لقاء المشرف العام مع جريدة الأنباء الكويتية

الخميس 9 جمادى الآخرة 1440هـ 14-2-2019م

أكّد عميد كلية الشريعة السابق في جامعة القصيم د.عبدالله بن محمد الطيار جواز عملية «التورق» التجارية على أصح أقوال العلماء، وأوضح أن القائم عليها يؤجر إذا أراد به التوسيع على المسلمين، محذرا في الوقت نفسه من توسع بعض البنوك الإسلامية في «التورق» الذي أوقع الناس بالمحظور عبر بيع سلع قبل قبضها، أو سلع وهمية غير حقيقية. وأشار إلى أن سقوط بعض الأسواق العالمية مؤخرا غير مستغرب، بل هو تأكيد للخبر الإلهي كون الربا لا ينمي المال وإنما ينقصه ويمحق بركته، لافتا إلى أن بعض عقلاء الغرب بدأوا ينادون بتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي المانع للربا كمخرج للأزمة الاقتصادية العالمية. وأكد الطيار ردا على من استنكر تحريم الترحم على الكفار والمشركين أنه على يقين بأن (الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، وألا جدال في أن من مات على الكفر فإن الجنة عليه حرام بنص الكتاب والسنة، كان ذلك ضمن لقاء أجرته «الأنباء» مع فضيلة الشيخ د.عبدالله الطيار وكيل وزارة الأوقاف السعودية السابق، والذي كشف فيه عن حبه العميق للكويت، وإعجابه الشديد بجدية طلبة العلم فيها، وفيما يلي تفاصيل اللقاء: 

ما تقييمك لمدى التزام البنوك الإسلامية اليوم بالضوابط الشرعية في تعاملاتها؟ 
٭ أشرت في رسالتي للدكتوراه قبل 30 عاما إلى أن البنوك الإسلامية كالمطافئ التي تطفئ الحريق، أوليست المطافئ تكسر وتتلف بعض الأموال والمنازل والأمتعة من أجل أن تطفئ النار، فكذلك البنوك الإسلامية هي مثل المطافئ تماما، وقد يكون في بعضها بعض الملاحظات، لكن هذه الملاحظات تتلافى في المستقبل بإذن الله، وحاليا بعض البنوك مازالت في الطريق السليم، لكن يخشى عليها ممن يميع بعض القضايا الاقتصادية ويأخذ بقول ضعيف أو قول شاذ من أجل أن يجيز هذه المعاملة أو تلك. 

التورق المصرفي 
هل تشير إلى أمثلة على هذا التمييع في بعض البنوك؟ 
٭ الأمثلة كثيرة، أهم مثال وهو الذي كنت أشرحه قبل أيام في دورة علمية في الكويت، وهي مسألة التورق المصرفي، فبعض البنوك بالغت في عملية التورق، ونحن وإن كنا مع الذين يرجحون جواز التورق، إلا أننا نجيز المنضبط منه بالضوابط الشرعية، وفي رسالتي للدكتوراه أشرت إلى أن هناك ثلاثة أقوال لأهل العلم في مسألة التورق، ورجحت ما رجحه شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمة الله عليه من جواز التورق، بل إذا احتسب من يتعامل بالتورق التوسعة على الناس ولم يأخذ ربحا باهظا فإنه يؤجر بإذن الله. 

سلع وهمية 
ما أبرز هذه الضوابط التي يخل بها الكثيرون في عملية التورق؟ 
٭ الضابط هو ألا يبيع السلعة قبل أن يقبضها، وأن تكون السلعة حقيقية وليست وهمية، لأن معظم التورق الآن عبارة عن سلع وهمية غير حقيقية، ولهذا أشرت في رسالة لي عنوانها «بيوع الصابون»، ومثلت بالصابون لأن كل الأسئلة التي وردتني حينها كانت عن الصابون، لكنها بالطبع تشمل بيوع السيارات وبيوع بطاقات الاتصالات والأسهم والمكيفات والجوالات وكل شيء، وقلت وأوضحت أن هناك من الناس من يبيع كراتين ليس فيها صابون، بل فيها أحيانا تراب أكرمكم الله، كما أنها لا تنقل ولا تحرك، وتباع وتشترى تحت مسمى التورق مع الأسف، وهؤلاء عندي أشد جرما ممن يتعاملون بالربا صراحة، لأن هؤلاء يتحايلون ويكذبون على أنفسهم، ويكذبون على الناس، ويكذبون على خالقهم سبحانه وتعالى، ويزعمون انهم يتعاملون بالحلال، بينما من يتعامل بالربا حقيقة يطأطئ رأسه لأنه يعرف أنه اتى منكرا عظيما. 

أزمة غير مستغربة 
ما تعليقك على الأزمة الاقتصادية، والتي لايزال العالم يعاني ويلاتها إلى اليوم؟ 
٭ أنا لا استغرب هذه الأزمة، ولا أستغرب سقوط بعض الأسواق العالمية، لأن الله جل وعلا أخبر أن الربا لا ينمي المال، وإنما ينقص المال ويتلفه ويمحق بركته، كما قال تعالى (يمحق الله الربا ويربي الصدقات)، الربا لا يزيد في المال وان كان البعض يرى زيادة أرقام فقط، لكنها في الواقع لا تزيد، الأزمة الاقتصادية طبيعية وعادية خاصة لمن لديه نظرة اقتصادية ثاقبة، والأزمة الاقتصادية هي أيضا نذير لبعض البلاد الإسلامية التي وقعت في هذا الأمر العظيم الخطير بأن تحتاط، وقد رأينا بعض عقلاء الغرب ينادي إلى الالتجاء للنظام الاقتصادي الإسلامي، لأنه المخرج الحقيقي من الأزمة. 

ما حكم ما تقوم به بعض الأسواق من عمل سحوبات على مشترياتها، خاصة أنها بدأت تصبح ظاهرة؟ 
٭ هذه أسميها الحوافز التشجيعية أو الجوائز أو الهدايا التشجيعية، ولها جانبان، جانب متعلق بصاحب المحل، وجانب آخر متعلق بالمستهلك أو الزبون، فأما الجانب المتعلق بصاحب المحل فهو ألا يزيد في قيمة السلعة، وألا يضر غيره، ولا يغش ويخدع ويقول هي ماركة متميزة وهي خلاف الواقع بل ماركة ساقطة، علما أن معظم من يضع هذه الحوافز يزيد من قيمة السلعة ليأخذ قيمة هذه الهدايا من قيمة السلعة التي رفع من سعرها، فإذا لم يرفع السعر ولم يغش ولم يكذب، ولم يشترط شراء سقف معين، بل منح فرصة دخول السحب كل من زار المكان، فأنا مطمئن إلى جوازه، وأنه لا شيء فيه. 
ويبقى النظر إلى الجانب الآخر، وهو جانب المستهلك والزبون، فنقول للزبون إن كنت جئت لهذا المحل تريد شراء هذه السلعة وأنت لست محتاجا لها وإنما تريد الدخول في السحب فقط، فستكون واقعا في المحظور، لأن لدينا قاعدة في المسابقات، «إذا كان فيها غنم أو غرم فلا تجوز»، و«إذا كان فيها غنم أو سلامة فلا إشكال في جوازه»، مثال ذلك لو أراد شخص أن يشتري لبنا، وهو لا يشرب اللبن ولا من حوله، يريد شراء اللبن ومن ثم يرميه، فهو إذن يكون قد خسر قيمة اللبن من أجل أن يدخل السحب، ففي هذه الحالة هو إما أن يغنم أو يخسر، ففي هذه الحالة لا تجوز، لكن لو جاء شخص ليشتري اللبن بقصد استخدامه وشربه، فبدلا من أن يشتري من عبدالله اشتراه من محمد، وإنما اشتراه من محمد بسبب ما لديه من حوافز، ودائما ما أمثل لطلابي بشراء البنزين، فلو أن صاحب محطة بنزين وضع هدايا علب مناديل، أو قال من يشتري 100 ليتر فله 10 ليترات مجانا، فلا إشكال في جوازه، لأن السيارة في كل الأحوال يلزمها البنزين، لكن بدلا من أن أذهب لمحطة (أ) أذهب لمحطة (ب)، لأن في محطة (ب) علب مناديل أو زيادة ليترات بنزين، وهذا القول أنا مطمئن له رغم أن بعض مشاءخنا يرى أن هذا لا يجوز. 

الترحم على الكافر 
شن بعض الجهلة بأقلامهم حملة على العلماء الذين أفتوا بتحريم الترحم على من مات مشركا، وذلك عقب وفاة مخترع «آبل» ستيف جوبز، فما تعليقك وتوجيهك في هذا الصدد؟ 
٭ هذه قضية معتقد، الله جل وعلا هو الحكم العدل، وأمرنا أن نعدل حتى مع الكفار، قال تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، و«شنآن قوم» أي بغض قوم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم تعامل مع الكفار بما اتفق عليه مع المشركين بعدل ودون أي إخلال، كما في مسألة صلح الحديبية وعهده الذي أبرمه مع اليهود، ثم أيضا إن الإسلام لا يبخس حق من كان له نفع للناس عموما، بل العكس، ولهذا قال أهل العلم «إن الله جل وعلا يعطي الكافر مقابل نفعه وخدمته نصيبه في الدنيا من صحة وعافية وسمعة ومكانة وغيرها»، ومن تسأل عنه قد أخذ نصيبه من الدنيا جزاء نفعه للناس، لكن السؤال هو: هل نترحم عليه إذا مات على الكفر؟ الإجابة لا، لا نترحم عليه، فرسولنا صلى الله عليه وسلم لم يترحم على أقرب الناس إليه ممن مات على الكفر، ونحن لدينا يقين أن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك، فإن ثبت أنه مات على الكفر فهذا لا جدال فيه، وهو أن الله حرم الجنة على من مات كافرا. 

ما رأيك فيما يسمى بالربيع العربي؟ هل هو فتنة ومؤامرة أم صحوة؟ 
٭ ما يحدث في عالمنا العربي كله أقدار من الله تعالى، وفيه جزء من الفتن فعلى المسلم أن يحتاط وألا يدخل فيها سواء بكلامه أو فعله أو قلمه، فالأمر ليس بالسهل، وعلماء كل بلد يفتون بشؤونهم الخاصة فهم أدرى بأبعاد الحوادث التي تلم بهم، وهذه قناعة عندي من قديم، وأخذت هذا القول من كلام شيخ الإسلام في قوله «يفتي علماء الثغور في مسائل الثغور»، فلا ينبغي للإنسان البعيد جدا أن يتكلم في حق بلد آخر وهو لا يدري ما الذي يدور فيه، ومن فضل الله على طالب العلم أن يكف عن الخوض في هذا، هذه قناعتي والتي قد لا ترضي بعض الناس. 

ما الآثار والعواقب المترتبة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ 
٭ إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة، وشعيرة جليلة لا يقوم بها على الوجه المشروع – قدر الاستطاعة – في غالب الأحوال إلى الكمل من الرجال، وخيرة خلق الله تعالى، فمن شرح الله له صدره، ويسر له أمره فقام به جهده فليحمد الله على جليل إنعامه وعظيم إحسانه، فكم فتح له من أبواب الخير، وهيأ له من أنواع البر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له ثمرات جليلة على الفرد والمجتمع والامة بأسرها وفيه من المصالح العظيمة ما لا يعلم بها الا الله تعالى، فمن الآثار المترتبة على القيام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر: 
1- بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر يعز الدين ويعم الصلاح: قال المولى جل وعلا: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم). 
2- بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ للنعمة واستقرار للملك: روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن معاوية بن سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ان هذا الامر – يعني الملك – في قريش لا يعاديهم احد الا كبه الله على وجهه ما اقاموا الدين» رواه البخاري. ففي تقييده صلى الله عليه وسلم بقاء ملك قريش باقامة الدين، دليل على انهم اذا لم يقيموا الدين فان الامر يخرج منهم الى غيرهم، وهذا وقع في بعض عصور الدولة الاسلامية عندما خالف الناس امر الله، وتنافسوا في الدنيا. 
3- بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون النصر على الاعداء: فان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه جهاد عظيم لصيانة الامة من اسباب الفساد، وهو قطع لدابر الاشرار والمفسدين في الارض فيسود الامن ويعم الرخاء، وتتوحد الكلمة، وتتحقق المودة، وتتأصل في قلوب المؤمنين الصادقين كراهية الباطل وعداوة اهله، فتتوجه الهمم لمحاربتهم، ووقاية المجتمع المسلم من شرهم نصرة لله، واعلاء لكلمته واظهارا لشعائر دينه، واذلالا لاعدائه. 
4- بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر تؤمن الفتن، وتأمن الامة من الهلاك العام، روي في الصحيحين عن ام المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول: «لا اله الا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وحلق باصبعيه الابهام والتي تليها، فقلت يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم اذا كثر الخبث»، يعني الفسوق والفجور، وفيه التنبيه على شؤم المعاصي والحث على انكارها. 
5- بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر يستجاب الدعاء: روى الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر او ليوشكن الله ان يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم» ذكره الالباني في صحيح الجامع وقال: حديث حسن. 

