72 – رسالة في التأمين

الأربعاء 19 رجب 1445هـ 31-1-2024م

 

72 –  رسالة في التأمين pdf

 

 

 

رسالة في

التأميــــن

 

تأليف

أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد بين الإسلام للبشرية أن أساس المجتمع الفاضل عقيدة صالحة تدعو إلى عبادة وحده ونبذ كل معبود سواه، وقد نزل القرآن يقرر هذه الحقيقة في وضوح لا لبس فيه، يقول تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 1ـ4].

وإذا تتبعنا سير الأنبياء والمرسلين وجدناهم صلوات ربي وسلامه عليهم من لدن آدم إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يبدأون بتأسيس المجتمع على العقيدة الصافية، يقول تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[النحل: الآية 36].

والمجتمع الإسلامي يقوم على أساسين اثنين:

أولهما: العقيدة الإسلامية الصافية التي تحمي المجتمع المسلم من الزلل في التصور والشطط في السلوك، يقول تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً..}[الروم: الآية 30].

وثانيهما: الإيمان بأن الإسلام هو موجه الحياة، فالمشرع هو الله وليس لأحد من البشر مهما كانت منزلته حق التشريع، ومن نازع الله في حقه فهو الخاسر في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ..}[الشورى: الآية 21].

لقد اهتم الإسلام في تشريعاته الخالدة اهتماماً كبيراً في جوانب الحياة المختلفة التي تمس حياة الأفراد والمجتمعات الاجتماعية والاقتصادية عملاً وسلوكاً وتجارة وتعاوناً وتكافلاً، فرسم الطريق الصحيح للمجتمع الفاضل المتكامل الذي يسير وفق شرع الله فلا تؤثر عليه التيارات والرياح العاتية، متماسك البنيان، قوي الأركان، لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً.

وهنا يأتي الحديث عن التأمين بعد أن تعقدت الحياة وكثرت المنغصات فيها وتكالب الناس على المال من الحلال والحرام.

تعريف التأمين في اللغة:

التأمين في اللغة: من مادة أمن يأمن أمنا إذا وثق وركن إليه فهو آمن، وأمّنه تأميناً جعله في الأمن، وفرس أمين: القوي، وناقة أمون قوية مأمون فتورها، واستأمن الحربي: استجار وطلب الأمان، وبيت آمن: ذو أمن. قال تعالى:{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} [إبراهيم: الآية 35].

وفي بعض المعاجم يقال: أمَّن على ماله عند فلان تأميناً؛ أي جعله في ضمانه.

والتأمين في الاصطلاح:

اختلفت عبارات العلماء في تعريف التأمين، ولعل أقرب تعريف له أنه “عقد بين طرفين أحدهما يسمى المؤمِّن والثاني المؤمَّن له يلتزم فيه المؤمِّن بأن يؤدي إلى المؤمَّن لمصلحته مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع حادث أو تحقق خطر مبين في العقد، وذلك في مقابل قسط أو آية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمَّن له إلى المؤمِّن”، وعلى أي حال فمهما وجد الاختلاف بين العلماء في تعريف التأمين فهناك قدر مشترك يتفقون عليه، وهي العناصر الأساسية للتأمين من الإيجاب والقبول والعين التي قع عليها التأمين، وأن يدفع المؤمَّن له مالاً دفعة واحدة أو أقساطاً كما أن المؤمِّن يدفع عوضاً للمؤمَّن له إذا تعرضت العين للتلف أو الضرر.

ما يستفاد من التعريف:

1ـ أن التأمين عقد من عقود المعاوضات المالية بين عاقدين أحدهما يسمى المؤمِّن وهو شركة التأمين، والآخر المؤمَّن له ويسمى المستأمن.

2ـ أن عقد التأمين من عقود الغرر لأنه عقد مستور العاقبة فإن كلا من العاقدين لا يستطيع أن يعرف وقت العقد، مقدار ما يعطي أو يأخذ؛ لأن ذلك مرهون بحصول الحادث أو الموت وهو مجهول للعاقدين.

نشأة التأمين:

يرى بعض الباحثين أن فكرة التأمين كانت موجودة منذ القدم قبل ميلاد المسيح عليه السلام حيث وجد ضمان ما يتلف من الأسلحة التي ترسل عن طريق البحر إلى الثغور.

وعلى أية حال فالاتفاق واقع على أن التأمين البحري هو أقدم أنواع التأمين حيث جرى تطبيقه في القرن الثاني عشر الميلادي خصوصاً عند تجار مناطق البحر الأبيض المتوسط.

وفي منتصف القرن السابع عشر أخذ التأمين ضد الحريق طابعاً تجارياً في انجلترا وغيرها.

