68 – الحكم الفقهي لزواج المسيار

الأربعاء 19 رجب 1445هـ 31-1-2024م

 

68 –  الحكم الفقهي لزواج المسيار pdf

 

 

 

الحكم الفقهي

لزواج المسيار

 

تأليف

أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فإن ـ زواج المسيار ـ من الموضوعات الهامة والحساسة، وقد انتشر أثرها في أوساط بعض مجتمعات الدول الإسلامية وخاصة دول الخليج العربي، وحيث أن هذا الزواج يرتبط ارتباطاً كلياً بالأسرة المسلمة، ولحرص الإسلام على تقوية مكانة الأسرة دينياً واجتماعياً واقتصادياً حتى تكون نافعة ـ بإذن الله ـ في تكوين المجتمع المسلم القوي والمتماسك.

لذلك وجه الإسلام إلى الزواج الشرعي الصحيح المكتمل للأركان والشروط لما يترتب على ذلك من الحكم العظيمة والمقاصد السامية التي تجمع بين غرائز الإنسان وشهواته وبين سموه الروحي والعاطفي، وبين طهارة المجتمع وقوته وتماسكه، فحرص على شد بنيان أركان الأسرة بالعهود والمواثيق الغليظة التي تجعله قوياً متماسكاً.

الحكم الفقهي لهذا الزواج:

أولاً: معلوم شرعاً أن زواج المسيار لم يكن معروفاً سابقاً بهذا الاسم، ولذا لم يتطرق له الفقهاء وإن كانوا ذكروا شيئاً قريباً منه، ولكن مع ظهوره في وقتنا الحاضر، وكثرة انتشاره جعل الفقهاء المتأخرين الذين عاصروه يستنبطون له اسماً معيناً يرتبط بشكله وهيئته كي يستطيعوا الحكم عليه والنظر في صحته أو بطلانه.

وزواج المسيار:

عبارة عن صورة للزواج الشرعي الصحيح المستوفي لجميع أركانه وشروطه، لكنه يتضمن تنازلاً من الزوجة عن بعض حقوقها الشرعية كالنفقة والمبيت والسكنى، وكون الزوج يأتي إليها من وقت لآخر حسب ظروفه وهذا لا يتم إلا بالاختيار والتراضي بين الزوجين ولا يثبت ذلك في عقد الزواج.

وهذا الزواج وإن كان ظاهره الرحمة فإن في باطنة الشر والفساد الكبير لما يترتب عليه من المفاسد – وخاصة في زماننا – حيث ظهر فيها قلة الإيمان ولهث الكثير من الناس وراء الشهوات والملذات، فلا يجدون وسيلة للحصول على المتعة إلا عن طريق هذا الزواج السهل الميسر وغيره من المسميات الأخرى.

ومن هذه المفاسد:

تأثيره على الذرية من حيث التربية والنشأة، ومن حيث أنه استهانة بالحياة الزوجية التي أمر الله تعالى بتقويتها والعمل على تماسكها، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21).

ومن مفاسده أيضاً أنه لا يحفظ به العرض، بل ربما تضيع به الحقوق من جهة الزوجة والأولاد، فهو زواج شكلي دون مراعاة للجوهر المطلوب من جهة الشارع الحكيم، الذي جعل الزواج الشرعي مبنياً على السكن والمودة والرحمة.

والذي أراه في هذا الزواج هو عدم الإباحة للأدلة التالية:

* منافاة هذا الزواج لمقاصده الشرعية من حيث أنه لا يحقق المودة والرحمة والسكن والذي بني من أجله الزواج الصحيح، وعدم رعاية الحقوق والواجبات التي يوجبها العقد الصحيح للزواج، والعبرة كما يقول الفقهاء: “في العقود للمقاصد والمعاني لا في الألفاظ والمباني”.

* وأيضاً مخالفته للعدل الواجب المأمور به شرعاً من الله جل وعلا، ورسوله صلى الله عليه وسلم، ورعاية حقوق الأبناء وتربيتهم، فهو طريق إلى ضياع الزوجة والأولاد وعدم حصولهم على الحق الشرعي الواجب من قبل الشرع، وهذا معناه ضياع الأسرة وتشتتها حيث يترك الزوج زوجته ويهجرها لفترات طويلة.

* وأيضاً فهو مدخل لفساد كبير يحدث في المجتمع، فعن طريقه يتساهل في المهر، والنفقة، والسكن، والمبيت، وسقوط أعباء بيت الزوجية عن كاهل الزوج، ويسهل على الرجل أن يتزوج وقتما شاء ويطلق كيفما شاء غير مراع لحقوق زوجته أو أبنائه، والكثير من الأزواج الذين يسلكون مسلك زواج المسيار لا يريدون أن يرتبطوا بمسؤوليات أخرى، فيلجئون له من أجل أنه من أيسر الطرق التي توفر لهم حق المتعة، وربما يلجئون إلى عقد الزواج سراً وربما دون ولي، وهذا ما يجعله طريقاً سهلاً في أيدي الرجال يتلاعبون به على من شاءوا من ضعيفات العقول.

* وهذا الزواج أيضاً فيه منفعة واضحة للزوج فقط حيث ينال متعته بأسهل الطرق، فهو يلبي رغباته الجنسية من غير أن يتكلف شيئاً في هذا الزواج، ويكون الضرر على الزوجة والأولاد، حيث أن كثيراً من الأزواج يفرطون في أداء حقوق زوجاتهم وأولادهم فيتركونهم – كما ذكرنا – لفترات طويلة دون رعاية أو أداءٍ لحقوقهم، وربما يحدث الطلاق المباشر ليتخلص الرجل من هذه المرأة بعد تمتعه بها ثم يتزوج بأخرى على نفس المنوال السابق.

* وهذا الزواج أيضاً مبني على الكتمان في غالب حالاته، والأصل في الزواج الإشهار والإعلان.

*  قد يؤدي هذا الزواج إلى وقوع بعض النسوة ممن لا خلاق لهن في اتخاذه ساتراً للوقوع في الفاحشة بدعوى أنها متزوجة عن طريق المسيار.

والناظر في مقاصد الشريعة الإسلامية من حيث أدلة الكتاب والسنة والنظر لهذا النكاح يتبين له عدم التشجيع على هذا النوع من النكاح لمخالفته للمقاصد الشرعية في الإسلام، إلا أنه ظهر من يقول بجوازه دون النظر إلى عواقبه التي يخلفها على المرأة وغيرها ممن يقعن في هذا الأمر.

وكثير من قواعد الشريعة تمنع مثل هذا الزواج ومن ذلك:

القاعدة الأولى:(درء المفاسد مقدم على جلب المصالح):

معلوم عند أهل العلم أنه إذا تعارضت المصلحة والمفسدة قدم دفع المفسدة على جلب المصلحة غالباً، وبناء على هذه القاعدة المستنبطة من مقاصد الشرع وأهدافه فإنا لو سلمنا جدلاً أن في هذا الزواج مصلحة محققة، وهي إعفاف الزوج والزوجة، وإحصانهما من الوقوع في الزنا، فإنه أيضاً من الناحية الأخرى يشتمل على مفاسد عدة محققة وينطوي على آثار سيئة مشاهدة -كما ذكرنا سابقاً-، فوجب ديانة دفع هذه المفاسد، وإزالة هذه الآثار السيئة، وذلك لا يتم إلا بإلغاء المصلحة الخاصة، تقديماً لدرء المفسدة على جلب المصلحة، بل هي في الواقع ليست مصلحة خاصة، بل هي شهوة ضد مصلحة عامة. ولدرء مثل هذه المفاسد نقول إن زواج المسيار لا ينبغي فعله لما يترتب على القول بصحته من المفاسد المحققة والمضار الثابتة.

القاعدة الثانية: (سد الذريعة في الشريعة الإسلامية):

معلوم أن إيقاف العمل بهذا الضرب من الزواج سدٌ للذريعة، ومنعٌ لباب يلج منه ضرر على الآخرين، وإيصاد منافذ الشر من مقاصد الشرع المطهر، والناظر فيمن حوله من الناس يجد أن جانب التحايل على الشرع المطهر سمة بارزة بين أوساط بعض قليلي الإيمان، فكان لابد من الحيطة والحذر في منع هذا الزواج كي لا يتخذ وسيلة إلى الإفساد في المجتمع حيث أن أضراره أكثر من منافعه.

نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يبصر المسلمين بأمر دينهم، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه به، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

                                                                                           وكتب

                                                                         أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                       27/ 2/ 1429هـ

 

فهرس الموضوعات

الموضوع
الحكم الفقهي لهذا الزواج:
صورة هذا الزواج:
ومن مفاسد هذا الزواج:
والذي أراه في هذا الزواج:
كثير من قواعد الشريعة تمنع هذا الزواج:
القاعدة الأولى: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح):
القاعدة الثانية: (سد الذريعة في الشريعة الإسلامية):
فهرس الموضوعات: