كيف يحج المسلم ويعتمر من حين خروجه من منزله حتى يعود إليه

الأحد 12 جمادى الآخرة 1440هـ 17-2-2019م
تأليف:
أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
قرأه وقدم له وعلق عليه:
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
رحمه الله

 

تقريظ

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد اطلعت على ما كتب الأخ العلامة الدكتور/ عبد الله بن محمد الطيار في كتابه (كيف يحج المسلم ويعتمر)، وقرأته من أوله إلى آخره، فألفيته مؤلفاً قيمًا كثير الفائدة قد استوعب الكثير مما يحتاجه الحاج والمعتمر على ضوء الأدلة الشرعية.

وقد علقت عليه بعض الحواشي القليلة لتمام الفائدة.

ونسأل الله أن ينفع به المسلمين وأن يضاعف لمؤلفه المثوبة، ويزيدنا وإياه من العلم والهدى إنه جواد كريم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء
ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء
مقدمة
الطبعة الثانية والعشرون

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فهذه هي الطبعة الثانية والعشرون لكتاب (كيف يحج المسلم ويعتمر)، وإني أحمد الله تعالى على عونه وفضله وتوفيقه إذ طبع من هذا الكتاب ما يزيد على مليون نسخة ما بين طبعة خيرية وغيرها، وقد تمت ترجمته إلى عدة لغات وهذا من افضل الله وتوفيقه فله الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً على ما أولاه من تيسيره في طباعة هذا تالكتاب وغيره من الكتب وحصول نفع عظيم بذلك.

وأثني بالشكر لشيخنا الفاضل العلامة الراحل الشيخ: عبدالعزيز بن باز ـ رحمة الله عليه ـ وكما قال صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، فجزاه الله عني خير الجزاء على تعاونه وبذله من جهده ووقته وتوجيهه وتسديده وتقديمه للكتاب وثنائه عليه وعلى مؤلفه.

وأسأل الله بمنه وكرمه أن ينفع بهذه الطبعة كما نفع بسابقاتها وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه
أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
ضحوة الخميس: 11/10/1427هـ
الزلفي
المقدمة

إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران:102)، [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً](النساء:1)،(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً](الأحزاب:70،71).
أما بعد:

فقد يسر الله لي وضع كتاب يشمل أعمال الحج كلها، وقد فصلت فيه كثيراً من الأحكام، وبعد اطلاع بعض مشايخي وزملائي عليه طلبوا مني أن أفرد منه منسكاً يكون جامعاً لما يحتاجه الحاج وفق برنامج عملي يومي، مع بيان الملاحظات التي يقع فيها كثير من الحجاج، (فكان هذا المختصر)* استجابة لطلبهم، أسأل الله – جل وعلا – أن ينفع به، وأن يجعله ذخراً لي في موازين الأعمال [يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ](الشعراء:88، 89).

وإني أرجو صادقاً من كل أخ يطلع على هذه الرسالة أن يبدي لي ما يراه من ملاحظات، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ورحم الله امرءًا أهدى إلينا عيوبنا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
في مساء الإثنين: 19/5/1412 هـ الزلفي

تعريف الحج لغة واصطلاحاً:

الحج في اللغة: قصد مكة للنسك، وهو حاج وحاجج، والجمع: حجاج وحجيج، والحجة المرة الواحدة([1]).

وفي الاصطلاح: قصد البيت الحرام في زمن مخصوص بنية لأداء المناسك، من طواف، وسعي، ووقوف بعرفة، وغيرها.

الأصل في مشروعية الحج:

الحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام ودعائمه الخمس، وأحد الفروض الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، وهو فرض على المكلف المستطيع مرة واحدة في العمر، ومن أنكر فرضيته فقد كفر، إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ في بيئة بعيدة عن العلم وأهله.

فمن الكتاب:

قوله تعالى:[وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ](البقرة: 196)، وقوله تعالى:[وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ](آل عمران: 97).

ومن السنة:

ما رواه عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم ،: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً)([2]) .
وغيره من الأحاديث الدالة على فرضية الحج، وهي أحاديث عامة وخاصة، بسطنا القول فيها في غير هذا الموضع([3]).

الإجماع:

أجمعت الأمة قاطبة على وجوب الحج مرة واحدة في العمر على المسلم المكلف
المستطيع، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم كالكساني وابن قدامة- رحمهما الله تعالى-0

شروط الحج:

تكلم أهل العلم على شروط الحج وذكروا شروط وجوبه، وشروط أدائه وشروط صحته، لكن الذي عليه أهل العلم أن شروط (وجوب) * الحج خمسة هي:

(الإسلام ـ والعقل ـ والبلوغ ـ والحرية ـ والاستطاعة).

يقول ابن قدامة بعد أن ساق هذه الشروط الخمسة (…لا نعلم في هذا كله اختلافاً..)([4]).

فضل الحج:

أفاض القرآن و السنة في فضل الحج، ووردت فيه النصوص الكثيرة التي ذكرنا طرفاً منها فيما سبق ([5])، ونذكر هنا مالم نذكره هناك مما يختص في فضل الحج فنقول:

(1) الحج يهدم ما قبله:
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (… فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي، صلى الله عليه سلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال(مالك ياعمرو؟). قال: قلت: أردت أن أشترط، قال (تشترط (ماذا؟) * قلت: أن يغفر لي، قال: ( أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله..)([6]).

(2) الحاج يعود بعد حجه كيوم ولدته أمه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه سلم : (من حج هذا البيت؛ فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)([7]).

(3) الحج أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه سلم، أي الأعمال أفضل؟ قال (إيمان بالله ورسوله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (ثم جهاد في سبيل الله). قيل: ثم ماذا؟ قال: (ثم حج مبرور)([8]).

(4) الحج أفضل الجهاد:
عن عائشة رضي الله عنها _ قالت : قلت: يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ قال: (لا. لكنَّ أَفضلُ الجهاد حج مبرور)([9]).

(5) الحج المبرور جزاؤه الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه سلم ، قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)([10]).
ومن فضائل الحج أن الحجاج والعمار وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم، ونفقتهم في سبيل الله وهي مخلوفة عليهم، وهم معانون في أداء النسك، وأخيراً فإن الله يباهي بالحجاج ملائكته في صعيد عرفات، ويتجلى لهم ويقول: انصرفوا مغفوراً لكم، إنه لفضل عظيم ونعمة كبرى أن ينصرف الحاج من هذا الموقف العظيم مغفوراً له، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

آداب الحج:

للحج آداب كثيرة منها: آداب قبل السفر، وآداب أثناء السفر، وآداب أثناء تأدية أعمال الحج، وسأوجز أهم هذه الآداب فأقول:

(1) يستحب لمن أراد الحج أن يشاور من يثق بدينه وخبرته وعلمه في حجه هذا.

(2) يستحب لمن عزم على الحج أن يستخير الله _ سبحانه وتعالى _ وهذه الاستخارة لا تعود إلى الحج نفسه فإنه خير لا شك فيه، وإنما تعود إلى الوقت والرفيق والراحلة.

(3) ينبغي أن يتعلم ما يحتاجه من أحكام السفر والحج، فإن لم يتيسر له ذلك حرص على رفقة فيهم عالم أو طالب علم، فإن لم يتيسر ذلك أخذ معه من الكتب ما يفيده في هذا المجال.

(4) ينبغي لمن عزم على الحج أن يوصي أهله، وأصحابه فبل سفره بتقوى الله ولزوم طاعته.

(5) كما أن عليه أن يكتب وصيته، وما له وما عليه من الدين ويُشهد على ذلك.

(6) ويجب على من عزم على الحج المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب (لقول الله عز وجل)*:[وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ](النور:32).

(7) رد المظالم إلى أهلها،أو تحلله منها سواء كانت مظالم من نفس أو مال أو عرض.

(8) أن ينتخب الحاج لحجه أو عمرته نفقة طيبة من مال حلال، لما صح عنه صلى الله عليه سلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً..)([11])

(9) عليه أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله، والدار الآخرة، والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال، والأعمال في تلك المواضع الشريفة، ويحذر كل الحذر أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها، أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك.

(10) إذا ركب راحلته _ دابة أو سيارة أو طائرة _ فينبغي له أن يسمي الله، ويحمده، ويدعو بدعاء السفر، ثم يكثر من: الدعاء، والذكر، والاستغفار، والتكبير، والتسبيح، والتهليل.

(11) حفظ اللسان من: القيل والقال، وما لا ينفع في الحال والمآل، وكثرة المزاح واللعب، مما ضرره أكثر من نفعه.

(12) كف الأذى عن الرفقة، وبذل النصح لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، والحرص على الاستفادة من الوقت؛ لتشهد له هذه البقاع الطاهرة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

(13) الحرص على عدم أذى أحد من الحجاج؛ وخصوصاً حال الطواف والسعي ورمي الجمار.

(14) ينبغي للحاج أن يقوم بشعائر الحج على سبيل التعظيم، والإجلال والمحبة، والخضوع لله رب العالمين، فيؤديها بسكينة ووقار واتباع لرسول الله صلى الله عليه سلم.

(15) يجب على الحاج أن يتجنب: الرفث، والفسوق، والعصيان، والجدال لغير نصرة الحق، أما الجدال لنصرة الحق فهذا من باب الأمر بالمعروف، وقد يكون واجباً أو مندوباً حسب مقتضيات الأحوال.

(16) يجب على الحاج أن يحرص كل الحرص على أداء ما افترض الله عليه من صلاة مع الجماعة في أوقاتها، ونحن نرى تساهل كثير من الحجاج بهذا الأمر، فكيف يحج من لا يصلي، أو يتساهل بالصلاة حتى يخرج وقتها كلها؟! [فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور].

(17) يجب على المرأة ألا تسافر إلا مع ذي محرم، وما يفعله كثير من النساء من تساهلهن بالمحرم وذهابهن للحج والعمرة من دونه، فهذا معصية كبيرة ينبغي أن يَتُبْنَ إلى الله منها.

(18) كما ينبغي على النساء أن يتسترن ولا يتبرجن، وأن يحرصن على أداء مناسك الحج بكل حشمة وحياء، وليعلمن أن مزاحمة الرجال والاختلاط بهم من غير ضرورة أمر محرم.

(19) ينبغي على الحاج أن يتجنب ما يحدثه كثير من الناس من الكلام أو الفعل، الذي لا يليق بالمشاعر كقول بعضهم: رمينا الشيطان، أو رمي الجمرة بالحذاء وغيرها، أو السب والشتم للمشاعر، فهذا كله يناقض المقصود من رمي الجمار وهو إقامة ذكر الله تعالى.

(20) ينبغي على الحاج أن يحرص على نفع المسلمين والإحسان إليهم بالإرشاد والمعونة عند الحاجة، رائده في ذلك ودافعه قول الرسول صلى الله عليه سلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً([12]))([13]).

حجة النبي صلى الله عليه سلم
كما رواها جابر بن عبد الله رضي الله عنه

روى مسلم وغيره، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله _ وهو أعمى _ ..فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه سلم، فقال: بيده فعقد تسعاً فقال: إن رسول الله صلى الله عليه سلم، مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه سلم، حاج فقدم المدينة بشرٌ كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه سلم، ويعمل مثل عمله، فخر جنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه سلم، كيف أصنع ؟ قال: (اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي). فصلى رسول الله صلى الله عليه سلم في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه سلم، بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلَّ بالتوحيد: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك). وأهلَّ الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه سلم، عليهم شيئاَ منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه سلم، تلبيته.
قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ:[واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى].فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبي يقول: (ولا أعلمه ذكرها إلا عن النبي صلى الله عليه سلم) كان يقرأ في الركعتين: و[قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ] و[قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ]، ثم رجع إلى الركن فاستلمه.

ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ:[إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ..]، (أبدأ بما بدأ الله به). فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبَّره وقال : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات.

ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه فقال: (لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة)، فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبَّك رسول الله صلى الله عليه سلم، أصابعه واحدة في الأخرى وقال: (دخلت العمرة في الحج مرتين، لا بل لأبد أبد).

وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه سلم، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: إن أبي أمرني بهذا. قال: فكان علي يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه سلم، محرشاً على فاطمة للذي صنعت مستفتياً لرسول الله صلى الله عليه سلم، فيم ذكرت عنه فأخبرته أني أنكر ذلك عليها فقال: (صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج؟)، قال: قلت: اللهم إني أُهِلُّ بما أهلَّ به رسولك. قال (فإن معي الهدي فلا تحل). قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه سلم، مائة قال: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه سلم، ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه سلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقُبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه سلم، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع، فأجاز رسول الله صلى الله عليه سلم، حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإنَّ أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا! ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فُرشَكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون)؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكثها إلى الناس: (اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات). ثم أذَّنَ، ثم أقام، فصلى الظهر (ركعتين)*، ثم أقام فصلى العصر (ركعتين)*.

ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه سلم، حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه سلم، وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول مشيراً بيده اليمنى: (أيها الناس: السكينة السكينة) كلما أتى جبلاً من الجبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه سلم، حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جِدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلاً حسن الشعر(أبيض) * وسيمًا، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه سلم، مرت به ظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه سلم، يده على وجه الفضل، فحَوَّل الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله صلى الله عليه سلم، يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه سلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: (انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم). فناولوه دلواً فشرب منه.

وفي رواية لمسلم قال: ( نحرت ههنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم. ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف، ووقفت ههنا وجمع كلها موقف..)([14]).

وفي رواية لمسلم: عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه سلم، أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: (خذ) وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس..([15]).

وفي رواية لمسلم: عن جابر قال: رمى رسول الله صلى الله عليه سلم، الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس ..([16] ).

وفي رواية لمسلم: عن ابن عمر أن العباس بن عبد المطلب استأذن رسول الله صلى الله عليه سلم، أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له..([17]).

