شـَرح رياض الصالحين من كلام سيـد المرسلين (المقدمة)

الأحد 19 جمادى الآخرة 1440هـ 24-2-2019م

للإمام الحافظ الفقيه أبي زكريا مُحيي الدين يحي النووي
شرحـه وأملاه
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العُثيمين
عضو هيئة كبار العُلماء وأستاذ في كلية الشريعة بالقصيم
حققهُ، وعلق عليه، وخرج أحاديثَه، وَوضَع فهارسه
الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
وكيل وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون المساجد
الجـزء الأول
دارُ الوطن

 الطبعة الأولى: 1415هـ ـ 1995م

 

المـــقدمــــة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المرسلين، وحجة الله على خلقه أجمعين، بعثه الله تعالى بالدين القويم والصراط المستقيم، وجعل رسالته عامة إلى يوم الدين، صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.

وبـعـد:
فإن الله جلَّ وعلا بعث رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى، وأنزل عليه القرآن، دستور هذه الأمة الخالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وآتاه تأويل القرآن ومثله معه، فكانت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية هي المعبّرة عن كتاب الله، الدالة تعلى معانيه.

وقد تلقَّف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب العزيز والسنَّة المطهرة حفظاً ومدارسة وتدويناً، وقد تكفل الله بحفظ كتابه الكريم، وقيض للسنة النبوية من يحفظها ويعتني بها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وبتوفيق من الله كانت سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع عناية العلماء في كل عصر ومصر، فتمَّ حفظها وتقييدها وتدوينها في المسانيد والصحاح والسنن والمعاجم. وممَّن أسهم في خدمة السنة وتدوينها الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي [631ـ 676هـ] الذي يعد في طليعة أعلام القرن السابع الهجري، فقد ألف كُتُباً كثيرة نافعة في موضوعات مختلفة تناقلتها الألسن بالثناء والتقدير، وعكف العلماء على دراستها والإفادة منها والنقل عنها، وكان من أجلها نفعاً، وأكثر تداولاً وأعمّها انتشار بين الخاص، العام كتاب (رياض الصالحين) وذلك لأمرين.

الأول: ما تضمنته من توجيهات نبوية سامية الروح تهذب الروح وتسمو بها، وتولِّد فيها حافزاً قوياً على التحلِّي بما خلقت له من العبادة، وتصل بها إلى ما فيه إسعادها وصلاح أمرها، وذلك لعموم ما اشتمل عليه من ترغيب وترهيب، وما يحتاج إليه المسلم في أمر دينه ودنياه وآخرته.

فهو كتاب تربوي فذُّ تناول مختلف جوانب الحياة الفردية والاجتماعية بأسلوب سهل واضح يفهمه الخاص والعام.

وقد انتقاه مؤلفه (رحمه الله) من أمهات كتب السنة المعتمدة كالبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وغيرهم، وقد التزم ألاًَّ يذكر فيه إلا ما صحَّ من الأحاديث، وقد وفَّى بالتزامه، فلم يعثر فيه إلا على أحاديث يسيرة لعل له ـ رحمه الله ـ وجهة نظر في تصحيحها حسب ما يراه.

الثاني: المكانة العلمية المرموقة التي كان يتبوؤها مؤلف رياض الصالحين بين علماء عصره، لما أوتيه من سعة علم وقوة فهم لمرامي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد تميز كتاب رياض الصالحين بميزات انفرد بها عن غيره من كتب السنة، فهو بحق عدة للواعظين وذخيرة للمتعظمين ومصابيح للمهتدين ورياض للصالحين.

وهذا بَّوأه مكانة عظيمة عند العلماء، فأقبلوا عليه شرحاً وتعليقاً وتدريساً في حلقاتهم.
وهذا الكتاب من أوسع الكتب انتشاراً وأكثرها تداولاً، فقد طبقت شهرته الآفاق، واحتلَّ منزلة رفيعة لدى الخاص والعام، ويكفي أن عامة أئمة المساجد يعتمدونه في قراءتهم بعد الصلاة أو قبلها على المأمومين.

وقد أبدع مؤلفه في ترتيبه وتبويبه، فقسمه إلى كتب والكتب إلى أبواب، فجعل الكتاب عنواناً للأحاديث التي تندرج تحت أبواب كثيرة من جنس واحد، وجعل الباب عنواناً لطائفة من الأحاديث التي تدل على مسألة خاصة بعينها.

وجملة ما فيه سبعة عشر كتاباً [17]، وما فيه من الأبواب مائتان وخمسة وستون باباً [265]، وجملة ما فيه من الأحاديث ألف وثمانمائة وسبعة وتسعون حديثاً[1897]، ودرج على أن يفتتح أكثر الأبواب بآيات من كتاب الله تعالى تناسب موضوع الأحاديث التي جاءت فيه، فجاء ترتيبه وتبويبه متناسقاً وفاق غيره من الكتب بهذه الميزة البديعة ولقد كان لسماحة شيخي العلامة محمد بن صالح العثيمين عناية فائقة بهذا الكتاب فاعتمده في حلقته منذ زمن طويل، وعلَّق عليه تعليقات نافعة، تناقلها الطلاب عنه هنا وهناك، ونظراً لما لهذه التعليقات من الأهمية، وحرصاً على تعميمها لينتفع منها أكبر عدد ممكن كما انتفعوا بأصل الكتاب، عزمت على نشرها مع العناية بالأحاديث وتخريجها والحكم عليها عندما تدعو الحاجة لذلك.

أسأل الله جلَّ وعلا أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يجزل لشيخي المثوبة، وأن ينفعنا بعلمه، ويجمعنا به ووالدي ومن له حق عليَّ بجنات النعيم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وسلام على المرسلين، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وكتب
أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
ضحى يوم الخميس 14/6/1415هـ
الــزلــــــفي