الجَرَادُ نعمة ونقمة.

السبت 29 رجب 1442هـ 13-3-2021م

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ وليِّ الصالحينَ، ولا عدوانَ إلا على الظالمينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبداللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وآلهِ وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعد…

فاتقوا اللهَ أيُّها المؤمنونَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) آل عمران الآية(102).

عبادَ اللهِ: الجرادُ مخلوقٌ ضعيفٌ، لكنَّ أضرارهَ لا حدودَ لها، يأكلُ الأخضرَ واليابسَ، يدخلُ المزرعةَ وهي خضراءُ تبهجُ الخاطرَ، ويخرجُ منها قاعًا صفصفًا لا يُبْقي بها شيئًا.

أَرسلَهُ اللهُ جلّ وعلا على قومِ فرعونَ عقابًا لهم، فَقَدْ أرسلَ لهم طوفانًا جارفًا فهدَّم ديارَهم، ثم أَرْسَلَ الجرادَ؛ فأَكلَ نباتَهم، ثم تابعَ الآياتِ كما ذَكَرَ اللهُ جلّ وعلا في محكمِ كتابِه: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) الأعراف الآية(133)

أيُّها المؤمنونَ: ومنْظرُ أسرابِ الجرادِ وهو يَتَطايرُ أمَامَك، لا وجهةَ له، يَتَّجهُ بعضُه يمينًا، وبعضُه شمالًا، يَصْدمُ بعضُه بِبَعْضِ، هذا المنظرُ يُذكّرُ بيومِ المعادِ، يَومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمين، قالَ تعالى: (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ) القمر (6-7).

وَقَدْ أجمعَ أهلُ العلمِ على حِلّ أَكْلِ الجراد، روى البخاريُّ ومسلمٌ عن ابنِ أبي أوفي قالَ: غَزَونَا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سبعَ غزواتٍ كُنَّا نأكلُ معه الجرادَ) وجاءَ في الحديثِ: (كانت أمهاتُ المؤمنينَ يتهادينَ الجرادَ)، وقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أُحلَّت لنا مَيتتانِ ودَمانِ، السمكُ والجرادُ والكبِدُ والطُحالُ). أخرجه ابن ماجه (٣٣١٤)، وأحمد (٥٧٢٣) باختلافٍ يسيرٍ .

وهذا المخلوقُ الضعيفُ العجيبُ فيه شَبَهٌ من عَشَرَةِ حيواناتٍ، فرأسُه رأسُ حصانٍ، وبطنُه بطنُ عقربٍ، وذنبُه ذنبُ حيٍّةٍ، وجناحاهُ جناحُ نسرٍ، وعينُهُ عينُ فيلٍ، وعنُقُه عُنُقُ ثورٍ، وصدرُه صدرُ أَسَدٍ، وقرْناهُ قَرْنا إبٍِّل، وساقاهُ ساقَا نعامةٍ، وفَخِذَاهُ فَخِذَا جملٍ.

عبادَ اللهِ: ومنْ أحكامِ الجرادِ:

  • أنَّه طاهرٌ يحلُّ أكلُه ميتًا دونَ تذكيةٍ.
  • أنَّه يجوزُ طبخُه وهو حيُّ.
  • أنَّه من صيدِ البرِّ، ومَنَ سَبَقَ إليهِ فهوَ أحقُّ بهِ، ولهُ أكلُه وبيعُه.
  • لا يجوزُ للمُحْرمِ بحجٍّ أو عمرةٍ صيدُه ولا قَتْلهُ، ومَنْ فَعَلَ ذلكَ؛ فقدْ قَضَى عمرُ في الجرادةِ بتمرةٍ.

وصَدَقَ اللهُ العظيمُ: (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ) القمر الآية (7).

باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكْرِ الحكيمِ، فاستغفِروا اللهَ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، محمدِ بنِ عبدِاللهِ وعلى آلهِ وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا أمّا بعد…

فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا ــ باركَ اللهُ فيكُمْ ــ أنَّ الجرادَ نعمةٌ ونقمةٌ، فهوَ نعمةٌ على مَنْ ليْسَ لَهم زروعٌ فيأكلونَه كأطيبِ ما يأكلونَ، ويستمتعونَ بجمعِه وطبخِه، ويضعونَهُ على أطباقِهم اليوميةِ، لكنَّهُ في نَفْسِ الوقتِ نقمةٌ على أصحابِ المزارعِ، إذْ يأكلُ زُروعَهم، ولا يتركُ فيهَا شيئًا، ويعجبُ المرءُ إذَا رَأى أنَّ الجراد يأكلُ كُلَّ شيءٍ سواءٌ كانَ على الأرضِ أو كانَ مرتفعًا. إذْ لا يَردُّه رادٌّ، ولا يَصدُّه صَادٌّ، ومهمَا عَمِلَ النَاسُ مِنْ مكافحاتٍ فرديةٍ وجماعيةٍ، إلا أنَّ آثارَه عظيمةٌ، وأضرارَه جسيمةٌ، فَجَبرَ اللهُ مصابَ مَنْ حَصَلَ عَليهم نقصٌ بسبِبِه، وعوّضَهم خيرًا، ودَفَعَ عنّا وعنْهم البلاءَ والمصائبَ.

هذا وصلّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى، والقدوةِ المجتبى، محمدِ بنِ عبدِاللهِ، فقدْ أمَرَكُمَ اللهُ بذلكَ، فقالَ جلَّ من قائلٍ عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب الآية(569).

اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.