خطبة بعنوان: (يوم عاشوراء) بتاريخ 8-1-1431هـ

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله المتصرف في الأمور يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون وراقبوه واعملوا بطاعته واحذروا من معصيته فالدنيا دار عمل والآخرة دار حساب وجزاء.

أيها المؤمنون إن خير بداية للمسلم في عامه الجديد أن يبدأه بالصيام، فالصيام من أفضل الأعمال الصالحة، وهو ترويض للنفس، وكبح لجماحها، وهو سياج يحميها من الشهوة العاجلة والنزوة الطائشة، ويكفي ما جاء في الحديث القدسي (الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)(رواه البخاري).

وإذا وقع الصيام في شهر الله المحرم اجتمع للصائم فضل الصوم وشرف الزمان، وصدق الحبيب المصطفى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم القائل: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم)(رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ج1 رقم1016).

ولئن قعدت بنا الشواغل وصرفتنا عن صيام هذا الشهر فلا نعجز عن صيام اليوم العاشر من هذا الشهر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (..وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)(رواه مسلم).

وهذا اليوم العظيم يوم نجى الله فيه نبيه موسى عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين وأهلك فرعون ومن معه من الكافرين ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يعظمون هذا اليوم لأنه يوم الانتصار لموسى عليه الصلاة والسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: («فنحن أحق وأولى بموسى منكم»، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه)(رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم).

وروى الإمام أحمد (أنه اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً).
وقد جاء من حديث عائشة رضي الله عنها قالت (كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه)(رواه البخاري).
وفي آخر حياته صلى الله عليه وسلم أُمر بمخالفة أهل الكتاب فقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)(رواه مسلم).

ومراتب صيام يوم عاشوراء ثلاث، وقيل أربع:
الأولى صيام ثلاثة أيام، وهي التاسع والعاشر والحادي عشر، وبهذا يتحقق صيام ثلاثة أيام من الشهر، وتتحقق مخالفة أهل الكتاب في صيام عاشوراء.
الثانية صيام التاسع والعاشر.
الثالثة صيام العاشر والحادي عشر.
الرابعة صيام العاشر فقط.

وحيث أن شهر محرم هذا العام بدأ يوم الجمعة، فهذا اليوم الثامن وغداً هو اليوم التاسع، فيكون الصيام في يومي السبت والأحد ومن رغب أن يصوم يوماً واحداً فقط فيصوم يوم الأحد.

عباد الله إن نصر الله للحق والمؤمنين الصادقين وانتقامه سبحانه من الباطل وحزب الشيطان المستكبرين في كل زمان ومكان هو نصر لكل مؤمن وثبات للحق وإذلال للباطل ونعمةٌ من أجلِّ النعم تتجدد على المؤمنين، يقوى بذكراها الإيمان، ويتمكن اليقين من عباد الله الصادقين، فمهما استحكمت الشدائد وعظمت الخطوب فا الله جل وعلا عنده الفرج القريب، وصدق الله العظيم: [إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ] (غافر: الآية 51).

وقال تعالى: [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ] (الأنبياء: الآية 105).
أيها المؤمنون وفي قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون عبرة للمعتبرين لأنها تدل دلالة واضحة على أن النصر للمؤمنين مهما طال ليل الظالمين.

فقد نصر الله نبيه موسى وأتباعه وهم على الحق، وأغرق فرعون وقومه وهم على الباطل، وقد أخبرنا الله عن ذلك في قصص كثيرة في القرآن ومن ذلك قوله تعالى: [قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى] (سورة طه: الآيات57، 58، 59، 60).

وقال تعالى: [فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى *قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى] (سورة طه الآيات 67، 68، 69، 70).
وظهرت المعجزة لموسى بهذه العصا التي تحولت إلى حية تبتلع ما أمامها من عصي السحرة وحبالهم وهم ينظرون، وهذا كله بمنظر أمام الناس في تجمع عظيم أراد به فرعون إعلان ظلمه وجبروته وطغيانه، لكن الأمر لله من قبل ومن بعد، أمره كن فيكون.

وقد نصر نبيه موسى عليه الصلاة والسلام وقلب كيد فرعون عليه أمام جنده وأعوانه، فأذله في يوم كان فرعون يريد إظهار عزته وقوته، وفي هذا اليوم العظيم عاشوراء نصر الله عبده موسى بإغراق فرعون وقومه ونجاة موسى ومن معه من المؤمنين قال تعالى: [وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ] (الشعراء: الآيات 64، 65، 66).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين أحمده سبحانه على ما اختص به بعض الأوقات من مزيد الفضل، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالخلق والتدبير، يعز من أطاعه ويذل من عصاه، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله إمام المتقين وخيرة الله من خلقه أجمعين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من العمل الصالح في هذا العام الجديد، فالأيام مطايا تنقلكم إلى الدار الآخرة، وفي كل يوم نشيع غادياً حتى يأتينا الأجل، والله جل وعلا حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، يفني الخلائق كلهم ويبقى الخالق العظيم: [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ] (الرحمن: الآيتان 26، 27).

أيها المؤمنون: ومع تنوع وسائل الاتصالات المسموعة والمرئية يكثر ظهور البدع التي يقع فيها بعض المسلمين وخاصة في نهاية كل عام أو بدايته، والغالب أن تلك البدع يكون قصد مروجيها حسناً لكنهم يقعون في المخالفة الشرعية، قال صلى الله عليه وسلم: (منْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)(رواه مسلم)

ومن هذه الأمور إرسال رسائل الجوال التي فيها ختم العام بالاستغفار أو طلب العفو والصفح، أو الأمر بالصيام والدعاء، وكذلك الإشارة إلى أن صحيفة العام تطوى ويرتب على ذلك ختم الصحيفة بكذا وكذا، والأعظم من ذلك أن يأخذ المتصل أو المرسل للرسالة عهداً على من تصله أن يرسلها إلى عدد آخر، فهو هنا يلزم بالبدعة ويأخذ العهد على نشرها عياذاً بالله.

وآخر ما مرَّ معنا جميعاً حملة الاستغفار التي أخذ الناس ينشرونها دون سؤال لأهل العلم فوقعوا في المحذور الشرعي. والقاعدة في مثل هذا: (أن تقييد العبادة بزمان أو مكان لم يرد فيه نص شرعي يعتبر من البدع).
فاحرصوا أيها الإخوة على نشر السنة وإماتة البدعة، واحذروا أن يتسلل إليكم من يروجون للبدع ويظهروا لكم أن هذا عمل صالح فتعينونهم من حيث لا تشعرون.
جعلنا الله وإياكم من أنصار دينه وحماة شريعته، وحفظنا وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

هذا وصلوا وسلموا على صاحب اللواء المعقود والحوض المورود محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا، اللهم أدم علينا نعمة الصحة والعافية.
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو ولاة أمرنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً.
اللهم أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم أسق به البلاد والعباد واجعله زاداً للحاضر والباد.

[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل: الآية 90). ـ وأقم الصلاة ـــ.

الجمعة: 8-1-1431هـ