وفي رواية لمسلم: عن ابن عباس قال:كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه سلم : (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت…)([18]).

بعض ما يستفاد من هذا الحديث العظيم: (أعني حديث جابر رضي الله عنه)*:

يحمل هذا الحديث وصفاً دقيقاً لحجة المصطفى صلى الله عليه سلم، وهو أصل عظيم في بيان مناسك الحج، لأنه أجمع حديث ورد في بيان صفة الحج، (وسننه، وسنقف على جملة)* _ إن شاء الله _ مما يستفاد منه، موجزين ذلك إيجازاً بالغاً فنقول:

(1) إن حجة الوداع كانت سنة عشر من الهجرة.

(2) إن ميقات أهل المدينة ذو الحليفة.

(3) إن الحائض والنفساء تغتسلان وتعملان ما يعمله غيرهما (عند الإحرام)*غير ألا أنهما تطوفان بالبيت حتى تطهرا.

(4) يستحب أن يكون الإحرام بعد صلاة كما فعل صلى الله عليه سلم .

(5) عقد الإحرام بالتلبية (ويستحب) * أن يكون بعد استوائه على راحلته.

(6) التلبية عمل من أعمال الحج، ويستحب أن تكون شعار (المحرم) * حتى يصل البيت ويبدأ بالطواف.

(7) يستحب لداخل البيت محرماً أن يستلم (الحجر الأسود) *، إن استطاع شريطة ألا يؤذي أحداً بلسانه أو يده.

(8) ينبغي لمن يطوف طواف القدوم أن يرمل ثلاثة أشواط ويمشي أربعة.

(9) (يسن) *بعد الطواف أن يصلي ركعتين خلف المقام، (وإن صلاهما) * في أي مكان من الحرم (أجزأ ذلك) *، يقرأ في الأولى: [قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ]، و[قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ]. في الثانية.

(10) يستحب له بعد ذلك (أن يستلم الحجر إن تيسر) *ثم يذهب إلى الصفا ويتلو قوله تعالى:[إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ].سورة البقرة،الآية:158. (عند بدء السعي تأسياً بالنبي صلى الله عليه سلم)*،ثم يكبر ويهلل، ويحمد ثلاثاً، ويدعو بين ذلك (ثلاثاً) *، ثم ينزل متجهاً إلى المروة ويسرع سرعة شديدة بين العلمين، ثم يعاود المشي حتى يصعد المروة ويفعل مثل ما فعل على الصفا، ويتم سعيه سبعة أشواط؛ ذهابه شوط، ورجوعه شوط.

(11) من ساق الهدي (شرع له) * القران (بين الحج والعمرة، ويبقى على لإحرامه حتى يحل منهما جميعاً يوم النحر) * وأما من لم يسق الهدي ، فالمستحب في حقه أن يتمتع. (فيطوف ويسعى ويقصر ويحل ثم يحرم بالحج يوم الثامن من ذي الحجة) *.

(12) يستحب للحاج أن يذهب يوم التروية _ اليوم الثامن من ذي الحجة_ إلى منى ويصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.

(13) (يتوجه) * الحاج إلى عرفات من منى بعد طلوع الشمس (ملبين) *.

(14) يصلي الحاج في عرفات الظهر العصر جمعاً وقصراً في وقت الأولى ليتفرغ للدعاء.

(15) بعد غروب الشمس من يوم عرفة يدفع الحاج إلى مزدلفة (ملبياً*)، ويصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً حال وصوله إليها (بأذان واحد وإقامتين ويبيت بها) *.

(16) يدفع الحاج من مزدلفة إلى منى (ملبياً) * قبل طلوع الشمس، ويرمي جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات (ويقطع التلبية عند شروعه في الرمي ويشتغل بالتكبير) *.

(17) ينحر الحاج هديه؛ إن كان متمتعاً أو قارناً، بعد أن يرمي جمرة العقبة (هذا هو الأفضل) *.

(18) بعد نحر الهدي يحلق أو يقصر.

(19) يلزم الحاج المبيت بمنى ليالي أيام التشريق.

(20) يرمي الحاج الجمرات في أيام التشريق (بعد الزوال) *.

(21) يختم الحاج أعماله بطواف الوداع.

(22) يتضح لنا من حديث جابر الطويل أن أعمال الحاج هي:

(أ) الإحرام.
(ب) التلبية.
(ج) الطواف.
(د) السعي.
(هـ)(الخروج إلى منى يوم الثامن وهذا هو عمل القارن بين الحج والعمرة، وعمل المفرد في الحج، أما المتمتع الذي ليس معه هدي فإنه يحلق أو يقصر بعد السعي ويحل ثم يحرم بالحج يوم الثامن ويعمل ما تقدم من الوقوف بعرفة وما بعده ويسعى بعد طواف الإفاضة لحجه) *.
(و) الوقوف بعرفة.
(ز) المبيت بمزدلفة.
(ح) المبيت بمنى.
(ط) رمي (جمرة العقبة يوم العيد) *.
(ى) نحر الهدي.
(ك) (الحلق أو التقصير) *.
(ل) (طواف الإفاضة) *.
(م) (ثم يرمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر فقط إن تعجل، وإن لم يتعجل رمى اليوم الثالث عشر) *.

مواقيت الحج:

المواقيت التي وقتها الله للحج والعمرة نوعان:

ميقات زماني، وميقات مكاني.

فالميقات الزماني: بالنسبة للحج يبدأ من أول شهر شوال إلى العاشر من ذي الحجة. قال تعالى:[الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ](البقرة:197).

وميقات العمرة الزماني هو العام كله، فله أن يحرم بها متى شاء.

(والمواقيت المكانية للحج والعمرة) *: والميقات المكاني للحج والعمرة خمسة حددها رسول الله صلى الله عليه سلم، في أحاديث كثيرة، وهي:

(1) ذو الحليفة لأهل المدينة.
(2) يلملم لأهل اليمن.
(3) قرن المنازل لأهل نجد.
(4) الجحفة لأهل الشام.
(5) ذات عرق لأهل العراق.
وقد نظم بعضهم المواقيت فقال:

عرق العراق يلملم اليمني
***
وذو الحليفة يحرم المدني
والشام جحفة إن مررت بها
***
ولأهل نجد قرن فاستبن

ونظمها بعضهم مبيناً مقدار بعد كل منها عن مكة فقال:

قرن يلملم ذات عرق كلها
***
في البعد مرحلتان من أم القرى
ولذي الحليفة بالمراحل عشرة
***
وبها لجحفة ستة فاخبر ترى([19])

الدليل على هذه المواقيت الخمسة:

(1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقت رسول الله صلى الله عليه سلم،لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم قال (فهن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، لمن كان يريد الحج، أو العمرة. فمن كان دونهن فمهله من أهله، وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها)([20]).
وفي هذا المعنى أحاديث: عن ابن عمر، وعائشة، وجابر، وهي تفيد بمجموعها:
(أ) تحديد المواقيت بتحديد رسول صلى الله عليه سلم، لها في حديث ابن عباس، وغيره.
(ب) رفع الحرج لمن مر َّعليهن من غير أهلهن، أن يحرم من الميقات الذي يمر به، وإن كان غير ميقاته الأصلي، إذا كان يريد حجاً أو عمرة.
(ج) عدم تكليف من كان دون المواقيت من جهة مكة حيث جعل مهل إحرامه من مكانه.
(د) أهل مكة يحرمون من مكة للحج، ومن الحل للعمرة.
(هـ) يتضح من حديث ابن عباس وغيره، أن الناس ينقسمون بالنسبة إلى الميقات المكاني إلى ثلاثة أصناف.
(1) أهل الحرم: وهم الذين يقيمون بمكة مكيون كانوا أو غيرهم، ويلحق بهم من كان بمكة مقيماً بها أو غير مقيم.
(2) أهل الحل: وهم الذين مساكنهم داخل المواقيت الخمسة خارج الحرم، أي بين الحرم وبين الميقات وهم أقرب إلى مكة من غيرها.
(3) الأفاقيون: وهم الذين منازلهم خارج المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه سلم، وهي: ذو الحليفة، والجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وذات عرق.
و_من مر على الميقات غير مريد الحج أو العمرة لم يلزمه الإحرام، بل له أن يدخل إلى مكة غير محرم كمن جاء: للدراسة، أو التجارة، أو زيارة الأقارب، أو غير ذلك، لكن الأفضل له ألا يتجاوز الميقات إلا محرماً. والله أعلم([21] ).

أركان الحج:

أركان الحج المتفق عليها بين أهل العلم:
(1) الطواف.
(2) الوقوف بعرفة.
وزاد المالكية والحنابلة:
(3) الإحرام.
(4) السعي بين الصفا والمروة.
وزاد الشافعية على هذه الأربعة:
(5) الحلق أو التقصير.
(6) الترتيب بين هذه الأركان على الصحيح عندهم([22]).
(هذا القول فيه إجمال والصواب الفضيل وهو أنه لابد من الترتيب بين الإحرام وما بعده. أما الطواف والسعي فيجوز أن يتأخرا عن الوقوف بعرفة، ويجوز أن يتقدم السعي على الوقوف مع طواف القدوم كما فعل النبي صلى الله عليه سلم، في حجة الوداع مع العلم بأن طواف الإفاضة وهو ركن متفق عليه لابد أن يكون بعد الوقوف بعرفة، ولا يجزىء قبل ذلك، كما أنه لا يجوز تقديمه على نصف الليل من ليلة النحر إذا وقف بعرفة قبل ذلك، وبذلك يعلم أن طواف الإفاضة يشترط فيه أن يكون بعد الوقوف بعرفة، وأن يكون بعد نصف الليل من ليلة النحر. والله ولي التوفيق) *

واجبات الحج:

(1) الإحرام من الميقات.
(2) الوقوف بعرفة إلى الليل.
(3) المبيت بمزدلفة.
(4) والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق.
(5) رمي الجمرات.
(6) الحلق أو التقصير، وهو عند الشافعية ركن.
(7) طواف الوداع.

وزاد الحنفية: السعي بين الصفا والمروة وهو عند الثلاثة ركن.
وهناك أعمال أخرى محل خلاف بين الفقهاء منهم من عدها واجباً، ومنهم من عدها سنة([23])، وقد أوصل الحنفية واجبات الحج إلى نيف وعشرين([24]).

حكم من ترك ركناً من أركان الحج:

من ترك ركنا ًمن أركان الحج لم يصح حجه حتى يأتي به، ويبقى هذا الركن في ذمته لا يتم حجه حتى يؤديه كالطواف والسعي، فمن رجع إلى بلده ولم يطف بقي عليه الطواف إلى أن يعود إلى مكة ويؤديه، وبهذا تبرأ ذمته ويتم حجه.

أما الوقوف بعرفة فمن لم يقف في يوم عرفة وليلة العيد فليس له حج البتة، وعليه أن يجعل نسكه عمرة ويقضي حجه.

حكم من ترك واجباً من واجبات الحج:

إذا ترك المسلم واجباً من واجبات الحج لزمه أن يجبره بدم، وحجه صحيح إن شاء الله، لكن ينبغي للمسلمين ألا يتساهلوا في واجبات الحج، وأن يؤدوها على وجهها الصحيح كما أداها قدوتهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه سلم.

محظورات الإحرام:

هناك أمور محرمة على المحرم وغير المحرم لكن حرمتها على المحرم أغلظ وآكد، فيجب عليه أن يبتعد عنها، وأن يتحرز من الوقوع فيها مثل: الغيبة، والنميمة، والكذب، وقول الزور، وسماع المحرمات، والنظر المحرم ، والمشاتمة، والمخاصمة، والجدال _ في غير إحقاق الحق _ والفسوق وصدق الله العظيم:[فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ] (البقرة:197).

وأما محظورات الإحرام خاصة فهي على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما يحرم على الذكور والإناث وهو:

(1) إزالة الشعر من الرأس بحلق أو غيره، وكذا إزالته من سائر الجسد ولو نزلت شعرة على عينيه فأزالها فلا شيء عليه، وله حك رأسه برفق عند الحاجة.
(2) تقليم الأظفار من اليدين أو الرجلين، لكن لو انكسر ظفره وآلمه فله إزالته ولا شيء عليه.
(3) استعمال الطيب بعد الإحرام: في الثوب، أو البدن، أو غيرهما.
(4) الجماع ودواعيه: كعقد النكاح، والنظر بشهوة، والمباشرة لشهوة، والتقبيل، وغيره.
(5) لبس القفازين، وهما شراب اليدين.
(6) قتل الصيد وهو الحيوان الحلال البري المتوحش مثل الظباء والأرانب والحمام.

القسم الثاني: ما يحرم على الرجال دون الإناث فهو شيئان:

(1) لبس المخيط: وهو أن يلبس الثياب ونحوها على صفة لباسها في العادة كالفنيلة (والسراويل والقميص) * وغيرها. ويجوز للمحرم لبس ما يحتاجه كالسبتة وساعة اليد ونظارة العين.
(2) تغطية رأسه بملاصق كالعمامة والغترة والطاقية وغيرها. أما غير الملاصق كالخيمة والشمسية وسقف السيارة فلا بأس به، لأن الممنوع هو تغطية الرأس دون الاستظلال.

القسم الثالث: ما يحرم على الإناث دون الذكور:

يخص النساء شيء واحد هو النقاب وهو ستر وجهها مع وضع فتحة لعينها تنظر منها.

وهذه المحظورات تكاد تكون محل اتفاق بين المذاهب الأربعة([25]).

حكم من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام:

فاعل المحظورات السابقة له ثلاث حالات:

الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة، فهذا آثم وعليه الفدية.
الثانية: أن يفعل المحظور لحاجة إلى ذلك، فله فعل المحظور وعليه فديته.
الثالثة: أن يفعل المحظور وهو معذور؛ إما جاهلاً، أو ناسياً، أو مكرهاً فلا إثم عليه، وهل عليه فدية؟ محل خلاف بين أهل العلم.
والصحيح _ إن شاء الله _ أنه لاشيء عليه (إلا إذا كان فعل المحظور لمرض فإن عليه الفدية لحديث كعب بن عجرة) *.

مقدار الفدية:

الفدية تختلف باختلاف سببها، فأحياناً تكون لارتكاب محظور من محظورات الإحرام، وأحياناً تكون لترك واجب من واجبات الحج، وأحياناً تكون جزاء للصيد، وأحياناً تكون فدية للإحصار، وهذا تفصيلها:

(1) الفدية: في إزالة الشعر، والظفر، والطيب، والمباشرة لشهوة، ولبس الذكر للمخيط، ولبس القفازين، وتغطية رأس الذكر، والنقاب للمرأة؛ الفدية في كل واحد من هذه المحظورات، إما ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام، وهذه الفدية على التخيير، فمن ارتكب محظوراً من هذه المحظورات أن يختار واحداً من هذه الأمور الثلاثة، ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام.

(2) الفدية: لترك واجب من واجبات الحج كرمي الجمار، والمبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى، وطواف الوداع، والإحرام من الميقات، فهذا يلزمه دم، فإن لم يجد صام عشرة أيام: ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يتمكن من صيام الثلاثة في الحج صامها مع السبعة بعد رجوعه إلى أهله.

(3) جزاء الصيد: فإن كان للصيد مثل خُيَّر بين ثلاثة أشياء: إما ذبح المثل وتفريق جميع لحمه على فقراء مكة.

وإما أن ينظر كم يساوي هذا المثل ويخرج ما يقابل قيمته طعاماً يفرق على المساكين لكل مسكين نصف صاع.

وإما أن يصوم عن طعام كل مسكين يوماً، فإن لم يكن للصيد مثل خُيَّر بين شيئين: إما أن ينظر كم قيمة الصيد المقتول ويخرج ما يقابلها طعاماً يفرقه على المساكين لكل مسكين نصف صاع. وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً.

(4) دم التمتع والقران: يجب على المتمتع والقارن هدي، فإن لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

(5) فدية المحصر: يجب عليه هدي، فإن لم يجد صام عشرة أيام كالمتمتع والقارن.

(6) فدية الجماع ودواعيه: يجب على من وطء قبل التحلل الأول بدنة، فإن لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله([26]).

قال في مفيد الأنام ([27]) … والفدية على ثلاثة أضرب:

الضرب الأول: على التخيير وهو نوعان:

النوع الأول: منه ما يخير فيه المخرج بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع … أو ذبح شاة … وهي فدية حلق الرأس، وتقليم الأظافر، وتغطية الرأس من الذكر، ولبس المخيط منه، والطيب.

النوع الثاني: جزاء الصيد يخير فيه من وجب عليه بين إخراج مثل الصيد من النعم، أوتقويم المثل بدراهم ويشتري به طعاماً يوزعه على فقراء الحرم لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن طعام كل مسكين يوماً.

الضرب الثاني: من أضرب الفدية على الترتيب وهو على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: دم المتعة والقران، فيجب الهدي… فإن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله.

النوع الثاني: المحصر يلزمه الهدي، فإن لم يجد الهدي صام عشرة أيام قياساً على هدي التمتع بنية التحلل، ثم حل. (أي بعد الحلق أو التقصير) *.

النوع الثالث: فدية الوطء قبل التحلل الأول فتجب بذلك البدنة أو ما قام مقامها كالبقرة وسبع شياه؛ فإن لم يجد صام عشرة أيام: ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله.

الضرب الثالث: من أضرب الفدية: الدماء الواجبة لغير ما تقدم: كدم وجب لفوات الحج لحصر أو غيره … أو وجب الدم لترك واجب كترك الإحرام من الميقات … فيجب عليه دم كدم المتعة، فإن عُدم الهدي صام عشرة أيام.

برنامج عملي لمريد الحج مع بيان الملاحظات التي يقع فيها كثير من الحجاج
ويشتمل على مبحثين:المبحث الأول: برنامج عملي لمريد الحج وفق السنة المطهرة.
المبحث الثاني: ملاحظات يقع فيها كثير من الحجاج.
المبحث الأول: برنامج عملي لمريد الحج وفق السنة المطهرة من حين خروجه من بيته حتى انتهاء مناسكه([28]):

أولاً: ما ينبغي أن يفعله من على الحج قبل السفر:

(1) التوبة النصوح، ورد المظالم إلى أهلها.
(2) تعلم الأحكام التي يحتاجها في سفره، وأحكام الحج.
(3) اختيار الرفقة الصالحة.
(4) اختيار النفقة الحلال.
(5) وصية أهله وأصحابه بتقوى الله، وطلب دعائهم.
(6) كتابة وصيته وماله وما عليه من الدين.

ثانياً: ما يفعله الحاج أثناء سفره للحج:
(1) دعاء السفر حال ركوب الراحلة: من دابة، أو سيارة، أو طائرة.
(2) أن تُؤمِّر الجماعة عليها أميراً ويطيعوه، ويخدم بعضهم بعضاً.
(3) قصر الظهر والعصر والعشاء حال سفر، وإن جدَّ به السير جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
(4) استغلال الوقت بالذكر،والدعاء ،وتلاوة القرآن ،واستماع الأشرطة النافعة.
(5) كف الأذى عن الرفقة، وتجنب كثرة المزاح في الطريق، وعدم السرعة المؤدية إلى التهلكة.

ثالثاً: ما يفعله الحاج عند الميقات:
(1) إذا كان الحاج مسافراً للحج عن طريق الجو، وصعب عليه معرفة الميقات، أحرم قبله بمدة كافية ليتيقن أنه أحرم عند الميقات أو قبله، وهنا يعمل كل ما يعمله الواصل للميقات، من إزالة الشعر، وقص الأظافر، واغتسال، وطيب، وغير ذلك.
(2) إذا وصل الحاج الميقات، يستحب له أن يتنظف: بقص أظافره، وإزالة شعره، ثم يغتسل، ويتطيب.
(3) وبعد ذلك يلبس ثياب الإحرام، ولا بأس أن يتخذ حزاماً أو رباطاً لها يضع فيه ما يحتاجه من نقود وسواك ومفتاح سيارة وغير ذلك.
(4) لا حرج أن يلبس الساعة والنظارات وغيرهما، مما يحتاجه ولا يخل بإحرامه.
(5) إذا كان الوقت وقت صلاة فريضة فيصلي، ثم يعقد نية الإحرام بعدها، وإن لم يكن وقت صلاة فريضة صلى ركعتين بنية سنة الوضوء، ولا ينويهما للإحرام لأنه ليس للإحرام سنة ثابتة.
(6) يقول المتمتع في الميقات: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج([29])، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك لبيك، ويستمر على هذه التلبية بحيث تكون شعاره حتى يبدأ الطواف بالبيت.
(7) إذا كان الحاج خائفاً شُرع له أن يشترط فيقول: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وإن لم يخف مانعاً من نسكه لم يشرع له الاشتراط.

رابعاً: ما يفعله الحاج بعد وصوله إلى المسجد الحرام:
(1) إذا وصل الحاج المسجد الحرام قدم رجله اليمنى حال دخوله وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، (اللهم افتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم وبوجه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) ـ كسائر المساجد*ـ.

(2) يتجه مباشرة إلى المطاف ويستلم الحجر الأسود بيده اليمنى ويقبله، فإن لم يتيسر تقبيله قبَّل يده إن استلمه بها، فإن لم يتيسر استلامه بيده (استلمه بعصا إن كان بيده عصا وقبَّلها لفعل النبي صلى الله عليه سلم، فإن لم يتيسر أشار إليه وكبر ولا يقبلها) *.
(3) يقول عند استلام الحجر الأسود: بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه سلم.

(4) ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره ويبدأ من محاذاة الحجر من الخط الأسود والمحاذي للحجر، ويستمر في الطواف داعياً بما شاء (من الدعوات الطيبة ذاكراً الله سبحانه بأنواع الذكر) *، فليس هناك دعاء مخصوص (ولا ذكر مخصوص) *، حتى يصل الركن اليماني فيستلمه بيمناه (قائلاً: باسم الله والله أكبر) *، من غير تقبيل، فإن لم يتيسر استلامه فلا يشير إليه ولا يكبر (حذاءه لعدم نقل ذلك عن النبي صلى الله عليه سلم)*، ثم يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود _ أي في الجهة الجنوبية من الكعبة _:[ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار](البقرة:201).

(5) ثم يستمر في طوافه، وما مضى منه فهو شوط واحد ويكمل بعده ستة أشواط أخرى، يفعل فيها كما فعل في الأول، يكبر في أول كل شوط بمحاذاة الحجر الأسود قائلاً: الله أكبر، وفي آخر الشوط السابع (يكبر كما كبر في الأول، لأن النبي صلى الله عليه سلم، كان يكبر كلما حاذى الحجر الأسود في جميع الأشواط، ثم) * يدعو بما شاء ويذكر الله، ويتلو القرآن، ويسأل الله من فضله لنفسه وولده، ومن شاء من قريب وصديق (في جميع الطواف) *، لأن فضل الله واسع.

(6) في طواف الحاج الأول أول ما يقدم إلى البيت (يسن) * أن يفعل شيئين:

(أحدهما) *: الاضطباع من أول الطواف إلى آخر الشوط السابع منه: وصفة الاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فإذا انتهى من الشوط السابع أعاد رداءه على كتفيه وصدره، وينبغي ألا يصلي ركعتي الطواف وهو مضطبع، لأن الاضطباع محله الطواف فقط.

(الثاني) *: الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى:
والرمل: إسراع المشي مع مقاربة الخطوات، وأما بقية الأشواط وهي الأربعة الأخيرة فيمشي فيها مشياً كعادته، وهنا ينبغي أن ينتبه الحاج أنه يحرم عليه أذية إخوانه بالمزاحمة، فإن لم يتيسر له الرمل لشدة الزحام (سقط عنه) *.

(7) بعد إتمام الطواف يتقدم إلى مقام إبراهيم ويصلي ركعتين جاعلاً المقام بينه وبين الكعبة يقرأ في الأولى بعد الفاتحة:[قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ]. وفي الثانية بعد الفاتحة:[قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ]. فإن لم يتيسر له الصلاة خلف المقام لشدة الزحام صلى في أي مكان من المسجد، ثم يرجع إلى الحجر الأسود ويستلمه إن تيسر له ذلك.

(8) بعد نهاية الطواف وصلاة ركعتي الطواف واستلام الحجر إن تيسر، يتجه إلى زمزم ويشرب منه ويتضلع، ويدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة.

(9) ثم يتجه إلى المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ قوله تعالى:[إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ](البقرة:158). ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها، ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو قائلاً: لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بعد ذلك بما شاء من خيري الدنيا والآخرة _ ويكرر هذا ثلاث مرات _ ثم ينزل ماشياً متجهاً إلى المروة، حتى يصل إلى العلم الأخضر (فيرمل) * بين العلمين (رملاً) * شديداً، شريطة ألا يترتب عليه إيذاء أحد من إخوانه المسلمين، ثم إذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته، حتى يصل إلى المروة فيرقى عليها ويستقبل القبلة ويرفع يديه، ويقول ما قاله على الصفا، وهذا شوط واحد يأتي بعده بستة أشواط أخرى، يفعل فيها ما فعله في الشوط الأول: من دعاء، ومشي، (ورمل) *، ويقول في سعيه ما شاء: من ذكر ودعاء، وقراءة كل حسب استطاعته.

(10) فإذا أتم سعيه حلق([30]) رأسه كله أو قصره كله، والحلق أفضل إلا لمن اعتمر في أيام الحج فالأفضل له أن يقصر ليحلق في الحج. وإن كانت امرأة قصرت من كل ضفيرة قدر أنملة.

(11) إذا حلق الحاج المتمتع أنهى عمرته، فيتحلل([31]) ويخلع ثياب الإحرام ويلبس ثيابه العادية، وله أن يفعل ما يشاء مما كان ممنوعاً منه حال الإحرام من لباس وطيب ونكاح وغير ذلك.

(12) للحاج أن يبقى حيث شاء خلال الفترة بين العمرة والحج، فإن شاء بقي في منى، وإن شاء بقي في مكة أو في أي مكان آخر، ويمارس ما شاء من بيع وشراء وغير ذلك مما أباحه الله.

خامساً: ما يفعل الحاج يوم التروية:

(اليوم الثامن من ذي الحجة):

(1) إذا كان يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة (شرع للمحلين بمكة من العمار وغيرهم ممن يريد الحج، الإحرام([32])* بالحج قبيل صلاة الظهر من مكانه الذي هو فيه: منى أو مكة، أو غيرهما.

(2) يفعل الحج عند إحرامه بالحج يوم الثامن ما فعله عند الإحرام من الميقات من النظافة وإزالة الشعر والاغتسال والطيب.

(3) بعد ذلك ينوي الحج ويلبس (ملابس الإحرام ثم يلبي) * قائلاً: لبيك حجاً، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك.

(4) إن كان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام الحج شرع له أن يشترط قائلاً: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وإن لم يكن خائفاً من عائق لم يشترط.

(5) ثم يصلي في منى: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر قصراً من غير جمع، وفي منى ومزدلفة وعرفة يقصر أهل مكة وغيرهم لأن النبي صلى الله عليه سلم، (لم يأمر أهل مكة الذين حجوا معه) * بالإتمام في حجة الوداع.

سادساً : ما يفعله الحاج يوم عرفة (التاسع من ذي الحجة):

(1) إذا طلعت الشمس يوم عرفة، سار من منى إلى عرفة ونزل بنمرة _ الوادي الذي قبل عرفة _ إن تيسر له، وإن كان عليه مشقة في ذلك نزل في عرفة.

(2) إذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً في وقت الأولى، ليطول وقت الوقوف والدعاء حتى ولو وافق يوم عرفة يوم الجمعة فإنها تسقط عن الحاج (ولا يصلي بينهما ولا بعدهما شيئاً) *.

(3) بعد الصلاة يتفرغ للذكر، والدعاء، والتضرع إلى الله ويدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، ويستحب أن يرفع يديه حال الدعاء، ويستقبل القبلة.

(4) الأفضل أن يكون الجبل بينه وبين القبلة إن تيسر ذلك، وإلا استقبل القبلة ولو استدبر الجبل. لأن الرسول صلى الله عليه سلم يقول (وقفت ههنا وعرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة)([33] )

(5) يكون صعوده إلى عرفات ونزوله في مكانه بسكينة ووقار، وذكر وتلبية، ويبتعد عن أذية الآخرين ومزاحمتهم والتضييق عليهم.

(6) يشرع لولي الأمر أو نائبه أن يخطب الناس بعد الزوال خطبة تناسب الحال؛ يعلمهم فيها أحكام المناسك ويتعرض لواقع المسلمين، ويضع العلاج الناجح لمشاكلهم كلهم، ويركز على توحيد الله وإخلاص العبودية له، والابتعاد عن الشرك وأسبابه ودواعيه، ويحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويوصيهم بتقوى الله وتوحيد الكلمة والصف ونبذ الشقاق والخلاف، ويتعرض لغير ذلك مما يحتاجه المسلمون حسب أحوال الناس والزمان.

(7) يمتد وقت الوقوف بعرفة إلى طلوع الفجر من يوم العيد، فمن وقف بعرفة من ذلك ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه.

(8) على الحاج أن يتثبت من كونه داخل عرفة، فبعض الحجاج يجلسون في أدنى عرفة من جهة نمرة، وأحياناً لا يدخلون في حدود عرفة.

فعلى المسلم الحاج أن يتأكد بسؤال أهل العلم أو الاطلاع على أميال عرفة.

(9) ليس لعرفة دعاء مخصوص، بل على المسلم الحاج أن يتخير من الدعاء ما ورد في الكتاب والسنة وما أُثر عن سلف الأمة، فإن هذه الأدعية أجمع للخير وأحرى بالإجابة وأبعد عن الاعتداء في الدعاء.

(10) (يُشْرع) * للمسلم الحاج أن يعمَّ في دعائه نفسه وأهله وذويه وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، ويدعو الله أن يظهر الدين وينصر المسلمين ويخذل الكافرين والمنافقين في كل زمان ومكان.

من جوامع الأدعية المختارة: ([34])

(11) ومن الأدعية الجامعة النافعة التي ينبغي أن يدعو بها المسلم في عرفة ما يأتي: بسم الله الرحمن الرحيم [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ](الفاتحة)، (اللهم صلي على سيدنا محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد).

[رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ](البقرة:127. 128)

[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ](البقرة:201).

[رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ](البقرة:286)، [رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ](آل عمران:8) [رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ] (آل عمران:38)، [رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ](آل عمران:23)، [رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ](الأعراف:23)، [رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ](المؤمنون :109)، [وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ](الأعراف :156)، [رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً] (الكهف:10)، [رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي](طه:25 _ 29)،

[رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ](المؤمنون:97،98)، [رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً](الفرقان:65_66)، [رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً](الفرقان:74)، [رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ](الشعراء:83 _85)، [رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ](الحشر:10)، [رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ](التحريم:8).

(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير)، (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، (اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت)، (اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن. ولك الحمد، أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن. ولك الحمد، أنت الحق ووعدك حق وقولك ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، وعليك توكلت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت، و ما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت).

(اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر. اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل قلبي بماء الثلج والبرد، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والمأثم والمغرم)، (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم).

(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا ًوالحمد لله كثيراً وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)، (اللهم اقض عني الدين، وأغنني من الفقر، ومتعني بسمعي وبصري وقوتي ما أحييتني، واجعله الوارث مني).

( اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك لساناً صادقاً وقلباً سليماً، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم، وأستغفرك مما تعلم إنك أنت علام الغيوب).

( سبحان الله، والحمد لله ، ولا إله إلا الله، والله أكبر).

(اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر)، (أعوذ بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء)، (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن المأثم والمغرم، ومن غلبة الدين وقهر الرجال، أعوذ بك اللهم من البرص والجنون والجذام ومن سيء الأسقام).

(اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وأسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي).

(اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني من الفقر، اللهم اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأعذني من مضلات الفتن ما أبقيتني)، (اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، وإليك ربي مآبي، ولك ربي تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح، اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي لا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنوبي، أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته وفاضت لك عيناه وذل لك جسده ورغم لك أنفه. اللهم لا تجعلني ربي بدعائك شقيا، وكن بي رءوفاً رحيماً يا خير المسؤولين ويا خير المعطين).

(اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، (وفي عظمي نوراً، وفي لحمي نوراً، وفي عصبي نوراً، وفي دمي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً) *، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي لساني نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، واجعل في نفسي نوراً، اللهم أعطني نوراً، وزدني نوراً). أعطني نوراً وزدني نوراً).

(اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم لقائك. اللهم ثبتني بأمرك، وأيدني بنصرك، وارزقني من فضلك، ونجني من عذابك، يوم تبعث عبادك).

(اللهم لا تدع لي في هذا المقام ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا غائباً إلا رددته، ولا كرباً إلا كشفته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عدواً إلا كفيته، ولا فساداً إلا أصلحته، ولا مريضاً إلا عافيته، ولا خلة إلا سددتها، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضى ولنا فيها صلاح إلا قضيتها، فإنك تهدي السبيل وتجبر الكسير وتغني الفقير).

(اللهم إني أسألك باسمك الأعظم المبارك الأحب إليك، الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا استرحمت به رحمت، وإذا استفرجت به فرجت أن تعيذني من الكفر والفقر والقلة والذلة والعلة وكافة الأمراض والأعراض، وسائر الأسقام والآلام، وأسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وأوله وآخره وظاهره وباطنه والدرجات العلى).

وأجاد من قال([35]):

يا من يرى ما في الضمير ويسمع
**
أنت المعد لكل ما يتوقع
يامن يرجى للشدائد كلها
**
يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن
**
امنن فإن الخير عندك أجمع
ما لي سوى فقري إليك وسيلة
**
بالافتقار إليك فقري أدفع
مالي سوى قرعي لبابك حيلة
**
فلئن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه
**
إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لجودك أن تقنط عاصياً
**
الفضل أجزل والمواهب أوسع

(12) ينبغي للحاج إذا كان معه نساء أو أطفال، أن يعلمهم شيئاً من الدعاء، ويقرأ عليهم ليغتنموا هذا الوقت العظيم، فإن خير الدعاء دعاء يوم عرفة.

(13) إذا تأكد الحاج من غروب([36]) الشمس يوم عرفة سار إلى مزدلفة، وعليه السكينة والوقار، رافعاً صوته بالتلبية حتى يصل مزدلفة.

(14) بعد وصول الحاج إلى المزدلفة يصلي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً حال وصوله بأذان وإقامتين، وما يفعله كثير من الناس من إعداد العشاء أو لقط الحصى قبل الصلاة فلا أصل له في الشرع.

(15) إذا أنهى الحاج صلاته أنزل أغراضه وصنع طعامه وتهيأ للنوم مبكراً ليقوم نشيطاً.

(16) ثم يصلي الفجر في وقتها ولا يستعجل كما يفعله كثير من الناس من الصلاة قبل دخول وقتها، ثم يأتي المشعر الحرام إن تيسر له ذلك ويستقبل القبلة ويدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، فإن لم يتيسر له الوقوف عند المشعر الحرام جلس يدعو في مصلاه (أو غيره من أرض المزدلفة) *، مستقبلاً القبلة حتى يسفر جدا. (لقول النبي صلى الله عليه سلم، لما وقف في المشعر الحرام: وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) *.

(17) يرخص للعاجزين والضعفة ومن معهم أطفال ومن في حكمهم، النزول من مزدلفة بعد منتصف الليل ومغيب القمر لأنه صلى الله عليه سلم، رخص للضعفة بالنزول في هذا الوقت.

(18) يلتقط الحاج سبع حصيات من مزدلفة (أو منى والأفضل من منى لأن رسول الله صلى الله عليه سلم، أمر ابن عباس رضي الله عنهما _ فالتقطها له من منى) * ليرمي جمرة العقبة.

(19) ثم بعد ذلك يتجه الحاج إلى منى، وإذا وصل وادي محسر _ وادٍ بين مزدلفة ومنى _ استحب له أن يسرع في سيره اقتداء بالرسول صلى الله عليه سلم (حتى يجاوز الوادي) *.

سابعاً: ما يفعله الحاج يوم العيد (العاشر من ذي الحجة):

(1) إذا وصل الحاج منى اتجه إلى جمرة العقبة لرميها، وينبغي أن يكون رميها أول شيء يفعله في منى، لأنها تحيتها.

(2) يستمر الحاج في تلبيته حتى وصوله جمرة العقبة، حيث يقطع التلبية مع أول حصاة يرميها.

(3) يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات يقول مع كل حصاة: الله أكبر، ويستحب أن يرميها جاعلاً منى عن يمينه، والبيت عن يساره، وجمرة العقبة هي الكبرى، أقرب الجمرات إلى مكة.

(4) بعد رمي جمرة العقبة ينحر هديه([37]) _ إن تيسر له ذلك _ والسنة أن يوجهه للقبلة ويقول: بسم الله والله أكبر، هذا منك ولك.

(5) يستحب أن يأكل من هديه، ويهدي ويتصدق ويختار النوع الجيد؛ لينال من البرِّ أتمه وأفضله.

(6) بعد أن يتقرب إلى الله بهديه يحلق رأسه كله أو يقصره كله والحلق أفضل للرجال، وأما النساء فلا يجوز في حقهن إلا التقصير، فيقصرن من كل ضفيرة قدر أنملة.

(7) ثمَّ بعد الرمي والذبح والحلق أو التقصير يتحلل الحاج التحلل الأول، فيباح له ما كان ممنوعاً منه بالإحرام من اللباس والطيب وقص الأظافر وإزالة الشعر، لكن يبقى ممنوعاً من (الجماع) *حتى يطوف بالبيت.

(8) بعد التحلل الأول يستحب (للحاج أن يتطيب) * ليطوف طواف الحج _الإفاضة _ ويكون كطوافه السابق تماماً، غير أنه لا يرمل فيه ولا يضطبع. (لقول عائشة رضي الله عنها: “طيبت رسول صلى الله عليه سلم، لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت” متفق على صحته) *.

(9) بعد الطواف يصلي ركعتين خلف المقام، إن تيسر له ذلك، وإلا صلاهما في أي مكان من المسجد.

(10) ثم يتجه إلى السعي([38]) ويسعى سبعة أشواط كسعيه في العمرة تماماً.

(11) بعد فراغه من السعي يتحلل التحلل الثاني؛ فيحل له كل شيء منع منه بالإحرام حتى النساء.

(12) أعمال يوم العيد أربعة يستحب أن يأتي بها الحاج مرتبة: (الرمي _ ذبح الهدي _ الحلق أو التقصير _ الطواف والسعي)(إن كان عليه سعي) *. لكن إن لم يتيسر له الترتيب وقدم بعضها على بعض فلا حرج إن شاء الله.

ثامناً: ما يفعله الحاج أيام التشريق:

(1) يلزم الحاج أن يبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن تأخر، والمبيت يعني أن يبقى في منى أكثر الليل في أوله أو آخره، فإن تعجل لزمه المبيت ليلة الحادي عشر والثاني عشر فقط.

(2) يلزم الحاج أن يرمي الجمرات يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن تأخر، فإن تعجل رمى يوم الحادي عشر والثاني عشر فقط.

(3) يبدأ وقت الرمي في أيام التشريق من بعد الزوال، ولا يجوز الرمي قبل الزوال. وأما جمرة العقبة فوقت رميها من طلوع الشمس لمن بقي في مزدلفة إلى ما بعد صلاة الفجر، وهذا هو الأصل في وقت الرمي. ومن جاز له أن يتعجل من مزدلفة بعد منتصف الليل فيجوز له الرمي من حين وصوله إلى منى.

(4) وصفة رمي الجمرات أن يبدأ بالصغرى وهي القريبة من منى، فيرميها بسبع حصيات (من أي جهة كان) *قائلاً مع كل حصاة: الله أكبر، وليحرص على سقوط الحصى بالحوض، ولا يلزم ضرب الشاخص فقد وضع علامة للمرمى، ولا يضع الحصى وضعاً في الحوض ولا يرميه دفعة واحدة. ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً، ويقف (مستقبلاً القبلة) * يدعو وقوفاً طويلاً، وهذه سنة غفل عنها كثير من الحجاج. ثم يذهب إلى الجمرة الوسطى، فيرميها بسبع حصيات قائلاً مع كل حصاة: الله أكبر، ثم يأخذ ذات الشمال ويقف يدعو طويلاً (يستقبل القبلة) *.

ثم يذهب إلى الكبرى _ التي تلي مكة _ وهي أبعد الجمرات من منى، فيرميها بسبع حصيات، قائلاً مع كل حصاة: الله أكبر، ولا يقف عندها لأنه ثبت عنه صلى الله عليه سلم، أنه لم يقف عندها.

(5) يرمي في اليوم الثاني عشر والثالث عشر إن تأخر كاليوم الحادي عشر تماماً.

(6) لا حرج أن يرمي بالليل، لاسيما إذا كان معه نساء أو أطفال، لأن هذه الأوقات أوقات شدة وزحام عظيم، ومن رأى أحوال الناس وما يعانونه عند رمي الجمرات علم أن التوسعة في الرمي ليلاً لابد منها في هذه الأوقات.

(7) لا يسوغ التوكيل في الرمي إلا لحاجة قائمة:كأن يكون الموكل مريضاً أو كبيراً عاجزاً، أو تكون امرأة حاملاً، أو يكون صغيراً لا يقدر على الرمي، أو نحوهم.