التعدي على العلماء 
نريد توجيها للامة الاسلامية حول ظاهرة التعدي على علماء الشريعة والحط من مكانتهم. 
٭ لحوم العلماء مسمومة، وان كانت الغيبة والنميمة والسب من الامور المحرمة، التي صورها الله تصويرا شنيعا عظيما ليبتعد الناس عنه، حيث قال تعالى (أيحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه)، فكيف اذا كان في العالم؟ فأنت اذا اسقطت العالم فانك لا تسقط شخص العالم وحده بل تسقط علم الشريعة الذي يحمل، تسقط الشريعة التي يحملها. 
والناظر لاحوال امة الاسلام في وقتنا الحاضر يرى مدى تقصير الناس في حق علمائهم، حيث اصبح الحديث عنهم فاكهة المجالس، والذم والقذف سمة بارزة عنهم، والتنقيص من قدرهم ظاهرة منتشرة بين بعض الناس، حتى اصبحت فئة من الناس زاهدين فيهم وفي علمهم، فهل يليق بالمسلمين ان يفعلوا ذلك مع من عظم الله شأنهم، وأعلى قدرهم، وأثنى عليهم، وأفاض عليهم من معين فضله. قال تعالى: (شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم)، يقول الامام الآجري مبينا فضل العلماء: «ان الله عز وجل وتقدست اسماؤه، اختص من خلقه من احب، فهداهم للايمان، ثم اختص من سائر المؤمنين من احب، فتفضل عليهم، فعلمهم الكتاب والحكمة وفقههم في الدين، وعلمهم التأويل وفضلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل زمان وأوان، رفعهم بالعلم وزينهم بالحلم، بهم يعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح، وقال عز وجل (واجعلنا للمتقين اماما)، قال محمد بن الحسين: وهذا النعت ونحوه في القرآن، يدل على فضل العلماء، وأن الله – عز وجل – جعلهم ائمة للخلق يقتدون بهم، وعن ابي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وان العلماء هم ورثة الانبياء، ان الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكنهم ورثوا العلم، فمن اخذه فقد اخذ بحظ وافر»، رواه ابو داود، وصححه الالباني في سنن ابي داود، وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «فقيه واحد اشد على ابليس من الف عابد»، رواه الطبراني، وقال الالباني في ضعيف الترغيب والترهيب ضعيف جدا، وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين»، متفق عليه. 
ان العلماء من افضل المجاهدين في سبيل الله بجهادهم بالحجة والبيان، وهو جهاد الائمة من ورثة الانبياء، وهو اعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان، لشدة مؤنته، وكثرة العدو فيه. قال تعالى: (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا)، يقول ابن القيم – رحمه الله: فهذا جهاد لهم بالقرآن، وهو اكبر الجهادين، وهو جهاد المنافقين ايضا، فان المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين، بل كانوا معهم في الظاهر، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم، ومع هذا فقد قال تعالى: (يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم). 

ولقد ظهرت في الآونة الاخيرة بوادر سيئة تنم عن وجود اقوام يقدحون في العلماء، ويتكلمون في اعراضهم، ويتحينون فرص الخطأ منهم كي يعظموها، ويستغلوها اسوأ استغلال لايجاد فجوة بينهم وبين عامة المسلمين. حتى لا يسمعوا لهم، ولا يأخذوا عنهم، ويأبى الله ذلك فالعلماء لهم مكانة خاصة في قلوب الناس فهم معروفون باخلاصهم وصدقهم وحرصهم على نفع المسلمين، وان القدح في العالم لا يتناول شخصه، بل يتعدى ذلك للعلم الذي يعلمه ويعلمه للناس، ولا يقدح فيهم الا «زنديق» كما قاله الامام احمد، واذا انتقص العالم وأهين، فمن يثق الناس به، واذا زالت ثقتهم بالعالم فعمن يتلقون الدين؟ ان الاساءة للعلماء ليست ذنبا في حقهم فقط، بل يتعدى ضررها للمجتمع، ومتى ما كان المجتمع يقدر العلماء فليبشر بالخير والسعادة، ومتى ما حصل العكس فلا تسأل عن حال الغنم بلا راع. 
فالعلماء لهم احترام ومنزلة ولا يجوز الطعن فيهم ولا تنقصهم حتى لو حصل من بعضهم خطأ في الاجتهاد، فهذا لا يقتضي تنقصهم، لانهم قد يخطئون، ومع ذلك هم طالبون للحق، قال النبي – صلى الله عليه وسلم: «اذا اجتهد الحاكم فأصاب فله اجران، واذا اجتهد فأخطأ فله اجر واحد»، متفق عليه، وهذا في حق العلماء وليس المتعالمين، لانه لا يحق لهم ان يدخلوا فيما لا يحسنون. 

لك عدة زيارات الى الكويت، فما رأيك في مستوى طلبة العلم فيها؟ 
٭ الكويت من البلدان التي احس بانشراح الصدر عند دخولها، ومثل هذا الكلام قلته في عام 1404هـ، حين جئت للمهرجان الخليجي الاول في جامعة الكويت وكنت رئيس وفد جامعة الامام في ذلك الوقت، وقد سررت كثيرا من طلبة العلم هنا، حيث وجدتهم من خلال الدورة العلمية التي حاضرت فيها في الجهراء قبل ايام مثالا للجد والمتابعة وتقييد العلم وعدم الانشغال عنه، نسأل الله ان يزيدهم من الايمان والهدى، وتبقى الكويت بلد احبابي وطلابي وأنا منهم واليهم. 

د.عبدالله الطيار في سطور هو ا.د.عبدالله بن محمد بن احمد بن عبدالمحسن الطيار، من اسرة الطيار العريقة في محافظة الزلفي في المملكة العربية السعودية، والتي تعود اصولها الى المدينة النبوية، ويتصل نسبها بجعفر بن ابي طالب الهاشمي القرشي، ولد في الزلفي عام 1373هـ. 

تخرج في كلية الشريعة بالرياض عام 1395هـ، وعين معيدا في قسم الفقه بكلية الشريعة بالرياض، ثم تحول الى مدرس بمعهد الزلفي العلمي، ثم رجع للدراسة في المعهد العالي للقضاء وحصل على الماجستير عام 1399هـ، وكان بحثه بعنوان «خيارا المجلس والعيب في الفقه الاسلامي»، ثم حصل على الدكتوراه في المعهد نفسه في نهاية عام 1401هـ، وكان بحثه بعنوان «البنوك الاسلامية بين النظرية والتطبيق». 

وكانت بداية طلبه للعلم منذ دخوله المعهد العلمي في صغره عام 1386هـ، وفيه استفاد كثيرا ممن درسه وعلى رأسهم استاذه وشيخه وخاله الشيخ عبدالله بن سابح الطيار رحمه الله، وخاله الدكتور ابراهيم بن سابح الطيار، والشيخ د.عبدالعزيز الرومي، والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الملا، والشيخ محمد بن سليمان الحمدان رحمه الله، ود.محمد صدقي البورنو، وكان اول شيوخه خارج الدراسة النظامية الشيخ عقيل العقيلي. 

وفي المرحلة الجامعية استفاد كثيرا من كبار العلماء وأساطين اللغة وعلى رأسهم الشيخ صالح العلي الناصر رحمه الله، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ صالح الاطرم رحمه الله والشيخ فالح بن مهدي رحمه الله، والشيخ عبدالرحمن البراك، والشيخ عبدالرحمن الدرويش، وفي تلك المرحلة حرص على التتلمذ على سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، والشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله، والشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، والشيخ عبدالله الغديان، وقد توثقت صلته بالشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وكان يخصه ببعض اللقاءات والدروس واستمرت علاقته به حتى وفاته عام 1420هـ. 
ثم بعد ان عين في الاحساء عميدا لكلية الشريعة والدراسات الاسلامية تتلمذ خلال وجوده في تلك الفترة من رجب عام 1401هـ الى ذي الحجة عام 1403هـ على ابرز علماء الاحساء في ذلك الوقت العالم الكبير الشيخ محمد بن ابراهيم المبارك رحمه الله، وبعد ان عين في القصيم عميدا لكلية العلوم العربية والاجتماعية نهاية عام 1403هـ تتلمذ على شيخه العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وتوثقت صلته به الى وفاته عام 1421هـ. 

أما حياة الطيار العملية فكانت كالتالي: بدأ معيدا في كلية الشريعة بالرياض ثم محاضرا ثم استاذا مساعدا في كلية الشريعة والدراسات الاسلامية بالاحساء التي عين عميدا لها خلال الاعوام 1401هـ الى نهاية عام 1403هـ، ثم عين عميدا لكلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم من ذي الحجة عام 1403هـ الى 1410هـ وبعدها اخذ اجازة تفرغ علمي ثم عين عميدا لكلية الشريعة بالقصيم عام 1413هـ ثم عين وكيلا لوزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد عام 1414هـ، ثم عين استاذا في كلية الشريعة بالقصيم ولايزال كذلك الى الآن. 

وللطيار مؤلفات عديدة تجاوز 50 مؤلفا، ومشاركات في عدة مؤتمرات ولقاءات صحافية، بالاضافة الى اقامة الدروس والدورات والمحاضرات العلمية، وعضوية اللجان والجمعيات والمجلات العلمية، وله موقع الكتروني خاص به هو «منار الاسلامwww.m-islam.net:» ومن خلاله يجيب عن اسئلة المستفتين، كما ان فيه نتاجه من كتب وخطب ومقالات ودروس.