أما التأمين على الحياة، فقد بدأت بوادره في آخر القرن الثامن عشر مصاحباً للثورة الصناعية.

وفي القرن التاسع عشر بعد أن عمت الثورة الصناعية البلاد الأوروبية ظهرت فكرة التأمين ضد الحوادث لما كثرت حوادث القتل بسبب المعامل والمصانع، وكذا تعطل منافع الإنسان. وقد تأسس في انجلترا أول مكتب للتأمين سنة 1848هـ.

أما تاريخ التأمين في البلاد الإسلامية فهو قريب جداً بدليل أن فقهاء المسلمين حتى القرن الثالث عشر الهجري لم يبحثوا هذا الموضوع مع أنهم بحثوا كل ما هو محيط بهم في شؤون حياتهم العامة من عبادات ومعاملات وأحوال شخصية وعلاقات، والذي بين أيدينا من كلام أهل العلم أن أول من كتب عنه العلامة الحنفي ابن عابدين رحمه الله وذلك حينما قوي الاتصال التجاري بين الشرق والغرب واضطر التجار الأجانب المقيمون في البلاد الإسلامية إلى التأمين على نقل بضائعهم إلى بلاد المسلمين.

أنواع التأمين:

للتأمين عدة تقسيمات لاعتبارات مختلفة:

1ـ فينقسم من حيث شكله إلى قسمين: تأمين تعاوني: ويسمى التأمين التبادلي، والقسم الثاني: تأمين تجاري، ويسمى التأمين بقسط ثابت، فالتأمين التعاوني يقوم به عدة أشخاص يتعرضون لنوع من المخاطر وذلك عن طريق اشتراكهم بمبالغ تخصص لأداء التفويض المستحق لمن يصيبه منهم ضرر، وكل واحد منهم يعتبر مؤمِّناً ومؤمنًا له، وتدار هذه الجمعية بواسطة بعض أعضائها.

ولعل أقرب تصوير لهذه على أنها جمعية تعاونية تضامنية لا تهدف إلى الربح، وإنما الهدف منها التعاون لدرء المخاطر التي يتعرض لها الشركاء، وأما التأمين التجاري فهو المقصود عند إطلاق التأمين والمؤمن له يلتزم بدفع قسط ثابت للمؤمن ـ شركة التأمين ـ في مقابل تعهد الشركة بتعويضه عند الشرر، وهنا لا يعلم الطرفان قدر مجموع الأقساط التي تدفع ولا متى يقع الضرر ولا قدر ما يدفع عند حدوث الضرر، فالجهالة واضحة في هذا النوع والغرر ثابت فيه.

2ـ وينقسم التأمين من حيث موضوعه إلى قسمين: تجاري: ويشتمل على التأمين البحري والنهري والبري والجوي.

والقسم الثاني: تأمين الأضرار والأشخاص، ويشمل التأمين على الأموال والحوادث والإصابات الجسمية والتأمين على الحياة.

3ـ وينقسم من حيث العموم والخصوص إلى تأمين فردي وتأمين يتولاه بنفسه، وأما الاجتماعي فهو يشمل المجموعة التي تعتمد في معاشها على كسب أيديها، فتؤمن على نفسها مما تتعرض له من الأخطار كالأمراض والشيخوخة والبطالة والعجز وغير ذلك.

وظائف التأمين:

للتأمين وظيفة أساسية تتلخص في وقاية الفرد والمجتمع من آثار المخاطر المختلفة، فهو يبعث الاطمئنان والثقة في النفس ويقي من الخوف الذي قد يؤثر على النشاط التجاري في مختلف القطاعات.

1ـ فالتأمين أحد العوامل الأساسية للإنماء الصناعي لما يقدمه لأصحاب رؤوس الأموال من ضمان لسلامة أموالهم من الخطر.

2ـ وهو أحد عوامل اتساع نطاق التجارة؛ لأن التاجر إذا اطمأن على بضائعه التي يستوردها فهو سيقدم على توظيف أحوالهم دون تودد براً وبحراً وجواً.

3ـ وهو كذلك أحد العوامل في نشوء بيوت المال التي تستقبل الودائع وتفتح الاعتمادات وتمول المشاريع، فتستقطب أموال الناس وتنميها حسب نوعية تعاملها.

4ـ وهو أحد العوامل التي تقي المجتمع من التصدع والانهيار في الشؤون الاقتصادية؛ لأن أي مشروع يصاب بهزة أو نكسة سرعان ما يعاد بناؤه أو يبنى على أنقاضه مشروع آخر.

5ـ وهو أيضاً أحد العوامل المساعدة على الادخار وذلك بما يدفعه المؤمن له من الأقساط الثابتة التي تعتبر ادخار لدى المؤمِّن.

6ـ والتأمين أيضاً عامل من عوامل تحقيق الضمان الاجتماعي، ذلك أنه يحقق للأفراد ضمانات عما يصيبهم من الأخطار والأضرار فلا يكونون عبئاً على مجتمعهم وبلادهم.

ومع هذه الوظائف إلا أن له أضراراً من أهمها استخفاف المؤمن لهم بالحفاظ على أموالهم وأشخاصهم من التعرض للمصائب، بل قد يتجاوزون ذلك إلى افتعال الحوادث فيؤدي الأمر إلى كثرة الحوادث، وفي ذلك الضرر البالغ على الأفراد، ومن أمثلة ذلك استخفاف السائقين المؤمن لهم على أنفسهم على سياراتهم بقوانين السير وأنظمة المرور وما ينتج عن ذلك من تعريض أفراد المجتمع للأضرار دهساً وصدماً وتحميل المجتمع تعويضات باهظة.

أركان التأمين:

للتأمين ثلاثة أركان أساسية، وهي التراضي بين المتعاقدين، ومحل العقد، والسبب الذي يقوم عليه العقد.

فالتراضي اتفاق إرادتين أو أكثر اتفاقاً تترتب عليه حقوق معينة بشرط أن تكون الإرادة صادرة ممن هو أهل للإلزام والالتزام، وأن تكون الإرادة خالية عما يؤثر على صحتها؛ كعقود الغرر والغبن والغلط وغيرها.

أما محل العقد:

فقيل: هو الخطر منه، وقيل: بل هو الخطر وقسط التأمين والتعويض، وقيل: هو المصلحة التأمينية، وهي المصلحة الاقتصادية التي تربط المؤمن بالشيء المؤمن عليه، وعلى هذا فمحل التأمين هو المصلحة التي يحصل عليها المؤمن له من دفع الضرر عن كل ما يخاف عليه.

وأما الركن الثالث فهو السبب الذي يحمل كلاً من طرفي عقد التأمين المؤمِّن والمؤمَّن له إلى إبرام عقد التأمين بينهما، ومتى انتفى هذا السبب الذي يجعل المؤمن له يدفع القسط الدوري للمؤمِّن وانتفى الخطر الذي قد يلحق بالمؤمن له فهنا لا مصلحة في التأمين، وبالتالي فإن العقد يبطل لانعدام سبب الالتزام، فلابد من توفر الخطر والقسط ومبلغ التأمين والمصلحة التأمينية ليكون التأمين قائماً.

خصائص التأمين:

لعقد التأمين مجموعة من الخصائص ومنها:

1ـ أنه عقد من عقود التراضي لأنه صدر من إرادتين، هما أهل للإلزام والالتزام وسواء كان العقد مكتوباً أو شفاهاً.

2ـ أنه عقد احتمالي لأن الخسارة والربح لأحد طرفي العقد غير معروفة لأنها مترتبة على حصول الخطر وعدم حصوله.

3ـ التأمين عقد مستمر لا يتم الوفاء به فوراً، بل يأخذ مدة من الزمن هي مدة نفاذ العقد.

4ـ أنه عقد إذعان حيث يتولى أحد طرفي العقد وضع الشروط والضوابط ثم يعرضها على الطرف الآخر، فإن قبلها دون تعديل أو مناقشة تم العقد بينهما وإلا فلا.

5ـ التأمين عقد معاوضة من حيث أن كل واحد من طرفيه يأخذ مقابلاً لما يعطي.

6ـ أنه عقد ملزم للجانبين من بداية العقد، فأحدهما يسدد الأقساط، والثاني يدفع مقابل الخطر الذي يحل بالمؤمَّن له.

حكم عقد التأمين في الإسلام:

ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأصل في العقود والشروط الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه. وقد قال بذلك المالكية والشافعية والحنابلة، وبعض الحنفية وهو ما رجحه وانتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ” إن الأصل في العقود الصحة والجواز ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل الشرع على إبطاله وتحريمه بنص صحيح أو قياس صريح”.

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله بعد أن قرر بطلان قول من قال: إن الأصل في العقود والشروط والبطلان. قال رحمه الله: “وأن الأصل في العقود والشروط الصحة حتى يقوم الدليل على البطلان. وهذا القول هو الصحيح فإنه لا حرام إلا ما حرم الله ورسوله كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله”.

وبناء على هذه القاعدة وغيرها من قواعد المعاملات الشرعية اختلف الباحثون من المعاصرين ومن سبقهم في حكم التأمين التجاري. فمنهم من قال بتحريمه مطلقاً، ومنهم من قال بجوازه مطلقاً، ومنهم من فصَّل فحرم التأمين على الحياة وأجاز التأمين على الممتلكات وغيرها. وعامة الباحثين المعاصرين متفقون على مشروعية التأمين التعاوني لأنه قائم على التبرع المحض والإحسان، وليس فيه ربا، ولا أكلاً للمال بالباطل بل من باب تكافل المجتمع المسلم.

أدلة المانعين لعقد التأمين الذين قالوا إنه عقد محرم لا يجوز التعامل به:

1ـ أنه عقد من عقود المعاملات الملزمة وهو مشتمل على الغرر الكثير وما كان فيه غرر كثير فهو محرم لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر والحصاة.

فهو عقد تجاري ملزم فيه من المخاطرة الشيء الكثير، وكل من العاقدين ينشد الربح من رواء العقد.

وكل منهما لا يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي ويأخذ، ولا مدى كسبه أو خسارته حيث أن العقد معلق على أمر غير محقق الحصول وغير معروف وقت العقد، فهو من عقود الغرر.

2ـ وقال المحرمون لعقد التأمين إنه من عقود المقامرة، فهو ضرب من ضروبها لما فيه من المخاطرة ومن الغرم بلا جناية ولا تسبب ومن الغنم بلا مقابل أصلاً أو مقابل غير مكافىْ، فإن المؤمن له قد يدفع قسطاً واحداً فقط ثم يحصل الحادث فيدفع المؤمن ـ الشركة ـ كل التأمين وقد لا يقع الحادث أبداً فيغنم المؤمن ـ الشركة ـ كل الأقساط والله جل وعلا يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ..}[المائدة: الآية 90].

3ـ وقال المحرمون للتأمين إن فيه الربا بنوعيه؛ ربا الفضل وربا النسيئة، ذلك أن المستأمن يدفع ما عليه من العوض المالي كله، أو أقساطاً حسب مقتضى العقد ليأخذ المقابل من المؤمن ـ الشركة ـ بعد زمن أو يتحمله عنه إذا وقع الخطر، وهذا هو ربا النسيئة المحرم بالنص والإجماع، وهذان العوضان غير متماثلين، وهذا هو ربا الفضل المحرم بالنص.

4ـ واستدل المحرمون للتأمين بأنه من قبيل الرهان المحرم لأن كلاً منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام.

5ـ وقالوا أيضاً: إن عقد التأمين فيه إلزام ما لا يلزم شرعاً، ذلك أن المؤمن ـ الشركة ـ لم يُحدث الخطر ولم يتسبب في حدوثه، ففيه تضمين من لا يضمن. وأيضاً فالمؤمن ـ الشركة ـ يأخذ مال المستأمن دون أن يبذل عملاً له، فهو أكل للمال بالباطل، والله جل وعلا يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ..} [المائدة: الآية 29].

أدلة المجيزين لعقد التأمين الذين قالوا بجواز كل صوره وأنواعه:

1ـ استدل المجيزون للتأمين بقياسه على الوعد الملزم عند المالكية، وذلك أن يعد إنسان غيره بقرض أو تحمل خسارة مما ليس واجباً عليه في الأصل وأنه يلزمه الوفاء به، وهكذا التأمين هو وعد بتحمل نتائج الخطر يلزم الوفاء به.

ولكن هذا غير مسلم، فقياس التأمين على أصل مختلف فيه حتى عند المالكية والصواب منعه، ثم إنه قياس مع الفارق به واجباً أو من مكارم الأخلاق، بخلاف عقود التأمين فهي معاوضة محضة باعثها الربح المادي، فلا يغتفر فيها ما يغتفر في التبرعات من الجهالة والغرر.

2ـ قال المجيزون للتأمين: إنه من عقود المضاربة أو في معناها. ذلك أن شركة المضاربة قائمة على أن يدفع أحدهما مالاً للآخر يعمل به والربح بينهما وهكذا عقود التأمين، فالمستأمنون يدفعون الأقساط والشركة تعمل فيها والربح بينهما وبين المستأمنين حسب العقد معهم.

ولكن هذا غير مسلَّم، فالمال في المضاربة ملك لصاحبه بعكس عقد التأمين فالمال ينتقل إلى الشركة، ثم إن الربح في المضاربة يكون بين الشريكين بنسبة مئوية وأما في التأمين فالربح كله للشركة وليس للمستأمن إلا مبلغ التأمين قل الربح أو كثر.

3ـ وقال المجيزون لعقد التأمين إنه مقيس على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب فيصح ضمان المؤمن لما التزم به للمستأمن عند وقوع الخطر، ويجب عليه الوفاء به كما صح ضمان المجهول ووجب الوفاء به، وهذا غير مسلَّم، فالضمان نوع من التبرع الذي مبعثه الإحسان بخلاف التأمين، ثم إن الضامن لا يأخذ عوضا عن الضمان بخلاف التأمين، ثم إن الضامن يرجع على المضمون بما دفع عنه بخلاف التأمين.

4ـ وقال المجيزون للتأمين إنه مقيس على ضمان خطر الطريق، فإذا قال شخص لآخر اسلك هذا الطريق فإنه آمن وإن أصابك شيء فأنا ضامن، فإذا سلكه الشخص وهلك ماله لزم الضامن الضمان وهكذا عقد التأمين.

وهذا غير مسلم، ذلك أن الضمان نوع من التبرع القصد منه المعروف المحض، والتأمين عقد معاوضة القصد منه الربح المحض.

ثم إن الضامن يرجع على المضمون منه الربح المحض.

5ـ وقال المجيزون لعقد التأمين إنه مقيس على نظام التقاعد. فنظام التقاعد يقوم على اقتطاع جزء يسير من مرتب الموظف شهرياً ليعطى هو أو من يستحق من أسرته مرتباً شهرياً يتناسب مع خدمته ومرتبه عند التقاعد والتأمين كذلك.

وهذا غير مسلَّم، فنظام التقاعد مكافأة التزم بها ولي الأمر ووضع لها نظاماً راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف، فهو ليس من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها، بل هو مكافأة من الدولة لهذا الموظف الذي أفنى جزءًا من حياته خدمة للآخرين وقياماً بمصالحهم، أما عقد التأمين فهو قائم على المعاوضة المحضة الذي دافعها الربح المحض.

6ـ وقال المجيزون للتأمين إنه مقيس على نظام العاقلة، فإنها تتحمل شرعاً دية قتل الخطأ عن القاتل تخفيفاً لأثر المصيبة عن الجاني المخطئ وصيانة لدماء ضحايا الخطأ أن تذهب هدراً لأن القاتل خطأ قد يعجز عن دفع الدية فتضيع، وشركات التأمين قد وضعت نظاماً للتعاون على ترميم الأخطاء وتخفيف المصاب وجعلته ملزماً عن طريق الإرادة الحرة كما جعل الشارع نظام العاقلة إلزامياً دون تعاقد.

وهذا غير مسلَّم، فالأصل في تحمل العاقلة لدية الخطأ عن القاتل هو ما بينها وبينه من الرحم والقرابة التي تدعو إلى النصرة والتواصل والتعاون وإسداء المعروف دون مقابل، أما عقود التأمين فهي تجارية استغلالية تقوم على معاوضة مادية وهدفها الربح المادي فقط.

ثم إن ما يتحمله أفراد العاقلة يختلف حسب اختلافهم فقراً وغنىً وقرابة وصلة للجاني، أما في التأمين فأفراده سواء حسب العقد المبرم غنيهم وفقيرهم ذكرهم وأنثاهم.

7ـ وقال المجيزون لعقد التأمين إنه مقيس على عقود الحراسة، ذلك أن الحارس وإن كان مستأجراً على عمل الحراسة إلا أن المقصود هو الأمان والاطمئنان على سلامة الشيء المحروس، وعقد التأمين كذلك، فالمستأمن كالمؤجر كل منهما دفع جزءًا من ماله للمؤمن والحارس الذين أسباها أماناً عوضاً عما بذلاه من مال.

وهذا أيضاً غير مسلَّم؛ فالأمان ليس محلاً للعقد لا في الحراسة ولا في التأمين، وغنما محل العقد في التأمين الأقساط ومبلغ التأمين وفي الحراسة الأجرة وعمل الحارس،  أما الأمان فهو الغاية والنتيجة، ثم إن الحارس بذل عملاً يستحق عليه الأجرة بخلاف المؤمن الذي لم يبذل عملاً وإنما يذل إذا وقع الخطر فقط.

8ـ وقال المجيزون للتأمين إنه مقيس على الإيداع. ذلك أن أهل العلم أجازوا الإيداع بأجرة للأمين وعليه ضمان الوديعة إذا تلفت، وكذا التأمين يدفع للمستأمن مبلغاً لشركة التأمين على أن تضمن عند حصول الخطر.

وهذا غير مسلَّم، فالأجرة في الإيداع عوض عن حفظ الأمين شيئاً بحوزته يحوطه ويرعاه بخلاف التأمين فما يدفعه المستأمن لا يقابله عمل من المؤمن يعود للمستأمن وإنما المقصود ضمان الأمن والطمأنينة إذا حصل الخطر.