فهؤلاء يسوغ لهم التوكيل في الرمي لرفع الحرج عنهم، وأما من عداهم فلا ينبغي له أن يوكل، وتساهل الناس في هذا الأمر، ولا مسوغ له شرعاً خصوصاً إذا قلنا بالتوسعة في الرمي ليلاً. والله أعلم .

(8) إذا كان الشخص موكلاً في الرمي فينبغي أن يرمي عن نفسه أولاً، فإذا أتم سبع حصيات رمى عن موكله في نفس موقفه.

(9) لا يسوغ أن يوكل في الرمي إلا شخص حاج، وأما من لم يحج في نفس العام فلا يسوغ أن يتوكل عن غيره لأنه لن يرمي الجمرات لنفسه فلا يرمي عن غيره.

(10) لو أخر الجمرات إلى آخر أيام التشريق أو أخر يوم الحادي عشر للثاني عشر أو أخر الثاني عشر للثالث عشر فلا حرج عليه إن شاء الله، لأن وقت الرمي ممتد إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر، وهل فعله أداء أم قضاء؟ قولان لأهل العلم.

(11) إذا وكل الشخص غيره فلا حرج أن يلتقط الموكل أو الوكيل الحصى، فالأمر في ذلك واسع إن شاء الله.

(12) حصى الجمرات أيام التشريق تلتقط من منى من مكان الشخص الذي يسكن فيه، أو أي مكان من منى.

(13) بعد أن يتم الحاج رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر إن تعجل، أو الثالث عشر إن تأخر يذهب ويطوف للوداع سبعة أشواط كطوافه السابق تماماً(إذا أراد السفر)*.

(14) يصلي بعد الطواف ركعتين خلف المقام، كما فعل في الطواف السابق.

(15) يسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء.

(16) ينبغي ألا ينشغل بشيء بعد الطواف إلا إذا كان شيئاً لا يعوقه كثيراً كانتظار رفقته وتحميل أغراضه، وتجهيز سيارته، وشراء ما يحتاجه في طريقه وغير ذلك مما لا يأخذ صفة الإقامة بمكة.

(17) (لا يجوز أن) * ينفر الناس من منى قبل الزوال في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر، ويطوفون للوداع ثم يعودوا ليرموا بعد الزوال، فهؤلاء لم يكن آخر عهدهم بالبيت، (وعليهم أن يعيدوا طواف الوداع بعد الرمي) *.

(18) بعد طواف الوداع يعود الحاج إلى بلده تصحبه السكينة والوقار، (ويشرع له)* استغلال وقته بالذكر والدعاء (وقراءة القرآن) *، واستماع ما ينفع، (والمجيء به من)* دعاء السفر والنزول ودخول القرية وغير ذلك حتى يصل بيته.([39])

تاسعاً: ما تختص به المرأة عن الرجل:

تختص المرأة بعشرة أشياء تخالف فيها الرجل وهي:
(1) جواز لبس المخيط حال الإحرام.
(2) جواز لبس الخفين للمرأة.
(3) المرأة لا ترمل في طواف القدوم.
(4) لا ترفع صوتها بالتلبية (بحضرة رجل غير محرمها) *.
(5) يجوز للمرأة أن تغطي رأسها (ويلزمها ذلك عند وجود رجل غير محرمها) *.
(6) لا تضطبع المرأة لأنها يجب أن تتستر بثيابها.
(7) لا تسرع المرأة بين الميلين الأخضرين في المسعى.
(8) ليس على المرأة حلق بل لا يجوز لهل الحلق لكن تقصر رأسها من كل ضفيرة قدر أنملة.
(9) لا تستلم الحجر الأسود إذا كان حوله جمع من الرجال.
(10) يسقط عنها طواف الوداع إذا كانت حائضاً أو نفساء.

المبحث الثاني
ملاحظات يقع فيها الحجاج ينبغي التنبيه لها([40]):

هذه الملاحظات منها أخطاء تمس العقيدة، ومنها أخطاء تخل ببعض واجبات الحج، ومنها أخطاء يترتب عليها حصول المشقة العظيمة للحاج، وسأفصل القول فيها بمشيئة الله حسب مناسك الحج وأيامه فنقول:

أولاً: ملاحظات يقع فيها من عزم على الحج قبل السفر وأثنائه:

(1) عدم التزود بدعوى التوكل على الله.
(2) أن يقصد الحاج بحجه: التكسب، أو الرياء، والسمعة، والمفاخرة.
(3) اختيار الرفقة السيئة الذين يبعدونه عن الله، ويشغلون الوقت بالمعاصي وسماع آلات اللهو والسب والشتم.
(4) سفر المرأة بغير محرم، وهذا يحصل كثيراً (من) * الخادمات اللواتي يأتين بدون محارم، ثم يؤدين فريضة الحج بدون محرم وكل هذا خطأ ظاهر.
(5) التهاون بأداء الصلاة في وقتها بحجة الإجهاد والتعب، وهذا من تلبيس الشيطان على المسلم، وقد شُرع الجمع والقصر تخفيفاً على المسافر، لكن أن تؤخر عن وقت الأولى والثانية، فليس هناك ما يبرر هذا إطلاقاً.(بل ذلك منكر لا يجوز) *.
(6) اصطحاب بعض الآلات واستخدامها في أمور محرمة كآلات اللهو وآلات التصوير، فهذه الآلات إذا استخدمت في أمر محرم منع منها شرعاً، وما أكثر ما يقع الحجاج في هذا الأمر.
(7) بعض النساء يتساهلن في التجول بالأسواق خارج بلدهن، وكأن الممنوع في بلدهن مباح في غيره، وعلى المرأة المسلمة أن تعرف الممنوع شرعاً فتبتعد عنه في بلدها وفي غيره، فوق أي أرض وتحت أي سماء.
(8) بعض الحجاج يزعج رفقته في السرعة الشديدة وعدم الوقوف للراحة؛ فيتأذى من معه وخصوصاً النساء، ويحصل للجميع من الحرج والعنت ما الله به عليم.

ثانياً: ملاحظات يقع فيها الحاج قبيل الإحرام وبعده:

(1) بعض الحجاج الذين يسافرون عن طريق الجو أو البحر يتساهلون في عقد نية الإحرام، وقد يؤخرونه عن الميقات المحدد لهم. والذي ينبغي لهؤلاء الاستعداد للإحرام من بلدانهم، ولبس ثياب الإحرام قبل صعود الطائرة أو بعده مباشرة،ثم نية الإحرام ولو قبل الميقات، لأن هذا أحوط في حقهم وأسلم لهم لئلا يؤخروه عن ميقاته الشرعي.
(2) بعض الحجاج إذا لبس ثياب الإحرام طلب من غيره أخذ صورة فوتوغرافية له
وأحياناً له مع عائلته وهذا (منكر) * ظاهر.
(3) بعض النساء تعتقد أن للإحرام لباساً خاصاً كالأخضر أو الأسود أو الأبيض، وهذا غير صحيح بل المرأة تحرم بما شاءت من الثياب، لكن تجتنب الثياب الجميلة والتي فيها تَشبه بالرجال.
بعض الحجاج يظن أن أي لباس لم يلبسه حال النية لا يسوغ له أن يلبسه بعد الإحرام، كالحذاء والساعة والنظارة وغير ذلك مما يحتاجه ولا يمنع منه المحرم، والصحيح أنه لا حرج في ذلك، لبسه عند النية أو لم يلبسه ذكره أو لم يذكره، بل ذلك مرهون بحاجته له وعدم كونه ممنوعاً حال الإحرام.
(4) بعض الحجاج يظن الاضطباع المسنون في طواف القدوم _ أول طواف بالبيت للحاج أو المعتمر _ مشروعاً من حين الإحرام، وهذا خطأ فالاضطباع لا يسن إلا حال الطواف (للقدوم أما طواف الإفاضة وطواف الوداع وغيرهما سوى طواف القدوم فليس فيها اضطباع بل السنة جعل رداءه على كتفيه) *. أما قبل ذلك وبعده فلا يسن.
(5) يعتقد بعض الحجاج أن لباس الإحرام لا يجوز تغييره حتى إنه أحياناً يتسخ أو يتمزق، وهذا غلط ظاهر بل لباس الإحرام يجوز تغييره (بغيره) * وخلعه وغسله متى شاء المحرم وكيف شاء.
(6) بعض النساء تضع حائلاً بين الغطاء وبين وجهها وهذا تكلف لا أصل له بالشرع بل المرأة تغطي وجهها عند الرجال الأجانب ولو مس الخمار وجهها،وإذا لم يكن عندها رجال أجانب كشفت وجهها، وهذا ما فعلته أمهات المؤمنين ونساء الصحابة بتوجيه من الرسول صلى الله عليه سلم.
(7) بعض النساء إذا مرت بالميقات وكانت حائضاً أو نفساء لم تحرم ظنًّا منها أن الإحرام تشترط له الطهارة، وهذا خطأ ظاهر فالمرأة الحائض والنفساء تعمل كما يعمل عيرها في الميقات من اغتسال ونظافة ونية للإحرام، وهذا ما فعلته أسماء بنت عميس بتوجيه من الرسول صلى الله عليه سلم، حين نفست في الميقات.
(8) بعض الحجاج يظن أن الإحرام يبدأ من حين لبس ملابس الإحرام، فيمتنع عن محظورات الإحرام بمجرد لبس ملابس الإحرام، والصحيح أن الإحرام يبدأ بنية (الدخول في) * الإحرام، سواء (لبس) * ملابس الإحرام (قبل ذلك) * أو تأخر عنها.
(9) بعض الحجاج يستمر في لهوه وعبثه ومزاحه بعد إحرامه بالحج، فيسوي بين حاله قبل الإحرام وحاله بعده، وهذا من الحرمان. نسأل الله العفو والعافية.
(10) بعض الحجاج الذين يكون معهم أطفال ويلبون عنهم، إذا أحسوا بالتعب فسخوا النية ولم يمكنوهم من إتمام الحج وهذا خطأ، فالصغير يتم النسك إذا دخل فيه بنية منه(إن كان قد بلغ سبعاً) *،أو من وليه (إن كان دون ذلك) * على وليه أن يمكنه من إتمام النسك ويهييء ذلك له (ويعمل عنه ما عجز عنه)*.
(11) من الأخطاء المتكررة من بعض النساء لبس القفازين بعد الإحرام حرصاً على الستر وهذا خطأ، فالمرأة لا تلبس القفازين حال الإحرام لكن تستر يديها بثيابها عند الرجال الأجانب،كما تستر وجهها.
(12) من الأخطاء المتكررة أن بعض المسافرين عن طريق الجو ينسون لباس الإحرام في حقائبهم، ثم لا يحسنون التصرف وهم في الطائرة قبل الميقات فيؤخرون الإحرام إلى جدة وهذا خطأ، والذي ينبغي أن يخلعوا ثيابهم ويبقوا السراويل مثلاً ويجعلوا الغترة كالرداء حتى ينزلوا بالمطار ثم يلبسوا ثياب الإحرام ويخلعوا ما عليهم من ملابس، وبقاء السراويل (في هذه الحالة لا حرج فيه لعدم وجود الإزار لقول النبي صلى الله عليه سلم: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) *.

ثالثا: ملاحظات يقع بها الحاج عند الطواف:

(1) أكثر الحجاج في هذه الأوقات يلتزمون أدعية خاصة بالطواف سواء كانوا فرادى أو جماعات، وهذا خطأ ظاهر، وليس للطواف دعاء خاص بل يدعو المسلم بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، ويتلو القرآن ويذكر الله حسب استطاعته. (لكنه يستحب له أن يختم كل شوط بقوله:[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]) *.
(2) بعض الحجاج يقبل الركن اليماني وهذا خطأ، فالركن اليماني يستلم استلاماً فقط ولا يقبَّل، ولا يشار إليه إن لم يتيسر استلامه.
بعض الحجاج يؤذي إخوانه حال طوافه بمزاحمتهم وخصوصاً عند الحجر الأسود، وتجد هؤلاء يحرصون على تحقيق سنة ويرتكبون في سبيل ذلك أمراً محرماً وهو أذية الآخرين، ومن طاف وقت الزحام شاهد هذا كثيراً (والمشروع لهم حينئذ الإشارة إلى الحجر مع التكبير تأسياً بالنبي صلى الله عليه سلم)*.
(3) بعض الحجاج حال الزحام يدخلون وسط حجر إسماعيل من جهته الشرقية ويخرجون من جهته الغربية وهؤلاء أخلو بطوافهم، لأن الحجر (أكثره من) * الكعبة، فالطواف لابد أن يكون من ورائه.
(4) بعض الحجاج يظن أنه لا يتم حجه إلا إذا بدأه بالنية جهراً وهذا خطأ، بل يكفي أن يأتي إلى الحجر (ناوياً بقلبه الطواف) *ويبدأ منه بتقبيله أو استلامه أو الإشارة إليه (مع التكبير) *وهذا كاف عن الجهر بالنية.
(5) بعض الحجاج يتمسح بأستار الكعبة ومقام إبراهيم وحجر إسماعيل وهذا خطأ، لأنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه سلم، ولا عن صحابته، وهو مخالفة شرعية ظاهرة.
(6) بعض الحجاج يستمر مضطبعاً بعد الطواف، ويصلي الركعتين وهو مضطبع وهذا خطأ، بل ينبغي أن يستر كتفيه بعد نهاية طوافه وقبل صلاة الركعتين،(لأن الاضطباع إنما هو مشروع حال الطواف فقط _ أعني طواف القدوم) *.
(7) بعض الحجاج يظن أن ركعتي الطواف لابد أن تكون خلف المقام وهذا غير صحيح، بل الركعتان تجزئان خلف المقام وفي أي مكان من(الحرم) *، فينبغي للحاج ألا يؤذي الناس ويزاحمهم ليؤدي هاتين الركعتين خلف المقام، بل يصليهما في أي مكان من المسجد.
(8) من أكثر الملاحظات وأشدها خطراً على المسلمين تبرج النساء بجوار الكعبة المشرفة وفي سائر مناسك الحج، حيث يأتين إلى هذه العبادة _ الطواف _ وهن في كامل زينتهن من لباس وطيب، بل وهن متبرجات، وهذا منكر عظيم ينبغي أن تنتبه له الأخوات المسلمات، ويحرصن على الأدب والحشمة والعفاف، فالله الذي أمرهن بالطواف حول بيته المعظم، أمرهن بالستر والعفاف وعدم التبرج وإبداء الزينة. فكيف يطعنه في أمر ويعصينه في أمر آخر؟!

رابعاً: ملاحظات يقع فيها الحاج عند السعي:

(1) بعض الحجاج يظن أنه لا يتم سعيه إلا بصعود الصفا حتى أعلاه والمروة حتى أعلاها، والصحيح أنه يكفي أن يرتفع قليلاً، ولو لم يبلغ آخرهما ويلصق جسمه
بالجبلين.
(2) بعض الحجاج يصلي ركعتين بعد تمام السعي،كما فعل بعد تمام الطواف،وهذا لا أصل له في الشرع إذ ليس هناك ركعتان خاصتان بالسعي كالطواف.
(3) بعض الحجاج يستمر في سعيه بعد إقامة الصلاة وهذا خطأ، فإذا أقيمت الفريضة لزمه قطع السعي وأداء الصلاة ثم مواصلة السعي بعد الصلاة.
(4) بعض الحجاج يظن أنه لابد من الاضطباع في السعي كالطواف، وهذا خطأ، فالاضطباع خاص بطواف القدوم فقط.
(5) بعض الحجاج يظن أن الطهارة شرط في السعي كالطواف، وهذا غير صحيح، فالسعي لا تشترط له طهارة، لكن لو تطهر من أراد السعي لكان أفضل وأكمل.
(6) بعض الحجاج يظن أن السعي لا يجوز قطعه وهذا خطأ، فالحاج يسوغ له أن يقطع السعي للحاجة كالتعب والتأكد من الرفقة وشرب الماء، كما أنه يجب قطعه إذا أقيمت الفريضة، ويكمل من قطعه لفريضة أو حاجة من مكانه الذي توقف فيه.
(7) بعض الحجاج يظن أن السعي لا يصح إلا بعد الطواف وهذا غير مسلم، فالسعي صحيح بعد الطواف مباشرة أو بعده بزمن كثير، لكن (إذا كان السعي موالياً للطواف) *فهو أفضل وأكمل.
(8) بعض الحجاج يكرر السعي اجتهاداً منه ورغبة في الخير وهذا غلط ظاهر، فالسعي لا يسوغ تكراره لأنه عبادة خاصة في مناسبة خاصة وليس كالطواف، فمن سعى لغير الحج والعمرة فلا يزيد على أنه أراح جسمه بالمشي، لكن إن نوى بهذا السعي العبادة فقد أخطأ وتعدى.
(9) بعض الحجاج يظن أن السعي أربعة عشر شوطاً، بحيث يبدأ بالصفا ثم يعود إليه بعد مروره بالمروة، ويعتبر هذا شوطاً، وهذا غلط فاحش، فالسعي سبعة أشواط، ذهابه شوط وعودته من المروة للصفا شوط بحيث يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة.

خامساً: ملاحظات يقع فيها الحاج عند الحلق أو التقصير:

(1) بعض الحجاج يحلق بعض الرأس كمقدمته أو مؤخرته أو نصفه أو ربعه، ويترك الباقي للعمرة بعد الحج أو للحج بعد العمرة، أو يقصر من بعض الشعر، وهذا غلط بيِّن، فالحلق أو التقصير لا بد فيه من التعميم فيحلق رأسه كله أو يقصره كله.
(2) بعض الحجاج يلتزم بأدعية غير ثابتة قبل حلق رأسه (أو بعده) *وهذا لا أصل له في الشرع.
(3) بعض الحجاج يقصّر في نفس المسعى وهذا من سوء الأدب، فهذه الأماكن ينبغي أن يساعد الحجاج على نظافتها ويتعاونوا في دفع الأذى عنها، ولا شك أن تقصير الشعر داخل المسعى فيه إيذاء للآخرين بتطاير الشعر عليهم، كما أن فيه إرهاقاً للعاملين في النظافة دون أدنى حاجة.
(4) بعض الحجاج ممن سيضحي لنفسه أو لغيره، يظن أنه لا يسوغ له أن يحلق حتى تذبح أضحيته، وهذا خطأ ظاهر فالحلق بعد السعي نسك واجب لا يتركه من أجل الأضحية، وهو لا يعارض وجوب ترك الشعر لمن أراد أن يضحي، لأن هذا خاص فيمن لم يجب في حقه الحلق.

سادساً: ملاحظات يقع فيها الحاج في عرفة:

(1) بعض الحجاج لا يتثبت من وقوفه بعرفة حيث يكون خارج حدودها، ورغم ما يبذل من توعية الحجاج وإرشادهم، إلا أن البعض لا يكترث بذلك، ويضيع هذا الركن العظيم بوقوفه خارج أميال عرفة.
(2) بعض الحجاج يظن أنه لا يتم وقوفه بعرفة إلا إذا صعد الجبل، أو على الأقل جعله بينه وبين البيت وهذا غلط بيِّن، فالوقوف يكفي فيه أن يكون داخل حدود عرفة، ثم يستحب أن يستقبل القبلة حال الوقوف والدعاء.
(3) من أغرب ما لمسته من ملاحظات على بعض الحجاج، أن هناك من يظن منهم أنه لابد أن يستمر الحاج واقفاً بعرفة ولا يسوغ له الجلوس، وهذا غلط فاحش،
فالوقوف بعرفة معناه الذهاب إلى عرفة والجلوس فيها والدعاء من بعد زوال شمس يوم التاسع حتى تغرب الشمس، (لمن وقف نهاراً سواء كان واقفاً أو جالساً أو مضطجعاً أو راكباً على دابة أو في سيارة) *.
(4) من الأخطاء المتكررة من كثير من الحجاج انصرافهم قبل غروب الشمس من يوم عرفة، رغم ما يبذل من جهود مشكورة في توعيتهم وإرشادهم.
(5) كثير من الحجاج يسرع في انصرافه من عرفة، وينشغل عن التلبية وكل همه أن يصل إلى المزدلفة بأسرع وقت،(والمشروع له) * أن يمشي وعليه السكينة والوقار،يسرع في مكان السرعة ويطمئن في موضع الزحام، وشعاره في كل ذلك التلبية.
(6) بعض الحجاج يؤذي الآخرين حال انصرافه بالأبواق المزعجة والسرعة العظيمة، فيعرض نفسه ومن معه ومن حوله للتهلكة.

سابعاً: ملاحظات يقع فيها الحاج في مزدلفة:

(1) كثير من الحجاج يبدأ بلقط الحصى في مزدلفة قبل الصلاة وهذا خلاف السنة، لأن الحاج إذا وصل إلى مزدلفة ينبغي أن يبدأ بالصلاة، فيجمع المغرب والعشاء (بأذان واحد وإقامتين ويصلي العشاء ركعتين) *.
(2) بعض الحجاج من حرصه على تطبيق السنة في البدء بالصلاة لا يتثبت من القبلة،ولذا يصلي البعض إلى غير القبلة مع سهولة التثبت والتحري.
(3) بعض الحجاج يصلي الفجر قبل وقتها وهذا أمر محرم، فكم شاهدنا من يصلي قبل صلاة الفجر بساعة أو أكثر.
(4) بعض الحجاج لا يتحرى في حدود مزدلفة، فنجده يجلس قبلها أو يستمر حتى يتجاوزها إلى وادي محسر، وهذا خطأ فبإمكان الحاج أن يسأل قبل أن يجلس ويتثبت من كونه داخل مزدلفة.
(5) بعض الحجاج المرخص لهم بالدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل ينصرفون قبل منتصف الليل ، وهذا خطأ، فالرخصة في حقهم بعد منتصف الليل ومغيب القمر.

ثامناً: ملاحظات يقع فيها الحاج عند رمي الجمرات:

(1) بعض الحجاج يرمي الجمرات قبل وقتها، في يوم العيد يرمي جمرة العقبة قبل منتصف الليل، هذا إن كان من الضعفة. وجمرات أيام التشريق يرميها قبل الزوال وهذا خطأ ظاهر؛ لأن العبادة إذا وقعت قبل وقتها لم تصح.
(2) الإخلال بالترتيب بين الجمرات، فمن الحجاج من يبدأ من الكبرى (وهي التي تلي مكة) *فالوسطى فالصغرى، ومنهم من يرمي الوسطى ثم الصغرى ثم الكبرى، وهذا خطأ فالترتيب المشروع أن يبدأ بالصغرى فالوسطى فالكبرى.
(3) بعض الحجاج يرمي من بُعدٍ فلا يقع الحصى بالحوض، فمن رمى في غير محل رمي لم يؤد العبادة على وجهها الصحيح (ولم يجزه الرمي) *.
(4) بعض الحجاج يخل بالترتيب الزمني للجمرات؛ فيرمي عن اليوم الثاني عشر في اليوم الحادي عشر، أو يؤخر رمي الجمرات فيرمي عن اليوم الحادي عشر والثاني عشر في موقف واحد. وغير ذلك مما يقع فيه بعض الحجاج.
(5) بعض الحجاج عند رميهم للجمرات يصدرون أصواتاً عالية وسبّاً وشتماً، ظناًّ منهم أنهم يتعاملون مع الشيطان وهذا غلط فاحش، فالجمرات ينبغي أن ترمى بسكينة ووقار واستمرار بالذكر والدعاء. فقد جُعل رمي الجمار لإقامة ذكر الله.
(6) رمي الجمار بغير الحصى المشروع،كرميها بالأحذية والحصى الكبار، وكأن المسألة معركة فيها منتصر ومهزوم، ويعلم الله كم آذى هؤلاء عباد الله، وكم روّعوا من الحجاج! وأخافوا من النساء والأطفال!.
(7) ما يفعله بعض الحجاج من السير بعنف للجمرات وإيذاء إخوانهم في الطريق، ثم استعمال عضلاتهم عند المرمى ومزاحمة الآخرين، فيؤذون باللسان والجسم، بل قد يقتلون والويل كل الويل لهؤلاء، الذين يتقربون إلى الله بأذية عباد الله، وكم شاهدنا وسمعنا من مآسٍ حول الجمرات؛ بسبب بُعد الناس عن فهم روح التشريع وأسراره، ألا فلينتبه المسلمون في كل مكان لمثل هذا الأمر ويحسبوا له
حسابه، ويتقربوا إلى الله بما شرع دون مخالفة أو اعتداء.
(8) بعض الحجاج يظن أن حصى الجمرات كلها تلتقط من مزدلفة، فينشغلون حال وصولهم مزدلفة بلقط الحصى، ويأخذون ما يزيد على الخمسين أو السبعين، والسنة لقط حصى جمرة العقبة فقط من (منى كما فعله النبي صلى الله عليه سلم، وإن أخذ من مزدلفة سبعاً فلا بأس لرمي جمرة العقبة) *، وأما حصى الجمرات الأخرى فمن منى.
(9) بعض الحجاج يظن أن المشروع هو رمي العمود، فيحرص على ضربه بالحصى، ولا يلتفت لسقوط الحصاة في الحوض أو لا وهذا خطأ، فالعمود وضع علامة على المرمى فقط، فالمشروع رمي الحصى في الحوض فإن ضرب الشاخص وسقطت في الحوض فهذا حسن، وإلا فالمطلوب سقوطها في الحوض لا ضرب العمود.
(10) بعض الحجاج يجمع الحصى وقبل الرمي بها ينظفها ويغسلها وهذا غير مشروع، فالحصى يلتقط ويرمى به دون غسل؛ لأن هذا من الزيادة في العبادة المشروعة.
(11) بعض الحجاج يقول مع كل حصاة: بسم الله، أو يسبح ويهلل بدل التكبير، وهذا خطأ فالمشروع التكبير بأن يقول مع كل حصاة:الله أكبر.
(12) بعض الحجاج أهمل سنة الدعاء بعد الجمرة الصغرى والوسطى (في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن لم يتعجل) * وينبغي أن يحرص الحاج على هذه السنة ويعمل بها، لأن العمل بالسنن (مطلوب شرعاً ولاسيما من طلبة العلم لأنهم يقتدى بهم) *.
(13) يتساهل كثير من الحجاج بالتوكيل في رمي الجمرات، فهناك أشخاص قادرون أصحاء لا يمنعهم من الرمي إلا الكسل، فيوكلون غيرهم وهذا غلط بيِّن فالتوكيل للعاجز فقط.

تاسعاً: ملاحظات يقع فيها الحاج عند نحر هديه:

(1) كثير من الحجاج يذبح هدياً غير مجزيء، فلا يتثبت من سِنِّ الهدي ومدى إجزائه من عدمه، بل رأينا من يحرص على الصغيرة جداً، وهذا من الجهل الفاحش فينبغي للحاج أن يتثبت من السِنِّ، وإذا كان يجهل فليسأل أهل الخبرة في هذا الشأن.(مع العلم بأن المجزىء في ذلك هو جذع من الضأن وثني من المعز وهكذا الثني من الإبل والبقر) *.
(2) كثير من الحجاج يذبح هديه، ويتركه لا يأكل منه، ولا يتصدق ولا يهدي، وهذا تساهل في غير محله، فعلى الحاج أن يعتني بهديه ويأكل منه ويوزع باقيه، وإذا لم يستطع ذلك فليوكل غيره ممن يحسنون تولي هذا الأمر، من الأفراد والهيئات الموثوقة.
(3) بعض الحجاج لا يختار الجيد من الهدي، فتجده يحرص على ما قيمته أرخص بغض النظر عن جودته، ووفرة لحمه، وسلامته من العاهات.
(4) وهنا أهمس في أذن باعة الماشية فعليهم أن يتقوا الله في حجاج بيت الله، ولا يجلبوا في العيد وأيام التشريق إلا ما يجزىء، ويكون سليماً من الأمراض والعاهات، وإن أحضروا معهم صغيراً أو مريضاً فليبينوا علته للآخرين، لأن هذا من الصدق في البيع والشراء، وخلافه من الغش المحرم شرعاً.

