خطبة بعنوان: (توجيهات حول الرؤى والأحلام ) بتاريخ 28-4-1435هـ

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أنه بتقواه ينال العبد رضاه، وينال السعادة في الدنيا والآخرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً}(الأحزاب: 70، 71).
عباد الله: لقد اهتم كثير من الناس في زماننا هذا بالرؤى والأحلام، وكثر السؤال عنها، وهي ظاهرة إنسانية قديمة تحدث القرآن الكريم عنها في العديد من الآيات كما في قوله تعالى{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}(يوسف: 4)، وقوله تعالى{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}(الفتح: 27).
ونبينا صلى الله عليه وسلم حدَّثنا عن رؤيا المسلم في آخر الزمان فقال:(إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاثة: بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس)(رواه البخاري ومسلم).
والرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في النوم من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير، والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح، ومنه قوله تعالى:[أضغاث أحلام].
والرؤيا من الله، والحلم من الشيطان: فإذا رأى المسلم رؤيا يحبها فليحمد الله عليها، وليحدث بها من يحب، وإذا رأى ما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره بإذن الله.
عباد الله: ومن آداب الرؤيا الصالحة:(أن يحمد الله عليها، وأن يستبشر بها، وأن يتحدث بها لمن يحب).
وهي أقسام؛ منها: (إلهام يلقيه الله سبحانه في قلب العبد، أو مثلٌ يضربه له ملك الرؤيا الموكل بها، أو التقاء روح النائم بأرواح الموتى من أقاربه وأصحابه، أو رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة، أو تلاعب الشيطان، وهذا هو الحلم).
ومن علامات الرؤيا الصادقة:
1ـ أن يكون الرائي معروفاً بالصدق في كلامه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً)(رواه مسلم)، وهذا في الغالب وإلا فقد يرى غير الصادق رؤيا صادقة يكون فيها إيقاظ لغفلته أو ما شابه ذلك.
2 ـ وأن يعرف أولها وآخرها، فلا تكون متقطعة لا ترابط بينها.
3 ـ وأن تكون تبشيراً بالثواب على الطاعة، أو تحذيراً من المعصية.
4 ـ وأن تكون عند اقتراب الزمان كما ذكرت سابقاً.
ويحرم الكذب في الرؤيا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من تحلَّم بحلم لم يره كُلِّفَ أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل)(رواه البخاري)، وفي لفظ آخر:(إن أعظم الفرية أن يفتري الرجل على عينيه، يقول: رأيت ولم يرَّ).
وأما الحلم فله آداب أربعة:
1ـ أن يتعوذ بالله من شره ومن الشيطان. 2ـ وأن يتفل عن يساره.
3ـ وألا يذكره لأحد. 4ـ وأن يتحول عن جنبه.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل عن يساره ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره)(رواه البخاري ومسلم)، وقال:(إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه)(رواه مسلم). وقال أيضاً:(إذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس)(رواه مسلم).
عباد الله: وينبغي الاحتياط في تعبير الرؤيا، فقد ثبت أنها على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عُبرت وقعت.
ولا يعبر الرؤيا إلا عالم بأحكامها، ومدلولاتها، وقد يصيب المعبر وقد يخطىء.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من الرؤيا ما يُصدق ومنها ما لا يصدق، فلا بد من التفريق بين ما جاء من الله، وما كان من أضغاث الشيطان وتلاعبه.
وينبغي ألا تقص الرؤيا إلا على أهل العلم والفضل والدين الذين يعرفون التأويل، ويحسن أن يكون الذي يتولى تأويلها شفيقاً ناصحاً، لأنه إن عرف خيراً قاله، وإن جهله أو شك فيه سكت وأرشد صاحب الرؤيا إلى ما ينفعه في أمور دينه ودنياه. قال صلى الله عليه وسلم:(إن الرؤيا تقع على ما تعبر به، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً عالماً)(رواه الحاكم، وصححه الألباني). وليُعلم أن الخير لا يذهب إذا قدَّره الله جلَّ وعلا، ودلَّت عليه الرؤيا، لكن لا ينبغي أن تُقص الرؤيا إلا على شخص عالمٍ فاهمٍ ناصحٍ مدركٍ لأن غيره قد يؤِّل الرؤيا تأويلاً خاطئاً فتقع عليه.
عباد الله: لا يعني كون الشخص يقرأ الأدعية والأوراد عدم حصول الرؤيا له، لكن ذلك بإذن الله عاصم له من الشيطان، وحافظ له منه، شريطة أن يوقن بأثر هذه الأوراد، وأن يزول ما ينافيها من حال الشخص، والغالب أن الرؤيا الصالحة للرجل الصالح، ولكن قد يرى الرجل الفاسق رؤيا وتكون مبشرة له بصلاحه، أو منذرة له عن فسقه.
والناس في الرؤيا على درجات:(الأنبياء: ورؤياهم وحي وصدق، والصالحون: والأغلب على رؤياهم الصدق، ومن عداهم: ويقع في رؤياهم الصدق والأضغاث).
وكثرة الرؤيا وقلتها لا يعني شيئاً، بل ذلك راجع لأحوال الشخص وأعماله، وتفكيراته، واهتمامه بهذا الأمر، ولا فرق في صحة الرؤيا وصدقها بين النهار والليل، لكن كما قلت سابقاً هناك أمور كثيرة تحف بالرؤيا لها دلالات في تفسيرها، وهي الأسماء والمعاني وأحوال الرائي.
والكابوس عادة يأتي بين النوم واليقظة، وهو من الشيطان، والوقاية منه بالمحافظة على الأوراد والأدعية التي هي حصن بإذن الله للشخص وأهله من الشيطان وجنوده، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يعوذ الحسن والحسين ويقول:(إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ)(رواه البخاري).
والرؤيا فيها من بديع لطف الله وتدبيره ما يزيد المؤمن في إيمانه، ومرائي الأنبياء والصالحين لا يحصى ما اشتملت عليه من المنافع المهمة، والثمرات الطيبة، ففيها البشارات للمؤمنين، والتنبيهات للغافلين، والتذكرة للمعرضين، وإقامة الحجة على المعاندين، قال ابن عبد البر:”وعلم تأويل الرؤيا من علوم الأنبياء وأهل الإيمان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}(يوسف: 4، 5).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن تقواه خير زاد ليوم المعاد.
عباد الله: لقد افتُتِنَ كثيرٌ من الناس وخاصة في أوساط النساء ببعض المعبرين للرؤى، فراحوا يسألونهم في كل صغيرة وكبيرة تمس حياتهم الشخصية، وهم لا يدرون عن حال هذا المعبر من حيث صحة معتقده، وصدقه وكذبه، وعلمه وأمانته. وهذا فيه خطر شديد على السائل، فبعض المعبرين يستغلون سذاجةَ وجهلَ الرائي فيتلاعبون به تلاعب الصبيان بالكرة، ويعلقون قلبه بغير الله، ويستغلون أسرار البعض وخاصة النساء في الإيقاع بهم والتحايل عليهم وابتزازهم لأن هذا المعبر أو ذاك صاحب شبهة أو شهوة.
فلينتبه كل مسلم ومسلمة لهذا الأمر، وليعلموا أن كل شيء في هذا الكون لا يكون إلا بمراد الله وقضاءه وقدره.
ولا يجوز لكل شخص أن يعبر الرؤى بمجرد النظر في كتب تفسير الرؤيا، كما يقع الآن من بعض المعبرين، لأنها تختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، والأزمان، وأوصاف الرائين. روي أن رجلاً سأل ابنَ سيرين بأنه رأى نفسه أذَّن في النوم، فقال له: تسرق، وتُقطع يدك. وسأله آخر: وقال له مثل هذا، فقال له: تحج! فوجد كلٌّ منهما ما فسره له به، فقيل له في ذلك، فقال: رأيتُ هذا سُمَيَّتُهُ حسنة، والآخر سُمَيَّتُهُ قبيحة.
وقد صدر بيان من اللجنة الدائمة للإفتاء جاء فيه: (والواجب على المعبرين للرؤى تقوى الله تعالى، والحذر من الخوض في هذا الباب بغير علم؛ فإن تعبير الرؤى فتوى؛ بدليل ما قصه الله في كتابه عن رؤيا الملك، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}(يوسف: 43 )، وتعبير الرؤى ليس من العلم العام الذي يحسن نشره بين الناس، وتكون له قنوات فضائية، أو مواقع إعلامية، أو أن يحترف هذا العمل، لكن إذا عرضت على المعبر رؤيا من شخص لا يتهمه بالكذب فإنه يبدي ما يظهر له من تأويلها، إذا كان في هذا مصلحة للرائي، ولذلك يجب على ولاة الأمور غلق باب التلاعب بتعبير الرؤيا، ومنع من لا يتقيد بالآداب الشرعية المتعلقة بهذا الخصوص، والله الموفق..) .
كما صدر بيان من سماحة المفتي العام للملكة حفظه الله جاء فيه:(وقد حصل التوسع في باب تأويل الرؤيا حتى سمعنا أنه يخصص لها في القنوات الفضائية، وكذلك على الهواتف، وفي الصحف، والمجلات، والمنتديات العامة من المنتجعات، وغيرها أماكن خاصة بها؛ جذباً للناس، وأكلاً لأموالهم بالباطل: كل هذا شرٌّ عظيم، وتلاعب بهذا العلم الذي هو جزء من النبوة…)، إلى أن قال:(.. فيجب على المسلمين التعاون في منع هذا الأمر، كلٌّ حسب استطاعته، ويجب على ولاة الأمور السعي في غلق هذا الباب؛ لأنه باب شر، وذريعة إلى التخرص، والاستعانة بالجن، وجر المسلمين في ديار الإسلام إلى الكهانة، والسؤال عن المغيبات، زيادة على ما فيها من مضار لا تخفى، من إحداث النزاعات، والشقاق، والتفريق بين المرء وزوجه، والرجل وأقاربه وأصدقائه، كل هذا بدعوى أن ما يقوله المعبر هو تأويل الرؤيا، فيؤخذ على أنه حق محض لا جدال فيه، وتُبنى عليه الظنون، وهذا من أبطل الباطل) انتهى كلامه حفظه الله.
أسأل الله تعالى أن يبصرنا بأمور ديننا ودنيانا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة:28-4-1435هـ