 ثم إن الضحية في الإيداع قاصر على ما يمكن التحرز منه وما لا يمكن التحرز منه، وهذا كاف في الفرق بينهما وعدم الشبه.

9ـ وقال المجيزون إن الحاجة ماسة إلى التأمين لإقامة المشروعات المختلفة لا يقوى عليها الأفراد وحدهم فدفعاً للمشقة والحرج وتيسيراً لطرق الحصول على ما تقوم به حياتهم قلنا بجواز التأمين.

وهذا غير مسلَّم، فالله جل وعلا شرع من المباحات ما تقوم به مصالح العباد من إقامة المشروعات التجارية وغيرها ولم يضيق الله على عباده، فما أباحه لهم من الطيبات وطرق كسبها أكثر بكثير مما حرمه عليهم مما يعود عليهم بالضرر، فليس هناك ضرورة معتبرة شرعاً تلجئ إلى الأخذ بالتأمين.

10ـ وأخيراً استدل المجيزون للتأمين بأن الأصل في العقود والمعاملات الجواز ما دامت لا تعارض كتاباً ولا سنة ولا مقصداً من مقاصد الشريعة، والتأمين كذلك، بل إنه ضرب من ضروب التعاون المفيدة في تنمية الثروة والصناعة والقضاء على الأخطار والأزمات.

وهذا كل غير مسلَّم، فالأصل في العقود محل خلاف بين أهل العلم، وإذا كنا نرجح أن الأصل الجواز فإن عقود التأمين قام الدليل على منعها من الكتاب والسنة، فهي رباً وقمار وغرر وأكل للمال بالباطل وفي كل ذلك ورد الدليل بمنعها.

ثم إن في التأمين مفسدة راجحة على ما فيه من مصلحة وتعاون، فهو من باب التعاون على الإثم والعدوان.

هذا خلاصة ما استدل به المجيزون للتأمين على إطلاقه، وأما الذين فرقوا بين صوره فأجازوا البعض منها ومنعوا الآخر، فنذكر منهم العلامة الشيخ عبد الله بن محمود رحمه الله فهو أكثر من نصر هذا القول، واستدل له وألَّف فيه رسالته المشهورة (أحكام عقود التأمين)، وقد أجاز التأمين على الممتلكات ومنع التأمين على الحياة، واستدل لذلك، وخلاصة الأدلة أن من فصَّل استدل لما منعه بأدلة المانعين واستدل لما أجازه بأدلة المجيزين.

قال العلامة ابن محمود رحمه الله: “وإنما موقفنا منه ـ التأمين ـ موقف التفصيل لأحكامه ثم التمييز بين حلاله وحرامه، والذي ترجح عندنا هو أن التأمين على حوادث السيارات والطائرات والسفن والمصانع والمتاجر أنه مباح لا محظور فيه، إذ هو من باب ضمان المجهول وما لا جيب، وقد نص الإمام أحمد ومالك وأبو حنيفة على جوازه، وهذا نوع منه يقاس عليه لإلحاق النظير بنظيره.

أما التأمين على الحياة فإنه غير صحيح ولا مباح لأننا لم نجد له محملاً من الصحة لأن وسائل البطلان محيطة به من جميع جهاته، فهو نوع من القمار ويدخل في مسمّى الربا…. ويدخل في بيع الدين بالدين…. أضف إليه أنها لا تقتضيه الضرورة ولا توجبه المصلحة….” انتهى كلامه.

وإن من القواعد المقررة في الشريعة أنه إذا تعارض المُحرَّم والمُبيح رَجَح المحرم، وإذا تعارض المانعُ والمقتضى قُدّم المانع”.

وتبين من خلال العرض السابق أن عقود التأمين وسيلة لكسب مادي وأخذ المال بغير جهد وتنمية للثروة بلا سبب، وتبين لنا أن فيها مقامرة وغرراً.

نسأل الله أن يوفق المسلمين للبدائل الإسلامية النافعة التي تدفع المجتمع للعمل والبناء وتنمية المال عن طريق الحلال.

البديل الإسلامي:

إقامة العدل في المجتمع ودفع الظلم عن الناس وتحقيق الأمن لكل مواطن وتأمين الحق لكل إنسان، كل ذلك من خصوصيات الدولة، فلا ينبغي لفرد أو شركة أو هيئة التدخل في ذلك، ولا استغلال لمكاسب مادية ومصالح شخصية مهما كان الربح فاحشاً.

ولقد وضع الإسلام مبادئ تكافلية وأنظمة اجتماعية لا ترقى إليها أدق الأنظمة البشرية التي تراعي جوانب على حساب جوانب أخرى، فهي تركز على المال واللذة والجنس والتمتع بزهرة الحياة الدنيا والاسترسال وراء شهواتها الحيوانية.

ومن أهم المبادئ التي راعاها الإسلام ما يأتي:

1ـ تأمين أسباب العمل للقادرين، وقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه للعمل كالاحتطاب والتجارة وشجعهم على ذلك، ودلهم على الطريق السليم الذي يضمن لهم مستوى من المعيشة بعيداً عن المسألة وانتظار ما بأيدي الناس.

2ـ كفالة العاجزين والمحتاجين من الأيتام واللقطاء وأصحاب العاهات، ورعاية الشواذ والمنحرفين واستصلاحهم، وكذا المطلقات والأرامل والشيوخ والعجزة والمنكوبين والمكروبين وغيرهم من الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة.

فهؤلاء اعتنى الإسلام برعايتهم وتعهدهم وأوجب على القادرين البذل لهم من فضول أموالهم ليواجهوا ظروف الحياة الصعبة. روى الطبراني عن علي بن أبي طالب t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقرائهم ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً أليماً).

والكفاية تعني تأمين السكن الصالح والغذاء الصالح والكسوة الصالحة.

3ـ تأمين وكفالة أصحاب الجوانح، فمتى وقع حادث أو أصاب الشخص جائحة أرضية أو سماوية فله حق السؤال. قال صلى الله عليه وسلم: (يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، ورجل أصابته فاقة).

4ـ التكافل التعاوني بين الأفراد بين العائلة الواحدة أو الحي الواحد أو المؤسسة الواحدة أو الشركة الواحدة، وهكذا وصدق الله:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: الآية 2]. وقال تعالى:{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }[الحشر: الآية 9].

وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

وهذا التكافل الذي نشير إليه يقوم على مبادئ وضوابط شرعية بحيث يدفع الشخص شيئاً من ماله على وجه التبرع ولا يطلب التعويض عنه إطلاقاً، بل يكون ذلك حسب نظر من يتولى إدارة المال وتنميته بالطرق الشرعية.

وكل هذه المبادئ تقوم على المحبة والأخوة والتسامح والتعاون والتراحم وتحقيق العدالة وكفالة المعيشة لكل من يعيش في ظلال الإسلام الوارفة.

لقد تكفلت شريعة الإسلام بتحقيق كل المصالح التي يحتاجها البشر وسبقت ما تزعم أنها تحققه شركات التأمين، كيف لا وفي شريعة الإسلام الحلول الكفيلة لكل ما جد وما يجد من المشكلات في كل زمان ومكان، وهي في كل ذلك تراعي الحقوق والعدل والصدق والأمانة والوفاء.

وبهذا الشعور النبيل والإيمان العميق تغلَّب المؤمنون الصادقون من سلف الأمة على ما واجههم وصادفهم من أزمات وضوائق وحل الرخاء في المجتمع، فبات كل فرد فيه آمناً على ما يملك من مسكن وأثاث وحاجات وممتلكات ثقة بالله الذي ضمن الرزق لعباده: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: الآية 22]، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود: الآية 6]، وما دام الرزق مضموناً فأي شيء يبحث عنه المرء وأي تأمين تحققه الشركات التي تسعى للربح على حساب الآخرين.

صلة التأمين بالعقود الشرعية:

هناك عقود شرعية حاكمة لبعض المعاملات التجارية، وقد قاس بعض علماء العصر عقد التأمين على هذه العقود، ولكن بعد التأمل والنظر يظهر أن هذا القياس غير منضبط ومن ذلك:

1ـ صلة عقد التأمين بالضمان:

قاس بعض العلماء عقد التأمين على عقد الضمان، ولكن يظهر أن هذين العقدين غير متماثلين، فمن أركان التأمين القسط وهو المبلغ المالي الذي يدفعه المستأمن لشركة التأمين مقابل تحملها خطراً، وفي الضمان لا يشترط دفع شيء للضمان مقابل تحمله الضمان.

وفي الضمان رجوع الضامن على المضمون عنه، وفي التأمين لا ترجع شركة التأمين على أحد.

ثم إن هدف التأمين تجاري محض وهدف الضمان الإحسان وفض المنازعات، وفرق كبير بين الهدفين.

2ـ صلة عقد التأمين بالإجارة:

قاس بعض العلماء عقد التأمين على الإجارة، وهو قياس غير سليم، بدليل أن الأجير لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط سواء كان أجيراً خاصاً أو مشتركاً.

ثم إن الأجير يباشر عمله حراسة أو مهنة، وأما الشركة للتأمين فلا تباشر عملاً له علاقة بالمؤمن له، بل تعطيه تعويضاً مقابل ما يصيبه من الشرر.

