الوحدة من آثار الحج

السبت 25 جمادى الآخرة 1440هـ 2-3-2019م

الخطبة الأولى :

الحمد لله الذي ربط بين قلوب المسلمين برباط التقوى وجعل وحدتهم وحدة حقيقية مبنية على الحق والعدل والإنصاف وأشهد أن لا إله إلا الله جمع القلوب على الهدى وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله قائد الوحدة الإسلامية ورافع لوائها صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أمــا بـــعـــــــد:

فاتقوا الله عباد الله وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ولئن قوض الحجيج خيامهم وانفرط عقدهم ورجعوا إلى بلادهم مودعين منى وعرفات ومزدلفة والمشاعر فقد ترك في النفوس المؤمنة الصادقة الواثقة بوعد ربها آثاراً حميدة وخصالاً كريمة لا يمحوها مرور الأيام ولا تفارق المسلم المتفكر الواعي البصير بحكم الدين وأسراره وقد قيل إنها سر الحنين إلى معاودة الحج مرة بعد أخرى قال تعالى [وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً]

إخوتي في الله ومن أبراز آثار الحج لحميدة في نفوس مظهر الوحدة الإسلامية في أعظم صورها وأجلاها وأبهاها:

لقد التقى العربي والعجمي والأبيض والأسود والغني والفقير والأمير والمأمور والصغير والكبير والرجل والمرأة من في الشرق ومن في الغرب ومن في الشمال ومن في الجنوب الكل منهم يشعر بشعور الوحدة المعلنة ويفخر بهذا الاسم العظيم [هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ] فهل هناك شعار أفضل من هذا الشعار مهما زوق له الأعداء وفرضوه بالقوة إن الشعارات المطروحة في البلاد الإسلامية من شعارات القومية والعنصرية والوطنية والحزبية كلها شعارات ساقطة أمام هذا الشعار الواحد الذي ارتضاه لنا خالقنا سبحانه لكنه يتجلى في الحج على أكمل صورة وأوضحها لأنه ليس مجرد زعم دون واقع عملي ملموس محسوس أليس الحجيج يقفون في صعيد عرفات وهم يتذكرون ذلك الميثاق العظيم الذي رسمه الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع (أيها الناس إنما المؤمنون إخوة و لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه فلا تراجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض وإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله).

فأي خصام بين المسلمين وأي فرقة وأي خلاف والحكم هو كتاب الله وصدق الله العظيم [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً]

عباد الله موقف الشكر لتقدير النعم وموقف الذكر للثناء على المنعم وقد وجه ربنا جل وعلا الحجاج إلى ذلك بعد قضاء حجهم بقوله [فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ]
ومن أحق بموقف الشكر والذكر من حجاج بيت الله الذين أتم الله عليهم النعمة حيث وفقهم لأداء نسكهم في طمأنينة وأمان ومن أجدر منهم بالقربة الشاملة لبشارة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث يقول (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) فالحاج بعد قضاء حجة كالمولود في يوم ولادته يبدأ صفحة جديدة من حياته فعليه مع تمام الحمد والثناء والشكر أن يجتهد ألا يُسطر في هذه الصفحة الجديدة التي ابتدأها إلا الخير الذي يسره يوم القيامة أن يراه ويفرح لصحبته له في قبره وعليه أن يبتعد عن الإثم والمعاصي وسيء الأعمال.

عباد الله إن من أقبح الإثم الضلال بعد الهدى والعمى بعد البصيرة فمن عاهد الله في هذه الرحاب الطاهرة ووقف في هذه المشاعر العظيمة ورفع يديه ملبياً وداعياً وراكعاً وساجداً فكيف يعود للمعاصي وتطيب نفسه أن يشهد خالقه وجوارحه عليه في يوم تتنادى الجوارح بالشهادة فيما فعلت أما تخشى أيها العبد الفضيحة في هذا الموقف العظيم فاحرص كل الحرص على الطهر والعفاف واحذر من العودة للمعصية ورفاق السوء واجتهد في الطاعة وتخلص من كل ما يسوء في القيامة أن تراه واعقد صفقة رابحة مع الله بعد هذا الحج واحرص على بر والديك وصلة أرحامك وحسن العلاقة مع الخلق واحذر أن يطلبك أحد مظلمة يوم القيامة فالمفلس هو الذي يظلم الناس في الدنيا ثم تؤخذ حسناته لهم ولا يبقى له حسنات اللهم تقبل حجاج بيتك الحرام وأنعم عليهم بالرضى والقبول.

وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله وفق حجاج بيت الله لأداء الحج على أكمل وجه وأشهد أن لا إله إلا الله يسر حج البيت هذا العام وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وعد الحاج الصادق النادم التائب بمغفرة لذنوب وستر العيوب صلى الله عليه وآله و صحبه وسلم تسليماً كثيراً

أمــــا بــــــــــعـــــد:

عباد الله هاهم حجاج بيت الله من الداخل تكامل وفودهم إلى بلادهم ولله الحمد بكل أمن وطمأنينة ولم يروا ما نغص عليهم أو كدر إلا ما حصل في الجمرات من تدافع نتج من سوء تقدير الوقت المناسب للرمي ولكنه قدر الله وهي آجال مضروبة وأنفاس معدودة قدرها الله فلن تتقدم ولن تتأخر.

عباد الله هنيئاً لمن قبل الله منه الحج هنيئاً لمن شمله مباهاة الله ملائكته بالحجاج هنيئاً لمن قيل لهم انصرفوا مغفوراً لكم هنيئاً لمن رجع من حجه كيوم ولدته أمه هنيئاً لمن أدرك ثمن الحج وهو الجنة أسأل الله الكريم من فضله يا من وفقه الله للحج هذا العام اتق الله في نفسك وراجع حساباتك واعقد صفقة مع الله فإنك لا تدري أتدرك حج العام القادم أم لا قم على نفسك وأهلك و أولا دك وأفعل الخير للغير وتخلص من جميع المعاصي لعلك تكون من الفائزين ويا من لم ييسر له الله الحج تذكر أن هناك من الأعمال الصالحة ما قد يسبق الحج فاجتهد أن تبيض صحيفتك بالحسنات لتفوز مع الفائزين.

عباد الله هناك أربع مسائل كثر السؤال عنها بعد نهاية الحج ولذا أشير إليها مجرد إشارة فأقول:

المسألة الأولى: من خرج إلى المسعى وهو يطوف في السطح وكان خروجه حال الزحام واتصال الطائفين فلا حرج عليه إن شاء الله لأن هذا غاية ما يستطيعه وقد سألت عنها الشيخين رحمهما الله فقالا لا بأس إذا كان زحاماً واتصلت جموع الطائفين.

المسألة الثانية: من أدركه الغروب بعد أن رمى وهو في منى فلا يلزمه المبيت وقد حصل ذلك لكثير من الحجاج هذا العام بل الصواب أن من ذهب من مكانه في منى وحمل أغراضه متجهاً إلى الجمرات ثم عاقه الزحام وشدة السير فلم يتمكن من الرمي إلا في الليل فلا شيء عليه وله أن يتعجل لأن هذا غاية ما يستطيعه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

المسألة الثالثة:من رمى قبل الزوال في اليوم الثاني عشر بناءً على فتوى من عالم معتبر فرميه صحيح ولا ينبغي التشويش على الناس في هذا الأمر علماً أنه لو سألنا هذا الشخص وهو في مكة لقلنا له لا ترمي إلا بعد الزوال لكن مادام رمى وأتم عبادته واستفتى من يثق بدينه وعلمه فلا حرج عليه.

المسألة الرابعة: من كان عليه طواف الإفاضة والوداع وقد أخَّـر طواف الإفاضة ثم جاء إلى البيت ونسي أن ينوي عند بداية الطواف فلا حرج عليه لأنه سبق أن نوى ولا تزال نيته بحالها ولا حرج عليه إن شاء الله مادام لم يغير النية ويقبلها.

اللهم إني أسألك أن تتقبل من الحجاج حجهم وعمرتهم وطوافهم وسعيهم ووقوفهم ورميهم اللهم وفقتهم لحج البيت فوفقهم للعمل الصالح الذي يرضيك اللهم اغفر ذنوبهم واستر عيوبهم وارفع درجاتهم في الجنات اللهم اغفر لهذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم أعز الإسلام والمسلمين.

عباد الله صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى وقدوتنا المجتبى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] اللهم صلي وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.