عاشراً: ملاحظات يقع فيها الحاج في المبيت بمنى:

(1) بعض الحجاج يتساهل في المبيت بمنى، فتجده يجلس في مكة أو في مسكنه حول الحرم إلى آخر الليل، ثم يخرج إلى منى وقد لا يصلها إلا مع الفجر أو العكس، بحيث يذهب إلى منى ويجلس فيها ساعتين أو ثلاثاً ثم ينزل إلى الحرم أو إلى بيته، وفي نيته ألا يعود إلى منى وهذا كله خطأ ظاهر، فالمبيت بمنى يعني جلوسه أكثر الليل، إلا إن كان صاحب حاجة ضرورية، أو كان معذوراً بمرضه، أو ذهب من منى للطواف، وفي نيته الرجوع لكنه لم يستطع لأمر خارج عن إرادته أو غير ذلك من الأعذار الشرعية.
(2) بعض الحجاج لا يتثبت من حدود منى، فتجدهم يجلسون خارجها في وادي محسر أو في العزيزية أو في مكة، وفي ظنهم أنهم بمنى، والذي ينبغي لهم أن يتثبتوا ويسألوا: هل هذا المكان من منى أم لا؟ قبل مبيتهم فيه.
(3) بعض الحجاج يأتي بسيارته ليلة الحادي عشر، ويسير في أحد شوارع منى ويلتفت يمنة ويسرة فلا يجد مكاناً، ثم يخرج ويبيت خارج منى بحجة أنه لم يجد مكاناً، وهذا تساهل كبير لأن الواجب على هؤلاء أن يبحثوا عن مكان ويبذلوا الأسباب، ومن لاحظ أحوال الناس في هذا المقام رأى التساهل منهم في كثير من الأمور.

أحد عشر: ملاحظات يقع فيها الحاج في طواف الوداع:

(1) بعض الحجاج فهم التعجل بأنه السفر في يوم الحادي عشر، فأخذوا يوكلون في الرمي عن اليوم الثاني عشر ويطوفون للوداع في الحادي عشر، وهؤلاء أخلوا بواجبات ثلاثة: الرمي، والمبيت، والوداع.
(2) بعض الحجاج يرجع القهقري بعد طواف الوداع؛ لئلا يجعل ظهره للبيت؛ وهذا من التنطع الذي لا سند له من الشرع.
(3) بعض الحجاج في اليوم الثاني عشر يرحلون من منى، ويجلسون في الأبطح أو غيره ثم يطوفون للوداع قبل الظهر فإذا صلوا الظهر رموا (الجمرات) * وسافروا إلى بلدانهم، وهذا خطأ ظاهر، فهؤلاء لم يكن آخر عهدهم بالبيت بل آخر عهدهم (بالجمرات) *، فطواف الوداع باقٍ عليهم يأتون به أو يجبرونه بدم.
(4) بعض الحجاج يطوف للوداع ثم يجلس في مكة يوماً أو ليلة، وهذا خطأ؛ فمن طاف طواف الوداع فينبغي له أن يغادر مكة، وإن جلس مدة طويلة لغير حاجة ضرورية كانتظار رفقة أو تحميل عفش أو انتظار مريض وغير ذلك، لزمه إعادة الطواف.

اثنا عشر: ملاحظات يقع فيها الحاج وغيره عند زيارة المسجد النبوي:

(1) بعض الحجاج يظن أنه من تمام الحج زيارة المدينة النبوية، وهذا خطأ ظاهر،
فالحج ينتهي بانتهاء طواف الوداع، لكن (يُشرع للمسلم) *إذا وصل هذه البقاع الطاهرة أن يعرج على مسجد رسول الله؛ ليدرك الفضل العظيم إن شاء الله (وزيارة مسجده لا تختص بوقت الحج بل تشرع في جميع الأوقات) *.
(2) بعض الزائرين (لمسجد) *الرسول صلى الله عليه سلم، يسيئون الأدب برفع الصوت والمزاحمة وأذية الآخرين وبالأدعية غير المشروعة.
(3) بعض الزائرين يستقبل الحجرة النبوية حال الدعاء وهذا خطأ ظاهر، إذ ينبغي للمسلم ألا يستقبل الحجرة إلا عند السلام على رسول الله صلى الله عليه سلم، أو صاحبيه، وأما حال الدعاء فيستقبل القبلة.
(4) بعض الزائرين يقصد الصلاة تجاه القبر فتجده يأتي مبكراً لحجز مكان معين بحيث يجعل القبر أمامه وهذا خطأ فاحش.
(5) بعض النساء رغبة منها في الخير تزور قبر الرسول صلى الله عليه سلم، وصاحبيه وهذا غير مشروع فالنساء منهيات عن زيارة المقابر عموماً ولا يختص قبره صلى الله عليه سلم، بجواز الزيارة (من النساء في أصح قول العلماء لعموم الأحاديث المصرحة بلعن زائرات القبور من النساء فليس فيها استثناء)*.
(6) بعض الزائرين للمدينة يحرص على زيارة أماكن لا تُشرع زيارتها فينبغي للمسلم أن يحرص على اتباع السنة والوقوف عند ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه سلم (لقول الرسول صلى الله عليه سلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) *. ولأن هذا (هو) * منهج السلف الصالح _ رضي الله عنهم _.([41])

العمرة وأحكامها وآداب زيارة المسجد النبوي

ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: العمرة وأحكامها.
المبحث الثاني: زيارة المسجد النبوي وآدابها.

المبحث الأول: العمرة وأحكامها:

تعريفها: العمرة في اللغة: الزيارة؛ سميت بذلك لأن فيها عمارة الود، مأخوذة من الاعتمار، يقال: اعتمر، فهو معتمر أي زار([42]).

وفي الاصطلاح: زيارة بيت الله الحرام على وجه مخصوص هو النسك: من إحرام، وطواف بالبيت، وسعي بين الصفا والمروة، وحلق أو تقصير.

قال في المجموع: (وأما العمرة ففيها قولان ..أشهرهما.. أصلها الزيارة، والثاني في أصلها القصد … وقد اختص الاعتمار بقصد الكعبة لأنه قصد إلى موضع عامر) ([43]).

وقت العمرة:

اتفق أهل العلم على أنه ليس للعمرة وقت خاص بها لا تصح إلا فيه، بل كل السنة وقت لها سوى أيام الحج لمن تلبس به، وهذا من فضل الله على عباده أنه جعل العمرة تفعل في سائر العام وليس في وقت دون وقت.

قال في روضة الطالبين: ( . . وأما العمرة فجميع السنة وقت للإحرام بها ولا تكره في وقت منها، ويستحب الإكثار منها في العمر وفي السنة الواحدة، وقد يمتنع الإحرام بالعمرة لا بسبب الوقت بل لعارض كالمحرم لا يصح إحرامه بالعمرة على الأظهر . .)([44]).

حكم العمرة:

أجمع أهل العلم على أن العمرة مشروعة في الجملة وأن فعلها في العمر مرة كاف، وهل هي واجبة أم لا؟ اختلفوا في ذلك على قولين:

القول الأول:

قالوا بوجوب العمرة. وقد روي عن عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، وبه قال الثوري، وإسحاق، والشافعي في أحد قوليه، وهو رواية عن الإمام أحمد نصرها ابن قدامة.

واستدل هؤلاء بما يأتي:

(أ) قوله تعالى:[وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ](البقرة:196)، قالوا: ومقتضى الأمر الوجوب، ثم إن عطفها على الحج يؤكد ذلك، لأن الأصل التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه.
(ب) ما رواه أبو رزين العقيلي؛ أنه أتى النبي صلى الله عليه سلم، فقال:إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة فقال : (حج عن أبيك واعتمر) ([45]) .
قال الأمام أحمد: (لا أعلم في إيجاب العمرة حديثاً أجود من هذا ولا أصح منه)، (واحتجوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد والنسائي بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه سلم (نرى الجهاد أفضل الأعمال أفنجاهد؟) فقال: (عليكن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) *.

القول الثاني:

قالوا: إن العمرة سنة وليست بواجبة، وروي ذلك عن ابن مسعود، وبه قال مالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وهو رواية عن الإمام أحمد نصرها شيخ الإسلام ابن تيمية.

وقد استدل هؤلاء بما يأتي:

(1) ما رواه جابر بن عبد الله _ رضي الله عنه _ قال: سئل النبي صلى الله عليه سلم، عن العمرة أواجبة هي؟ قال )لا وأن تعتمر خير لك)([46]).
(2) أن الأصل عدم وجوبها؛ لأن الأصل براءة الذمة من التكاليف، ولا ينتقل عن الأصل إلا بدليل ناقل ولا دليل هنا يصلح لذلك.
(3) قوله تعالى:[وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً](آل عمران:97). حيث اقتصر الله _ جل وعلا _ على الواجب في هذه الآية دون سواه([47]).
(4) قال في روضة الطالبين (في العمرة قولان: الأظهر الجديد أنها فرض كالحج والقديم سنة)([48])
وقال في المقنع: (يجب الحج والعمرة مرة واحدة)([49]).
وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية النفس في هذا الموضع في شرح العمدة([50])، ورجح عدم وجوب العمرة في مجموع الفتاوى فقال: (والأظهر أن العمرة ليست بواجبة، وأن من حج ولم يعتمر فلا شيء عليه سواء ترك العمرة عامداً أو ناسياً، لأن الله إنما فرض في كتابه الحج)([51])(والصواب القول بوجوبها لحديث ابن رزين السابق ولقول النبي صلى الله عليه سلم: (على النساء جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة). وهو حديث صحيح، ولقوله صلى الله عليه سلم في حديث عمر رضي الله عنه في سؤال جبريل عن الإسلام: (وأن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج وتعتمر)*.

صفة العمرة:

إذا أراد المسلم أن يحرم بالعمرة فالمشروع في حقه أن يغتسل ويتنظف ويزيل ما به من شعر الإبط والعانة، ويقلم أظفاره ويتطيب بما شاء من أنواع الطيب.
وهذا كله سنة في حق الرجال والنساء حتى الحائض والنفساء لأنه صلى الله عليه سلم، أمر أسماء بنت عميس حين نفست أن تغتسل عند إحرامها وتستثفر بثوب([52])، (ولأنه صلى الله عليه سلم أمر عائشة رضي الله عنها لما أرادت أن تحرم بالحج وهي حائض أن تغتسل)(أخرجه مسلم في صحيحه) *.

وبعد الاغتسال (والوضوء) * والطيب تصلي غير الحائض والنفساء وتنوي الإحرام قائلة: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، يرفع بها الرجل صوته وتسر بها المرأة.

وإذا كان من يريد الإحرام خائفاً من عائق يعوقه فينبغي له أن يشترط قائلاً _ فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني _ وهنا إن حصل له مانع يمنعه من إتمام النسك فإنه يحل ولا شيء عليه، ويستحب للمحرم أن يكثر من التلبية عندما يرتفع الطريق أو ينخفض، أو يقبل الليل أو يدبر، ومع ذلك كله (شرع له) * أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، ثم إذا وصل المسجد الحرام، قدم رجله اليمنى وقال: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، (اللهم افتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، كما يقول ذلك عند دخوله سائر المساجد لثبوت السنة بذلك) * ثم يذهب ليبتدىء الطواف فيستلم الحجر الأسود بيده اليمنى ويقبله، فإن لم يتيسر تقبيله قبل يده إن استلمه بها، فإن لم يتيسر استلامه بيده (استلمه بعصا ونحوها وقبَّل طرفها الذي حصل به الاستلام لفعل النبي صلى الله عليه سلم ذلك، فإن لم يتيسر ذلك) * فإنه يستقبل الحجر مشيراً إليه بيده إشارة (ويكبر) *ولا يُقبلها، ويقول عند استلام الحجر أو الإشارة إليه: الله أكبر، ثم يدعو بما شاء حتى يأتي الركن اليماني فيستلمه من غير تقبيل، (ويقول باسم الله والله أكبر) *، فإن لم يتيسر لم يشر إليه، (لعدم نقل ذلك عن النبي صلى الله عليه سلم)*، ويقول بين الركنين:[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ](البقرة:201). ثم كلما حاذى الحجر الأسود كبر، يفعل ذلك في أشواطه السبعة

وهنا ينبغي للمعتمر أن ينتبه لأمرين هامين:

أحدهما: أن يضطبع من ابتداء الطواف إلى انتهائه، وصفة الاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، وهذا خاص بطواف القدوم فقط للعمرة أو الحج.

الثاني: الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط (من طواف القدوم)، بحيث يسرع في المشي مع مقاربة خطواته، وأما الأربعة الأخيرة فيمشي فيها مشياً عادياً، وإذا أتم المعتمر طوافه سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم وصلى خلفه ركعتين، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة:[قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ].وفي الثانية بعد الفاتحة :[ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ].(إن تيسر ذلك فإن لم يتيسر ذلك صلاهما في أي مكان من المسجد) .

ثم يخرج إلى المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ:[إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ](البقرة: 158). ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها، ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو بما شاء، (ويكبر ويذكر الله ويكرر ذلك ثلاث مرات) *.

ثم ينزل من الصفا إلى المروة ماشياً، فإذا بلغ العلم الأخضر (هرول) * قدر استطاعته مع عدم إيذاء أحد، حتى إذا بلغ العلم الآخر عاد إلى مشيه ثم يستمر حتى يصل المروة ويفعل عليها ما فعل على الصفا، ثم يحتسب هذا شوطاً ويأتي بستة أشواط أخرى، يفعل فيها ما فعل في الأول، فإذا أتم السابع حلق رأسه أو قصره كله وإن كانت امرأة قصرت من كل ضفيرة قدر أنملة، وبهذا يكمل المسلم عمرته؛ لأنه أتى بالإحرام، والطواف، والسعي، والحلق أو التقصير.

أركان العمرة:

(ثلاثة: الإحرام، والطواف، والسعي)*.
واجبات العمرة:
(اثنان):
(1) الإحرام من الميقات الذي يمر عليه إن كان أفقياً، ومن الحل إن كان من المقيمين بمكة.
(2) (الحلق أو التقصير)*.

المبحث الثاني
آداب زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه سلم

تستحب زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه سلم للصلاة فيه، وهي مشروعة سائر العام وليس لها وقت مخصوص، وليست من الحج، لكن (يستحب)* لمن قدم للحج أن يزور مسجده صلى الله عليه سلم، ليدرك فضيلة الصلاة فيه خصوصاً من يشق عليهم السفر إلى الديار المقدسة،كمن يأتون من خارج الجزيرة، فهؤلاء لو عرجوا على المدينة وزاروا المسجد وصلوا فيه،(وسلموا على رسول الله صلى الله عليه سلم، وعلى صاحبيه رضي الله عنهما) * لكان أرفق بهم وأعظم لأجرهم ولأدركوا في سفرة واحدة ما لا يدركه غيرهم.

وقد دل على مشروعية زيارة مسجده صلى الله عليه سلم، أحاديث كثيرة منها:

(1) ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه سلم، قال: (أنا خاتم الأنبياء ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء أحق المساجد أن يزار ويركب إليه الرواحل)([53]).

(2) ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)([54]).

(3) ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال )ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)([55]).

(4) ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم )لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)([56]).
وهذا الحديث الأخير صريح الدلالة بمنطوقه على مشروعية شد الرحال إلى هذه المساجد الثلاثة، لشرفها وفضلها وفضل الصلاة فيها ومضاعفتها، ودل بمفهومه على حرمة شد الرحال إلى أي بقعة من بقاع الأرض على وجه التعبد فيها غير هذه المساجد الثلاثة، فيحرم السفر لزيارة قبور الأنبياء والأولياء والصالحين وغيرهم، ومتى وصل الزائر مسجد رسول الله صلى الله عليه سلم، استحب له أن يقدم رجله اليمنى حال دخوله ويقول: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم كسائر المساجد)*، ثم يصلي ركعتين، والأولى أن تكون صلاته في الروضة لشرفها وفضلها، فهي روضة من رياض الجنة (إذا تيسر ذلك) *.
ثم بعد صلاته يزور قبر الرسول صلى الله عليه سلم، ويقف أمامه بكل أدب ووقار ويقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أشهد أنك رسول الله حقاً، وأنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده،فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبياً عن أمته.

ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً فيسلم على أبي بكر الصديق، ويترضى عنه ويدعو له.

ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً فيسلم على عمر بن الخطاب، ويترضى عنه ويدعو له.

ولا يجوز لمسلم أن يتقرب إلى الله بمسح الحجرة النبوية أو الطواف بها أو استقبالها حال الدعاء، بل يستقبل القبلة ولا يتقرب إلى الله إلا بما شرع، والعبادات مبناها على الإتباع لا الابتداع.

وزيارة قبره صلى الله عليه سلم، خاصة بالرجال، وأما النساء فلا (يزرن)* قبره صلى الله عليه سلم، ولا قبر غيره لكنهن يصلين عليه ويسلمن وهن في أمكنتهن، (من المسجد، وفي بيوتهن وفي غير ذلك كغيرهن من الرجال) *، وهذا كله يبلغه صلى الله عليه سلم، كما أخبر عن ذلك بقوله: (صلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)([57]).

ويستحب للرجال خاصة زيارة (أُحد)*، والبقيع، (والشهداء في أُحد، والسلام عليهم بقوله) *: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، كما قاله النبي صلى الله عليه سلم، يعلم أصحابه ذلك إذا زاروا القبور) *.

ويستحب لزائر المسجد النبوي أن يخرج إلى مسجد قباء متطهراً ليصلي فيه (ركعتين) كما كان النبي صلى الله عليه سلم، يفعل ذلك ولقوله صلى الله عليه سلم (من تطهر في بيته فأحسن الطهور ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان كعمرة).
وهذا آخر ما تيسر جمعه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين)*.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فهرس الموضوعات

الموضوع

المقدمة:

تعريف الحج لغة واصطلاحاً:

الأصل في مشروعية الحج:

شروط الحج:

فضل الحج:

1_ الحج يهدم ما قبله

2_ الحاج يعود بعد حجه كيوم ولدته أمه

3_ الحج أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد

4_ الحج أفضل الجهاد

5_ الحج المبرور جزاءه الجنة

آداب الحج:

حجة النبي صلى الله عليه سلم،كما رواها جابر بن عبد الله رضي الله عنه

بعض ما يستفاد من حجة النبي صلى الله عليه سلم

مواقيت الحج:

أركان الحج :

واجبات الحج:

حكم من ترك ركناً من أركان الحج

حكم من ترك واجباً من واجبات الحج

محظورات الإحرام:

محظورات الإحرام تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما يحرم على الذكور والإناث:

القسم الثاني: ما يحرم على الرجال دون الإناث:

القسم الثالث: ما يحرم على الإناث دون الذكور:

الفدية

برنامج عملي لمريد الحج وفق السنة المطهرة:

ما ينبغي أن يفعله من عزم على الحج قبل السفر:

ما يفعله الحاج أثناء سفره للحج:

ما يفعله الحاج عند الميقات:

ما يفعله الحاج بعد وصوله إلى المسجد الحرام:

ما يفعله الحاج يوم التروية:

ما يفعله الحاج يوم عرفة:

من جوامع الأدعية المختارة

ما يفعله الحاج يوم العيد:

ما يفعله الحاج أيام التشريق:

ما تختص به المرأة عن الرجل:

ملاحظات يقع فيها بعض الحجاج ينبغي التنبيه لها:

ملاحظات يقع فيها من عزم على الحج قبل السفر وأثناءه:

ملاحظات يقع فيها الحاج قبيل الإحرام وبعده:

ملاحظات يقع فيها الحاج عند الطواف:

ملاحظات يقع فيها الحاج عند السعي:

ملاحظات يقع فيها الحاج عند الحلق أو التقصير:

ملاحظات يقع فيها الحاج في عرفة:

ملاحظات يقع فيها الحاج في مزدلفة:

ملاحظات يقع فيها الحاج عند رمي الجمرات:

ملاحظات يقع فيها الحاج عند نحر هديه:

ملاحظات يقع فيها الحاج في المبيت بمنى:

ملاحظات يقع فيها الحاج في طواف الوداع:

ملاحظات يقع فيها الحاج وغيره عند زيارة المسجد النبوي:

العمرة وأحكامها وآداب زيارة المسجد النبوي:

العمرة وأحكامها:

تعريفها:

وقت العمرة:

حكم العمرة:

صفة العمرة:

أركان العمرة:

واجبات العمرة:

آداب زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه سلم:

فهرس الموضوعات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(*) من تعليقات سماحة الشيخ ابن باز.

([1]) القاموس المحيط (1/182) مادة: حجج، وكذا لسان العرب (1/226) مادة: حجج.
([2]) رواه البخاري ومسلم، انظر: صحيح البخاري (1/8)، وصحيح مسلم (1/34).
([3]) انظر: كتاب الحج للمؤلف.

([4]) المغني ج 5 ص6.
([5]) فصلنا القول فيها عند حديثنا عن الأصل في مشروعية الحج فليراجع.

([6]) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم (ج 1 ص78).

([7]) رواه البخاري ومسلم. انظر: صحيح البخاري (ج2ص164)، صحيح مسلم (ج4ص107).
([8]) رواه البخاري (ج2ص164).
([9]) رواه البخاري. انظر: صحيح البخاري (ج2 ص164).
([10]) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم (ج4 ص107).

([11]) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم (ج3 ص85).
([12]) رواه البخاري ومسلم. انظر: صحيح البخاري (ج8 ص11)، وصحيح مسلم (ج8ص20).
([13]) انظر: آداب الحج المنهج لمريد الحج والعمرة ص28، وكيف حج النبي صلى الله عليه وسلم ، ص17.

([14]) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم (ج4 ص39/43).
([15]) صحيح مسلم (ج4 ص82).
([16]) صحيح مسلم (ج4 ص80).
([17]) صحيح مسلم (ج4 ص86).
([18]) صحيح مسلم (ج4 ص93).

([19]) مفيد الأنام (ج1 ص58).
([20]) رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري (ج2 ص164)، وصحيح مسلم (ج4 ص5).
([21]) المجموع (ج7 ص198)، بداية المجتهد (ج1ص332).
([22]) حاشية ابن عابدين (ج2 ص467)، الشرح الصغير (ج2 ص311)، مغني المحتاج (ج1 ص513)، المقنع (ج1 ص467).

(([23] المقنع ج 468، بدائع الصنائع (ج2 ص133).
(([24] حاشية ابن عابدين (ج2 ص467).
([25]) انظر: بدائع الصنائع (ج2 ص183)،بداية المجتهد (ج4ص375)،والمجموع (ج6ص249)،والمغني(ج5ص53).
([26] ) انظر:بدائع الصنائع (ج2ص246)،بداية المجتهد(ج1ص375)،والمجموع(ج7ص246)،المغني (ج5 ص112).
([27]) مفيد الأنام (ج1 ص187 _200) بتصرف.
([28]) سيكون هذا البرنامج لمن حج متمتعاً وفي كل موضع يخالف المتمتع القارن والمفرد سنوضح ذلك بمشيئة الله في الهامش ليكون البرنامج سهل الاستيعاب، بعيداً عن التجزئة والتقسيم، ثم على الحاج أن يربط بين هذا البرنامج وبين الأخطاء التي يقع فيها كثير من الحجاج ليسلم حجه بإذن الله.
([29]) ويقول القارن: لبيك عمرة وحجا، لبيك اللهم لبيك ،لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك. ويقول المفرد: لبيك حجاً، لبيك اللهم لبيك …إلخ.

([30]) القارن والمفرد لا يحلقان بل متى أتما السعي بقيا في إحرامهما حتى ينهيان أعمال الحج (إذ ا كان معهما هدي وإلا فالمشروع لهما التحلل بعمرة ويكونان بذلك متمتعين كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ،أصحابه بذلك الذين لم يسوقوا الهدي)
([31]) القارن والمفرد لا يتحللان بل يبقى الإحرام في حقهما ويمتنعان من كل شيء يمنعه الإحرام حتى فعل اثنين من ثلاثة يوم العيد: الرمي، الحلق أو التقصير، الطواف، (والسعي إن كان لم يسعيا مع طواف القدوم).
([32]) القارن والمفرد باقيان على إحرامهما، فإذا جاء اليوم الثامن ذهبا إلى منى وصليا فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.

([33]) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم (ج4ص43).

([34]) حرصت أن تكون هذه الأدعية من كتاب الله أو مما ثبت في صحيح السنة.

([35]) كيف حج النبي صلى الله عليه وسلم ص137.

([36]) تساهم الجهات المختصة في بلاد الحرمين الشريفين في منع الناس من الانصراف قبل غروب الشمس، وتبذل جهوداً كبيرة لتوعية الحجاج وإرشادهم.
([37]) هذا خاص بالمتمتع والقارن وأما المفرد فلا هدي عليه إلا أن يتطوع.

([38]) القارن والمفرد إذا سعيا مع طواف القدوم كفاهما عن سعي الحج، فليس عليهما في يوم العيد سعي، وإن تركا السعي إلى يوم العيد لزمهما بعد الطواف.

([39]) انظر في صفة الحج:فتح الباري(ج3 ص378)،والنووي على مسلم(ج9 ص3)،وبدائع الصنائع (ج2ص118)، وبداية المجتهد (ج1ص326)، والمجموع (ج7 ص2)، والمغني (ج5 ص5)، وزاد المعاد (ج2 ص90).

([40]) يرجع الوقوع في هذه الملاحظات إلى أمور منها:
( أ ) أحاديث موضوعة أو ضعيفة لا يسوغ الاحتجاج بها.
(ب*) اجتهادات واستحسانات من بعض أهل العلم لا دليل عليها.
( ج) عادات توارثها الناس لكنها عند التمحيص لا مستند لها.
([41]) انظر في هذه الملاحظات شرح النووي على مسلم (ج9 ص25)، مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية (ج2 ص 388، 389 ـ 395)، زاد المعاد (ج1 ص455)، الاختيارات العلمية لابن تيمية ص70 ، تلبيس إبليس ص 154، الإبداع في مضار الابتداع ص131، 132، السنن والمبتدعات ص109 ، وغيرها من كتب أهل العلم.

([42]) القاموس المحيط، مادة: عمر، والنهاية (ج3 ص 143).
([43]) المجموع (ج 7، ص2).
( 2) روضة الطالبين ج3 ص 37 .
([45]) رواه أبو داود .انظر صحيح أبي داود (ج1 ص340) ، والنسائي صحيح النسائي (ج2 ص559)،والترمذي. انظر صحيح الترمذي (ج1 ص 275).

(2) رواه الترمذي، انظر ضعيف الترمذي ص108 وقال عنه الترمذي :هذا حديث حسن صحيح، وقال الألباني :ضعيف الإسناد.
(1) انظر المغني (ج5 ص13).
(2) روضة الطالبين (ج3 ص17).
(3) المقنع (ج1 ص 386).
(4) انظر شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، تحقيق أخينا الدكتور صالح بن محمد الحسن (ج1 ص88).
(5) انظر: مجموع الفتاوى (ج26 ص5_7).

(6) كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر الطويل. انظر صحيح مسلم (ج4 ص39).

([53]) رواه مسلم، انظر صحيح مسلم (ج4 ص 25).

([54]) رواه البخاري ومسلم . انظر صحيح البخاري (ج2 ص76)، وصحيح مسلم (ج4 ص125).
([55]) رواه البخاري ومسلم . انظر صحيح البخاري (ج3 ص49)، وصحيح مسلم (ج4 ص123).

([56]) رواه البخاري ومسلم .انظر صحيح البخاري (ج2 ص76)، وصحيح مسلم (ج4 ص46).
([57]) رواه أبو داود.انظر صحيح أبي داود (ج1 ص383).