خطبة بعنوان:(حول مجالس الشباب) بتاريخ 9-2-1429هـ.

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قدوة الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،

أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: حق التقوى، فمن اتقى الله وقاه، ومن عمل بطاعته رضي عنه وأرضاه، ومن النار أنجاه، وفي الجنة أسكنه وآواه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(آل عمران).

عباد الله:
لقد أوصى الإسلام بفئة غالية تهم الأمة غاية الاهتمام، لأنها تعتبر المصدر الأساسي لنهضتها، ومعقد آمالها بعد الله، والدرع الواقي الذي تعتمد عليه في الدفاع عن كيانها، والذود عن حياضها، وفي تحقيق أهدافها.

ومعلوم لدى الجميع أن الشباب هم ثروة الأمة، وعدة مستقبلها بعد الله، ولقد كان للشباب في الأمة الإسلامية تاريخ حافل، وكان لهم دور عظيم في حمل لواء الدعوة الإسلامية، وصنع الحضارة الإسلامية، وقيادة الجيوش المظفرة في سبيل الله، ولكن الناظر لأحوالنا اليوم يجد القصور الشديد من قبل الشباب في السير على ما سار عليه سلفنا الصالح، من تعظيم لشعائر الإسلام، والاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أصبحت مجالس الشباب الآن مليئة بالمخالفات الشرعية الكثيرة التي يتوجب علينا إيضاحها وبيانها لينتبه الغافل، ويعود المعرض إلى ربه، ويجتهد المقصرون في إصلاح ما فسد منهم.

عباد الله:
لقد ذكر لي أحد الشباب ممن يجلس مع أصدقائه أن بعضهم يقع في أمور تحتاج إلى توجيه وتنبيه، وطلب مني معالجة ذلك في الخطبة، وذكر لي جملة منها، فأردت إيضاح هذه الأمور، والتوجيه إلى ما يعين على إصلاحها بإذن الله تعالى، ومما يقع فيه الشباب في مجالسهم:

كثرة اللعن والسب والشتم أثناء اللعب، وأثناء التشجيع، وأن بعض الشباب تعود لسانه على ذلك حتى صار عنده عادة، ألم يسمع هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها)(رواه أبو داود، وحسنه الألباني في سنن أبي داود).

وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يكون المؤمن لعَّانا)(رواه الترمذي، وصححه الألباني في سنن الترمذي) فليتق الله هؤلاء في ألسنتهم، وليحذروا من مغبة كثرة اللعن والسب، وليعلموا أنهم محاسبون عن ذلك قال تعالى[يوم تشهد عليهم ألسنتهم]، ومن وقع منه ذلك فليكثر من الاستغفار والدعاء لمن لعنه بالمغفرة.

وبعض الشباب ـ هداهم الله ـ يرتدي ملابس عليها صور وأحيانا يدخل بها بيوت الله تعالى فيصلي بها، فكيف يليق بالمسلم أن يفعل ذلك، وإذا كان لا يجوز له أن يصلي بهذه الملابس في بيته، فكيف وهو يصلي بها في بيوت الله تعالى.

والبعض الآخر يتابع القنوات الفضائية، ويتأثر بما تبثه من سموم، بل وأحياناً يقوم بمراسلتها، فهل ضعف الشاب أن يجاهد نفسه عن التعلق بهذه القنوات، وأن يجعل له حاجزاً يحجزه عن الانسياق وراءها، فعلى من وقع في ذلك أن يقوي إيمانه ورقابته لربه، وأن يعمل جاهداً لإصلاح قلبه، وأن يصرف بصره عن مشاهدة هذه القنوات حتى يسلم له دينه.

وبعض الشباب أًصبحوا يتخيرون في الفتوى ويصنفون أهل العلم بين متشدد ومتساهل، ولا يبحث عن الأروع والأعلم والأتقى، ولو كان هذا الشخص سيصلح خللاً في السيارة لبحث عن أمهر المهندسين، وهكذا لو كان سيبني بيتاً أو يذهب لطبيب، أما أمور الدين فهانت عند بعض الناس.

عباد الله:
والبعض من الشباب يخسر أموالاً طائلة من أجل تشجيع فلان، أو ترشيح فلان وهو لا ناقة له ولا جمل في الأمر، ألم يسمع هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)(رواه مالك وأحمد، وصححه الألباني في المشكاة).

والبعض منهم يكثر الحلف عند أتفه الأسباب، وهذا راجع إلى تعود لسانه على ذلك حتى ولو كان غير صادق، قال تعالى [ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم] (البقرة)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إياكم وكثرة الحلف)(رواه مسلم) وربما وقع في اليمين الغموس بسبب اندفاعه في الحلف، ولقد عده صلى الله عليه وسلم من الكبائر، فينبغي على الشاب أن يمسك لسانه عن كثرة الحلف، وأن يعمل على تطييبه بذكر الله وكثرة الاستغفار حتى يسلم من مغبة الإكثار من الحلف.

والبعض الآخر يستهزأ بخلق الله، كمن يعيب على طول فلان، أو شكله، أو قصره، أو لحيته، أو لعيب في وجهه، أو غير ذلك، ومن الألفاظ (شكلك غلط)، وقد يشبه الشخص بحيوان معين، وهذه الخصلة الذميمة حذر منها القرآن الكريم في قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ](الحجرات)، فليحذر هؤلاء من السخرية بإخوانهم ولمزهم بما فيهم وما ليس فيهم لأن ذلك يؤدي إلى مفاسد عظيمة بين الناس.

وبعض الشباب يكثر منهم الوقوع في الغيبة والنميمة، وهذا ينتشر كثيراً في مجالسهم، وخاصة عندما يكون هناك شخص لا يعجبهم، أو أشخاص ينافسونهم على أمر من أمور الدنيا، وهذا مخالف لقول الله تعالى [وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ](الحجرات)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره)(رواه مسلم) .

فينبغي على الشاب العاقل ألا يوقع نفسه في هذه الآفة، وأن يبرأ ذمته من حقوق إخوانه المسلمين، فاليوم التحلل من الذنوب سهل، ولكن يوم القيامة الموقف عصيب، والحساب شديد، والميزان بين يدي الله بالحسنات والسيئات، فليحذر المسلم من الوقوع في هذه الكبيرة، فإنها تحل المقت من الله، وتزيد من عذاب العبد في قبره، ويوم القيامة يرى العذاب الأليم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ] (الأنفال) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الحليم الكريم، الجواد العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وقدوة الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،

أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من الأمور التي تحدث في مجالس الشباب أيضاً ما يلي:
من الشباب من يتابع بعض الأخبار والموضوعات ويجلس على الإنترنت بالساعات وكأنها فرض عليه، ولو سُئل عن ورده اليومي من القرآن لوجدته يمر عليه الأسبوع والأسبوعان وأكثر من ذلك ولم يقرأ القرآن، وهؤلاء أضاعوا أعمارهم وأوقاتهم فيما لا يعود عليهم بالنفع في العاجل والآجل، وليعلم هؤلاء الشباب أن لقراءة القرآن فضلاً عظيماً وأجراً كبيراً وليعلموا أن القرآن عصمة لهم بعد الله في حفظهم من مضلات الفتن، فليجتهدوا في الرجوع إلى كتاب الله، وليجعلوا لهم ورداً يومياً لتقوية علاقتهم بربهم، فهو حبل الله المتين الذي فيه الهدى والنور.

والبعض منهم يقصر في المحافظة على صلاة الجماعة، فربما ينام عن صلاة الفجر وغيرها من الفروض بسبب السهر بالليل والنوم بالنهار وهذا يحتاج منهم إلى عدم السهر، والتبكير في النوم لكي يتمكنوا من القيام للصلاة، وليحذروا من الغفلة والتسويف وليجتهدوا في إصلاح علاقتهم بربهم، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم [فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً](مريم)، ومعلوم أن الصلاة عمود الدين من أقامها فقد أقام الدين، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

والبعض يقصرون في صلة الأرحام، وزيارة المرضى، واتباع الجنائز، وهؤلاء يحتاجون إلى توجيه من أولياء أمورهم لحثهم وإعانتهم على ذلك، فبدون التوجيه والإعانة فهم لا يستطيعون تحصيل هذه الخيرات.

والبعض منهم يكثر من المزاح والضحك حتى يوصلهم ذلك إلى الوقوع في الكذب وهم لا يشعرون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب)(رواه ابن ماجة وصححه الألباني في سنن ابن ماجة)، وقال صلى الله عليه وسلم (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا)(رواه أبو داود، وحسنه الألباني في سنن أبي داود)، فليجتهد هؤلاء في إمساك أنفسهم عن كثرة المزاح، فهذا أطيب لقلوبهم، وأحفظ لمكانتهم، فكثرة المزاح دائماً غير مرغوب فيها إلا من قبل من يضيعون أوقاتهم، أما من سواهم من الناس فهم يزدرون من يكثر الضحك، ويحتقرونه، ويقللون من شأنه في المجتمع.
والبعض منهم يتباهى بالوقوع في بعض المعاصي دون حياء وخجل، وهذا مخالف لخلق المسلم الذي يخاف الله تعالى، فليحذر الذي يقع منه ذلك وليعمل على ستر نفسه، ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المجاهرة بالذنب في قوله (كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملاً بالليل ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه)(متفق عليه).

والبعض تمر عليه الساعات في المجالس ولا تسمع منه كلمة ذكر لله تعالى أو الاستغفار، وهؤلاء قد غفلوا عن عيوبهم وذنوبهم، ويحتاجون إلى الرجوع إلى مولاهم وخالقهم، وأن يكثروا من التوبة والاستغفار بين يديه كي يغفر لهم تقصيرهم وزللهم، وحتى يوفقهم لما فيه خير لهم في العاجل والآجل.

ووصيتي الأخيرة إلى أولياء أمور الشباب أن يحرصوا على أبنائهم بعدم تركهم للفراغ القاتل، وأصحاب السوء، فهم بذلك يتسببون في ضياعهم بأيديهم، وليعينوهم على الخير، ويعلمونهم الأخلاق الطيبة الحسنة، ويجعلونهم مقتدين بقدوة الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ففي ذلك الخير لهم في الدنيا والآخرة. ويكفي شرفاً لكل والد ربى ابنه تربية حسنة قول النبي صلى الله عليه وسلم (ما نحل والد ولدا من نحلٍ أفضل من أدب حسن)(رواه الترمذي وضعفه الألباني في سنن الترمذي).

أسأل الله جل وعلا أن يصلح شبابنا، وان يجعلهم قرة عين لوالديهم، وأن يوفقهم لكل خير، وأن يحفظهم من كل سوء وشر.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين.

اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. الموافق: 9-2-1429هـ