86 – من أحكام الغنيمة في الفقه الإسلامي

الأربعاء 19 رجب 1445هـ 31-1-2024م

 

86 –  من أحكام الغنيمة في الفقه الإسلامي pdf

 

  

رسالة بعنوان

من أحكام الغنيمة

في الفقه الإسلامي

 

تأليف

أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

  

بسم الله الرحمن الرحيم

 من أحكام الغنيمة في الفقه الإسلامي

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فبادئ ذي بدء لابد من بيان بعض المصطلحات التي ترد كثيراً في أبواب الفيء والغنيمة وتتردد كثيراً على ألسنة الفقهاء رحمهم الله.

ومن هذه الألفاظ والمصطلحات :

الغنيمة، الفيء، الرضخ، السلب، النفل، الصفيّ، الفارس، الراجل، السرية، الغلول.

فالغنيمة: هي مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر بالقتال.

والفيء: وهو ما صار للمسلمين من مال الكفار بغير قتال، أي بخوف وغير ذلك.

الرضخ: يقال: رضخ فلان لفلان من ماله إذا أعطاه قليلاً من كثير، وهو ما يعطى عادة للصغار والنساء ومن لا سهم له من الغنيمة.

السلب: ما كان على القتيل من سلاح وثياب وعدة حرب.

النفل: هو إعطاء الإمام أحد المقاتلين شيئاً زائداً على سهمه قبل القتال أو بعده.

الصفيّ: هو سهم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصطفيه من الغنيمة، إما فرس أو أمة أو عبد قبل توزيعها.

الفارس: إذا أطلق في هذا الباب فهو من قاتل على فرسه.

الراجل: إذا أطلق في هذا الباب فهو من قاتل ماشياً على رجليه.

السرية: القطعة من الجيش.

الغلول: السرقة من الغنيمة قبل تقسيمها، والأصل في مشروعية الغنائم قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً}(الأنفال: 69).

وهذه الأموال التي أباحها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم مما يحصلون عليه بسبب الحرب مما يجلبون عليه بخيلهم ورجلهم، أو مما يصل إلى أيديهم من غير جهد، كل ذلك حلال لهم تكرم من الله وفضل ورحمة لهذه الأمة خاصة، ولم تكن هذه الغنائم حلالاً لمن قبلنا.

يوضح ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولمّا يبن، ولا آخر قد بنى بنياناً ولمَّا يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنماً أو خلفات وهو منتظر ولادها، قال: فغزا فأدنى للقرية حين صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها عليَّ شيئاً فحبست عليه حتى فتح الله عليه، قال: فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه، فقال: فيكم غلول فليبايعني من كل قبيلة رجل فبايعوه فلصقت يد رجل بيده، فقال فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك فبايعته، قال: فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة فقال فيكم الغلول أنتم غللتم، قال فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب قال فوضعوه في المال وهو بالصعيد فأقبلت النار فأكلته فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا) ([1]).

فهي من كرامات هذه الأمة المرحومة وخصائصها لما ثبت في صحيح البخاري ومسلم (أعطيت خمساً لم يعطهن نبي من قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وبعثت إلى الناس عامة)([2]).

وهي من الأمور التي اختص الله بقسمتها بنفسه ولم يترك قسمتها لأحد، قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الأنفال:41).

قال أبو يوسف رحمه الله: “هذا والله أعلم فيما يصيب المسلمون من عساكر أهل الشرك وما أجلبوا به من المتاع والسلاح والكراع” ([3]).  

وقال أبو عبيد رحمه الله: “… فنفل الله هذه الأمة المغانم خصوصية خصّهم بها دون سائر الأمم، فهذا أصل النفل وبه سمّي ما جعله الإمام للمقاتلة نفلاً وهو تفضيله بعض الجيش على بعض بشيء سوى سهامهم يفعل ذلك بهم على قدر الغناء عن الإسلام والنكاية في العدو..” ([4]).

حفظ الغنائم:

وأما حفظها فعادة ما يخصص له شخص معين أو أشخاص يحفظونها، ويسمى الذي يحفظ الغنائم حتى يطلبها القائد القابض أو صاحب النفل، وعلى كل مقاتل أن يحضر ما يحصل عليه مهما كانت قيمته زهيدة، وإذا اجتمعت هذه الغنائم صغيرها وكبيرها قليلها وكثيرها سلمت للقائد الذي يتولى تصريفها حسب مصرفها الشرعي.

قسمة الغنائم:

وهي لمن شهد القتال من الرجال، وأما من جاء بعد انتهاء الحرب فإنه ليس له منها شيء، وكذا من انصرف قبل بدء الحرب فلا شيء له منها، ويستدل لذلك بما ثبت عن عمر رضي الله عنه: “الغنيمة لمن شهد الوقعة”.

والغنيمة تقسم أخماساً؛ فالخمس للنبي صلى الله عليه وسلم، والإمام من بعده يصرف في وجوهه وما يرى فيه مصلحة المسلمين، وبهذا قال الإمام مالك وغيره من أهل العلم، وأما الأربعة أخماس الباقية من الغنيمة فهي للذين غنموها، وقد وقع الإجماع على ذلك.

وممن نقل الإجماع ابن عبد البر، وابن المنذر، والداودي، والمازري، والقاضي عياض، وابن العربي رحمهم الله.

قال القرطبي رحمه الله:” كذا الأربعة الأخماس للغانمين إجماعاً…والأخبار بهذا المعنى متظاهرة”([5])، وعلى هذا فعموم آية الغنائم {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}(الأنفال: الآية 41)، مخصص بأمور مجمع عليها: كسب المقتول لقاتله إذا نادى به الإمام، وكذلك الأسرى أجمعوا أن أمرها يرجع إلى الإمام بما فيه مصلحة المسلمين، وكذا الأرض لا يجب أن تقسم على الغانمين وهو ما عليه عمل الخلفاء الراشدون وجمهور الصحابة رضوان الله عليهم.

وتقسم الغنائم على أساس أن للراجل الذي حضر المعركة وقاتل ماشياً على رجليه سهماً، وللفارس الذي قاتل على فرسه ثلاثة أسهم.

ويعطى النساء والصبيان والعبيد ممن يكونون في خدمة الجند وذلك بسقي الماء وتضميد الجراح والعلاج وتوزيع الطعام والسلاح ونقل ما يحتاجه الجنود، ولكن ليس لهؤلاء سهمٌ وإنما يعطون حسب ما يراه القائد، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم، وهذا ما يسمى بالرضخ.

حكم الغلول من الغنائم:

الغلول من الغنيمة: هو السرقة منها قبل أن تقسم، والأصل فيه قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}(آل عمران: 161)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أغزوا ولا تغلوا).

وقوله حينما قال الصحابة لرجل قتل في خيبر هنيئاً له الجنة: (كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم ولم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً) ([6]).

وقد نقل (غير) واحد من أهل العلم على أن الغلول من كبائر الذنوب، وصاحبه يفضح على رؤوس الخلائق يوم القيامة، وقليله وكثيره حرام كما صحّت بذلك الأخبار، لكن يعفى عن الطعام والشراب وما لا بد منه عند الحاجة إليه، كركوب الدواب ولبس الثياب واستعمال السلاح على أن يعيده بعد انتهاء المعركة.

قال ابن حجر رحمه الله: “.. والجمهور على جواز أخذ الغانمين الطعام وعلف الدواب سواء كان قبل القسمة أو بعدها …. واتفقوا على جواز ركوب دوابهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم وردُّ ذلك بعد انقضاء الحرب…”.

السلب:

والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين (من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه) ([7]). قال ابن حجر رحمه الله:”.. ذهب الجمهور إلى أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلاً فله سلبه أو لم يقل…، وقد ثبت ذلك في حروب كثيرة في عهده صلى الله عليه وسلم”([8]).

وقال بعض أهل العلم: إن القاتل لا يستحق السلب إلا بإذن الإمام وموافقته، وهذا هو الصحيح إن شاء الله.

قال العلامة القرطبي رحمه الله: “… فهذا يدل دلالة واضحة على أن السلب لا يستحقه القاتل بنفس القتل، بل برأي الإمام ونظره…” ([9]).

النفل:

هو تنفيل بعض الجنود شيئاً زائداً لأنهم أظهروا بلاء في المعركة، أو أقدموا على أمور عجز عنها غيرهم، أو غير ذلك مما يراه الإمام ويرى فيه مصلحة للمسلمين.

وقد اختلف فيه أهل العلم خلافاً واسعاً، والصحيح إن شاء الله أن ذلك كله مرجعه للإمام فله فعله قبل القتال من باب التحريض وتقوية العزائم، وله فعله بعد القتال من باب المكافأة والتشجيع لمن أبلى بلاء حسناً، وله أن يعطي تأليفاً للقلوب لمن هم حديثو عهد بإسلام، وكل ذلك فعله الرسول صلى الله عليه وسلم. 

الفيء:

الأصل فيه قوله تعالى:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(الحشر: 6، 7).

والفيء لجميع المسلمين الغني والفقير ينفق منه الإمام في المصالح والنوائب، وهذا ما ثبت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم، وقد رجح ذلك العلامة ابن رشد، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم رحمهم الله؛ فالأمر موكول لنظر الإمام يصرفه في مصالح المسلمين وما يعود عليهم بالنفع([10]).

أسأل الله بمنه وكرمه أن ينصر المسلمين على أعدائهم، وأن يعلي من ينصر الإسلام ويدافع عن شرع الله، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأن يزيدها أمناً وطمأنينة واستقراراً إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه البخاري، في كتاب الخمس، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (أحلت لكم الغنائم) برقم (4862)، ومسلم في الجهاد والسير، باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة، رقم (1747).

([2]) رواه البخاري، كتاب التيمم، باب الصلاة على النفساء وسنتها، رقم (332) واللفظ له، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم (521) من حديث جابر رضي الله عنه.

([3]) كتاب الخراج لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، ص (19).

([4]) الأموال، ص (430).

([5]) تفسير القرطبي (8/3).

([6]) رواه البخاري في الأيمان والنذور، باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزرع والأمتعة (6707)، ومسلم في الإيمان، باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون (115).

([7]) فتح الباري (6/ 255).

([8]) فتح الباري (6/188).

([9]) تفسير القرطبي (8/8).

([10]) بداية المجتهد (2/493)، السياسة الشرعية (44- 46)، زاد المعاد (3/221 -222).