خطبة بعنوان: (شاب نشأ في عبادة الله عز وجل) بتاريخ 28/ 5/ 1433هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله النبي المجتبى الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي خير وصية لخير أمة أخرجت للناس. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: 102).

عباد الله: جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ يوم القيامة في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في ِالْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَن تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقِةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)(رواه البخاري ومسلم وغيرهما).
في هذا الحديث بيّن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كرم الله الواسع وفضله العظيم وشمول عنايته لعباده ورحمته الواسعة بهم. فلقد بَشَّرَ صلى الله عليه وسلم في أَصْنَافاً سَبْعَةً من المؤمنين يظلهم الله جل وعلا يوم القيامة في ظل عرشه.

ومن هؤلاء الذين خصهم الله جل وعلا بالاستظلال في ظله هذا الشاب المسلم القوي الممسك بأمر نفسه: هذا الشاب الذي عاش عابدًا لله، تاليًا لكتابه، متبعا لسنة نبيه ، غاضًا لبصره، حافظًا لجوارحه عما حرم الله، لم يستسلم للملهيات والمنكرات، بل عمر وقته في طاعة مولاه.

هذا الشاب إذا عَرَضَتْ له المعصيةُ وزَيَّنَهَا له الشيطانُ فإنه يَكْبَحُ جِمَاحَ نفسه ويخاف من الله ويمنعه دينه من ارتكاب أي معصية، ويُؤْثِرُ ما عند الله من حياة أبدية لا تَفْنَى على المتاع الزائل.
هذا الشاب الذي نشأ في عبادة ربه هو الذي يرى أقرانه في السهر واللهو والفساد وسائر الْمُتَعِ البهيمِيَّةِ، ويشتغل بعبادة ربه وطاعته ويسعى في الأرض لكسب المال الحلال وإنفاقه في الحلال.

فهنيئًا لشابٍ تَقِيٍّ تعلق قلبه بعبادة ربه واعتاد المساجد لتأدية الصلوات المكتوبة وللجلوس في مجالس الخير وعمل الصالحات وقراءة القرآن وذكر الله، وهنيئًا له إذا اغتنم شبابه قبل هرمه، وصحته قبل سقمه، وغناه قبل فقره، وفراغه قبل شغله، وحياته قبل موته، فمن علم أن الشباب ضيف لا يعود وفرصة إذا مرت لا رجوع لها شغل شبابه بطاعة الله، واستعان به على الصالح لدينه ودنياه وآخرته، ومن تعوّد الطاعة في صغره فإنه يفعلها قادرًا عليها في كبره، ومن أتبع نفسه هواها وقاده الشيطان بزمام الشباب إلى الذنوب والمهالك ندم حين يشيخ وَلاَتَ ساعةَ مَنْدَمِ إن بقي على ما هو عليه، وإن تاب فباب التوبة مفتوح، ويتوب الله على من تاب.

واعلموا رحمكم الله أن من أكرم الناس نفسًا وأَنْدَاهُمْ كَفًّا وأطيبهم قلبًا وأرقهم عاطفة وأصدقهم عزمًا ذلك الشاب المؤمن التقي الذي يُجِلُّ الكبير ويحترمه، ويَحِنُّ على الصغير ويرحمه، فلا تسمعه إلا مهنئًا أو معزيًا أو مشجعًا أو مسلِّمًا، ولا تراه إلا هَاشًّا باشًّا طَلْقَ الوجهِ مُبْتَسِمًا، يُحَلِّيهِ إيمانه بمكارم الأخلاق، ويبعده دينه عن طَيْشِ الصغر وإصرار الكبر، وجدير بشاب هذا شأنه أن يكون آمنًا إذا فزع الناس أجمعون، وأن يظله الله سبحانه وتعالى تحت ظل عرشه يوم القيامة،{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءامَنُواْ بِرَبّهِمْ وَزِدْنَـٰهُمْ هُدًى}(الكهف: 13).

وإنما أكرم الله هذا الشاب لأنه جاهد نفسه وهي عصية عليه في سبيل الله، وعبّدها لله، فمن السهل أن يتعبد الشيخ الهرم الذي أفنى عمره، أما أن يتعبد ويتقي الله شاب في فورة الشباب وريعانه فهذا سؤدد ما بعده سؤدد، وهذه عزيمة يحبها الله سبحانه.

ولقد كان للشباب في أزهى عصور الإسلام جولات عظيمة ومغامرات كريمة، كان فيها عزًّا للإسلام، ونصرًا لشريعة سيد الأنام، ورفعًا لعلم الدين خفاقًا، يحكي العزة، ويصوِّر المجد، ويُشعِر بالقوة.
والناظر في التاريخ الإسلامي يرى سيرة شباب من أبناء المسلمين تسر الخاطر، وتشرح الصدر، وتؤنس النفس، نعم إنها سيرة شباب آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، عرفوا الطريق الحق فلزموه، وابتعدوا عن طريق الباطل وهجروه، أبصروا القدوة فانقادوا إليها محبة ووفاءً واستجابة، تركوا الدنيا من أجل الآخرة، جاهدوا في الله حق جهاده فنالوا أعلى المراتب في الدار الآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ}(الصافات: 171ـ 173).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم،واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن من أمثلة الشباب الذين نشأوا في عبادة الله أولئك الشباب الذين يملئون المساجد والمدارس والجامعات، يطلبون العلم الشرعي، ويدعون إلى دين الله، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويلتحقون بحلقات تحفيظ القرآن الكريم.

وهذا شيء يُثلِج الصدر، فأمَّتنا لا يزال فيها الخير إلى يوم القيامة.
عباد الله: إن العامل الوحيد للأَخْذ بأيدي الشباب وقيادتهم إلى الخير، ليكونوا كما كان أسلافهم في عصر النور حماةَ الإسلام، هو التوجيه الصالح الرشيد، الذي يتضافر عليه البيت والمدرسة، والإذاعة والصحافة، والعلماء والخطباء والقادة؛ كل أولئك يجب أن تتضافر جهودهم لتوجيه الشباب إلى الخير، وقيادتهم إلى أقوم السُّبُل، في أقوالٍ تصدِّقها الأفعال، وفي عزائمٍ ثابتة، فالثبات على العزيمة يبلغ الآمال. أما مجرد التوجيه بأقوالٍ لا تصدِّقها الأعمال ولا تؤيِّدها الفِعال؛ فذلك ممَّا يمقته الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}(الصف: 2ـ 3).
فاتقوا الله عباد الله ووجِّهوا الشباب التوجيه الصالح الرشيد؛ وكونوا لهم قدوةً في توجيهكم، وأئمةً في هدايتكم؛ يصلح بكم أبناؤكم، ويرتفع بكم مجتمعكم.

هذا وإن مما ينبغي التنبيه عليه ما أقدمت عليه الفئة الضالة وهي (ما تسمى بالقاعدة) في اليمن من خطف نائب القنصل السعودي في مدينة عدن وقد نشر في وسائل الإعلام الاتصال الهاتفي الذي تلقاه سفير المملكة في اليمن من أحد أفراد القاعدة وإملائه شروطاً عليه من أجل الإفراج عن نائب القنصل ونحن من خلال هذا المنبر نقول إن اختطاف بني الإنسان من السفارات وغيرها، من الجرائم العظيمة العالمية، التي يترتب عليها من المفاسد الكبيرة، والأضرار العظيمة، والتضييق على الأبرياء وإيذائهم ما لا يحصيه إلا الله.

كما أن من المعلوم أن هذه الجرائم لا يخص ضررها وشرها دولة دون دولة، ولا طائفة دون طائفة، بل يعم العالم كله، وقد طلب المتصل الإفراج عن السجناء والسجينات وتسليمهم للقاعدة في اليمن، فهل كانوا أولياء أمورهم؟ وهل هم محارم لهن؟ وما الذي يترتب على تسليمهن لهم من المفاسد؟ ألا يخافون من الله؟ ألا يتذكرون يوم العرض عليه؟.
أيها المؤمنون: ولا ريب أن ما كان من الجرائم بهذه المثابة، فإن الواجب على الحكومات والمسئولين من العلماء وغيرهم: أن يعنوا به غاية العناية، وأن يبذلوا الجهود الممكنة لحسم شره، والقضاء عليه.

والواجب كذلك على الدولة التي يقع في يدها الخاطفون: أن تحكم فيهم شرع الله، لما يترتب على جريمتهم الشنيعة من الحقوق لله، والحقوق لعباده، والأضرار الكثيرة، والمفاسد العظيمة، وليس لذلك حل يقطع دابرها، ويحسم شرها إلا الحل الذي وضعه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، في كتابه الكريم، وبعث به أنصح الخلق وأفضلهم، وأرحمهم سيد الأولين والآخرين، محمدا عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، وهو الحل الذي يجب أن يفهمه الخاطفون والمخطوفون، ومن له صلة بهم وغيرهم، قال الله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33]

عباد الله: فما هو ذنب نائب القنصل؟ وكيف يدعي هؤلاء أنهم من أهل الخير؟ أي جريمة ارتكبوا؟ وأي فعلة شنعاء قاموا بها؟ إن العاقل يدرك حجم جريمتهم، فكيف يغتر بهم شباب الأمة الواعي الحصيف؟.
نسأل الله أن يفك أسره وأن يحفظه ويقيَه شرهم.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: ٥٦). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم ارحم ضعف إخواننا في سوريا، وارفع عنهم الظلم عاجلاً غير آجل، وفرج عنهم ما هم فيه من الضيق والهم والغم، اللهم عليك بمن ظلمهم، اللهم أطبق عليهم قبضتك وبطشك، ورجزك وعذابك، اللهم إنهم قد بغوا وطغوا، وأكثروا الفساد، فاللهم صبَّ عليهم سوط عذابك، اللهم خالف بين رأيهم وكلمتهم، اللهم شتت شملهم، وفرق صفهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعجل بوعدك ونصرك المبين، فإننا على ثقة ويقين، اللهم انصر جندك وكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.

اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم وفقهم لكل خير، ويسره لهم يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم رد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً، اللهم أصلح شبابنَا وبناتِنا، وأزواجَنا وذرياتِنا. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (البقرة).

اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما أفضت به علينا من بركات السماء، اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً، سحاً طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 28/ 5/ 1433هـ