خطبة بعنوان: (المظاهرات إثارة للفتنة وكفر بالنعمة) بتاريخ 13-4-1432هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل في محكم التنزيل [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ](النساء الآية59)، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل في سنته (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) (رواه البخاري ومسلم)، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتعاونوا على البر والتقوى واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا.
أيها المؤمنون كثر حديث الناس حول المظاهرات والاعتصامات وكثرة الكتابات والتحليلات وفي هذه الفتن إندس بعض المغرضين ممن لا يريدون لنا ولا لبلادنا ولا لقيادتنا خيراً فراحوا يروجون لبعض الأكاذيب والإشاعات ويحشدون أفكارهم ويراهنون على حماقتهم ولأن الله أخذ العهد على أهل العلم أن يبينوا ويوضحوا ولا سيما في أوقات الفتن.
لذا سيكون حديثي معكم في هذه الخطبة حول هذا الأمر لبيان خطورته وكيف يسلم المسلم من الوقوع في الفتنة فأقول مستعيناً بالله.
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)(رواه مسلم).
العلاج لعلل المسلمين وأدوائهم هو الاجتماع على الحق والخير والانتصار للسنة ومحاربة البدعة وقمعها والإعراض عن مثيري الفتن الساعين لتفريق صف المسلمين قال ابن سعدي: (ثم أمر الله بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال أمرهما الواجب والمستحب واجتناب نهيهما وأمر بطاعة ولي الأمر وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكام والمفتين فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم طاعة ورغبة فيما عنده ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) انتهى كلامه.
وقد تضافرت النصوص الصحيحة الصريحة التي تدل على وجوب الطاعة والانقياد ولزوم جماعة المسلمين وحرمة الخروج عليهم ومن هذه النصوص ما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)(رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك)(رواه مسلم).
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني) (رواه البخاري ومسلم).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الهل صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)(رواه مسلم).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)(رواه البخاري ومسلم).
وعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)(رواه مسلم).
أيها المؤمنون هذه النصوص الصحيحة الصريحة وغيرها تفيد بمجموعها وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله وعدم إثارة الفتن مهما كان الدافع لها وتوجب الحرص على الجماعة ولزومها والنهي عن الفرقة لأن فيها خذلان الأمة وضعفها وهذا هو منهج سلف الأمة الذي ساروا عليه وأكدوه فيما نقل عنهم من كلام حول هذه النصوص وهذا المنهج وسط عدل يقوم على أساس الإتباع وعدم الابتداع والطاعة بالمعروف وهذا مقتضى الأثر وقد أكد ذلك سلف هذه الأمة تطبيقاً عملياً لهذا المنهج.
أجل إن وجود الحكام للناس أمر لازم لزوم الماء للحياة إذ لا سعادة لبشر إلا بهم ولا عدلاً قائماً ولا حقاً ظاهراً إلا بسلطان الحكام فالناس فوضى بدونهم ولن يصلح الناس فوضى لا تقام فيهم أحكام الشرع ولا تطبق عليهم حدود الإسلام.
ولا تنفذ أنظمته ولا يأمن الناس على حياتهم ولا تُحققُ رفاهية ولا يدفع عدو طامع مع هذه الفوضى.
إن تاريخ العلماء والحكام حافل بمواقف الاستبصار ومملوء بالدروس النافعة والأمة اليوم أحوج ما تكون إلى الاتعاظ بهذه المواقف والاهتداء بهديها لئلا تتجاذبها رياح الفتن وتغتالها غوائل الدهر وتقع في المحذور الذي وقعت فيه فئات من الناس جهلت التاريخ المضيء لأمة الإسلام وما كان عليه العلماء الصادقون من معاملة مع الحكام وما كان عليه الحكام المسلمون من تقدير للعلماء ومعرفة لجهودهم وها هي اليوم أيها الإخوة تتكرر هذه الصورة في بلادنا من تلاحكم بين العلماء والحكام وسائر فئات الشعب في صورة لم يعرف الناس له مثيلاً في هذا العصر وتلك والله صفعة لأولئك الحاقدين الذين سعوا للفتنة وحرضوا عليها وكذبوا على أنفسهم وعلى غيرهم وضللوا في وسائل إعلامهم فإلى الله المشتكى من أقوام نذروا أنفسهم لخداع الناس وتضليلهم بكل ما يملكون من وسائل وتقنيات.

عباد الله يقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : (وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله) انتهى كلامه.
وإذا كانت الأمة مطالبة في كل وقت أن تكون يداً واحدةً وأن تتعاون كل فئات المجتمع على الخير والبر فإنها مطالبة في هذا الوقت أكثر لعظم الأخطار المحيطة بها.

أجل أيها الإخوة إن السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين أصل من أصول العقيدة عند المسلمين إذ بالسمع والطاعة لولاة الأمر تنتظم مصالح الدين والدنيا معاً وبالافتيات عليهم قولاً أو فعلاً فساد الدين والدنيا وقد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة هذا هو المنهج الراشد لأهل السنة والجماعة يعظمون أمر السلطان ما دام يعظم أمر الله ويتبع شرعه وأما حصول الأخطاء والتقصير فهذا لا يسلم منه أحد ولم تسلم منه القرون المفضلة بل إن الواحد منا في إدارته لبيته وأهله وأولاده يقع منه أخطاء وتقصير فكيف بمن يدير شئون البلاد كلها وكل هذه الأمور تعالج بالمناصحة الشرعية عن طريق المشافهة والمكاتبة والاتصال وهذا ما يفعله العلماء الصادقون في هذا البلد المبارك.

أيها المؤمنون وبهذا نعلم خطورة المظاهرات والاعتصامات وآثارها على البلاد والعباد إذ يحصل بسببها التعدي على الأنفس والأموال والممتلكات وما يصاحبها من الاختلاط والتبرج والسب والسخرية والظلم والغيبة وفيها هجر المساجد حتى الجمعة لا تقام أثناءها في المسجد وأخطر من ذلك وأعظم أن فيها خروجاً على ولي الأمر وافتياتاً عليه وإثارة للعوام واشتعال نار الفتنة وفيها إخلال بالأمن وهدم لاقتصاد البلاد وتعطيل للمصالح الخاصة والعامة وفيها فتح لباب الفساد وتسلل المجرمين والمغرضين الذين يسرهم الإخلال بالأمن وتطيب نفوسهم بزرع الفتنة ولذا لا يساورني شك أن المظاهرات بكل أشكالها وأنواعها محرمة ونصوص الكتاب والسنة تمنعها ولا سيما في بلادنا التي تحكم بشرع الله وتتحاكم إليه ويأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم فحذار حذار من دعوات المغرضين وتشويش الحاقدين وألزموا غرز العلماء وأصدروا عن رأيهم وكونوا يداً واحدة مع علمائكم وولاة أمركم واصفعوا بالوحدة فيما بينكم ولزوم الجماعة هؤلاء المجرمين الذين يريدون بكم شراً ويحرصون على تفريق صفكم والنيل من تماسككم فأنتم في معقل الإسلام ومأرز الإيمان ومنطلق الرسالة واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي امتن على عباده بالأمن في الأوطان فقال: [فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ](قريش الآيتان 3، 4)، وأشهد ألا إله إلا الله عظم بيته الحرام وجعل دم المسلم أعظم حرمة منه وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله المبعوث رحمة للعالمين وحجة على الكافرين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن بلاد الحرمين تختص بخصائص لا يشاركها فيها بلاد غيرها ومن هذه الخصائص والميزات:
1) وجود البيت العتيق فيها قبلة المسلمين في صلاتهم ومحط رحالهم في حجهم وعمرتهم.
2) انطلاق رسالة التوحيد منها إلى الثقلين في كل زمان ومكان فمنها بُعث خاتم الأنبياء والمرسلين ومنها انطلقت جحافل الإيمان تدعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
3) الحكم بتطهيرها من الشرك وأهله فلا يجتمع فيها دينان.
4) قيام دولتها على الدعوة إلى التوحيد ونبذ ما سواه.
5) تحكيم شرع الله وإقامة حدوده.
6) شعارها في رايتها الشهادتان وعدم تنكيس رايتها مهما كانت الظروف والأحوال.
7) خلو أرضها ولله الحمد من التماثيل والأوثان والأضرحة والمقامات التي تنتشر في سائر البلاد الإسلامية.
8) خلو المساجد في هذه البلاد المباركة من البدع التي تعج بها المساجد في غيرها من البلاد.
9) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعار معلن تفتخر به هذه البلاد وتتميز به على غيرها وله جهازه الرسمي كسائر أجهزة الدولة ويؤدي دوره على أكمل وجه وأتمه.
10) الأذان للصلاة شعار يرفع يومياً وتلتزم المؤسسات بإغلاق المحلات التجارية ويحاسب من يخالف هذه التعليمات كائناً من كان.
11) فصل الرجال عن النساء في قاعات الدراسة ومنع الاختلاط في المؤسسات العامة والخاصة.
12) فرض الحجاب الشرعي على النساء في الأماكن العامة والخاصة.
13) لا تمنح جنسية هذه البلاد إلا لمسلم وهذا أمر تفخر به هذه البلاد وشعبها وتتميز به على سائر بلاد الدنيا.

أيها المؤمنون هذه كلها خصائص وميزات لبلادنا المباركة وهذا ما يجعلنا نقرر وبكل وضوح لا لبس فيه حرمة المظاهرات فيها ورفع الشعارات الزائفة وإحداث الفتن والخروج على الجماعة فما دامت الشريعة هي المهيمنة وما دام الحكم بالكتاب والسنة وشعائر الإسلام ظاهرة معلنة والمسلم على ثرى بلادنا بأمن على نفسه وماله وعرضه فماذا يريد هؤلاء أيريدون أن يكونوا حاكمين على شرع الله أيريدون أن يغيروا دستور هذه البلاد أيريدون خلخلة الصف فيها فحسبنا الله ونعم الوكيل ونسأله أن يكفينا شرهم ويرد كيدهم إلى نحورهم.

إخوتي في الله وقد صدر بيان هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية حول المظاهرات وجاء فيه (لقد حافظت المملكة على هويتها الإسلامية فمع تقدمها وتطورها وأخذها بالأسباب الدنيوية المباحة فإنها لم ولن تسمح ـ بحول الله وقوته ـ بأفكار وافدة من الغرب أو الشرق تنتقص من هذه الهوية أو تفرق هذه الجماعة).
وجاء فيه (كما تحذر من الارتباطات الفكرية والحزبية المنحرفة إذ الأمة في هذه البلاد جماعة واحدة متمسكة بما عليه السلف الصالح وتابعوهم وما عليه أئمة الإسلام قديماً وحديثاً من لزوم الجماعة والمناصحة الصادقة وعدم اختلاق العيوب وإشاعتها).
وجاء في البيان (وبما أن المملكة العربية السعودية قائمة على الكتاب والسنة والبيعة ولزوم الجماعة والطاعة فإن الإصلاح والنصيحة فيها لا تكون بالمظاهرات والوسائل والأساليب التي تثير الفتن وتفرق الجماعة وهذا ما قرره علماء هذه البلاد قديماً وحديثاً من تحريمها والتحذير منها والهيئة إذ تؤكد على حرمة المظاهرات في هذه البلاد فإن الإسلوب الشرعي الذي يحقق المصلحة ولا تكون معه مفسدة هو المناصحة) انتهى ما جاء في البيان.

فاحرصوا أيها المؤمنون والمؤمنات على وحدة الصف وكونوا يداً واحدةً واحمدوا الله واشكروه على ما من به عليكم من نعمة الإسلام والإيمان واجتماع الكلمة وتحكيم الشرع واعلموا أن الكثيرين يحسدونكم على هذه النعم فليكن ردكم عليهم عملياً بالاجتماع وعمق الولاء لله ولرسوله ولولاة الأمر ولتكن بلادنا مضرب المثل للقاصي والداني في مثل هذه الأحداث العصيبة.
زاد الله بلادنا تمسكاً بشرعه وأتم علينا نعمة الأمن والإيمان وخذل الله أعداء هذه البلاد ورد كيدهم إلى نحورهم ووفق ولاة أمرنا لكل خير وجعلهم رحمة على شعوبهم.
هذا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والرسول المجتبى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسيلماً كثراً.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء هذا الدين وأعداء هذه البلاد يا رب العالمين، اللهم آمن المسلمين في أوطانهم واحفظ دماءهم وأموالهم وإعراضهم [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ](البقرة الآية201).
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم وارفع درجاتهم في الجنات.
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]. (النحل الآية 90).

الجمعة : 13-4-1432هـ