماع، ويغفل قلبه عن حضور الجمعة[15] والاجتماع، فما هذا الخذلان يا إنسان في انقيادك للشيطان ما زال ينصب لك الحبال[16]،………………………………………………………………….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[10] الغمر جمعه أغمار، قيل من الغمر بكسر المعجمة، أي الحقد، أي حاقد، وقيل بضم المعجمة وهو الجاهل الغرّ الذي لم يجرب الأمور([11]).
[11] هذا وصف للآلة التي كانت تستعمل للتدخين قبل ابتكار الأساليب الماكرة الحديثة.
[12] ثبت طبياً أن الدخان وما يلحق به يورث النسيان وعدم القدرة على التركيز وبالتالي ضعف التحصيل وعدم استيعاب المعلومات وسيأتي تفصيل ذلك في القسم الدراسي بمشيئة الله تعالى.
[13] لا شك أن المجلس الذي يشرب فيه الدخان يقل فيه الذكر وتلاوة القرآن لأن أهل الخير ومجالس الصالحين بعيدة كل البعد منه بل تجد مجالس الفسقة والأشرار هي التي تكون عامرة به وهذا أمر مشاهد في واقع الناس.
[14] قرقر الشراب في حلقه صوت يقول كأنه يستغني بسماع صوت الدخان عن سماع الذكر([12]).
[15] هذا فيه شيء من المبالغة ولو قال عن التبكير للجمعة لكان أدق.
[16] الشيطان يسلك كل طريق لإضلال الناس وإبعادهم عن طريق الخير فكأنه ينصب الحبال ليصطاد بها ضحاياه.

ويوسوس لك بكواذب الآمال حتى صيرك في شراكه وأدخلك من جملة خدمه وأملاكه[17] فجعلك له وصيفاً [18] وجعل فاك [19] لأذائه كنيفاً [20] فتخدم بضاعته بالتنظيف ويفتح فاك لغائطه [21] كالكنيف.
فقد صار فوك بيتاً[22] خاصاً بالشيطان تتأذى فيه بلون كالدخان فانظر إلى فعل اللعين[23]،….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[17] من يطيع الشيطان ويأتمر بأمره كأنه مملوك له يوجهه كيف يشاء.
[18] الوصيف الخادم غلاماً كان أو جارية ويقال وصف الغلام إذا بلغ الخدمة فهو وصيف بين الوصافة والجمع وصفاء([13]).
[19] فاك أي فمك.
[20] الكنيف قال في القاموس([14]) (الكنيف هو السترة والساتر والترس والمرحاض) وهو ما يقصده المؤلف هنا وهو المكان الذي يتخذ في الدار لقضاء الحاجة وقد نابت منابه الحمامات في الوقت الحاضر.
[21] الغائط كناية عن العذرة([15]). وأصل الغائط المطمئن من الأرض الواسع وكان الرجل منهم إذا أراد أن يقضي الحاجة أتى الغائط وقضى حاجته، فقيل لكل من قضى حاجته قد أتى الغائط يكنى به عن العذرة([16]).
[22] في الأصل بيت خاص وهو خطأ واضح كما ترى والصواب ما أثبتناه.
[23] من يلعنه كل أحد كالشيطان([17]).

ما هذه الحبائل والتمكين تمكن من أعدائه فأسر وصال عليهم بالحبائل واستهر وأورث في قلوبهم نار سقر لا تبقى في حياتهم تركة ولا تذر، ولا في الآخرة حشر ووبال وحميم وعذاب ونكال [24] فيا مغروراً بالمباعات لم لا تحب المداعات[25] وتهد إلى فعل ما وجب من الطاعات، وتترك هذه البضاعات التي خسر بائعها وأثم شارعها[26]، فأين حزمك يا مهلول[27] وأين بصرك في هدايتك يا جهول فارجع إلى ربك وأنب، وتب إليه توبة نصوحاً فأنه سميع مجيب وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم ولا حول ولا قوة إلا بالها العلي العظيم ثم أني لما رأيت استحوذ الشيطان على كثير من المسلمين [إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ][28].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[24] هذا لا يخلو من المبالغة وهو أسلوب من أساليب الوعظ للزجر والتنفير من هذه المعصية القبيحة.
[25] أي الدعوة إلى الخير وهي لفظة غريبة.
[26] بالحاشية تعليق هذا نصه: وشارعها في أرض اليمن([18])….. لعنه([19]) الله، أهديت إليه وكان يهديها إلى عظماء دولته من الأمراء وغيرهم حتى فشت في الخواص وعمت الناس فمن سن بدعة كان عليه عمل من عمل بها إلى يوم القيامة أ.هـ.
[27] البهلول الرجل الضحاك والسيد الجامع لكل خير([20]). وقال في مختار الصحاح البهلول من الرجال بالضم الضحاك([21]).
[28] سورة (ص) آية24.

واعتمادهم على استعمال تلك الشجرة الخبيثة المجتثة[29] من فوق الأرض أن شاء [30] الله، التي ملابسها[31] أرخص وأخبث [32] منها، وأمعنت النظر في حالها وفي حال مستعملها بازدراع[33] أو بيع أو شراء، أو شرب[34] فأول ما نظرت في ازدراعها فوجدتها تنبت في الأماكن الدمنة[35] الهنية[36] الموبية[37]، وفي المزابل[38]،………………………………
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[29] هذا من المؤلف رحمه الله من باب التفاؤل لشدة كراهيته لها.
[30] في الأصل إنشاء الله، والصواب ما أثبته.
[31] ملابسها: أي مستعملها.
[32] انظر إلى هذا التنبيه من المؤلف رحمه الله كيف ربط بين المستعمل والمستعمِل وأليس الثاني مساوئ الأول.
[33] زراعتها والقيام عليها حتى تصل إلى مرحلة البيع.
[34] عمم المؤلف رحمه الله كل من يعين على انتشار هذه الشجرة الخبيثة من زارع وبائع ومشتر وشارب ممن يتعاون على الإثم والعدوان.
[35] الدمنة: دمنت الماشية المكان تدميناً فهو مندمن([22]).
[36] اللينة الحقيرة.
[37] المصابة بالوباء شبهها بمن أصيب بالمرض.
[38] المزابل أماكن القمامة.

ومجامع الأوساخ[39]، وتكون شجرتها ردية الشكل، ذات زغب ولزوجة[40] ردية، ولها ريح ضعيفة تحرق المنخر[41] لريحتها المنتنة، ثم إن مزدرعها[42] لا يبرح في ذلة ومهانة ووجل من كل مطلع عليها في زراعته[43] ثم نظرت حال بائعها ومشتريها فوجدتهما قد لبسا ثوب المذلة والمهانة والخوف على أنفسهما من الافتضاح بها عند أهل الدين والمروءة، إن حملها في طريق أو وصل بها الأسواق فهو خائف في طريقة من كل من يصدفه في الطريق[44]،……………….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[39] أماكن وضع الأوساخ وإشارة إلى نجاستها واشتمالها على مختلف الأوساخ.
[40] الدخان يزرع في البلاد المعتدلة وتصل شجرته إلى حدود خمسة أمتار ولكنها في غالب الأحيان لا تتجاوز المتر ونصف المتر وسيأتي مزيد وصف لشجرته عند تعريفه إن شاء الله.
[41] الأنف وهذا ثابت طبياً وواقعاً ويعترف به كل من يستعمل الدخان.
[42] زراعتها.
[43] هذا دونما شك في المجتمعات المحافظة التي تنتشر فيها الفضيلة وتختفي فيها الرذيلة وكفى بذلك دليلاً على كراهيتها يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس)([23]).
[44] هذا في زمن المؤلف وأما الآن فقد أصبح شربها في بعض المجتمعات الإسلامية مظهراً من مظاهر التمدن والرقي وهذا والعياذ بالله من انتكاس الفطر والارتكاس في أوحال الرذيلة، وإذا كان كل مكان يمكن أن يتساهل فيه ويصدق أن يشرب هذا الوباء فيه فمن غير اللائق أن يشرب أمام بيوت الله، بل أمام الحرمين إن ذلك والله مظهر من مظاهر الرجعية، والتخلف فهل تتضافر الجهود لمنع التدخين أمام بيوت الله وخصوصاً أمام الحرمين الشريفين.

ويجلس بها في أخسر المجالس الخفية بين أوساخ ونحوها[45]، كي يظن أنه قد خفي مكانه فيها ويقصده إليها لأخذها منه الخشاش[46]، من الناس إلى تلك الأماكن الخسيسة[47]، ثم أن أهل الحوانيت[48] الذين ولعوا بالبيع والشراء فيها وزين لهم الشيطان أعمالهم فإنهم يحرصون على إخفائها في حوانيتهم، ويجعلونها تحت ما يظهرون البيع والشراء فيه من المعاطير[49] ونحوها، وإذا قصد تسلل لإخراجها إلى القاصد لأخذها منه وهو مريب خائف يترقب[50]،……………..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[45] هذا قديماً أما الآن فالدخان وللأسف الشديد يعرض مع سائر الطيبات من مختلف المطعومات والمشروبات.
[46] ما لا دماغ له من دواب الأرض ومن الطير. ومثله حشرات الأرض والعصافير ونحوها([24]).
[47] المقصود الأماكن التي وصفها المؤلف بأنها مليئة بالأوساخ والمزابل والقاذورات وغيرها، وهذا فيما مضى أما الآن تعرض في سائر المحلات التجارية جهاراً نهاراً والعياذ بالله.
[48] جمع حانوت وهي المحلات التجارية التي تباع فيها المأكولات والمشروبات.
[49] العطر بالكسر الطيب والعاطر محبه والعطار بائعه والعطارة بالكسر حرفته وامرأته عاطرة ومعطارة ومعطره ومتعطرة ومطير، ومعطار([25]). وقال في مختار الصحاح:… ورجل معطير بالكسر كثير التعطر وامرأة معطيرة أيضاً ومعطارة([26]).
[50] بالهامش تعليق هذا نصه: .. أما الآن فقد صارت هذه الشجرة الخبيثة بالعكس مما كان حال ملابسها عليه وحصل التفاخر في التظهّر بها وعظم المتجر فيها([27]). فإن لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مع عدم ما يتخوف منه فأولى وأحرى مع التخويف له عليها، وما ذلك إلا لخباثتها ورخصتها وخستها.
ألبست ملابسها الذل والرعب والإدانة على كل حال. وكستهم ثوب الوبال والهوان.

ثم إن آلتها التي تستعمل لشربها آلة شيطانية منها تركيب المباعة[51] بتلك الآلة وعلى تلك الهيئة، وجعل الماء فيها للقرقرة المصدية للأسماع وتغير الماء فيها إلى حالة بول الحمير وأعلى منه درجة في اللون والشم ثم قطرانه التي يجتمع في قطب المباعة وأسفل البوري فيه من الرداءة والنتن واللزوجة التي لا تكاد تتحلل إذا وقعت في يد أو ثوب أو نحوهما وإن أمعن الغسل[52]. ثم البوري الذي جمعه بوار، فإذا أثبتت الياء فيه صار مضافاً إلى [53] المتكلم (أعاذنا الله من البوار في هذه الدار ودار القرار)، ثم وضع هذه الشجرة الخبيثة في البوري وجعل النار في أعلاها وكل طعام وشراب تصلحه النار من تحته إلا هذه الشجرة الخبيثة فالنار تفسدها من فوقها[54]، ………………………………………………………………………………….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[51] هذه إحدى الطرق التي كان يستعمل بها الدخان في ذلك الوقت وهي قريبة من الشيشة التي تستعمل في هذا الوقت وفي كل شر.
[52] تجتمع الأوساخ وتترسب فإذا أصاب الثوب أو البدن منه شيء عزت إزالته عنه.
[53] أنظر إلى هذا التنبيه اللطيف من المؤلف رحمه الله حرصاً منه على التنفير منها وإبعاد الناس عنها.
[54] أنظر إلى هذه المقارنة الجيدة من المؤلف كيف أن الأطعمة الطيبة والأشربة الحلال تمسها النار من تحتها، وأما هذا الشراب الخبيث فالنار تمسه من فوق ـ وهذا في زمن المؤلف ـ وأما الآن فالنار تمس الدخان من طرف ويشرب من الطرف الآخر.

ويستجره الشارب له إلى فيه من القصبة التي هي منقار الشيطان فيجر منها دخاناً طلعه [كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ][55]، [يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ*رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ][56] فيسول له الشيطان أن فيه نفعاً وهو لا يسمن ولا يغني من جوع [57] ويذهب أوقاته، وهو عاكف عليه وقد صفّر أسنانه وأنتن من ريحه فوه وكدر لونه وأرق جلده وأضعف جلده وأوها قوته، وأدق عظمه، وران صداه على قلبه وغير حواس لبه[58]،……………….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[55] سورة الصافات آية65.
[56] سورة الدخان آية12.
[57] هذه الأوصاف من المؤلف لشدة التنفير منها لأنه رحمه الله عايش ضررها البالغ فكيف لو عرف حال الناس في هذه الأوقات وما تسببه هذه العادة القبيحة من الأمراض الكثيرة عافانا الله من كل بلاء.
[58] سنشير في مبحث لاحق إلى الأضرار المترتبة على استعمال الدخان وهي مستقاة من الواقع ليس فيها مبالغة ولا تهويل.
يقول صاحب تبصرة الأخوان (…… فمن مضراته الكلية تخريب كريات الدم ومنها تأثيره على القلب بتشويش انتظام ضرباته ومنها معارضته القوية لشهية الطعام ومنها انحطاط القوى العصبية عامة وهذا يحصل بالخدر والدوار الذي يحدث عقب استعمال التدخين لمن لم يأتلفه ولمن كان مؤتلفاً له وانقطع عنه مدة عشر ساعات تقريباً كما يحصل ذلك للصائم عند استعماله له عقب الصوم…. ([28]).

وأمذر منيه فلا يرى مولوداً للمستعمل له، إلا رديء النشأة، منهوك البدن، ضعيف القوى، حقير الجثة لما قد لحق النطفة من أمذار الدخان له[59]. وأيضاً فإن فيه إتلافاً للمال حيث ينفق المستعمل له بعض ماله في هذه الشجرة الخبيثة[60]. الثلاث من لقط[61]………………….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[59] لقد أثبت الطب الحديث ما يقوله المؤلف رحمه الله تعالى، يقول الدكتور فورت مدير مركز سان فرانسيسكو لحل المشكلات الاجتماعية والصحية أن الأغلبية الساحقة من الرجال الذين يشكون من العقم والضعف الجنسي تحسنت حالتهم بعد الإقلاع عن التدخين، ويقدم النصيحة ذاتها للسيدات المدخنات اللاتي يشكون من العقم أو البرود الجنسي([29]).
ويقول الدكتور محمد علي البار: (… أثبتت الدراسات الطيبة والتجارب المعملية أن للتدخين آثاراً خطيرة على الجنين والرضيع وأنه يصيبها بأمراض خطيرة قد تؤدي بحياتهما وإن عاشا صاحبتهما الأمراض في البدن والقلب وأجهزة التنفس([30])… إلخ.
[60] يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله (… وأما مضاره المالية فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال وأي إضاعة أبلغ من حرقه في هذا الدخان الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ولا نفع فيه بوجه من الوجوه حتى أن كثيراً من المنهمكين فيه يغرمون الأموال الكثيرة وربما تركوا ما يجب عليهم من النفقات الواجبة، وهذا انحراف عظيم وضرر جسيم فصرف المال في الأمور التي لا نفع فيها منهي عنه فكيف بصرفه بشيء محقق ضرر([31])….).
[61] المقصود السبابة والإبهام والوسطى لأنها هي التي يلقط بها الجمر المتساقط ـ كما هو الحال في الشيشة الآن.

النار وتذريمها[62] في البوري، فقد صارت هذه الثلاث الأصابع حارقة[63] منقعة[64] من النار، مشوهة[65]. سيماهم في أصابعهم من أثر النار[66]، ثم فراش أماكن شاربها تجده حارقاً[60]، مندلاً[68] من كثرة تساقط نار البوري عليه وشمها من نتن هذه الشجرة كشم شاربيها[69]،….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[62] أي تكسيرها فكأنه يضرب الجمر بهذه الأصابع لكي يوازنه في البوري ـ كما هو الحال في مدخنة الطيب مع الفارق الكبير بين الخبيث والطيب.
[63] أي محرقة وهذا أمر ملموس في الواقع.
[64] أي تظهر آثار النار عليها فتصيبها بالبقع وهذا أمر مشاهد ومحسوس.
[65] كثير من مستعملي الدخان والشيشة تلحظ آثار ذلك على أصابعهم إذ تجد فيها شيئاً من التشوية في الشكل أو اللون.
[66] هذا وصف بديع فكأن المؤلف يقول نستدل على هؤلاء زيادة على أسنانهم وشفاههم بأصابعهم للأثر الواضح فيها.
[67] أي محرقاً.
[68] أي ممزقاً وذلك أن سقوط النار عليه تجعله مخرقاً إذ أي جزء تسقط عليه النار تتلفه.
[69] الرائحة الكريهة لشارب الدخان لا يختلف فيها اثنان بل إن الرائحة الكريهة لثيابه وفراشه وغرفته أمر لا شك فيه أحد.
وهذه الرائحة مما يؤذي الناس ويؤذي الكرام الكاتبين،وأذية الناس لا تجوز بحال من الأحوال.

فرأيت أن هذه حالة لا تخلو من التحريم[70]،مع ما قاله مولانا أمير المؤمنين المتوكل[71] على الله حفظه الله حين سئل عنها فأجاب أنها من الخبائث التي تضمنها قوله تعالى: [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ][72].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[70] قد ذكر جمع من أكابر العلماء وجهاً بذة الأطباء أن من العقل فضلاً عن الشرع وجوب اجتناب التدخين حفاظاً للصحة التي هي من الله تعالى أعظم منه ومنحة ودفعاً لدواعي الضعف الذي هو من مقدمات الهلاك والدمار كما هو معلوم لذوي الاستبصار كيف وقد قال تعالى: [وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ([32])]([33]).
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم (… لا ريب في خبث الدخان ونتنه وإسكاره أحياناً وتفتيره وتحريمه بالنقل الصحيح والعقل الصريح وكلام الأطباء المعتبرين([34]).
[71] المطهر بن محمد بن سليمان بن يحي بن حمزة أبو محمد الملقب بالمتوكل على الله من أئمة الزيدية باليمن، ولد في أول القرن التاسع ودعا إلى نفسه سنة840هـ وأجابه جماعة من الزيدية وكان عالماً كبيراً ملك كحلان، وذمار وغيرهما. عارضه بعض معاصريه من الأمراء وما زالت الحال سجالاً بينهما يضعف تارة ويقوى أخرى حتى توفي في صفر سنة 879هـ بذمار ودفن بها([35]).
[72] سورة الأعراف آية157.

والله سبحانه وتعالى حرم الخمر بتخمير[73] العقل إن كثر وحرم قليلها لتخمير كثيرها ووصفها بالنفع وجعل إثمها أكثر من نفعها[74].
ولا شك أنها أرفع حالاً من هذه الشجرة لكونها مشروبة حقيقة وحالها أنزه من حال هذه الشجرة الخبيثة لولا ورود النهي بالتحريم لها[75] والله أعلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم[76]. نقل عن القاضي … عبد العزيز[77]……
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[73] تخمير العقل ستره وتغطيته لأن الخمر منقول من مصدر خمر الشيء بمعنى ستره وغطاه وخمرت الجارية ألبستها الخمار. فشراب الخمر يستر العقل ويغطيه أو يخالطه يقال خامره الداء أي خالطه([36]).
[74] يقول تعالى: [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا]([37]).
[75] لا وجه للمقارنة بين الخمر والدخان فالخمر أشد ضرراً وأسوأ حالاً وأكثر خطراً ويترتب على شربها من المفاسد ما لا يخفى بخلاف الدخان، فالضرر خاص بشاربه لا يتعداه إلى غيره إلا قليلاً بالنسبة لمجالسه وأهل بيته، وأما الخمر فهي أم الخبائث قد يترتب على السكر القتل والزنى والقذف وسائر الجرائم ولكن هذا من المؤلف رحمه الله لشدة التنفير منها إذ كانت في بداية ظهورها وانتشارها أعني شجرة الدخان.
[76] بهذا انتهت المخطوطة لعماد الدين رحمه الله لكني وجدت تعليقاً طويلاً تبين لي أنه من الناسخ حيث إن التراجم التي أشار إليها متأخرة عن مؤلف المخطوطة بقرن من الزمان.
[77] من هنا بدأ كلام الناسخ حيث وجد إشارة إلى أنها نسخت عام 1055هـ وهذا التاريخ يتزامن مع التراجم التي ذكرها في هذا التعليق والله أعلم . (وعبد العزيز) لم أعثر له على ترجمة لأني لم أتبين من هو.

عن شيخ الإسلام أحمد بن علي [78] بن يوسف يروى عنه أنه وجد في كتاب القاموس المحيط[79] بعلم الأنام أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستخرج شجرة في آخر الزمان بأرض اليمن تسمى في لسان فارس تنباق وفي لسان الترك تتن أي دخان يستعملها الجهال شرباً وليس معهم دليل ولا اصطلاح عنها فذكر أنها تولد الغفلة عن ذكر الله تعالى وتقل الأيمان في قلوب المسلمين ويقع على القلب من دخانها غشاوة سوداء وورق تلك الشجرة مثل آذان البغال فاجتنبوها فهي مما حرم الله ورسوله على عباده[80]. وقد قيل فيها شعراً[81]،………………
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[78] أحمد بن علي لم أعثر له على ترجمة لأني لم أتبين من هو.
[79] لم أقف عليه.
[80] لم أقف على هذا الحديث بعد طول بحث فقد راجعت ما بين يدي من مصادر ولم أطلع عليه ولكن مما أكاد أجزم به أن هذا الأثر لا تظهر عليه أنوار مشكاة النبوة ولكنني مع ذلك أتوقف حتى يتبين لي فيه شيء أو يتفضل على من يطلع على هذا البحث فيدلني على مكانه في كتب الحديث فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
[81] ذكر صاحب كتاب (حكام اليمن المؤلفون المجتهدون)، أن لأمير المؤمنين المنصور بالله أبياتاً في ذم التتن ضمن مجموعة برقم 96 بمكتبة الجامع([38]).

لمولانا أمير المؤمنين المنصور باله رب العالمين القاسم[82] بن محمد رضوان الله عليه وهو محرم لها وولده المؤيد[83] بالله عليه السلام.
إذا أردت بقوم حل قارعه
***
ومس ويلات فاسقهم تتنان

ينأى بهم ووسواس لشاربه
***
ويورث السقم والأوصاب والخزيان

ما أن رأينا فتى سرى به أبداً
***
إلا وفي عقله أو دينه فتقان

يكفيه ذماً بأن الله صيره
***
عداد من يعبد الأصنام والوثنان[84]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[82] هو القاسم بن محمد بن علي الرشيد الزيدي العلوي (الإمام المنصور بالله) محدث متكلم أصولي صاحب اليمن، ولد في صفر من عام 967هـ، وتوفي بشهارة في ربيع الأول من عام 1029هـ، من تصانيفه الأساس المتكفل بكشف الالتباس في أصول الدين والاعتصام في الحديث، الإرشاد، ومرقاة الوصول إلى علم الأصول([39]).
وهذا مما يؤكد أن هذا التعليق من الناسخ وليس من كلام عماد الدين صاحب المخطوطة لأن عماد الدين توفي عام 875 فكيف يشير إلى من بعده والله أعلم.
[83] محمد بن القاسم بن علي من سلالة الهادي إلى الحق إمام زيدي عظيم السلطان في اليمن قام بعد وفاة أبيه سنة 1029هـ، وانقادت له الديار اليمنية أعاليها وتهائمها وحضر موت، وأعمالها وكان عالماً متقناً صنف كتاب (تصفية النفوس) مخطوط، وفي أيامه خرج الترك من اليمن كافة، ولد سنة 990هـ، وتوفي بشهارة سنة 1054هـ([40]).
[84] يلاحظ أن هذا الشعر غير مستقيم وزناً ولا معنى، وفيه ألفاظ نابية بل فيه مبالغة غير مقبولة فكيف يقارن شرب الدخان بعبادة الأصنام والأوثان ولكن الناس يتفاوتون في حكمهم على الأشياء قبولاً ورفضاً.

الفصل الأول
المبحث الأول: تعريف الدخان

التدخين مصدر فعله دخن مضعفاً يدخن تدخيناً إذ صيغة التفضيل دائماً مصدر لفعل مضعف العين كالتكليم من كلم والتسليم من سلم، والتعليم من علم، فالتدخين إذاً مصدر وهو فعل المرء المدخن إذا هو أشعل السيجارة أو الغليون وامتصها بشدقيهس ليخرج بذلك دخاناً أبيض كثيفاً من فمه ومنخريه.
وله مع هذا أسماء أخرى مثل التتن يطلقه عليه غالباً أهل البلاد الذين يكرهون التدخين وينهون عنه، ومنها التبغ وهو الاسم الذي يعرف به الدخان في أغلب بلاد العالم وهو أصدق اسم أطلق عليه لأنه من كلمة (تباغوا) التي هي أسم لجزيرة في خليج المكسيك قد وجدت فيها هذه النبتة الخبيثة([41]).
ومن أسمائه الطباق وسمته به العرب، وهو غير ما أشار إليه الزبيدي في تاج العروس إذ الزبيدي رحمه الله ذكر طباقاً على وزن زنار، وهما مختلفان تماماً وإن كان كل منهما نباتاً… فالطباق بالتشديد علاج بإذن الله، والطباق بالتخفيف سم زعاف والعياذ بالله.
ومن أسمائه تنباك وتنباق
يقول الشاعر: ([42])
يا شارب التنباك ما أحراكا
***
من ذا الذي في شربه أفتاكا

آثرته وتركت جهلاً غيره
***
تباً لمن قد آثر التنباكا

يقول مفتي الديار السعودية محمد بن إبراهيم عليه رحمة الله ملخصاً كلام الأطباء حول الدخان (… قالوا هو نبات حشيشي مخدر مر الطعم، وبعد التحقيق والتجربة ظهر أن التبغ بنوعيه التوتون والتنباك من الفصيلة الباذنجانية التي تشتمل على أشر النباتات السامة لبلادنا والبرش والبنج وهما مركبان من أملاح البوتاس والنوشادر ومنه مادة صمغية ومادة حريفة تسمى نيكوتين قالوا وهي من أشد السموم فعلاً…) ([43]).
ويقول الأستاذ محمد فريد وجدي (… التبغ (التتن) شجرة أمريكية الأصل وتزرع الآن في معظم بلاد العالم فتبلغ من 1-60/1-متراً وهي تنبت في البلاد المعتدلة ولكنها في البلاد الحارة تنمو وترتفع حتى تصل في الطول إلى 5أمتار وأوراقها المجففة تستعمل سعوطاً (نشوقاً) وتدخيناً ومضغاً…)([44]).
وجاء في الموسوعة العربية الميسرة (دخان ناتج غازي منظور لاحتراق غير كامل يتركب من دقائق الكربون ومواد قطرانية أخرى([45])).
(وتبغ نبات من الفصيلة الباذنجانية…)([46]).

المبحث الثاني: اكتشافه وتاريخ ظهوره

يكاد الباحثون يتفقون على أن بداية معرفة الدخان كانت مصاحبة لاكتشاف أمريكا أي في حدود عام 912هـ ـ 1492م.
يقول الأستاذ محمد فريد وجدي (هذه العادة لم تكن موجودة قبل اكتشاف أمريكا في القرن الخامس عشر وسبب سرينها في أوروبا هم النوبية الأسبانيون فإنهم رأوا متوحشي أمريكا يدخنون فقلدوهم وجاءوا بهذه العادة إلى أوروبا فانتشرت فيها ولما شخص كريستوف كولومبس إلى أمريكا بعث في سنة 1515م إلى أسابيا بذور هذه الشجرة لتزرع بصفة نبات طبي كان يعزى له بعض الفوائد في بعض الأمراض ـ ولم يتخيل إنسان أن تدخين هذا النبات السام الذي من مركباته ـ النيكوتين ـ المهلك سيكون في جيل من الأجيال من الشيوع والانتشار بحيث يكون نسبة باعة الخبز إلى باعة التبغ كنسبة 1 إلى 10….)([47]).
وجاء في الموسوعة العربية الميسرة (… وانتشرت زراعته بالأمريكتين قبل وصول الأوروبيين بزمن طويل وكولومبس أول الأوروبيين الذين عرفوه أدخل إلى أوروبا سنة 1556م واستعمل نباتاً للزينة وللأغراض الطبية ولم تنتشر عادة التدخين في أوروبا حتى 1586م…)([48]).
ونقل الدكتور المنصور عن بعض الباحثين قوله: (… وذكر بعضهم أنه وجد في جهات من بلاد فارس نباتاً من طبيعته قبل اكتشاف أمريكا بـ300سنة وبعدما اكتشف فيها ذاع استعماله في أوروبا وذلك أن قبطاناً انجليزياً من بحارة البحر الأحمر يسمى (دراك) حمله من أمريكا إلى انكلترا ثم امتد استعماله إلى فرنسا، ومما يثبت أن منشأه أمريكا لا الشرق قول أحد مشاهير الأندلس (لمينان) أنه انتشر في أوروبا قبل معرفة بلاد الشرق له بما يزيد عن 100سنة، وثبت أيضاً في التاريخ أنه بعدما اشتهر في المغرب أخذ يتسرب إلى بلاد المشرق شيئاً فشيئاً حتى فشا استعماله…)([49]).
والذي يظهر أن الدخان كان معروفاً قبل اكتشاف أمريكا، ولكنه لم ينتشر ويشتهر إلا بعد اكتشافها والمخطوطة التي بين أيدينا دليل على ذلك إذ مؤلف المخطوطة توفي قبل اكتشاف أمريكا وهذا أمر واضح الدلالة على ما نقول.

الفصل الثاني
أسباب انتشاره

تمهيد:
إذا تبينا ما قرره العلم وأثبته الطب من أن التدخين ما هو إلا انتحار بطيء وقتل للصحة وتضييع للنشاط والحيوية ومجبلة لأمراض الكثيرة وأشدها وأخطرها القلق النفسي وتوتر الأعصاب وضعف الغيرة، إذا كان كل هذا ثابتاً فكيف يقدم الشخص بمحض اختياره ورغبته على ما يريده ويهين كرامته ويقلل منزلته في أعين الناس وللإجابة عن هذا السؤال نقول:
إن كثيراً من الناس لا يفكر في الخطوة التي يقدم عليها بل يتناول أحياناً ما يضره بدافع الشهوة وإشباع الرغبة الوقتية متناسياً كل العواقب والمصائب التي تخلقها، ثم بعد لحظات من مفارقته لهذا الأمر أو ذاك يندم ولات ساعة الندم.
ولقد رأيت أن أهم أسباب تعاطيه وانتشاره هي ما يأتي:

المبحث الأول: القرين

فإذا كان الشخص يخالط أشخاصاً يدخنون فلن يفلت من شراكه لأنه يشمه معهم بل وفي غالب الأحيان يشجعونه عليه ويجرونه إليه، والنفس بطبيعتها نزاعة لحب الممنوع وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحرق ثيابك وأما أن تجد منه ريحاً خبيثة)([50]).
وصدق الشاعر([51]) إذ يقول:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
ولقد تغرست في حال كثير من الشباب الذين أعرفهم ونظرت في أسباب شربهم للدخان فوجدته القرين السيء فهل يعي الآباء والمربون ذلك؟

المبحث الثاني: البيئة

البيئة المحيطة بالشخص فإذا كان الطفل في البيت يرى أباه يدخن أو يرى أخاه الأكبر أو يرى أحد أقاربه أو من يكثر جلوسه معه إذا كان يرى هؤلاء يدخنون وإذا خرج للشارع رأى كثيراً من الكبار والصغار يدخنون وإذا ذهب إلى المدرسة رأى المدرسين كذلك، وإذا ذهب لدائرة حكومية شاهد الدخان في كل مكتب إذا كانت هذه البيئة التي تحيط بالشاب فهل ترجو منه أن يسلم من الدخان إلا من سلم الله سبحانه، وقليل ما هم فلو أن المبتلي بشربه لم يجمع إلى سوء ما يفعل من شربه سوءاً آخر هو المجاهرة والمكابرة لكان ذلك أصلح له وللآخرين لئلا يكون قدوة سيئة يقتدي به الآخرون ولو سألته نفسه أترضى أن يدخن أحد مثلك لقال لا لشدة ما يعاني من ويلاته وبلائه.

المبحث الثالث: الشعور بالنقص

الشعور بعقدة النقص عند كثير من الشباب الذين يدخنون ذلك أنه يرى أن شخصيته لا تكتمل إلا بشربه وقد التقيت بمجموعة من الشباب في أحد السجون، وبعد نقاش طويل حول التدخين قال لي أحدهم الواقع إننا ندخن مثل الكبار ليقال إننا رجال فسبحان من بيده تصريف العقول والأرزاق.

المبحث الرابع : التقليد الأعمى

التقليد الأعمى في بداية الأمر دون نظر أي عواقب بل تجد الشاب يجلس مع زميل أو صديق فيتناول معه الدخان تقليداً له دون دوافع أو رغبة ثم النهاية يصبح عادة يصعب التخلص منها([52]).

المبحث الخامس: الدعاية

الدعاية القوية له بكل صورها وأشكالها ولقد نجح الأعداء في استخدام هذا السلاح المدمر واستطاعوا نشره حتى في صفوف الجيوش وأجهزة الأمن وأساتذة الجامعات، بل وفي صفوف النساء أحياناً فمتى فتحت مجلة سيارة وجدت على صفحتها الأولى عبارة الدخان رمز المتعة والحرية، الدخان ينسيك التعب والإجهاد.
الدخان راحة وهدوء بال ثم ترى رسمة من أجمل أنواع الرسم لشاب يضع الدخان بيده، أليست مثل هذه المجلة رسولاً لكل لبيب [إلا من شاء الله] يقرؤها الصغير والكبير، الذكر والأنثى.

المبحث السادس: سهولة الحصول عليه

سهولة الحصول عليه ويسره وذلك لوفرة الناحية المادية ولعرضه في كل مكان، فتجد الباعة يبيعونه في كل مكان على الصغير والكبير، ثم إن قيمته رمزية يستطيعها الطفل الصغير، ومما يؤسف له أن شربه أصبح مجالاً، للتنافس بين الأطفال وتلك والله نكسة ما بعدها نكسة فهل تصحو الضمائر ويفيق العقلاء ويضعون حدوداً لهذا التساهل في عرضه وبيعه في كل مكان، بل ويضعون حداً لشربه في الأسواق والمكاتب والأماكن العامة والحافلات والمدارس والحدائق وغير ذلك.
إن الحزم هو طريق السلامة في مثل هذه الأمور وما أصدق ما قيل([53]).
قسى ليزدجروا ومن يله حازماً *** فليقس أحياناً على من يرحم

المبحث السابع: التساهل في التربية

التساهل التام في التربية والتوجيه وعدم المتابعة للأولاد بل عدم مراقبتهم أثناء خروجهم من البيت أين يذهبون ومع من يجلسون ومن يصاحبون وعلى أي شيء تكون مجالسهم، إن الأولاد أمانة وسنسأل عنهم يوم القيامة هل قمنا بالواجب أم لا، فلنعد للسؤال جواباً.

المبحث الثامن: التقصير في مكافحته

تقصير الجهات العامة والخاصة الرسمية وغير الرسمية إذ لم تقم بدورها كما ينبغي فلا يكفي أن نضع إعلانات بمنع التدخين بل لا يكفي أن نضع أسبوعاً لمكافحة التدخين بل لابد من وضع الرقابة الصارمة على الموردين ومتابعة الموزعين والأخذ على يد الشركات التي تضع الإعلانات وتمتص دماء الناس وأموالهم بإحراق أكبادهم، ولا بد من دور ريادي للمصلحين والمعلمين وأولياء الأمور وذلك بالتوجيه والتوعية وبيان الأخطار والأضرار وبفضل الله ثم بفضل هذه الجهود نضع أقدامنا على الطريق الصحيح بمشيئة الله.

المبحث التاسع: أسباب أخرى

وعن أسباب انتشاره يقول الشيخ ابن جبرين: (… ولقد كنا في هذه البلاد قبل سنوات نعده أمراً
منكراً وقل أن يشربه سوى سوقة الناس، وسقطهم ويشربونه بخفية وخوف، أما الآن فقد شربوه علناً وجهاراً وابتلي به الكثير من الفضلاء والمديرين والأطباء والمربين والموجهين…).
ومن أسباب انتشاره:
أولاً: وسوسة الشيطان.
ثانياً: دعاة الضلال.
ثالثاً: دعايات المدخنين.
رابعاً: إعلان الدخان بيعاً وتعاطياً .
خامساً: انتشار المطاعم والمقاهي العامة.
سادساً: تقصير الآباء والمربين… ([54]).

الفصل الثالث: أضراره وآثاره

تمهيد:
إذا أردنا أن نقف على ضرر التدخين فلا بد من بحث معنى الضرر والمحل الذي يصاب بالضرر، أما الضرر فإن لفظه يدل على عدة معان كلها تدور على كون الشيء خالياً من المنفعة أو مسبباً شدة وضيقاً أو سوء حال أو نقصاً في شيء آخر.
وأما المحل الذي يصاب بالضرر فهو بالنسبة إلى المسلم دينه وبدنه وعقله وعرضه وماله، وهذه هي الكليات الخمس التي أطبقت الشرائع الإلهية على صيانتها للإنسان وحفظها عليه إذ هي قوام حياته وعليها مدار سعادته في الدنيا والآخرة.
ومن هنا وضعت الشريعة الإسلامية العقوبات الزاجرة لكل من يفسد على المسلم هذه الكليات أو يضره فيها بأدنى ضرر، فوضعت عقوبة القتل لمن جنى على إنسان بقتل أو فساد عقله أو دينه، ووضعت عقوبة القطع لمن يسرق مال غيره، وعقوبة الرجم حتى الموت لمن ينتهك أعراض الناس فيزني بنسائهم، وعقوبة الجلد لمن يقذف المحصنين فيخل بشرفهم ويمس بأعراضهم وهم أعفاء طاهرون، وعدت شريعة الإسلام كل من أدخل ضرراً أو نقصاً على تلك الكليات منفردة أو مجتمعة جناية محرمة يستوجب فاعلها العقوبة عليها، وأن كل ضار بها أو بواحدة منها هو ممنوع الاستعمال فاسد الاعتبار قبيح الصورة لا يصح فعله ولا يجوز إقراره والسكوت عليه.
وبعد هذه المقدمة نتساءل هل في التدخين ضرر وجواباً على ذلك نقول نعم أن فيه أضراراً بالغة على الدين والبدن والعقل والمال والعرض من جهة عامة وفيه أضرار أخرى أصبحت في حكم المقطوع بها لأن الناس يلمسونها في واقعهم أفراداً ومجتمعات([55]).

المبحث الأول: أضرار التدخين على الدين

يقول الحق تبارك وتعالى: [إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ] ([56]).
ذكر تعالى أسباب تحريم الخمر والميسر الصد عن الذكر وعن الصلاة وهذه العلة متحققة في الدخان، فإن شاربه في العادة يهرب من حِلق الذكر والقراءة ويألف اللهو والباطل عادة وهو غاباً من أكسل الناس عن الصلاة وأبعدهم عن حضور المساجد إلا ما شاء الله، ومن صلى منهم رئيت عليه آثار التثاقل فهو لا يأتي الصلاة إلا متأخراً ولا يخشع فيها ويتصرف مسرعاً قبل الذكر والراتبة وتثقل عليه النوافل الأخرى.
وهكذا سائر العبادات وبالأخص الصيام فإنه أثقل على المدخنين من غيره لأنهم به يمسكون عن شهوتهم وسلوتهم ـ حسب زعمهم ـ وينالهم بتركه آلام وصعوبات نفسية ولهذا يفطر كثير منهم، ولقد رأينا بأنفسنا أشخاصاً يفطرون بالدخان وعلى الدخان، ولقد سئلت في رمضان المنصرم 1410هـ عن حالة غريبة جداً حيث حضر عندي شاب تبدو عليه علامات الصلاح والتقى ولكنه مبتلي بشرب الدخان بسبب رفقة سيئة في بعض فترات حياته، وقد سألني قائلاً ما الحكم على شخص دخل عليه رمضان وخرج وهو يومياً يدخن أكثر من سيجارة ولكنه لا يتناول أي نوع من المفطرات عدا الدخان.
هذه الصورة لجزء من الواقع فهل هناك ضرر أعظم من هذا الضرر على ركن من أركان الإسلام.
ومن أضراره على الدين أن المدخن يؤذي الحفظة من الملائكة الكرام الكاتبين إذ هو بقوة الدخان الأبيض برائحته الكريهة على الملكين وهما يتأذيان من كل رائحة كريهة كما وردت بذلك النصوص الصحيحة.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: (… ومن مضاره الدينية أنه يثقل على العبد العبادات والقيام بالمأمورات خصوصاً الصيام وما كره العبد للخير فإنه شر…)([57]).

