وقفات حول الإجازة الصيفية – خطبة الجمعة في 1-8-1435هـ

الأثنين 9 شوال 1441هـ 1-6-2020م

الخطبة الأولى: 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي عماد الحياة، من تمسك بها نال الجنة، ونجى من عذاب الله.

عباد الله: ومن أراد أن يتمتع بإجازة سعيدة يحصل فيها على عظيم الأجر، فأوصيه بما يأتي:

(1) استغلال وقته بقدر ما يستطيع، فهو في هذه الدنيا يسير إلى الله جل وعلا، يرجو رحمته ومرضاته، ويأمل دخول جنته ورضوانه، فيجعل ذلك عوناً له على الاجتهاد في حفظ وقته، والاستفادة منه بما ينفعه.

(2) الفراغ نعمة عظيمة من استغلها في الخير عادت عليه بالخير، ومن أساء العمل وفرط فيها عادت عليه بالخسران في الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)(رواه البخاري)، ومما يؤكد أهميته والحرص على استغلاله قوله صلى الله عليه وسلم:(اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك…)(رواه الحاكم، وصححه الألباني)، فاغتنام الفراغ فرصة لا تعوض وخاصة في وقت الشباب والصحة.

(3) بعض الناس يقول هل يلزمنا أن نقضي سائر الإجازة بالطاعة، أليس لنا أن نرفه عن أنفسنا وأولادنا، ويذكرون حديث (يا حنظلة ساعة وساعة)، ولا حرج عليهم في ذلك، لكن دون الوقوع في أمر محرم.

(4) أيها الشاب المسلم إن استغلال فترة شبابك وقوتك في الإكثار من العمل الصالح يعود عليك بالخير العظيم، ففي وقت الشباب تستطيع أن تؤدي سائر الطاعات والخيرات بيسر وسهولة، وأما إذا كبرت وضعفت قواك وجوارحك فالحال تختلف كثيراً.

(5) السهر يوقع الشاب في كثير من المحظورات والمنكرات، وأعظمها تضييع صلاة الفجر، فنحرص على التقليل منه إلا فيما ينفع حتى يسلم لنا يومنا وليلنا.

(6) من أسباب أذية المسلمين التفحيط بالسيارات في الشوارع، ورفع أصوات الغناء والموسيقى، والجلوس في الشوارع والحارات أمام بيوت الناس وخاصة في أثناء الليل، فابتعد أخي الشاب عن ذلك واحذر من دعوات الناس عليك.

(7) الخوض فيما لا يعني، والسخرية والاستهزاء بالآخرين من أسباب انتشار العداوة والخصومة، بينك وبينهم، فاحرص على حفظ لسانك عن الآخرين لكي يسلم لك أمر دينك.

(8) السفر إلى بلاد الكفار، أو البلاد التي تكثر فيها المعاصي والمنكرات يترتب عليه مفاسد عظيمة في الدين والدنيا، فاحرص على السفر إلى الأماكن التي تحصل فيها على الاستمتاع المباح دون الوقوع في المعاصي والذنوب.

(9) عليك باستغلال الوقت في إشباع ميولك الخاصة كلعب الكرة، والسباحة، والتجارة، والمساهمة في أبواب الخير، وتنمية مهاراتك في حفظ القرآن والحديث، والمتون، وتعلم بعض اللغات، والتمكن من تعلم الخط بأنواعه، وكيفية إصلاح الجوالات، والحاسب الآلي، وتعلم مهنة الميكانيكا، والكهرباء، وسائر المهن الأخرى، وهذا فيه خير كثير لك ولوطنك. وبلادنا ــ حرسها الله ــ تقوم بالكثير من الأنشطة والفعاليات لحفظ أوقات الشباب، ويقوم على تلك الأنشطة أناس مشهود لهم بالكفاءة وحسن الأخلاق، فبادر بالمشاركة ولا تبخل على نفسك بالاستمتاع بقضاء وقت طيب مع إخوانك وأقرانك.

(10) زيارة الأقارب وتقوية أواصر صلة الرحم من أجل العبادات التي يحبها الله، ويكفيك شرفاً وفخراً قول الحبيب صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)(متفق عليه).

(11) احرص على السفر إلى مكة والمدينة لأداء العمرة، وتحصيل الأجر المترتب علي الصلاة فيهما.

(12) احرص على الصحبة الصالحة، فهي خير معين لك على الإكثار من الخير، والبعد عن الشر، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (..مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة)(رواه البخاري ومسلم)، فالجليس الصالح إن رأى منك تقصيراً أرشدك، وإن رأى فيك عيوباً بصرك، أما جليس السوء فهو ينفرك من الطاعة، ويشجعك على فعل المعاصي والمنكرات، ويأخذ بيدك إلى ما يغضب الله.

(13) يكثر سؤال بعض المسافرين عن الصيام في شعبان حيث كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه، والتحقيق أن الفطر للمسافر أفضل من الصيام إلا إذا كان المسافر مقيماً في البلد ولا يشق عليه الصوم، فهنا قد يكون الصيام أفضل له لا سيما في الأيام التي يستحب صيامها

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(الأنفال: 24، 25).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واحرصوا على متابعة أولادكم خلال فترة الإجازة، وأعينوهم على الخير، وأبعدوهم عن الشر، وذكروهم بالله تعالى، وحذروهم من الفتن والشهوات والشبهات، وأبعدوهم عن صحبة السوء، واعلموا أنكم مسؤولون عنهم أمام الله.

وتذكروا قول الله جل وعلا:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التحريم: 6)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته..)(متفق عليه).

عبادالله: ويستحب لمن أراد السفر أن يلتزم بالآداب الشرعية، ومن ذلك:

طلب الاستخارة، ففيها خير عظيم، وكذا كتابة الوصية إن كان له مال، وأن يقوم بصيانة سيارته التي يسافر عليها، وأن يأتي بسنن السفر من ذكر لله عند ركوب الدابة، وأن يأخذ معه ما يعينه على الطريق، وأن يحرص على الصحبة الصالحة، وأداء الصلاة في وقتها، والإكثار من ذكر الله، والاستغفار، وحفظ الأهل والأولاد من الاختلاط المحرم، وإبعادهم  عن الأماكن التي يكثر فيها الشر، وكذا التمتع بالمباحات.

وأخيراً: تذكر يا من تريد السفر أن هناك رحلة تنتظرك إلى الدار الآخرة فلا تغفل عن هذا اليوم، واعلم أنك ستلقى ربك جل وعلا وسيسألك عن كل صغيرة وكبيرة، فانظر فيما تقدم ليكون زاداً لك بين يديك مولاك وخالقك.

عباد الله: وإن مما يذكر فيشكر ما تقوم به بعض الجهات المختصة من جهود مباركة، فنحن نرى رجال الأمن يتابعون مدارس البنين، ويحرصون على حفظ الناشئة، ونرى رجال الحسبة يتابعون مدارس البنات ويجتهدون في حمايتهن وحفظهن، فجزاهم الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خيراً.

ولا ننسى جهود المعلمين والمعلمات وأساتذة الجامعات من الرجال والنساء حيث يجتهدون في حفظ عقول الشباب والفتيات وتوجيههم إلى كل خير. زادهم الله من الإيمان والهدى، ووفقهم لخيريّ الدنيا والآخرة، وأصلح لهم نياتهم وذرياتهم. كما أسأله سبحانه أن يبارك لنا في أيامنا وأوقاتنا، وأن يوفقنا في استغلالها بما يحب ويرضى، وأن يجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.      الجمعة: 1/8/1435هـ