مقال بعنوان “وداعًا جارنا الغالي” بتاريخ 22-9-1440هـ  

الأربعاء 24 رمضان 1440هـ 29-5-2019م

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.

يقول الله جلّ وعلَا: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورً} النساء(36)

هذه الآية بدأت بالحديث عن ركيزة المجتمع المسلم الأولى وهي قاعدة التوحيد الخالص التي ينبثق منها منهج الحياة في كل جوانبها، ثم أمرت ببر الوالدين والإحسان إليهما، ثم الإحسان إلى ذوي القربى، ثم الآخرين ومنهم الجيران، ومن لم يحسن إلى الأسرة الصغيرة، فلن يفلح بالإحسان إلى الأسرة الكبيرة – المجتمع -لأن مشاعر الإحسان والعطف والبر إذا عمرت بها الأسرة الصغيرة أفاضت واتسعت لتشمل دائرة أوسع منها.

وقد ودعنا عصر هذا اليوم الأحد 21-9-1440هـ جارنا الغالي وحبيبنا أبا عبد الله عبدالهادي بن عبدالعزيز الدويش، وكان نعم الجار أدبًا وخلقًا وتعاملًا، ولا زلنا نستمتع بجوار أبي إبراهيم أخيه عبد اللطيف متّعه الله بالصحة والعافية.

والجار رفيق الدرب وقرين مسكن يؤنسك بقربه، ويكرمك بحديثه، ويسدي لك نصحه، وتسمع دعواته في كل مناسبة.

لقد عرفت جارنا أبا عبد الله (عبد الهادي) منذ سبع وثلاثين سنة، وخلال هذه العقود وهو وأخوه تزيد محبتهم يومًا بعد يوم، لحسن جوارهم وكريم أخلاقهم، وحقًا إن مثل هذا الجوار لا يُشترى بالذهب، لأنه نعمة من الله يهبها لمن يشاء من عباده، وقد جاء في الحديث: (خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللِه خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللهِ تَعَالى خَيْرُهُم لِجَارِهِ).

كنت أسمع عن حادثة جار سعيد بن العاص الذي نزلت به نازلة من نوازل الدهر فذهبت بكل ما عنده من مال ومتاع حتى اضطر لأن يبيع داره بأرخص الأثمان، فقال له المشتري: إنها لا تساوي إلا خمسين درهمًا. فقال صاحبها: وبكم تشتري جوار سعيد بن العاص؟ فقال المشتري: ما رأيتُ جوارًا يُباع! فمن يكون سعيد بن العاص هذا؟ قال: سعيد بن العاص الذي إذا رآك رحّب بك، وإذا دخلت عليه أوسع لك، وإذا حدّثته أقبل عليك، وإذا ناديته لبّاك، وإذا مرضت عادك حتى تبرأ، وإذا غبت سأل عنك حتى يعلم أين أنت، وإذا افتقرت أعطاك حتى أغناك، فبلغ هذا الكلام سعيد بن العاص فبعث إليه بمائة دينار وقال له: امسك عليك دارك يا خير جار.

لقد كنت اسمع عن هذه القصة وأقول: إن هذا غريب. وبعد أن تعاملنا مع هؤلاء الجيران وغيرهم أيقنت أن هذه حقائق واقعية لكثير من الجيران في كل زمان ومكان.

رحم الله أخانا أبا عبد الله عبد الهادي الدويش، فلئن رحل عنا فذكره الطيب باقٍ، وتعامله مع من حوله ستبقى آثاره مشاهدة يرويها الجيل الحاضر للجيل القادم.

جمعنا الله بحبيبنا في الفردوس الأعلى من الجنة، وجعل هذه الليلة أفضل ليالي عمره التي مرّت عليه، وأكرم نزله في هذه الليلة المباركة، وجعل البركة في عقبه وإخوانه وأخواتهم وذرياتهم وأحفادهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

 

  • د عبد الله بن محمد الطيار

الأستاذ بكلية التربية جامعة المجمعة
وعضو الإفتاء بمنطقة القصيم