المبحث الثاني: أضرار التدخين على البدن

إن الأجسام البشرية محترمة ومحرمة معاً فلا يحل إصابتها بأي أذى.
والتدخين مضر بالجسم فاتك به يعرضه للتلف والهلاك.
ولعل من خير من يحدثنا عن ضرره على الجسم الدكتور محمد علي البار الطبيب العالم الذي يجمع بين الطب والعلم في أبحاثه المتميزة يقول حفظه الله([58]): (إن في التبغ مواد سامة كثيرة أخطرها ما يلي:
1) النيكوتين وهو أخطر السموم التي عرفها الإنسان حتى اليوم إذ يكفي في قتل إنسان في أوج شبابه أن يعطي منه مقدار (ملليجرام) وهو جزء من مليون من الكيلو غرام في وريده مع العلم أن السيجارة الواحدة لا تخلو أبداً من ملليجرام إلى ثلاثة منه بحب كبرها وصغرها وتركيبها.
2) غاز أول أكسيد الكربون وهو غاز سام يستنشقه المدخن فيسبب له نقصاً كبيراً في كمية الأوكسجين الموجودة في دمه مما ينتج عنه أن تدخين عشرين سيجارة في اليوم يفقد المرء خمس دمه ومعنى هذا أنه فقد خمس كافة جسمه، وأي ضرر أكبر من هذا الضرر؟
3) القار أي الزفت أو القطران ويوجد في كل سيجارة ما بين 15 -30مليجراما من هذه المادة السامة والتي يتسبب عنها للمدخنين التهابات الشعبة الهوائية الحادة والمزمنة، ثم يقرر الدكتور البار بعض المعلومات الثابتة طبياً فيقول:
1) إن كل سيجارة تدخن تنقص من عمر المرء خمس دقائق ونصفاً وهو نفس الوقت الذي يقضيه المرء في تدخين السيجارة.
2) تقول الإحصائيات الرسمية التي نشرها تقرير الكلية الملكية ببريطانيا عن التدخين أن من بين كل ثلاثة مدخنين واحداً منهم على الأقل سيلقي حتفه قبل الأوان بسبب التدخين.
3) أن أمراض الشرطان ـ الربو ـ العقم ـ ضعف النسل ـ تصلب الشرايين ـ تشويه الجنين ـ جلطات القلب ـ كل هذه الأمراض أثر من آثار التدخين وهي أضرار بالغة بالإنسان لا يصح معها أي شك في حرمة التدخين ووجوب تركه والابتعاد عنه وإلا فعلى الدين والعقل العوض والسلام.

المبحث الثالث: أضرار التدخين على العقل

العقل هو النعمة التي امتاز بها الآدمي عن غيره عن سائر الحيوانات، وهو مناط التكليف إذ غير العاقل لا يكلف فعلاً ولا تركاً ومن هنا كان كل ما يعرض العقل البشري للضعف أو التلف من سائر المؤثرات الداخلية أو الخارجية محرماً تحريماً شرعياً لا يحل استعماله ولا يجوز ارتكابه أبداً.
ولأجل ذلك حرم الإسلام الخمر والحشيشة وسائر المسكرات والمخدرات، على اختلافها وتباين أجناسها ووضع لها حد زاجراً.
صيانة للعقل وحماية له من كل ما يؤثر عليه وإذا أمعنا النظر في الدخان وجدناه يؤثر في العقل ويضر به ولا أدل على ذلك من أن شارب الدخان إذا فقده يكاد يسقط سريعاً فظلاً عن قلة نشاطه وعطائه وضعف تفكيره وتحصيله ويتضح لك ذلك جلياً لو تحدثت مع أحد المولعين به، وقلت له لو منع عنك الدخان فترة طويلة لرأيته يقول لك دون حياء أني أكد أجن لو فقدته أو أن الموت أرحم من فقده، ولقد قابلت شباباً صغاراً في بعض السجون وسألتهم عن سبب سجنهم فقالوا شرب الدخان وتباً لعادة أسر صاحبها حتى تدفعه للسرقة.

المبحث الرابع: أضرار التدخين على المال

اهتم الإسلام بالمال اهتماماً بالغاً وقرن حرمته بحرمة النفس والعرض بل قدمه في معرض البذل والإنفاق في سبيل الله على النفس ورفع منزلة من يقتل دون ماله فجعل له الشهادة.
ونهى الإسلام عن إعطاء السفهاء أموالهم خشية ضياعها وحرم أكل مال اليتم بغير وجه حق، ونهى عن التبذير والإسراف إلى غير ذلك من أوجه العناية بالمال.
ولو ألقينا نظرة فاحصة على أضرار الدخان المالية لعلمنا أن الثمن الذي يشتري به الدخان قل أو كثر بعد إتلافاً للمال وإحراقاً له وإفساداً وتضيعاً فلا يحل بوجه من الوجوه لأنه مال ينفق في إدخال الضرر على الإنسان.
وهذا الضرر متحقق وثابت كما سبق، أن ما نفقه متوسط الناس يومياً في شراء الدخان يبلغ خمسة ريالات، فبماذا تصرف هذه النقود أتصرف في مأكل مباح أو في مشرب طيب لا والله أنها تصرف في شراء موت محقق، ولو أن الأمر اقتصر على الشخص نفسه لهان الأمر بل تجده أحياناً فقيراً معدماً ينفق على أسرة كبيرة فيقتطع من نفقة أسرته ويشتري هذا الوباء الخبيث، بل أحياناً تبيت أسرته طاوية من أجل إرضاء شهوته وهناك من عرفناه يستدين وتتراكم عليه الديون ليشتري الدخان ويتلذذ به على حساب نفسه وأسرته.
ترى أخي القارئ لو رأينا إنساناً يذهب كل يوم إلى البحر ويرمي فيه ريالاً ماذا نعد هذا الشخص أنعده كريماً سخياً عاقلاً لأنه يتلف كل يوم ريالاً أم نقول فلان مجنون يضيع أمواله هدراً بل وندعو للحجر عليه لئلا يضيع أمواله رحمة بنفسه وبأسرته.
إذا كان هذا حال من يرمي ريالاً في البحر أو يحرقه في النار فكيف بحال من يحرق هذا الريال ويكتوي بناره ويضر دينه وجسده وعقله وعرضه وماله إن هذا الشخص أشد جنوناً وأولى بالحجر من الشخص الأول، ولكن تغير أحوال الناس وفساد طبائعهم انتكاس فطر الكثير منهم جعل شراء هذا الوباء سائغاً مقبولاً بل ومحبوباً للنفس.

المبحث الخامس: أضرار التدخين على العرض

حرص الإسلام على صيانة العرض والحفاظ عليه، ووضع لذلك الحدود الزاجرة وعد المساس بعرض المسلم جريمة يعاقب عليها بأشد العقوبات وأنكاها.
والسؤال هل للتدخين أضرار على العرض والجواب بكل بساطة نعم له أثار كبيرة ولعل القصة التي سقناها أكبر دليل واقعي على ضرر الدخان على العرض حيث أن المرأة العفيفة الشريفة أرخصت عرضها في سبيل الحصول على الدخان ثم إن المرء قبل أن يشتهر بين الناس بالتدخين لا يجرؤ حياء أن يدخن أمام أقاربه كأبويه وأخوته وأعمامه وأخواله ولا أمام أهل الفضل والصلاح كالعلماء والصالحين من الناس، وهذه ظاهرة معروفة لا تنكر وتفسيرها هو شعور المرء بقبح التدخين لأنه مثار الشهوة والهوى ولأنه من عمل غير الصالحين، وهذه شهادة الفطرة السليمة على أن التدخين ماس بالعرض مضر به وكفى بها شهادة….
ولو أن إماماً يخطب الناس على منبره يوم الجمعة، وجلس بين الخطبتين لتلك الاستراحة القليلة فأخرج سيجارة وأشعلها يدخن بها أثناء خطبته لخرج الناس كلهم من المسجد وهم يلعنونه وما صلى معه أحد وما ذلك إلا أن تعاطي الدخان يتنافي وكمال الإيمان، وأنه مظهر من مظاهر الهبوط النفسي وهو دليل على أضرار التدخين بالعرض والكرامة والمروءة([59]).

المبحث السادس: أضرار أخرى

وللتدخين أضرار صحية، فهو يعد ألد أعداء الصحة ومن أضراره الصحية:
1) السموم الموجودة في الدخان تفتك بالأغشية الرقيقة الملتفة حول الأوتار الصوتية فيسبب ذلك البحة عند المدخن.
2) يسبب التدخين ضيقاً في التنفس بسبب خراب الأكياس الهوائية في الرئتين ويسبب آلاماً في الحلق.
3) يضعف حاسة الشم والذوق والنظر والقدرة على تمييز الألوان.
4) يزيد من عدد نبضات القلب فينتج عن ذلك السكتة القلبية.
5) تتكدس السموم في الكبد فيشعر المدخن بالتعب والإرهاق لأي مجهود لأن الكبد لا تستطيع حجز السموم بهذه الكثرة.
6) ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين الذي يؤدي إلى موت الفجاءة.
7) أثبت أحد الأطباء أن التدخين هو سبب مباشر لسرطان الرئة وذلك بأن أحضر عدداً من الفئران ووضع على جلدها محلول دخان السيجارة فظهر بعد خمسة عشر يوماً ورم سرطان وكذلك سرطان الرئة يندر بين غير المدخنين، وقد مات بهذا المرض في عام 1963م في بريطانيا 25ألف شخص، وفي أمريكا41 ألف شخص.
8) كثرة السعال عند المدخنين والتدخين يسبب كذلك توقف في نمو الجسم.
9) التدخين مفتر للأعصاب والمخ لأنه يحدث انتعاشاً وقتياً فيها فيظن المدخن أنه يشعر بالراحة عند التدخين.
10) المدخن لا يستطيع القيام بأي نشاط رياضي وإن قام به فهو مهزوز.
* وله أضرار نفسية منها:
1) هبوط مستوى الذكاء.
2) حب التسلط عند المدخن.
3) المزاج العصبي والقلق والشرور.
4) ملامح شخصية المدخن غير متميزة بل متذبذبة.
* وللتدخين أضرار اجتماعية واقتصادية منها:
1) وجد أن ما يصرفه 60 مليون مدخن في أمريكا يساوي 4 مليارات دولار في العام الواحد.
2) كثير من الحرائق الخطيرة التي أتلفت مصانع كبيرة ومحلات تجارية باهظة الثمن كان سببها الدخان.
3) رائحته تؤذي الذين لا يستعملونه ولو دخلت عمارة فيها مدخن واحد لأحسست بالرائحة الكريهة تجلل العمارة كلها ولقد سكنت في إحدى المدن في عمارة فيها شخص واحد يستعمل الشيشة وكادت الرائحة تخرجنا من العمارة لولا بعض التصرفات التي أفادتنا في هذا المجال.
* ولقد لخص بعض أهل العلم([60]) أضرار التدخين فقال:
1) أن التدخين يفسد القلب ويضعف القوى.
2) يغير اللون بالصفرة وخصوصاً الأسنان.
3) يجلب البلغم والسعال والأمراض الصدرية.
4) يورث السل الرئوي ومرض القلب والموت بالسكتة القلبية.
5) يسبب فساد الذوق وعسر الهضم وقلة الشهية للطعام.
6) يفسد كريات الدم ويؤثر على القلب بتشويش انتظام ضرباته.
7) أنه معدود من الخبائث عند ذوي الطبائع السليمة حتى من مستعمليه.
8) إن إنفاق المال فيه إسراف وتبذير في معصية الله.
9) أنه مفتر باسترخاء الأطراف وصيرورتها إلى وهن وانكسار.
10) كون رائحته الكريهة تؤذي الناس الذين لا يستعملونه وتؤذي الملائكة الكرام لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وتلمس ذلك واضحاً إذا دخلت أحد المكاتب المغلقة التي يدخن أصحابها.
11) أنه يشوي الوجوه ويسود الشفاه، ويوسخ الأسنان ونستطيع معرفة المدخن من غيره ولو لم يدخن أمامك.
12) أنه من أكبر دسائس الشيطان التي يستدرج بها الإنسان إلى ما هو أعظم منه فإنه وسيلة وبريد للمسكرات والمخدرات أمهات الخبائث من الحشيشة والخمر والأفيون وسائر المخدرات المنتشرة في مختلف ديار المسلمين.

الفصل الرابع
المبحث الأول: حكم الدخان

لم يكن الدخان معروفاً في زمن التشريع الإسلامي فيذكره ويذكر حكمه وليس معقولاً أن يسمى شيء قبل ولادته ووجوده، فكيف يخص التدخين بحكم شرعي وهو لم يزل غيباً ويخطئ خطأً فاحشاً أولئك الذين يطالبون بدليل صريح على تحريم الدخان، إذ كيف يوجد الدليل والموجب غير موجود لكن حينما يظهر الشيء ويوجد وتظهر آثاره يحكم عليه بالحل والحرمة بحسب هذه الآثار من النفع والضر. ولهذا نستطيع أن نحكم على الدخان مثلاً بعدما فشا وانتشر وظهرت آثاره في المجتمع فنقول:
(إن في القرآن والسنة كليات يدخل تحتها كل جزئي من جنسها وقواعد يبني عليها كل مشابه لها في الحكم أو مشارك لها في الوصف، ويثبت هذه الحقيقة ويقررها مثل قوله تعالى: [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] ([61]).
وقوله تعالى: [وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] ([62]).
ومن تلك الكليات العامة و في الكتاب العزيز تحريم الله تعالى للإثم وأمره بتركه في قوله تعالى: [وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ] ([63]).
وقوله تعالى: [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ] ([64]).

فهذه الآيات صريحة الدلالة في تحريم كل إثم وفاحشة من القول والعمل، وإذا أردت حكماً شرعياً لأمر ــ ما ــ فانظر هل هو نافع أم ضار أم هو دائر بينهما والدخان الذي نتحدث عنه لا أظن عاقلاً يشك أنه ضار وأنه من قبيل الآثام لا من قبيل المحاور ومن الخبائث لها من الطيبات وقد استدل بعض أهل العلم على حرمة الدخان بالكتاب والسنة والقياس وأصول الشريعة وقواعدها.
فمن الكتاب: 1) قوله تعالى [وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ]([65]).
2) وقوله تعالى: [وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً]([66]).
الآيتان صريحتان في النهي عن كل مضر ومؤذ يودي بصاحبه إلى الموت والدخان يشهد عقلاء الأطباء وأصحاب التجارب أنه طريق بطيء للانتحار وسنشير إلى ما يؤيد ذلك في أثناء البحث إن شاء الله.
3) قوله تعالى: [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ…]([67]).

ونحن نتساءل هنا هل الدخان طيب أو خبيث؟ هل هو ضار أم نافع؟ هل هو نعمة أم نقمة؟ هل يدفع للصحة أم للمرض؟ أليس بعض الذين يشربونه ممن ابتلوا به يختفي حال شربه ويحرص ألا يعلم عنه أحد.
لقد عايشت بنفسي شخصياً تقياً ابتلي بهذا الوباء ويعلم الله أنني على كثرة ما جلست معه لم أشم معه رائحة حتى أنني لا أعلم متى تركه، بل إن معظم زملائه الذين يعملون معه في نفس المهنة لا يعرفون عنه أنه يدخن وهذا كاف وحده في الحكم على الدخان أنه من الخبائث والرذائل.
4) قال تعالى: [وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً] ([68]).
السفيه هو الذي لا يحسن التصرف بما معه من المال والعاقل يجزم أن المدخنين هم أكثر الناس سفهاً لأنهم فضلاً عن كونهم لم يحسنوا التصرف بأموالهم عمدوا إلى ما يضرهم ويؤذيهم ومثل هؤلاء أخلق الناس بأن يوصفوا بالسفيه بكل معانيه.
5) قال تعالى: [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ]([69]).
وقال تعالى: [وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً] ([70]).

والإسراف والتبذير هو إنفاق المال في غير وجه حق ولا شك أن شراء الدخان إنفاق للمال بغير وجه لأنه ثبت ضرره على العقل والجسم ومن يشتري ما يضره ويؤذيه مبذر ومسرف.
ومن السنة:
1) ما روته أم سلمة قالت: (نهى رسوله الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر)([71]).
وصريح النهي للتحريم وكون الدخان مفتراً ثابت، وقد جرب ذلك الناس وعرفوه.
2) ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعاً وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) ([72]).
وهل هناك إضاعة للمال أشد من إضاعته في شرب هذا الداء الخبيث الذي يضر بالعقل والبدن.
3) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحسى سما فقتل
نفسه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)([73]).
الحديث صريح في حرمة تناول أي نوع من السموم بقصد ضرر النفس وقد ثبت لنا مما سبق أن تناول الدخان إلقاء بالنفس إلى التهلكة، ثم إن الدخان يحتوي على سموم كثيرة أكثرها وأوضحها سم النيكوتين والقطران، فالمدخن يتناول السم عامداً متعمداً إلا أنه يقتل نفسه قتلاً بطيئاً وغيره ممن يتناول سائر السموم يقتل نفسه قتلاً عاجلاً ولا فرق في النتيجة بين الأمرين.
4) قال صلى الله علي و سلم: (لا ضرر ولا ضرار)([74]) نهى صلى الله عليه وسلم عن ضرر الإنسان نفسه وغيره، والمدخن ضار نفسه ضرراً عقلياً وضرراً جسيماً وهذا ثابت بشهادة من جربوا هذا الوباء وبشهادة الأطباء الذين عايشوا المرضى وتابعوا حالاتهم.
5) عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تزل قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن عمله ماذا عمل به)([75]).
والمدخن ماذا سيجيب أيكون جوابه أنه أمضى عمره وشبابه وأفنى ماله بالدخان، وهل هذا الجواب إلا وبال عليه يوم تشهد الأعضاء ويتكلم من الإنسان كل شيء.
6) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)([76]).
والدخان أقل أحواله أن يقال أنه من المتشبهات التي ينبغي اجتنابها والبعد عنها فهل يعقل الغافلون وينتبه اللاهون ويستفيق السائرون في طريق الهلاك.
7) وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا)([77]).
8) وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس)([78]).
أرأيت أخي المسلم أذية أشد من أذية الدخان، برائحة الكريهة وما يسببه من الأمراض.
إن الشخص الذي لا يدخن إذ دخل مكتباً من المكاتب المغلقة التي جللها الدخان يكاد يختنق ويعلم الله ما يتسبب له من الأمراض

فإذا كان المسلم مأموراً باعتزال المسجد إذا تناول المباحات فكيف به إذا تناول المحرمات التي هي أنفذ رائحة من الثوم والبصل.
ومن القياس:
الدخان يشترك مع سائر المسكرات والمخدرات بجامع الضرر في كل شم إنه ثبت أن الدخان يسكر في بعض الأحيان وخصوصاً عندما يستعمله المدخن بعد طول غياب، والدخان خبيث قبيح يشترك مع سائر الخبائث في الحرمة (ويحرم عليهم الخبائث).
أصول الشريعة وقواعدها:
أوجب الله جل وعلا العبادات التي يتقرب بها العباد إلى الله يرجون رحمته ومغفرته، ويخافون عقابه وعذابه وأباح لهم المعاملات والمكاسب التي لا ضرر فيها ولا إثم وأمر بالأكل من الطيبات لما لها من الأثر الوضاح على البدن في نشاطه وسلوكه وسيره إلى الله وحرم كل خبيث حسي أو معنوي، لما يترتب على أكله وتناوله من آثار تضر الفرد والمجتمع ولذا فأصول هذا الدين وقواعده تحكم على الدخان بالخبيث وتلحقه بالخبائث لما فيه من الضرر الواضح الذي لا يختلف فيه اثنان، والشريعة الإسلامية مليئة بالقواعد العامة التي يمكن أن يحكم على الدخان من خلالها.
ومن أهم هذه القواعد قاعدة لا ضرر ولا ضرار وقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وكذلك مبدأ سد الذرائع فلو لم يكن في تحريم الدخان إلا سد ذريعة المسكرات لكفى ذلك مبرراً للحكم عليه.

المبحث الثاني: شبه مستحليه

يتعلل بعض الناس الذين يشربون الدخان بعلل واهية ويحاولون أن يوجدوا مبرراً لشربهم وهذا من سوء جهلهم وفساد طويتهم إذ صنيعهم هذا يجعل الإثم مضاعفاً.
فالمسلم إذا ابتلي بمعصية ينبغي ألا يبرر لنفسه حلها بل يجزم بحرمتها ويسأل الله السلامة منها، ولعل من أبرز الشبه التي يتعلق بها بعض المدخنين ما يأتي:
1) عدم النص الصريح باسمه في التحريم وجواب هذه الشبهة:
إن الأدلة العامة التي أشرنا إليها كافية في الحكم عليه وعدم النص عليه باسمه لعدم وجوده في ذلك الوقت هناك أمور كثير لم ينص عليها وإنما يحكم عليها بالنصوص العامة والقواعد الكلية وقد سبق إيضاح جزء من ذلك فليراجع.
2) يتعلق بعض الناس بالعموميات مثل قوله تعالى: [هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً]([79]).
فيقول أن الدخان داخل في هذه الآية فيكون مباحاً، وجواب ذلك ما يأتي:
المراد بالآية الاعتبار بما في الأرض والانتفاع بما فيه نفع، والمعنى خلقه لأجلكم وتحقيقاً لمصالحكم وفي ذلك ما ليس بمأكول ولا مشروب، وفي التبغ مصالح ظاهرة حيث يستعمله بعض المزارعين لإبادة الحشرات التي تهلك النبات وتقضي عليه.
3) قول بعض الأصوليين الأصل في الأشياء الإباحة ولا يحرم إلا ما ورد دليل خاص به يحرمه، قال بعض الناس والدخان داخل في هذا العموم فلا يحرم إلا بدليل خاص يحرمه ولا دليل.
والجواب أن يقال: إن بعض أهل العلم عكس القاعدة فجعل الأصل في الأشياء المنع إلا بالدليل والصحيح التفصيل فكل شيء نافع ولا ضرر فيه ولا خبيث فهو مباح إلا بدليل وكل ضار أو ضرره أكبر من نفعه فهو حرام إلا للمضطر.

ثم إن دليل قام على حرمة الدخان كما سبق في أدلة تحريمه، فهل تبقى بعد ذلك تلك القاعدة مجالاً لاعتراض معترض أو متعلقاً لشبهة يورثها الهوى والبعد عن الحق.
4) فتوى من أفتى بحل الدخان من العلماء والجواب أن يقال:
أن هناك الكثيرين من أهل العلم المنصفين أفتوا بالتحريم وقولهم أصوب ورأيهم أسد لأن الدليل معهم، ثم إن هناك من أفتى بحل الخمر وتبرج النساء بل وإباحة الربا وأكل المال بالباطل فهل يؤخذ بمثل هذه الفتاوى الزائفة الضالة، إن المرجع والمحتكم في أي أمر اختلف الناس فيه وتنازعوا هو الميزان العدل، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: [فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ]([80]).
وبالرجوع إليهما نجد الدلالة فيهما التحريم واضحة صريحة وقد ذكرنا طرفاً منها في أدلة تحريمه.
5) إنكار ما فيه من الإسكار والتخدير والضرر: والجواب: أن يقال أن هناك من نقل إسكاره وتخديره وأما ضرره فلا أظن أن هناك عاقلاً ينكر ذلك، وما دام ثبت عند البعض إسكاره وتخديره وضرره فالموازنة تقضي أن يقدم المثبت على النافي لأن معه زيادة علم، ثم إن نفي إسكاره وتخديره عن بعض الأفراد لا ينفي ذلك عن الجميع.
6) يحتج بعض الناس بما يحصل في الدخان من المنافع ـ في نظرهم ـ كالتنبيه وإذهاب الكسل والتعب وحصول نشاط بعده والجواب أن يقال:
إن هذه المنافع خيالية أو مبالغ فيها وإن حصلت فهي دليل ثابت على ضرر الدخان لأنه بتناوله خدر نفسه فأذهب الإحساس وظن معه ذهاب التعب، والواقع أنه يزيد نفسه تعباً إلى تعب، ثم ماذا تكون هذه المنافع المزعومة مقابل الأضرار الكثيرة الثابتة بالواقع والتجربة لكل من تعاطى التدخين أو عايش متعاطيه([81]).
7) ومن الناس من يحاول إثبات عدم ضرر الدخان مناقضة للعلم المثبت بالتجربة ومنابذة للمشاهدات فيدعي أنه يدخن التبغ سنين ولم يحصل له طارئ يضره ويضرب لك الأمثال بغيره مكابرة وربما كان معتقداً ما يقوله.
والجواب على ذلك ما يأتي:
أنه شوهد من الناس من لا يظهر عليهم فعله بسرعة ولكن مقدار النيكوتين الذي يدخل إلى أجسادهم يتجمع فيها شيئاً فشيئاً ثم يثور مرة واحدة منتهزاً فرصة وقوع جسدهم في مرض أضعفه فيفتك به فتكاً ذريعاً حتى يتعجب الطبيب من سرعة المرض وكثرة تضاعفه، فلما يعلم أن سبب ذلك فعل النيكوتين المدخر يذهب عنه العجب ويعتريه الأسف.

الفصل الخامس
فتاوى العلماء في تحريمه

أذكر في هذا المبحث طرفاً من كلام أهل العلم في الدخان علما أن معظمهم من فقهاء المذاهب المختلفة الذين عايشوه في بدء ظهوره إلى يومنا هذا وعبارتهم تختلف فيه فمنهم من يحرمه ومنهم من يكرهه ومنهم من يبيحه وسأوضح ذلك فيما يأتي:
1) قال أبو السعود الحنفي أن الدخان مما ظهر أخيراً وأن صاحب الدر الشيخ الحصكفي الحنفي حكى عن شيخه الغزي الشافعي أنه حرام لأنه مفتر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر.
2) وقد حرمه الشيخ حسن الشرذبغلاني الحنفي فقال فيه نظماً من بحر الطويل:
ويمنع من بيع الدخان وشربه
***
وشاربه في الصوم لا شك يفطر([82])

3) ومنهم العلامة الباجوري حيث قال في كتاب البيوع من حاشيته على شرح الغاية عند قول المصنف ولا يصح بيع عين نجسه وما لا منفعة فيه قيل منه الدخان المعروف لأنه لا منفعة فيه بل يحرم استعماله لأن فيه ضرراً كبيراً…)([83]).
4) ومنهم المحقق البجيرمي قال في فصل الأطعمة من حاشيته على الإقناع في شرح متن أبي شجاع عند قول الشارح: ويحرم ما يضر البدن أو العقل ومنه تعلم حرمة الدخان المشهور أي لما صح فيه عن أهل الخبرة من أنه يضر بالبدن أضراراً…)([84]).
5) ومنهم الشهاب القليوبي قال في باب النجاسة من حاشيته على شرح الجلال المحلي لمنهاج الإمام
النووي بعد بيان نجاسة كل مسكر مائع كالخمر ونحوه. احترز بمائع عن البنج ونحوه من كل ما فيه تخدير وتغطية للعقل فهو طاهر وإن حرم تناوله لذلك أي للتخدير المذكور.
قال بعض مشايخنا ومنه أي من نحو البنج الدخان المشهور وهو كذلك لأنه يمنع مجاري البدن ويهيئها لقبول الأمراض المضرة ولذلك ينشأ عنه الترهل والتنافيس ونحوهما.
فالترهل ـ استرخاء العضلات والأعصاب.
والتنافيس اتساع مسام الأغشية وقد أخبر من يوثق به أنه يحصل منه دوران الرأس أيضاً…)([85]).
6) ومنهم العلامة الجمل قال في حاشيته على شرح المنهج عن شيخه العلامة اللاقاني: (… ومن البنج الأفيون وجوزة الطيب وكثير العنبر والزعفران ونحو ذلك من كل ما فيه تخدير وتغطية، قال شيخنا اللاقاني: ومنه شرب الدخان المعروف الآن، قال شيخنا الأجهوري وهو كذلك ولي به أسوة…)([86]).
7) قال في تهذيب الفروق: (… أول ما ظهرت العشبة المعروفة بالتنباك والتتن والدخان ودخان طابة في أوائل القرن الحادي عشر كما في ابن حمدون إلى أن قال: … أن استعمال القدر المؤثر في العقل منه حرام اتفاقاً كما في شرح الإرشاد وغيره.
وأما القدر غير المؤثر فأطبق المغاربة وأكثر المشارقة كالشيخ سالم السنهوري وتلميذه الشيخ اللاقاني وغيرهما على تحريمه. إلى أن قال: … وألف مجموعة في تحريمه تآليف…) ([87]).
وقد أطال النفس رحمه الله في هذا الموضوع، فمن شاء الاستزادة فليراجعه.

8) ومنهم الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله قال في جوابه على سؤال عن التنباك: (… وبما ذكر من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم يتبين لك تحريم التتن الذي كثر في هذا الزمان استعماله وصح بالتواتر عندنا والمشاهدة إسكاره في بعض الأوقات خصوصاً إذا أكثر منه أو أقام يوماً أو يومين لا يشربه ثم شربه فإنه يسكر ويزيل العقل حتى أن صاحبه يحدث عند الناس ولا يشعر بذلك نعوذ بالله من الخزي وسوء البأس، فلا ينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلتفت إلى قول أحد من الناس إذا تبين له كلاماً وكلام رسوله في مثله من المسائل وذلك لأن الشهادة بأنه رسول الله تقضي طاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر وتصديقه فيما أخبر…)([88]).
9) ومنهم الشيخ أحمد المنقور قال في الفواكه العديدة: (… والحاصل أن القول بتحريم الدخان ثبت عن كثير من السلف والمتعمدين في الحجاز واليمن ومصر والشام وديار الروم وألفوا في ذلك رسائل…)([89]).وقد نقل ذلك عن مجموعة كبيرة من العلماء الأعلام الذين عرفوه وعايشوا مستعمليه.
10) ومنهم الشيخ الإمام محمد رشيد رضا يقول في فتاويه: (… ما علمت أحداً من فقهاء المسلمين قال أن شرب هذا الدخان غير مفطر للصائم ولذلك استغربت هذا السؤال ولا شك في أن مادة هذا الدخان تدخل في الجوف وأنها تؤثر في شاربه تأثيراً ينافي الصيام وحكمته ولذلك اتفق جميع الناس على تسمية التدخين شراباً، فشرب الدخان مبطل للصيام قطعاً…)([90]).
وقال في موضع آخر: (… وقد اختلف فيه أقوال فقهاء المذاهب فكان أكثرهم يحرمه … ومنهم من يبيحه … ومنهم من يكرهه … وقد أفتى شيخ الأزهر أبو الفضل الجيزاوي ومفتي الديار المصرية بأن ثالث أقوال العلماء فيه وهو الكراهة هو الوسط الراجح…)([91]).
11) ومنهم الشيخ عبد الله أبا بطين قال في جوابه له عن التنباك:
(… الذي نرى فيه التحريم لعلتين: أحدهما: حصول الإسكار فيما إذا فقده شاربه مدة ثم شربه أو أكثر منه. وإن لم يحصل إسكار حصل تخدير وتفتير. والعلة الثانية: أنه متن مستخبث عند من لم يعتده واحتج العلماء بقوله تعالى [وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ]([92]). وأما من ألفه واعتاده فلا يرى خبثه كالجعل لا يستخبث العذرة…)([93]).
12) ومنهم مفتي الديار السعودية سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قال في رسالته عن الدخان: (… وبعد فقد سئلت عن حكم التنباك الذي أولع بشربه كثير من الجهال والسفهاء مما يعلم كل أحد تحريمنا إياه نحن ومشايخنا ومشايخ مشايخنا وكافة المحققين من أئمة الدعوة النجدية وسائر المحققين سواهم من العلماء في عامة الأمصار من لدن وجوده بعد الألف بعشرة أعوام أو نحوها حتى يومنا هذا إستناداً على الأصول الشرعية والقواعد المرعية….). إلى أن قال: (… لا ريب في خبث الدخان ونتنه وإسكاره أحياناً وتفتيره وتحريمه بالنقل الصحيح والعقل الصريح وكلام الأطباء المعتبرين…)([94]).

13) ومنهم الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله قال في رسالته عن الدخان: (… أما الدخان شربه والاتجار به والإعانة على ذلك فهو حرام لا يحل لمسلم تعاطيه شرباً واستعمالاً واتجاراً وعلى من كان يتعاطاه أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً كما يجب عليه أن يتوب من جميع الذنوب وذلك أنه داخل في عموم النصوص الدالة على التحريم داخل في لفظها العام وفي معناها وذلك لمضاره الدينية والبدنية والمالية التي يكفي بعضها في الحكم بتحريمه فكيف إذا اجتمعت…)([95]).
14) ومنهم الشيخ محمد العيني من فقهاء الحنفية ذكر في رسالته تحريم التدخين من أربعة وجوه:
أحدها: كونه مضراً بالصحة بإخبار الأطباء المعتبرين وكل ما كان كذلك يحرم استعماله اتفاقاً .
ثانياً: كونه من المخدرات المتفق عليها عندهم المنهي عن استعمالها شرعاً.
ثالثاً: كون رائحته الكريهة تؤذي الناس والملائكة وخصوصاً في أماكن الاجتماعات كالمساجد وغيرها. رابعاً: كونه إسرافاً إذ لا نفع فيه بل ضرره محقق…)([96]). وقد استطرد بذلك الأدلة من الكتاب والسنة على حرمته.
15) ومنهم فضيلة الشيخ حمود التويجري يقول في كتابه الدلائل الواضحات: (… وقد عظمت الفتنة بشرب الدخان وبيعه وابتياعه وصارت الفتنة به أعظم من الفتنة بجميع أنواع المسكرات والخبائث… وقد تهاون في فتنة الدخان وانهمك في شربه كثير من المنتسبين إلى العلم في زماننا فضلاً عن العامة؛ فالله المستعان. وكثير من الناس يستحلونه إما جهلاً منهم بحكمه وإما اتباعاً لأهوائهم وما تشتهيه أنفسهم وكثير من الناس يعتقدون تحريمه وهم مع ذلك يستحلون بيعه وابتياعه وأكل ثمنه وهؤلاء فيهم شبه من اليهود…)([97]).
16) ومنهم الطرابيشي قال في كتابه تبصرة الإخوان (… فقد تحصل من مجموع هذه النصوص الفقهية والطبية الحكم على الدخان المشهور بأنه من جملة المخدرات التي يحرم استعمالها وأنه مضر بالصحة إضراراً بيناً وكل ما كان كذلك فهو حرام بالاتفاق وشبهة من خالف في إثبات الحرمة باستعماله عدم التحقق لتأثيراته المذكورة من التخدير والإضرار المذكورين حسبما ذكره أهل الخبرة فيه…)([98]).
17) ومنهم الشيخ صالح الفوزان قال في كتابه الإعلام: (… ثبت ضرر الدخان على متعاطيه بالتجربة وبشهادة المختصين من الأطباء وإقرار كثير ممن يتعاطونه بعظيم ضرره فمنهم من تخلص من وطأته وتركه ومنهم من بقي تحت وطأته على مضض وما كان كذلك فلا شك في تحريمه على الجميع لا في حق من قرر له طبيب مختص…)([99]).
18) ومنهم الشيخ عبد الله بن جبرين قال في رسالته التدخين: (… وبهذه النظرة العامة يتضح لك أن استعمال الدخان شرباً أو مضغاً أو نشوقاً أو نحوه محرم وممنوع فلا يباح بحال من الأحوال ولكن لا بد من التفصيل بعد الإجمال…)([100]). ثم استطرد حفظه الله في بيان آثاره على العبادات وعلى الفرد والمجتمع وساق الأدلة الكثيرة التي تقضي بحرمته.
19) وقد صدرت عدة فتاوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية وهذه إحداها: (فتوى رقم 2139 وتاريخ 16/10/1398هـ:
س: هل يجوز التدخين وشرب التبغ أو لا؟
ج: التدخين وشرب التبغ على أي كيفية حرام لأن ذلك من الخبائث وقد قال تعالى في صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (َيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) ولأنه مضر بالقلب والرئتين وبصحة الإنسان عموماً ومنشأ لأنواع من الأمراض الخبيثة كالسرطان وقرر الأطباء خطره على الصحة وقد جاءت الشريعة الإسلامية بالتحذير مما يضر بالإنسان عموماً…)([101]).
20) وجاء في توصيات المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات الذي عقد في رحاب الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في الفترة من 27ــ30/5/1402هـ .
ما نصه: (… تأييد الفتاوى الصادرة من العديد من كبار فقهاء المسلمين بتحريم التدخين بجميع صوره وأشكاله نظراً لضرره على الصحة والمال ودعوة الحكومات الإسلامية إلى منع زراعته

وتصنيعه واستيراده، وتداوله وحتى يتم تنفيذ هذه التوصية يجب:
أ) منع الدعاية للدخان في كافة وسائل الإعلام في المجتمعات الإسلامية بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ب) حظر التدخين في أماكن العمل ودور التعليم والمواصلات في الأماكن التي يرتادها الجمهور بصورة عامة.
ج) يراعى في اختيار المعلمين والموجهين والدعاة في المجتمع المسلم أن يكونوا ممن يتنزهون عن هذه العادة القبيحة.
21) قال في مطالب أولي النهى: (… وأما أنا فلا أشك في كراهته لما فيه من النقص في المال ولكراهة رائحة فم شاربه كآكل البصل النيء والثوم والكراث ونحوها ولإخلاله بالمروءة بالنسبة لأهل الفضائل والكمالات وكان أحد لا يعدل بالسلامة شيئاً…)([102]).
22) وممن قطع بتحريم([103]) الدخان من علمائنا المعاصرين فضيلة الشيخ عبد الله سليمان بن منيع عضو هيئة كبار العلماء حيث يقول: (… ولكن لو استعرضنا حال الدخان لوجدناه مفسدة محضة ومضرة بالغة خالصة، ولما وجدنا فيه من المصالح والمنافع شيئاً مطلقاً بل هو شر لا خير فيه وضرر بالغ لا مصلحة فيه يعترف بذلك عقلاء العالم وذوو الاختصاصات العلمية فيهم ومن هذا التصور لهذا الواقع الدنيء للدخان نستطيع أن نجزم بحرمة الدخان بلا تحفظ فهو خبيث وقد حرم الله على عباده الخبائث وهو إضاعة للمال وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وهو إلقاء بالنفس والأيدي إلى التهلكة حينما وصفه الخبيرون بحاله بأن الإدمان عليه انتحار بطيء وقد قال تعالى: [وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ]. وهو أذية بالغة للمجتمع وقد نهى صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم أو البصل عن حضور المساجد، وفيهما من النفع ما فيهما ومع ذلك غلب جانب المجتمع في رعاية مشاعره وأحاسيسه فكيف بشارب الدخان وقد ملأ جسمه بأسوأ رائحة ولا شك أن الشيشة من الدخان إن لم تكن أكثر منه فحشاً وسوءاً وضراراً وإضراراً، والله أعلم).
وقد أورد مجموعة من الباحثين الذين كتبوا في هذا الموضوع نقولاً وفتاوى لمجموعة كبيرة من العلماء وذكروا فيه مؤلفات كثيرة ومن شاء الاستزادة حول هذا الموضوع فليرجع إلى:
1) الدخينة في نظر طبيب ص112 وما بعدها([104]).
2) الخمر وسائر المسكرات والمخدرات والتدخين [ص152] وما بعدها([105]).
3) سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في رسالته عن الدخان [ص3] وما بعدها([106]).

الفصل السادس
المبحث الأول: بعض القصائد فيه:

قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي راداً على من أباح الدخان:
وقلت بعد مديح القات منصرفاً
***
أما الدخان فمن جنس المباحات

أبحت داء وتبذيراً ومعصية
***
وسفلة وانغماساً في الدناءات

يشوي الوجوه وتسود الشفاه به
***
وفي المساجد مؤذٍ للجماعات

مع ما ذكرنا من التحذير فيه ومن
***
تفتير ومحق للطبيعات

وقال العدساني أحد الشعراء المشهورين بالكويت ناصحاً لابن ابنه عن شرب الدخان
يا شارب التنباك ما أحراكا
***
من ذا الذي في شربه أفتاكا

أتظن شرابه مستعذب
***
أم هل تظن أن فيه غذاكا

هل فيه نفع ظاهر لك يا فتى
***
كلا فما فيه سوى أذاكا

ومضرة تبدو وقبح روائح
***
مكروهة تؤذي به جلساكا

وفتور جسم وارتخاء مفاصل
***
مع ضيق أنفاس وضعف قواكا

أو حرق مال لم نجد عوضاً له
***
إلا دخاناً قد حشا أحشاكا

آثرته وتركت جهلاً غيره
***
تباً لمن قد آثر التنباك

ورضيت فيه بأن تكون مبذرا
***
وأخو البذر لم يكن يحفاكا

يكفيك ذماً فيه أن جميع من قد
***
كان يشربه يود فكاكا([107])

وقال الشيخ حمد عبد الرحمن حمد الله في آثار الدخان ورذائله:
كم في الدخان معائب ومكاره
***
دلت رذائله على إنكاره

سأريك بعضاً من معايب شره
***
فاسمع كلامي تسلمن من عاره

يؤذي الكرام الكاتبين بريحه
***
وأمام وجهك شعلة من ناره

طعم خبيث ثم ريح منتن
***
عند الفتى أعز من ديناره

إلى أن قال:
إن غاب عنك سويعة لم تستطع
***
وتود بذل الروح في إحضاره

ويصاحب عقلك بالجنون وبالخبال
***
لفقده وتفيق باستشعاره

كم من نقود يا فتى وملابس
***
أتلفتها بشرائه وشرابه

إلى أن قال:
وترى الذي في شربه متولهاً
***
يلتذ في المرحاض باستكثاره

إن خالط المأكول منه دريهم
***
غليت خباثته على قنطاره

إلى آخر القصيدة([108]).
وقال الشيخ محمد البيروتي رحمه الله:
إياك من بدع تلقيك في محن
***
لا سيما ما فشا في الناس من تتن

تباً لشاربه كيف المقام على
***
ما ريحه يشبه السرجين في العطن

يفتر الجسم لا نفع به أبداً
***
بل يورث الضر والأسقام في البدن

ولا يغرك من في الناس يشربه
***
الناس في غفلة عن واضح السنن

يقضي على المرء في أيام محنته
***
حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن([109]).
وقال الشاعر معروف الرصافي:
ولا استمر دخان التبغ منتشراً
***
بين الورى وهو مطلوب كأقوات

إن الدخان لثان في البلاد إذا
***
ما عدت الخمر أولى في البليات

ورب بيضاء قيد الأصبع احترقت
***
في الكف وهي احتراق في الحشاشات

إن مر بين شفاه القوم أسودها
***
ألقى اصفراراً على بيض الثنيات

وليتها كان هذا خط شاربها
***
بل قد تفت بفكيه المرارات([110])

…………… إلى آخر القصيدة:
وقال الشيخ محمد المجذوب:
يا من يريد دمار صحته ويهوى
***
الموت منتحراً بلا سكين

لا تيأس فإن مثلك واجد
***
كل الذي يرجوه في التدخين

وبفضل جهلك قد غدوت لصانعي
***
تلك السموم السود خير معين

تحبوهم المال في الجسد الذي
***
لم يجدوا السبيل لكيد هذا الدين

وتخو حق الله في الجسد الذي
لا يستبيح أذاه غير خئون

فاهنأ بما حققت لأعداء من
***
نصر للشيطان من تمكين([111])

وقال الشيخ عبد الله بن إبراهيم الوائلي المدني:
يا مولعا بدخان النار يشربه
***
ويدعي الحل بين فيه برهانا

أورد عليه دليلاً كي تحلله
***
لا سفسطات وتغليظاً وبهتانا

النار محرقة جسم الكفور غداً
***
وأنت تشربها ظلماً وطغيانا

أخطأت أخطأت لا أخطأت واحدة
***
فيما أدعيت وقد طاوعت شيطانا

فكيف طاب لك الدخان تشربه
***
هل كان إلا ضلالاَ ثم عدوانا

………………إلى آخر القصيدة([112]).

المبحث الثاني: بعض القصص الواقعية للمدخنين

نترك في البداية الأستاذ سيف الدين حسين شاهين يحدثنا عن تجربته مع التدخين فيقول: عندما كنت في السنة الرابعة بكلية الحقوق ـ جامعة الإسكندرية ـ اقترب مني أحد زملائي في الدراسة وسألني إلى متى تسهر دارساً؟ ولا سيما أننا في فترة الامتحانات فأجبته أنني أستسلم لسلطان النوم في الحادية عشر.. نظر إليَّ مبتسماً مزهواً وقال إني أسهر حتى الثالثة أو الرابعة صباحاً ولما نظرت
إليه متسائلاً عن سر هذه القدرة قال مادامت السيجارة في يدي فأنا قادر على السهر.
ودون تفكير في العواقب ذهبت واشتريت عشر علب من السجائر دفعة واحدة لأني أريد أسهر وأن أذاكر لأحصل على تقدير مرتفع وبخاصة لأني في السنة النهائية.
بدأت أدخن بجنون حتى أنني في بعض الليالي كنت أدخن ما يبلغ الأربعين سيجارة وما قد يصل إلى الستين وقد استمريت على ذلك قرابة عشرة أيام كنت خلالها أشعر أنني لا أستوعب المادة جيداً كما كنت قبل التدخين لذلك أخذت في تلخيص المادة ليلاً لأراجعها في الصباح قبل الامتحان.
وقبل نهاية الامتحان بيومين وبينما أنا جالس على المكتب أذاكر وأدخن شعرت بهبوط شديد في جسمي وشلل في يدي اليمنى حتى أنني عدت لا أقوى على الحركة إلا بصعوبة فاستنجدت بالجيران وكانوا طلاباً مثلي فنقلوني إلى مستشفى خاص، ومن حسن حظي أن الطبيب المعالج كان أستاذاً في كلية الطب فشرحت له حالتي وسألني منذ متى تدخن؟ فقلت له: منذ قرابة عشرة أيام فقط فأمر بإدخالي المستشفى ووضعني في غرفة العناية المركزة، وبعد أن قضيت ليلة كاملة في المستشفى ـ دون مذاكرة ـ استنفذت خلالها اسطوانتين كاملتين من الأوكسجين وثلاثة لترات من المحاليل الطبية وعدداً من الحقن شعرت أنني استعدت صحتي.

وعندما زارني الدكتور في الصباح قال لي أن سبب سوء حالتك هو الدخان لأن احتراق السيجارة يعطي أول أكسيد الكربون الذي يرتبط بالكريات الحمراء في الدم فيسبب نقص الأوكسجين الذي يصل عن طريق الدم إلى خلايا الجسم وينقل الغاز السام بدلاً منه.
ومن البديهي أن قلة وصول الأوكسجين إلى خلايا المخ لا يمكن أن يساعد على التركيز والاستيعاب، ولذلك فأنت مخطئ عندما اعتقدت أن الدخان يساعدك على السهر وعلى التركيز الذهني وقد برهنت عملياً على خطأ هذه النظرية.
وأضاف أن التدخين يؤدي إلى اضطرابات عديدة منها توتر الأعصاب والاضطرابات المعوية والتعب
السريع والإرهاق، وكل هذه العوامل لا تساعد على التركيز والاستيعاب([113]).
نسوق هذه القصة الواقعية كما يذكرها من وقعت له ليكون أبناؤنا وشبابنا على علم بأضرار الدخان الكثيرة وليتأكد لهم عدم مصداقية تلك الدعايات المغرضة للترويج للدخان وبث سمومه في صفوف الناس عامة والناشئة خاصة.
وقد ذكر الأستاذ محمد فريد وجدي مجموعة من الحوادث التي سجلها التاريخ لأضرار التبغ نذكر
منها واحدة فقط (… أن بعض أصدقاء الشاعر سانتولي اللاتيني المتوفى سنة 1667م ألقى في كأس من النبيذ تبغاً ـ تتناً ـ فلما شربه الشاعر واستقر في جوفه أحدث له آلاماً لا توصف ثم فارق الحياة، صريع هذا السم الزعاف…)([114]).
وذكر الدكتور المنصور قصة عجيبة تنبئ عن مضار الدخان وفساده للأخلاق والأعراض.

(…. وقد أخبرني من أثق به من الرجال الذين يتجرون من الشام قديماً ـ من العقيلات ـ أن فلاناً نزل في طريقه إلى نجد في بعض المنازل للراحة فبينما هو كذلك فإذا بامرأة عربية من أشراف بيوتات العرب تأتي إليه وهي في حالة ذهول وارتباك فطلبت منه أن يسعفها ـ بدخان ـ فأبى عليها ثم عرضت عليه جملاً ببعض السجائر فأبى إلا إذا مكنته من نفسها فأبت عليه ذلك وقالت معاذ الله، ودفعت له جملين فأبى فما زالت تزيده من الجمال دون عرضها مقابل الدخان وهو يأبى أن يسلم لها دخاناً إلا إذا بذلت له عرضها، فلما يئست من كل محاولة استسلمت له مقابل الدخان، فلما رأى ذلك منها تعجب وتألم في نفس الوقت مما رأى كيف امرأة عربية عفيفة شريفة دعاها الدخان إلى بذل عرضها أعز شيء عندها لما رأى ذلك كله عزفت نفسه عن الدخان وعرف أنه قاتل للأخلاق مضيع للأعراض فسلم لها جميع ما معه من الدخان وتاب إلى الله توبة صادقة([115]).
ويحكي الأستاذ مصطفى الحمامي عن نفسه مرة أنه قال: كنت أمشي يوماً مع أحد طلبة العلم، فعرج على بائع دخان اشترى منه سيجارتين أشعل أحداهما وأقسم عليَّ يميناً غليظاً أن آخذها منه وأستعملها. قال: فتناولت السيجارة أجذب في دخانها وأنفخه من فمي دون أن يتجاوز الفم لداخل. رأى هو ذلك فقال: ابتلع ما تجذبه فإن قسمي على هذا. لم أمانع، وفعلت ما قال نفساً واحداً والله ما زدت عليه وإذ دارت الأرض حولي دورة تشبه دورة المغزل فبادرت إلى الجلوس على الأرض وظننت بنفسي أني انتهيت، وظننت بصاحبي الظنون، وبكل تعب وصلت بيتي وأنا راكب وهو معي يحافظ عليّ وبعد ذلك مكثت إلى آخر اليوم التالي تقريباً حتى أحسست بخفة ما كنت أجده فحكيت هذا لكثير من الناس استكشفت ما كان يخبأ لي في السيجارة فأخبروني أن الدخان يعمل هذا العمل في كل من لم يعتده. فقلت إذا كان نفس واحد فعل بي كل هذا فماذا تفعله الأنفاس التي لا تعد كل يوم يجذبها معتاد الدخان خصوصاً المكثر منه([116]).

الفصل السابع
كيفية الإقلاع عنه

ذكر فيه طريقة عملية يستطيع من خلالها من ابتلي بالتدخين أن يقلع عنه بكل يسر وسهولة متى استصحب النية الصالحة والعزيمة الصادقة، وأحاط ذلك بصدق الالتجاء إلى الله والضراعة أن يعينه على التخلص من شباك هذا الوباء.
كيفية الإقلاع عنه:
الوقاية دائماً خير من العلاج وكل عاقل يعمل ما استطاع على توقي الأمراض أيا كانت قبل وقوعها ومن هذه الأمراض بل من أشدها فتكاً بالجسد الدخان فتنبغي الوقاية منه قبل الدخول في شركه.
ومن أهم طرق الوقاية منه ما يأتي:
1) أن تستشعر دائماً أن هذا الدخان الذي أقدم عليه معظم الناس اليوم هو السم الزعاف بل الموت البطيء.
2) لا تسمح لأنفك أن يشم رائحته الكريهة.
3) الحرص على البعد عن مجالس من يشربه لأن كثرة الإمساس تقلل الإحساس والصحيح يعديه الأجرب.
4) أن تستشعر دائماً أن هؤلاء الذين يشربونه تعساء مستعمرون وأسراء لهذا السم الزعاف.
5) الحرص على إنقاذ من تستطيع ممن وقع فيه بكل وسيلة متاحة وذلك بأن تشعر أنهم مرضى بحاجة إلى العلاج.
6) لا تنخدع بما ينشر عن الدخان من إعلانات زائفة خادعة فالهدف من ورائها الربح المادي ولا تراعي في المسلمين إلا ولا ذمة ولو بحثت عن الذين وراءها لوجدتهم من أعداء الأمة الحاقدين، أو من أذنابهم من المستغربين والله المستعان.
من وقع في شرك التدخين كيف يتخلص منه؟
العلاج يحتاج إلى مجهود كبير تتضافر فيه الجهود بين الجهات الرسمية وغير الرسمية، بين المبتلين به وغيرهم ولا شك أن ذلك يسير على من يسره الله عليه، ولعل اتباع الخطوات التالية يحسم الموقف ويجعلك تقلع عنه:
1) أن تعتصم بالله سبحانه وتعالى وتطلب منه التوفيق والسداد.
2) أن تقلع عنه وتعقد العزم على ألا تعود إليه مرة ثانية مهما ترتب على ذلك.
3) أن تجعل نصب عينك آثاره السيئة فيك وفي غيرك وما سببه ويسببه من أمراض كثيرة وأزمات حادة.
4) أن تبتعد عنه دائماً ولا تشمه ولا تجلس في مجالسه لأن الشيطان يحرص على تزيينه والنفس ضعيفة، ولكن إذا ابتعدت عنه بالكلية نسيته وخرج من حياتك.
5) ممارسة بعض التمارين الرياضية لتعويض الجسم والتسلية.
6) الاستعاضة ببعض الطيبات كالأقراص التي تمصها والحلوى والشيكولاتة وغيرها.
7) الاستحمام كثيراً.
8) استعمل السواك أو لعلك في كثير من الأحيان لأنه يشغلك وينسيك الدخان.
9) قلل من شرب القهوة والشاي وأكثر من تناول الفاكهة والغذاء الجيد.
10) تناول أنواع العصيرات كالليمون والبرتقال والتفاح والعنب لأنها تخفف من شدة الرغبة في التدخين.
11) أشارت الإحصائيات إلى أن ثلاثين مليون شخص قد أقلعوا عن التدخين في الولايات المتحدة الأمريكية بعضهم أقلع لأن التدخين أثر تأثيراً سيئاً في صحتهم، أما الآخرون فقد أقلعوا لأنهم تيقنوا أن التدخين سوف يسيء إساءة بالغة إلى صحتهم، وأيًّا كان السبب فإن من المهم أن نتذكر أن الإقلاع عن التدخين سوف يؤدي إلى تحسن مؤكد في الحالة الصحية ويقلل بشكل ملموس من مخاطر الإصابة بالأمراض في المستقبل يقول علماء النفس: أن نجاح المدخنين في التغلب على عادة التدخين يعتمد على قدرتهم على كبح جماح رغباتهم وعلى السيطرة على أهواء نفوسهم فكل الطرق والأساليب لا تنفع ولا تفيد إن لم يكن هناك إرادة قوية تربأ بالإنسان أن يخضع لسلطان هذه العادة الذميمة([117]).

وقد ذكر بعض الكاتبين وسائل متعددة للحد من ظاهرة التدخين نذكر منها ما يأتي:
1) منع الدعاية للدخان بأي شكل من الأشكال وبمختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
2) منع التدخين في جميع المكاتب الحكومية والخاصة ومتابعة ذلك ومعاقبة من يخالف ذلك.
3) منع التدخين نهائياً في الطائرات ووسائل النقل العامة كالقطارات والحافلات وسيارات الأجرة.
4) منع التدخين في المدارس والجامعات والتشديد في ذلك ومتابعة الطلاب والأساتذة ومعاقبة المخالف بأقسى العقوبات.
5) منع التدخين منعاً باتاً في المستشفيات والقطاعات الصحية والعيادات والتحذير منه باستمرار في هذه المواقع.
6) منع التدخين في الأماكن العامة كالحدائق وصالات المحاضرات والأفراح والعرض وغير ذلك.
7) منع بيعه للصغار مهما كانت الملابسات والتشديد في ذلك وكل من يخالف ذلك يعاقب بما يستحقه.
9) عمل بعض المقابلات مع المدخنين الذين أقلعوا عن التدخين وبيان آثار ذلك فيهم لتشجيع غيرهم وشرح أسباب تركهم له([118]).

الخاتمة

وبعد هذه الجولة عبر الصفحات السابقة اتضح منها لنا النتائج التالية:
1) أن الدخان قديم الظهور وأنه تدرج استعماله وتنوع حتى وصل إلى ما هي عليه الحال اليوم وهي من أخطر أنواع استعمالاته.
2) تبين أن أخطر أسباب انتشاره ضعف الوازع الديني وكثرة المشكلات الأسرية وغياب التربية الإسلامية ووجود قرناء السوء.
3) تبين لنا أن للدخان آثاراً خطيرة على الضروريات الخمس التي تكفلت الشرائع السماوية بحفظها وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
4) تبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك رجحان القول بتحريم الدخان لأن الشريعة الإسلامية جاءت في تغليب جانب المنافع أن كثرت ودرء المفاسد متى غلبت وحيث إن الدخان شر محض وليس فيه منفعة تذكر لذا فالشرع والعقل والفطر السليمة والأعراف المستقيمة كلها تقضي بالابتعاد عنه وتحريمه وقد استدللنا لذلك من الكتاب والسنة والقياس وقواعد الشريعة العامة.
5) أفضل الوسائل لمكافحة التدخين تبدأ بالتربية الصالحة ووجود القدوة، الطيبة، وتسخير أجهزة الإعلام لمحاربة هذا الوباء، والبدء بمنعه في الأماكن العامة ومتابعة المخالفين وتأديبهم.
6) وأخيراً نقول لمن ابتلي بهذا الداء العضال عليك أن تجمع التوبة النصوح وصدق الالتجاء إلى الله والضراعة إليه، بأن يعصمك من هذا الداء وأن ييسر لك الفرج العاجل لتلقى الله وأنت ممن يتبع الرسول فيحل الطيبات ويحرم الخبائث.
وصدق الله العظيم: [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ]([119]).
أسال الله جل وعلا أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن يهدينا لما اختلف فيه بإذنه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس الموضوعات

* المقدمة.
* التعريفات بالمخطوطة والتعليق عليها.
* التعريف بالمؤلف.
* مولده.
* نسبه.
* تعلمه وتعليمه.
* شيوخه.
* آثاره.
* رثاؤه.
* التعريف بالكتاب.
* اسم المخطوطة.
* وصفها.
* مصدرها.
* صفحاتها.
* نسخها.
* التعليق عليها.
* صور المخطوطات.
* البسملة.
* الوصية بتقوى الله.
* مضار التدخين.
* فم المدخن بيت للشيطان.
* شجرة الدخان.
* إثم بائعها.
* زراعتها.
* وصفها.
* مكان بيعها.
* وصف استعمالها.
* وصف مستعملها.
* في شربه إتلاف للمال.
* سيما مستعمليه.
* قول المتوكل على الله فيها.
* ما نقل عن أحمد بن علي.
* شعر فيها.
* دراسة حول الدخان.
* تعريف الدخان.
* تاريخ ظهوره.
* أسباب انتشار الدخان.
* القرين.
* البيئة.
* الشعور بالنقص.
* التقليد الأعمى.
* الدعاية.
* سهولة الحصول عليه.
* التساهل في التربية.
* التقصير في مكافحته.
* أسباب أخرى.
* أضرار الدخان وآثاره.
* أضراره على الدين.
* أضراره على البدن.
* أضراره على العقل.
* أضراره على المال.
* أضراره على العرض.
* أضرار أخرى.
* حكم الدخان.
* الأدلة من الكتاب على حرمته.
* الأدلة من السنة على حرمته.
* الاستدلال من القياس على حرمته.
* أصول الشريعة وقواعدها الكلية تحرمه.
* شبه مستحليه والجواب عنها.
* فتاوى العلماء في تحريمه.
* قول أبي السعود الحنفي.
* قول الشرنبلاني الحنفي.
* قول الباجوري.
* قول القيلوني.
* قول الجمل.
* قول صاحب التهذيب.
* قول عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
* قول المنقور.
* قول رشيد رضا.
* قول عبد الله أبا بطين.
* قول محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
* قول عبد الرحمن بن سعدي.
* قول محمد العيني.
* قول حمود التويجري.
* قول الطرابيشي.
* قول صالح الفوزان.
* قول عبد الله بن جبرين.
* فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العليمة والإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
* توصيات المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات.
* قول الرحيباني.
* قول عبد الله بن منيع.
* بعض القصائد في التدخين.
* قصيدة حافظ حكمي.
* قصيدة العدساني.
* قصيدة ابن حمد الله.
* قصيدة البيروتي.
* قصيدة الرصافي.
* قصيدة محمد المجذوب.
* قصيدة الوائلي.
* بعض القصص الواقعية للمدخنين.
* كيفية الإقلاع عن التدخين.
* الخاتمة.
* الفهارس.

الهوامـــــش
([1]) سورة الأنفال آية 42.
([2]) انظر:في ترجمته: أ) هداية العارفين للبغدادي ج2 ص528. ب)البدر الطالع ج2 ص325. ج) الأعلام ج8 ص136. د) معجم المؤلفين ج13 ص184، هـ) مصادر الفكر الإسلامي في اليمن ص225.
([3]) مختصر تفسير ابن كثير لأحمد شاكر ج1 ص65، والروض المربع للبهوتي ج1 ص5.
([4]) رواه أبو داود انظر:سنن أبي داود ج4 ص661 حديث رقم (4840) وقال عنه إنه مرسل وقال النووي في الإذكار إنه حديث حسن ص94، وقال الألباني في إرواء الغليل ج1 ص30 حديث ضعيف.
([5]) النهاية في غريب الحديث لابن الإثير ج1 ص106.
([6]) مختار الصحاح للرازي ص44.
([7]) التقوى لصلاح الدين مارديني ص16.
([8]) مختار الصحاح للرازي ص449.
([9]) لسان العرب لابن منظور ج10 ص170.
([10]) لسان العرب ج13 ص498.
([11]) المرجع السابق ج5 ص32.
([12]) لسان العرب ج5 ص90.
([13]) لسان العرب ج9 ص357.
([14]) القاموس المحيط ج3 ص199.
([15]) القاموس المحيط ج2 ص390.
([16]) مختار الصحاح ص484.
([17]) القاموس المحيط ج4 ص269.
([18]) سمى المؤلف الشخص الذي يتكلم عنه وقد آثرنا عدم الإفصاح عنه إذ لا مصلحة في الإشهار باسمه.
([19]) هذا فيه زيادة تجن غير مقبول سامح الله المؤلف وغفر له، فقد كان يذب عن الحق، ويندب للفضائل وينبذ الرذائل.
([20]) القاموس المحيط ج1 ص350.
([21]) مختار الصحاح ص67.
([22]) القاموس المحيط ج4 ص225.
([23]) رواه مسلم صحيح مسلم ج8 ص7.
([24]) القاموس المحيط ج2 ص282 .
([25]) القاموس المحيط ج2 ص94، 95.
([26]) مختار الصحاح ص439.
([27]) هذا قبل زمن طويل فكيف بالحال اليوم.
([28]) تبصرة الأخوان ص9، 10، مرجع سابق.
([29]) التدخين وأثره على الصحة لمحمد علي البار ص134.
([30]) انظر:تبصرة الأخوان ص6.
([31]) حكم شرب الدخان ص12.
([32]) سورة البقرة آية195.
([33]) تبصرة الأخوان ص6.
([34]) فتوى في حكم شرب الدخان ص1، 2.
([35]) انظر:الأعلام ج7 ص254، والبدر الطالع ج2 ص312.
([36]) الخمر وسائر المسكرات لأحمد بن حجر ص30.
([37]) سورة البقرة آية219.
([38]) انظر:حكام اليمن المؤلفون المجتهدون تأليف عبد الله محمد الحبشي.
([39]) انظر: معجم المؤلفين ج8 ص120، والأعلام ج5 ص182 والبدر الطالع ج2 ص47.
([40]) انظر: الأعلام ج7 ص6 والبدر الطالع ج2 ص238.
([41]) التدخين مادة وحكما لأبي بكر الجزائري ص8.
([42]) هو العدساني أحد الشعراء المشهورين في الكويت وستأتي قصيدته ضمن القصائد التي قيلت في شرب الدخان.
([43]) فتوى في حكم شرب الدخان لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ص11.
([44]) دائرة معارف القرن العشرين ج2 ص526.
([45]) الموسوعة العربية الميسرة ج1 ص785.
([46]) المرجع السابق ج1 ص489.
([47]) دائرة المعارف القرن العشرين ج2 ص526.
([48]) الموسوعة العربية الميسرة ج1 ص489.
([49]) الدخان في نظر الإسلام للدكتور صالح المنصور ص4.
([50]) رواه البخاري ومسلم صحيح البخاري ج7 ص125، وصحيح مسلم ج8 ص38.
([51]) قائله الشاعر عدي بن زايد العبادي وينسب إلى طرفة بن العبد انظر:قول على قول للكرمي ج1 ص250.
([52]) التدخين في ضوء العلم الحديث: إبراهيم محمد الضبيعي ص18/19.
([53]) قائل هذا البيت الشاعر أبو تمام ديوان أبي تمام ص207.
([54]) التدخين مادته وحكمه في الإسلام لإبن جبرين ص77/81.
([55]) التدخين لأبي بكر الجزائري ص20/21.
([56]) سورة المائدة آية91.
([57]) حكم شرب الدخان ص9.
([58]) التدخين وأثره على الصحة ص21 / 31/36/37/46/64/69/70، علماً أن هذه المعلومات منثورة في تلك الصفحات.
([59]) انظر:التدخين لأبي بكر الجزائري ص30.
([60]) من أضرار المسكرات والمخدرات للشيخ عبد الله الجار الله ص22/23.
([61]) النحل الآية 89.
([62]) سورة الحشر آية7.
([63]) سورة الأنعام آية120,
([64]) سورة الأعراف آية33.
([65]) سورة البقرة آية195.
([66]) سورة النساء آية29.
([67]) سورة الأعراف آية157.
([68]) سورة النساء آية5.
([69]) سورة الأعراف آية31.
([70]) سورة الإسراء آية26.
([71]) رواه الإمام أحمد في المسند ج4ص 273 ، وأبو داوود في السنن ج4ص90 ، مدار هذه الراية علي شهر بن حوشب وقد وثقه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، وتكلم فيه غير واحد والترمذي يصحح حديثه ، انظر:مختصر سنن أبي داوود ج5ص 369 .
([72]) رواه البخاري ومسلم صحيح البخاري ج3 ص157 وصحيح مسلم ج5 ص10.
([73]) رواه البخاري ومسلم صحيح البخاري ج7 ص181 وصحيح مسلم ج1 ص72.
([74]) رواه الإمام أحمد في المسند ج1 ص313. وابن ماجه السنن ج2 ص784، والبيهقي السنن ج6 ص69 والطبراني في الكبير ج11 ص302 وقد صححه أهل العلم انظر:مجمع الزوائد ج4 ص110، والسلسلة الصحيحة للألباني ج1 ص99.
([75]) رواه الترمذي سنن الترمذي ج4 ص612، وقال عنه الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وذكره الألباني في صحيحه برقم 946 ج1 ص666.
([76]) رواه البخاري ومسلم صحيح البخاري ج1 ص21، وصحيح مسلم ج5 ص50.
([77]) رواه البخاري ومسلم صحيح البخاري ج1 ص205، وصحيح مسلم ج2 ص80.
([78]) رواه مسلم صحيح مسلم ج2 ص80
([79]) سورة البقرة آية29.
([80]) سورة النساء آية59.
([81]) انظر:التدخين للشيخ عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين ص95.
([82]) تبصرة الأخوان في بيان أضرار التبغ المشهور بالدخان ـ للعلامة محمد الطرابيشي، ص21
([83]) المرجع السابق ص24.
([84]) المرجع السابق ص25.
([85]) المرجع السابق ص25.
([86]) المرجع السابق ص25.
([87]) تهذيب الفروق بهامش الفروق ج1 ص216/220. وانظر:حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج1 ص46.
([88]) ج6 ص452 من الدرر السنية.
([89]) الفواكه العديدة ج2 ص79.
([90]) فتاوى رشيد رضا ج6 ص2300.
([91]) فتاوى رشيد رضا ج6 ص2403.
([92]) سورة الأعراف آية (157).
([93]) انظر:فتاوى في حكم شرب الدخان لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، ص7.
([94]) فتوى في حكم شرب الدخان ص1، 2.
([95]) حكم شرب الدخان ص16.
([96]) فتوى حكم شرب الدخان ص4، 5.
([97]) الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات والمفترات للشيخ حمود التويجري ص176.
([98]) تبصرة الأخوان في بيان أضرار التبغ المشهور بالدخان ص26.
([99]) الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام ص13.
([100]) التدخين مادته وحكمه في الإسلام ص15.
([101]) وانظر:الفتوى رقم 1407هـ وتاريخ 9/11/1396هـ، والفتوى رقم 1914 وتاريخ 8/5/1398هـ، والفتوى 2111 وتاريخ 7/10/1396هـ، والفتوى رقم 4947 وتاريخ 16/9/1402هـ.
([102]) مطالب أولى النهي للرحيباني ج6 ص219.
([103]) قدمت لفضيلته سؤالاً في 30/1/1411هـ وأجابني خطياً بجواب طويل مبني على الأدلة الشرعية والقواعد الأصولية رأيت أن أجتزئ منه ما يناسب هنا.
([104]) للدكتور دانيال هكرسي، ترجمة الزهرة.
([105]) لأحمد بن حجر آل بوطامي.
([106]) نقل عن مجموعة من أعلام المذاهب الأربعة وعن بعض الأطباء المعتبرين.
([107]) انظر:التدخين مادته وحكمه في الإسلام لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ص61.
([108]) المرجع السابق ص62.
([109]) المرجع السابق ص62.
([110]) ديوان معروف الرصافي ج1 ص110.
([111]) من أضرار المسكرات والمخدرات ص79
([112]) الدلائل الواضحات، ص 163.
([113]) التدخين سيف لدين حسين شاهين ص9/10.
([114]) دائرة معارف القرن العشرين ج2 ص527.
([115]) الدخان في نظر الإسلام ص28.
([116]) فتوى في حكم شرب الدخان لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ص14، 15.
([117]) التدخين أضراره ووسائل تجنبه سيف الدين شاهين ص100.
([118]) التدخين في ضوء العلم الحديث ص89.
([119]) سورة الأعراف آية157.