فقياس التأمين على ضمان الأجير لا يستقيم لما بينهما من الفوارق.

3ـ صلة التأمين بعقد الوديعة:

قاس بعض العلماء عقد التأمين على الوديعة، وهذا قياس غير منضبط، ذلك أن الوديعة مبعثها المروءة وخدمة الناس وقضاء الديون، ثم إن الوديعة تظل ملكيتها لمالكها له أن يستردها متى شاء ممن هي عنده. أما في التأمين فالأقساط التي يدفعها المؤمن له تصبح ملكاً للشركة لا يستردها بحال من الأحوال.

فالتأمين لا يشبه الوديعة بوجه من الوجوه.

4ـ صلة التأمين بعقد السلم:

قاس بعض العلماء عقد التأمين على عقد السلم بناء على أنه في كل منهما مصلحة للمتعاقدين. ولكن هذا القياس غير مسلَّم، فالمصلحة في السلم هي الحاجة الضرورية لأن أصحاب المزارع يضطرون للمال لشراء ما يحتاجونه للزراعة، أما التأمين فالمصلحة فيه عملية كسب بحت لأحد الطرفين فأين المصلحة لهما.

ثم إن التأمين ليس بيعاً ولا شراءً، فحياة الإنسان لا تباع ولا تشترى فأين إمكانية قياس التأمين على السلم.

صلة التأمين بعقد المضاربة:

قاس بعض العلماء عقد التأمين على عقد المضاربة، وهذا قياس غير مسلم، فالمضاربة تقوم على تبادل المنافع والتعاون وتهيئة الفرص للعاملين فأحدهما يقدم مالاً والآخر يقدم جهداً أو يستثمران المال، أما في التأمين فما يدفعه المستأمن للشركة المؤمنة يصير ملكاً لها تستغله فيما يعود عليها بالنفع.

وفي المضاربة يتحمل صاحب المال وحده الخسارة إذا لم يتعد المضارب ويفرط ويهمل، وفي التأمين تتحمل الشركة وحدها تعويض الأخطار، وإذا خسرت الشركة المؤمنة فلا يتحمل المستأمن شيئاً.

وهناك من قاس عقد التأمين على عقد الجعالة والهبة وغير ذلك ولكن كل هذه القياسات بعد التأمل يتبين عدم مطابقة المقيس على المقيس عليه كما قرر ذلك علماء الأصول.

آثار عقد التأمين:

لعقد التأمين آثار على المؤمن له والمؤمن:

فالمؤمن له يلتزم بما يأتي:

أ ـ تقديم البيانات وتقدير ما يستجد من الظروف فكل ما له صلة بالخطر الذي قد يصيب المؤمن له ينبغي أن يحاط المؤمَّن ـ الشركة ـ به ليكون على بصيرة.

ب ـ يلتزم المؤمن له بدفع أقساط مقابل التأمين ومتى أخل بهذه الأقساط فإن الخلل يصيب عقد التأمين.

ج ـ إعلام المؤمن بوقوع الخطر متى وقع ليدفع التأمين المتفق عليه، ويلتزم ـ المؤمن ـ الشركة بدفع عوض التأمين حال وقوع الخطر أو انتهاء أجل التأمين.

انتهاء عقد التأمين:

ينتهي عقد التأمين بانتهاء مدته ولذا لا بد من بيان المدة حال إبرام العقد.

وكذا ينتهي عقد التأمين بفسخ عقد التأمين من أحد الطرفين.

وكذا لو أخل أحدهما بالعقد بأن كذب أحدهما الآخر أو قدم معلومات مغلوطة تؤثر على سير التأمين.

وكذا إذا لم يدفع المؤمن له القسط الثالث.

وكذا هلاك المؤمن عليه كالمنزل والسيارة وغير ذلك يكون التأمين عن الحريق فيسقط المنزل أو تنتقل ملكية السيارة وهكذا.

وكذا إذا أفلس المؤمن ـ الشركة ـ فالعقد ينتهي في هذه الحالة.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

فهرس الموضوعات

الموضوع

المقدمة:
والمجتمع الإسلامي يقوم على أساسين اثنين:
تعريف التأمين:
نشأة التأمين:
أنواع التأمين:
وظائف التأمين:
أركان التأمين:
خصائص التأمين:
حكم عقد التأمين في الإسلام:
أدلة المانعين لعقد التأمين الذين قالوا إنه عقد محرم لا يجوز التعامل به:
أدلة المجيزين لعقد التأمين الذين قالوا بجواز كل صوره وأنواعه:
البديل الإسلامي:
صلة التأمين بالعقود الشرعية:
آثار عقد التأمين:
انتهاء عقد التأمين:
فهرس الموضوعات: