مقال بعنوان “وداعًا عالمنا الجليل” بتاريخ  18-9-1440هـ

الأربعاء 24 رمضان 1440هـ 29-5-2019م

 

العلماءُ الصّادقونَ هم المتّصفونَ بالصّفات الحميدةِ العاليةِ، مثل: الإخلاص، والأمانة، والتواضع، والحلم، والصبر، والرفق، واللّين.

وهم الذين يُحسنون للآخرين، ويُحيون القلوبَ بعلمهم، وتذكيرهم، ومواعظهم، فما يُقدّمونه لقلوبِ الناس وأبدانهم، كالطعام والشراب والصحّةِ والعافية.

وهم كالشّمسِ للدّنيا، ميّزهُم خالقهم على غيرهم، وأثنى عليهم، فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ}.

ولقد ودّعت محافظة الزلفي مساء الأربعاء 17/9/1440هـ واحدًا من خِيرةِ علمائِها وفُضلائِها ودُعاتِها، العالمُ العابدُ التقيُّ

 الصّالحُ المُربّي، شيخنا وأستاذنا الخال الدكتور/ إبراهيم سابح الطّيار – رحمه الله-أحدُ أساتذة الجيل الّذينَ تخرّج على أيديهم عامّة طلاب العلمِ من هذه المحافظة، وكان له الفضل الكبير على خريجي المعهد العلمي خلال أربعة عقود من الزمان.

وشيخنا له عناية فائقة في اللغة العربية والتاريخ، ولكنّه تخصّص في دراسته العليا في النحو والصّرف، وأصبح واحدًا ممن يُشارُ لهم في بلادِنا بتميّزهم في هذا التخصّص.

وله عناية بجمعِ الكتب منذُ كان طالبًا في الكليّة، وفي السنوات الأخيرة، أقبل على العلوم الشرعية، وأكثر من المُطالعة فيها، حتى تميّز في كثيرٍ من الجوانبِ ولا سيّما التفسير والفقه.

ولهذا إذا تكلّم على مسألةٍ سَرَدَ النّقُول فيها وكلام العلماء المُعاصرين، وكأنه يقرأُ من ورقة، وقد تفرّغَ في العقدين الأخيرين للقراءة والاطلاع والعبادة حتى أنه لا يكاد يمرّ شهر إلّا ويعتمر، ويبذل من وقته لنفعِ رِفقتِهِ، فهو المُوجّهُ والمعلّمُ والمُفتي لهم في رحلات العمرة التي يرافقهم فيها، وإذا تكلّم أبدعَ في توجيههِ ونُصحهِ وتعليميه.

 حدّثني أكثر من شخص ممن رافقوهُ في رحلاتِ العُمرةِ عن سرُورِهم وسعادتهِم إذا رأَوهُ معهم في الحافلةِ، لما يعلمونَ مِن أثرِهِ ونفْعِهِ وعطائِه لهم، لا سيّما في الطريقِ ذِهابًا وإِيابًا.

ولعلّ من آخر من حدّثني عن ذلك الوجيه/ صالح بن ناصر الخُنيني -أبو سليمان – وذلك في شهرِ شعبان، يقول: نستمتعُ بمرافقَةِ خالك الشيخ إبراهيم معنا، حيثُ نستفيد منه كثيرًا ويملأُ الطريقَ علينا بنصائِحِه وفوائِدِهِ وتوجيهاتِهِ، ويشرح لنا كيفية العمرة، ويُبيّن لنا محظورات الإحرام، فنرجعُ من رحلتنا بفوائِد لا تُقدّر بثمن، وقد رأيتُ أبا سليمان وهو يُعزّينا يظهرُ عليهِ أثَرُ التأثّرِ لفقْدِهِ، جمعنا اللهُ وإيّاهم ووالدِينا في جنّات النّعيم.

ولعلّ من أبرز سمات شيخنا: التواضع الجَمّ، فمن يَراهُ لا يَتوقّع ما يحمِلُه من علمٍ حتى يسمعَ منهُ، ومن سماتِه – رحمه الله – صلة الرّحم، فقد كان واصِلًا لِرَحمِه، كثيرًا ما كانَ يتردّدُ على الوالدة –رحمها الله– في حياتِها ويقضِي معها السّاعات، يؤانسها ويُطيّبُ خاطرها.

ولا أنسى رحلة الحج عام 1420هـ حيثُ رغِبَت الوالدةُ أن نذهبَ جميعًا، فذهبْنا بسيارتين، وسكنّا في سكنٍ واحدٍ، واستمتعنا بصحبةِ الوالدة وخالي –رحمهما الله تعالى– وهذا العام هو نفسُه العام الذي بدأتُ فيه العلاقة مع حملة الرّسالة، واستمرت إلى يومنا هذا.

رحم الله الخال إبراهيم وجمعه الله بوالديه وإخوانه وأخواته في الفردوس الأعلى من الجنة، وجعل البركة في ذرّيتِهِ وعقبِه وأقاربِهِ وأحبابِهِ وجيرانِهِ ومن يُحبّه. وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد.