خطبة بعنوان: الفوائد والآثار للتحصن بالأذكار) بتاريخ 13-2-1436هـ.

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي خلق كلَّ شيء فقدره تقديراً؛ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أنْ يذّكر أو أراد شكوراً؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أمر عباده بذكره بكرة وأصيلا؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه إلى العالمين بشيراً ونذيراً؛ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً}(الأحزاب:70، 71 ).
عباد الله: إن ذِكر الله من أجلِّ العبادات وأحبّها إلى عباد الله المؤمنين، {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم..}(آل عمران: الآية 191)، فهو حياة قلوبهم، وسعادة أرواحهم، وهو النهر الجاري الذي يسقيهم ويرويهم، وبدونه لا يستطيعون العيش في هذه الدنيا، كيف لا وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت)(رواه البخاري)، إنها نعمة عظيمة لا يستشعرها إلا من عاش بها وذاق حلاوتها، وتقلب بين ثمارها الطيبة. وهي من أعظم عوامل زيادة الإيمان وتقوية الصلة بالله الكريم المنان.
ولقد أمر الله جل وعلا عباده بذكره آناء الليل وأطراف النهار، وبالغدو والآصال، وحثّّهم على ذلك، لكي تزكو نفوسهم، ويقوى إيمانهم، ويزيد يقينهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً..}(الأحزاب:41، 42).
وقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم الذكر من أفضل الأعمال، قال صلى الله عليه وسلم لصحابته الكرام وأمته من بعده: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورِق (الفضة)، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟، قال: ذكر الله)(رواه ابن ماجه وصححه الألباني). ومن لازم ذِكر الله تعالى في كافة أحواله، لا تراه إلاَّ طيب النفس، صادق الوعد، سبَّاقًا إلى الطاعات، وقَّافًا عند حدود الله، قائمًا بأمره، مجتنباً نهيه، مُدبِرًا عن الدنيا، مُقبِلاً على آخرته.
عباد الله: إن من أسباب الضعف والوهن في علاقتنا بربنا جل وعلا إهمالنا للأذكار الشرعية التي شرعها الله لنا في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فصارت تلك الأذكار منسية مهملة عند كثير من المسلمين.
وإن من تمام رحمة الله بعباده ومنته عليهم أن شرع لهم تلك الأذكار ليدفع بها عنهم كل سوء ومكروه وشر، وقد جعلها مقترنة ببعض أعمالهم، لعلمه بضعفهم؛ وأنهم لا يملكون قوة ولا تحويلاً إلا به سبحانه.
ومن تلك الأذكار التي علمنا إياها رسولنا صلى الله عليه وسلم أذكارُ الصباح والمساء وغيرها من الأذكار الأخرى التي أمرنا بالتمسك بها، والمداومة عليها: ومن ذلك الأذكار التي تقال عند الأكل والشرب، والاستيقاظ والنوم، والطعام واللباس، ودخول المنزل والخروج منه، ودخول المسجد والخروج منه، وعند هبوب الرياح ونزول المطر، وعند السفر وركوب الدابة، وعند الفرح والحزن، والمرض والعافية، إلى غير ذلك من الأحوال اليومية التي يتعرض لها الإنسان ويعيشها حتى يكون موصولاً بالله جل وعلا، فينال سعادة الدنيا والآخرة .
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحافظ عليها، وكانت جزءاً من حياته اليومية الدائمة، كما ورد ذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل حال)(رواه مسلم).
عباد الله: ومن فضائل الذكر و فوائده عموماً وأذكار الصباح والمساء خصوصاً التي يقرأها المسلم في صباحه ومسائه، وعلى جميع أحواله ما يلي:
أولاً: أنها نعمة من أعظم النعم وأجلها، وبها يَحْصُلُ العبد على الذكر والثناء من الله تعالى، قال جل وعلا:{فاذكروني أذكركم..}(البقرة:152)، وفي الحديث القدسي(من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي..)(رواه البخاري ومسلم).
ثانياً: تحصيل نعمة انشراح الصدر وطمأنينة القلب، ومعية الله تعالى وذكره للعبد في الملأ الأعلى، قال الله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد:28).
ثالثاً: كفايةُ الله جل وعلا لعبده وحفظُه له، ووقايتُه من شياطين الإنس والجن.
رابعاً: تحصيل الأجور العظيمة المترتبة على هذه الأذكار، كتحرير الرقاب، وكتابة الحسنات، ومحو السيئات، والحرز من الشيطان.
خامساً: تفتح للعبد أبواب الخيرات والبركات والأرزاق.
سادساً: أنها تقوي صلة العبد بربه، واعترافه بنعمه المتوالية، وشكره له على تفضله وإحسانه.
سابعاً: إشعار العبد بأنه مفتقر إلى ربه، ومحتاج إليه، لا يستغني عنه طرفة عين.
ثامناً: أنها من أعظم الأسلحة وأقواها لدفع الشر قبل وقوعه، ورفعه بعد وقوعه.
تاسعاً: أنها قوت للقلوب والأرواح، فهي تورث في القلب السكينة والطمأنينة والراحة والسرور.
عاشراً: أنها من أعظم أسباب الحفظ والأمن والسلامة من شرور الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً}(الأحزاب: 41 ــ 44).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن من فوائد قراءة الأذكار والمحافظة عليها ما يلي:
الحادي عشر: أنها تطرد الشيطان من البيت، وتقمعه، وتكسره، وتضعفه.
الثاني عشر: أنها تزيل الضعف عن البدن، وتذهب الهم والغم عن القلب، وتجلب له قوة في البدن، وتفيض عليه بالفرح والسرور والبسط.
الثالث عشر: أنها تكسو العبد حلاوة ونضرة في الوجه، ومهابة بين الخلق، وسعة في الصدر، وقوة في الإيمان.
الرابع عشر: أنها تجلب له محبة الله، ونيل رضاه ورحمته، وعونه وتوفيقه.
الخامس عشر: أنها تورثه حسن الظن بربه، وقوة في توكله عليه، ويقيناً بأنه خير حافظ له.
السادس عشر: أنها تؤمِّن العبد من صفات أهل النفاق، فالمنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً.
السابع عشر: أنها غراس الجنة، وحصباؤها، ولبناتها.
الثامن عشر: أنها تذيب القسوة عن القلب، وتُليّن تحجر العين، وتعين البدن على القيام بمصالحه.
التاسع عشر: أنها من أعظم أسباب النصر على الأعداء.
العشرون: أنها تنفع صاحبها عند الشدائد، وتسهِّل عليه كل صعب.
الحادي والعشرون: أنها من أسباب نزول السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة .
الثاني والعشرون: أنها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار.. نسأل الله الكريم من فضله.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب:٥٦).

الجمعة: 13-2-1436هـ