127 – وصايا للمرأة المسلمة

الثلاثاء 25 رجب 1445هـ 6-2-2024م

 

127 –  وصايا للمرأة المسلمة pdf

 

 

رسالة بعنوان

وصايا للمرأة المسلمة

 

تأليف

أ.د/ عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

 

الحلقة الأولى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهنيئاً لمن كان منتظماً في سلك الأخيار يعين الناس ويقضي حاجاتهم ويؤدي ما افترض الله عليه، يحب الناس ويحبونه، أولئك الذين لهم القبول في الأرض من رجال ونساء قدوتهم خير الأنام صلى الله عليه وسلم وهدفهم طاعة الرحمن، ينظرون إلى الدنيا على أنها دار ممر، يتزودون منها بما ينفع فقط، وفي هذا الصدد تتساءل كثير من الأخوات قائلة إني أريد طريق الخير وأحرص عليه فكيف أبني نفسي وأوطنها في هذا الجو الصاخب.

وأقول لهؤلاء إليكن هذه الوصايا لعل الله أن ينفع بها:

1) الصلاة؛ كثير من النساء تتهاون في موضوع الصلاة فتؤخرها عن وقتها لانشغالها بأعمال البيت.

2) اقرئي القرآن واحرصي أن يكون لك ورد يومي؛ عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها).

3) أكثري من ذكر الله في كل حين وعلى كل حال؛ لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله.

4) احرصي على طول الصمت وقلة الكلام؛ إلا فيما ينفع.

5) احذري من الغيبة.

6) احذري من النميمة.

7) احذري من السخرية والاستهزاء بالغير؛ من رجال ونساء.

8) تعلمي ما ينفع واحرصي على قراءة ما يفيد؛ واحذري من عدم الإخلاص في النية لطلب العلم، فكل عمل لا يقبل إلا بشرطين: الإخلاص، وأن يكون صواباً. أما أن يكون الهدف والمطمع نيل الشهادة فقط فبئس ذلك هدفاً.

9) احذري من سماع المحرم؛ كآلات اللهو والكلام البذيء.

10)  الله  الله في الحشمة واللباس الساتر؛ فذئاب البشر حريصون على تفسخك وعريك من أجل أن ينالوا مقصودهم ثم ليلفظونك كما لفظوا غيرك.

11) اعرفي من تجالسين؛ فالمرأة الصالحة تحرص على مجالسة أهل الخير من بنات جنسها (مثل الجليس الصالح والجليس السوء).

12) احرصي على التوجيه لبنات جنسك؛ في أي مجلس تجلسينه في الفصل والمدرسة والبيت والمناسبات لتكوني شمعة تضيء للآخرين ولتتحقق فيك الخيرية الموعودة لهذه الأمة.

13) احرصي على اختيار ما تقرئين؛ واحذري من المجلات الهابطة والصحف الماجنة لئلا تكوني ضحية من ضحايا دعاة السوء ومروجي الرذيلة، وعليك بقراءة ما ينفع لأنه من الزاد الذي تتزودين وتستعدين به للموت وما بعده.

14) احذري من الخروج للأسواق؛ ومزاحمة الرجال وكثرة الحديث معهم فكثرة الإمساس تقلل الإحساس، وإذا كانت هناك ضرورة فعليك بالستر والعفاف، وأن يكون ذلك مع محرم لئلا تعرضين نفسك للأذى.

15) أتدرين من يرغب الشباب بهم من النساء؟ إنهم يرغبون في العفيفات اللواتي اكتملت شخصيتهن واتخذن من البيت مكاناً للتعليم والفائدة لا يعرفن في الغالب إلا المدرسة والبيت، ستر وعفاف صيانة وحفظ أمانة وتقي وعي وثقافة.

16) عليك باستغلال الوقت؛ والاستفادة من كل دقيقة من عمرك.

17) تقربي إلى الله بالنوافل والطاعات.

18) دعاة السوء حريصون على هدم أخلاقك.

19) البر بالوالدين نعمة عظيمة؛ تجد المرأة حلاوتها وهو دينٌ تقرضه لأبنائها.

20) القيام بشئون البيت.

21) علامات الخير واضحة وأمارات السوء بيّنة؛ فاحرصي على ألا تظهر عليك شيء منها، واعلمي أن الناس يتحدثون عن أمثالك، فإما أن تُذْكر البنت ويثني عليها خيراً أو العكس، ولذا يتسابق الشباب إلى بعض البنات العفيفات المستقيمات ويحجمون عن البعض الآخر اللواتي يدور حولهن بعض الكلام.

22) الحجاب الشرعي المطلوب؛ ينبغي أن تتوفر فيه الضوابط التالية:

أ- استيعاب جميع البدن.

ب- ألا يكون زينة في نفسه.

ج- أن يكون سميكاً لا يشف ما تحته من الجسم.

د- أن يكون فضفاضاً واسعاً غير محدد للأعضاء.

ه- ألا تصدر منه رائحة الطيب وما يلحق به.

و- ألا يكون على هيئة تشبه لباس الرجال.

ز- ألا يكون على هيئة تشبه لباس الكافرات.

ح- ألا يكون لباس شهرة تتميز به.

23) البيت المثالي:

ما أروع أن يعيش الإنسان سعيداً هنيئاً في بيته ليس هناك ما يكدر عليه، يعيش في بيت مثالي، أُسس بنيانه على التقوى، بيتٌ بسيطٌ في كل جوانبه المادية والمعنوية، بيتٌ طاهرٌ نظيفٌ، يقوم بناؤه على السكينةِ والمودةِ والرحمةِ، تعلو فيه الابتسامة الصافية الرقيقة التي لها أثر في نفس المبتسم له، هذا البيت يتساعد جميع أفراده ويتوازعون العمل فيما بينهم كل حسب طاقته وإمكاناته ورغباته، ويتربى فيه الأطفال تربية جسدية وعقلية ونفسية.

24) المرأة والعاطفة:

كثيراً ما تدفع العواطف المرأة للإعجاب بأشخاص ونساء ليسوا أهلاً للإعجاب وسريعاً ما يسقطون لأنهم لم يبنوا حياتهم على أساس مكين، ولذا على المرأة أن تحكِّم عقلها وتنظر للنصوص الشرعية في هذا الباب وتجعل قدوتها أمهات المؤمنين والصالحات من سلف المؤمنات.

25) أم سلمة أم المؤمنين:

المرأة المسلمة العالمة التي نقلت لنا شيئاً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي المسلمة الداعية حيث نقلت لنا شيئاً من المعاناة نقلاً واقعياً تطبيقياً.

المسلمة المهاجرة، الصابرة، اللبيبة الذكية، الرائدة حينما عوضها الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب في زواجها وخافت من غيرتها قالت إنها مُسنَّة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذر لها ويدعو لها أن تذهب غيرتها ويدعو لابنتها أن تكون في رعاية الله ورسوله، وهكذا نتعلم درساً بليغاً من أم سلمة في رجاحة عقلها وسمو أخلاقها وصبرها وجهادها وأخيراً ما عوضها الله به من جوار خير البرية صلى الله عليه وسلم.

26) ميزان التفاضل بين النساء:

ليس التفاضل بين النساء في الأكثر جمالاً أو الأكرم نسباً أو الأحسن طهياً أو الأفضل علاقات وتجارة وغير ذلك. بل التفاضل بقول الحق تبارك وتعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، وقوله عن المؤمنات: {مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} [التحريم:5].

فالمرأة ليست أجمل متزينة أو أنجح طاهية أو أكثر مقتنية للجواهر والزينة أو أجمل أثاثاً في بيتها الجميل الذي تظهر عليه علامات الثراء، ليست هذه هي الخيرية إنما الخيرية في المسلمة المؤمنة القانتة التائبة العابدة السائحة.

27) المرأة وملكات الجمال:

لقد كثرت ملكات الجمال في هذا الزمان حتى أصبحن أكثر من الهم على القلب، وأكثرهنَّ يشبه دود القطن نعومة والتواء وقلة كساء وعدم حياء، ولذا فإن جاز التعبير فإن هذا مرض من أمراض العصر الخطيرة، وهو حمى ملكات الجمال، وهو مرض معدٍ ومن الأمراض الوبائية الفتاكة، وهو مرضٌ يعيب النساء دون الرجال.

28) المرأة والحب:

الحب شيء جميل وصفة طيبة يحرص عليها العقلاء من البشر لأن الطبيعة البشرية تحب الجميل من الأشياء وتميل إليه النفس، والحب هو الميل بشفق مع شيء من التفكير والإعجاب وهو من صفات المؤمنين مع خالقهم {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة: 54].

فالحب في أصله محمود لأنه دليل على صفاء الفطرة ونقائها وطهرها، ولكن لا بد أن يكون حباً صادقاً مجرداً عن الهوى والأطماع.

فالمحب لله محبوبٌ في نفسه محبوبٌ عند الآخرين، لأن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه.

وكلمة الحب تعني الإعزاز والتقدير والاحترام، وهكذا إذا أحب الرجل المرأة تقدم لخطبتها وليس هناك طريق آخر غير الزواج الشرعي، لكن الناس ارتكبوا باسم الحب أغلاطاً وأخطاءً جسيمة، فحولوه من الطهر والعفاف إلى حمأة الرذيلة ومستنقع الفساد، خربت البيوت باسم الحب وضاعت الأمانات وسلك الناس مسالك الشيطان.

لقد جاوز الكثيرون والكثيرات الحدود فأجرموا باسم الحب، وارتكبوا الخيانة باسم الحب، وكسروا حواجز الفضيلة باسم الحب. لقد بالغوا في ظلم هذا الخُلُقُ الطاهر.

فأين العقول المفكرة؟ وأين القلوب الصافية؟ وأين التفكير السليم؟ فاحرصي يا أختاه على سد أبواب الفساد، والبعد عن مواقع الزلل لئلا تندمي ولات ساعة مندم.

29) أم المؤمنين خديجة الزوجة الوفية:

لله درُّ خديجة تلك الزوجة الكريمة أم المؤمنين رضوان الله عليها، لقد كانت نعم الرفيق المخلص في دروب المحنة، التقي إخلاصها ووفاؤها بوفاء وأمانة النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم منذ الساعة الأولى من فجر النبوة، فأثمر حميّة وإقداماً وتضحيةً وجهاداً، فلا غرو أن رفع الإسلام مكانتها، وأعلى شأنها، كيف وهي من أول من أسلم، جاهدت بمالها ووقتها وفكرها في سبيل الله.

لقد كانت العضد الأقوى والساعد الأشد لزوجها العظيم في ساعة العسرة، ولذا كان جوابها له بعد أن جاءها خائفاً وجلاً “والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتُعين على نوائب الحق؛ فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة”. وقد أقرأها ربها السلام وكافأها بقصرٍ في الجنة.

30) هذه صفات امرأة ليست من أهل الدنيا:

نظر خالد بن صفوان إلى جماعة في المسجد بالبصرة فقال ما هذه الجماعة؟ قالوا على امرأة تدل على النساء فأتاها فقال لها: أبغني امرأة. قالت: صفها لي. قال: أريدها بكراً كثيِّب أو ثيباً كَبكر، حلوة من قريب، فخمة من بعيد، كانت في نعمة فأصابتها فاقة، أدب النعمة وذل الحاجة، فإذا اجتمعنا كنَّا أهل دنيا، وإذا افترقنا كنَّا أهل آخرة. قالت قد أصبتها لك. قال: وأين هي؟ قالت: في الرفيق الأعلى من الجنة فأعمل لها.

31) امرأة واحدة ولكن لكل الرجال:

خرجت المرأة من بيتها إلى الأسواق وقد لبست أحسن الثياب، وتطيبت بأنفذ الأطياب، وصبغت وجهها بأغلى الأصباغ، ولبست ما عندها من حلي، وأرسلت شعرها، ولبست أغلى ما عندها من الأحذية، وأخذت تمشي هنا وهناك متمايلة حريصة على الإغراء والإغواء وإظهار المفاتن.

خرجت ولسان حالها يقول: ألا تنظروا لهذا الجمال؟ إنها كمن يعرض نفسه ويعترض بها. لقد تلاقت عليها الأنظار وتهاونت نحوها قلوب ملئها الشهوة الجامحة، غير مبالية بالعواقب وكأنها ملكٌ للجميع، ولذا صح أن يقال لها: ” امرأة ولكن لكل الرجال”.

32) المرأة والأزياء:

المرأة المسلمة يجب عليها أن تلتزم بالسلوك الإسلامي الراشد الذي يعبر عن عقيدتها وإسلامها، ولذا لا تكترث بالبون الشاسع بين مظهرها الإسلامي الملتزم والأخريات من المتبرجات الكاشفات العاريات، ومما يؤثر في السلوك هذه الموضات الحديثة والأزياء المتعاقبة المتلاحقة في كل فصل، ومن كل لون مناسبة والتي يمتلئ بها الشارع، محاطة بالأضواء والدعايات والمغريات، وكل يوم تدفع بيوت الأزياء جديداً، تهدف من ورائه الاستحواذ على اهتمام الرجال والنساء معاً علاوة على إثارة الجنس وإبراز المفاتن. إن الأزياء وغيرها لا تُصنع لهدفٍ صالح، بل الهدف من ورائها إفساد المرأة.

33) المرأة والبحث عن طريق الجنة:

روي أن أسماء بنت يزيد الأنصارية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إن الله بعثك للرجال والنساء فآمنا بك واتّبعناك، ونحن معاشر النساء مقصورات مخدرات قواعد بيوت ومواضع شهوات الرجال وحاملات أولادهم، وإن الرجال فُضلوا بالجماعات وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا لهم أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه إلى أصحابه وقال: (هل سمعتم امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟) فقال: (انصرفي يا أسماء وأعلمي من وراءك من النساء إن حُسن تبعُّل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال)، فانصرفت وهي تهلل وتكبر.

يا لها من رسالة خالدة ومسئولية عظيمة، فتنال أجر الجهاد وهي في بيتها، وتنال ثواب الجماعة وهي تصلي في غرفتها، وتنال شرف الجهاد وتكسب ثوابه وهي لم تغادر بيتها.

الرسول صلى الله عليه وسلم يربط مصيرها بمصير زوجها ورضاها برضاه، يدخل البيت فيجد البلسم الشافي، يأتي البيت مثقل القلب بهموم الحياة فتلقاه بصدرٍ حانٍ تمسح ألمه وتزيل همه وتواسي جرحه. تترك همومها لهمومه وأهواءها لأهوائه، تقدمه على نفسها لتوفر له الجو والسكينة والطمأنينة، وهنا تحصل على هذا الأجر العظيم.

إن هذا الموقف العظيم حينما تقفه المرأة من زوجها يعدل التضحية بالدم والمال في سبيل الله وإنه لسهلٌ على النساء ولكن يحتاج إلى صبر وتفكير في العواقب.

34) شهادة حق واعتراف:

هذه شهادة واعتراف من صاحبة خبرة طويلة في عالم الشهرة سئلت عن الشهرة في نظرها؟ فقالت: لا تساوي لحظة حب ودفء وحنان.

وسُئلت عن الكلمة الحلوة؟ فقالت: يفتقدها الزوج من زوجته وتفتقدها الزوجة من زوجها. وسُئلت عن ربة البيت؟ فقالت: هي من أسعد مخلوقات الله، وسُئلت عن الطموح؟ فقالت: أن ينجح الرجل في بيته وأن تنجح المرأة في بيتها. وسُئلت عن التعاسة؟ فقالت: أن تنجح المرأة في عملها وتفشل في بيتها. وأخيراً سُئلت عن أمنيتها؟ فقالت: أن تعود المرأة إلى البيت تربي أولادها وترعاهم وتترك ميادين العمل للرجال.

 

الحلقة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد تكفل الإسلام ببيان أحكام الأسرة، مع الإشارة إلى أسرار التشريع مفصلة تارة ومجملة أخرى بآيات وسور متعددة وأحاديث كثيرة من إرثٍ ووصيةٍ ونكاحٍ وطلاقٍ، وبيَّن أسباب الألفة ووسائل حسن العشرة، وشيَّد صرح المحبة بين أفرادها على تأسيس حقوق معلومة في دائرة محدودة، فمتى رُوعيت تلك الحدود ونُفذت تلك الآداب عاشت الأسرة في أرغد عيش وأهنأ حياة.

وحذَّر الإسلام من هدم الأسرة، وحثَّ على تماسكها واتحادها، ونفَّر من كل ما يدعو إلى تفكك عراها.

1) ومن ذلك الطلاق؛ وهو أشد الأضرار في المجتمع، فكم جرَّ من مصائب، وفرَّق أسراً، وفصل بين زوجين، وذهب بأطفالهما في أودية الحيرة والضياع، إذ فقدوا عطف الأبوة وحنان الأمومة وأصبحوا كالُّلعبة بين أسرتي الأبوين يتقاذفونهم يوماً هنا ويوماً هناك.

2) ومن ذلك عقوق الوالدين؛ فقد حذَّر الشارع الحكيم من عقوقهما واعتبره من أعظم المعاصي التي تعجل عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، ورغَّب في برِّهما والإحسانِ إليهما وملاطفتهما وتقديم حقوقهما على حقوق كل أحد، بل لقد ربط الله حقهما بحقه سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}[الإسراء:23]، وقال تعالى:{أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان: 14].

وقال صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ، وَثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، وَالرَّجِلَةُ – وهي المتشبهة بالرجال –).

وقال صلى الله عليه وسلم: (كل الذنوب يؤخر الله ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات).

وقد جاءت أحكام الأسرة مجملةٌ في أصول عامة وقواعد كلية لتؤخذ منها أحكام بحسب تجدد الوقائع، ولذا وردت تفصيلات أحكامها وآدابها في كتب السنة وكلام أهل العلم.

ومن أهم الآداب التي ينبغي مراعاتها ما يأتي:

* آداب العشرة بين الزوجين:

أمر الله جل وعلا بمعاشرة النساء بالمعروف على حب ما جبلت عليه، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}[النساء: 19].

وقال صلى الله عليه وسلم: (خَيرُكُمْ خَيرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيرُكُمْ لأَهْلِي).

وقال علي رضي الله عنه: “عقل المرأة جمالها، وجمال الرجل عقله”.

وحسن الخلق ذهب بخيري الدنيا والآخرة، والرجل يبلغ بحسن خلقه منازل في الجنة لا يبلغها بعمله، ومن حسن العشرة مع الأهل: أن يتحمل كل منهما أذى الآخر ويتغاضى عن الهفوات مقابل ما يلقاه من صفات الخير الأخرى.

ومن حسن العشرة: الممازحة والملاطفة والمداعبة، ففي ذلك تطييب للقلب وجبر للخاطر.

ومن حسن العشرة: ألا يحمل كل واحد منهما صاحبه فوق طاقته، فالقناعة تعمر البيوت، وتوقع الألفة، والجشع والطمع يضعفان المحبة ويجلبان الكراهية والبغضاء.

ومن حسن العشرة: أن تكون المرأة بارّة بزوجها تقدم حقه على حقها، ومن أكمل أنواع البر تقديم حق والدته والاعتراف بفضلها لأن ذلك يريح الزوج ويجعله يعيش عيشة مستقرة، وعلى العكس إذا نشب الخلاف بين الزوجة والأم انقلبت الحياة إلى جحيم لأن الزوج يعيش في صراع

مرير بين رغبات والدته ورغبات زوجته.

ومن حسن العشرة: عدم الشكوى من الزوجين لأحد فتبقى الأمور خاصة بينهما ما لم تصل الحال إلى طريق مسدود، فهنا يحسن الاستشارة وعرض الأمر لا على أنه شكوى وإنما بحثاً عن الحلول السليمة.

* آداب المباشرة بين الزوجين:

من آداب المباشرة:

ذكر اسم الله؛ يقول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال باسم الله اللهم جنّبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما في ذلك لم يضره الشيطان أبدا).

ومن الآداب: ستر ما يجري بينهما في هذه الحالة وعدم التحدث به لأحد كائناً من كان، لأن هذا الأمر خاص بين الزوجين لا يطّلع عليه أحد غيرهما.

* الآداب التي تخص علاقات الآباء بالأبناء:

من ذلك:

 1) حسن اختيار اسم الولد؛ بتسميته باسم حسن، وتلقيبه بلقب جميل، فشرف الاسم لصاحبه وحسن اللقب رفعة للملقب به، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الأسماء الحسنة ويغير الأسماء القبيحة.

وإني لأعجب من فئات يحرصون على الأسماء الغربية الناشزة، وأحياناً التشبه بالكفرة والعابثين واللاهين ويتركون أسماء الأنبياء والصحابة والصالحين ممن سلف، ولكنها الانهزامية أمام كل جديد وعدم الارتباط بماضي الأمة التَّليد.

2) ومن ذلك أن يعقَّ عنه؛ فكل غلامٌ مرهونٌ بعقيقته، للغلام شاتان وللبنت شاة أو ما في حكمها مما يقوم مقامه.

3) ومن ذلك أن يعين الأب ابنه على برِّه؛ بحسن المعاملة ورشيد التربية، والأمر بما يستطاع ورحم الله والداً أعان ولده على برِّه.

4) ومن ذلك منح الأب ولده العطف والرحمة والعناية والرعاية؛ ليحس الولد بطعم الحياة وسعتها، وصدق حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: (إن من لا يرحم لا يرحم). (ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه).

5) ومن ذلك أمر الأب لولده بالصلاة؛ إذا بلغ سبع سنين لينشأ على حبها والتعلق بها، وإن لزم الأمر فيضربه عند تركها إذا بلغ الولد عشر سنين.

6) ومن ذلك اهتمام الأب بأولاده بتأديبهم وتعليمهم وتهذيب سلوكهم؛ طاعة لله جلَّ وعلا حيث يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]، وقد ورد (ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن). وليحسن الأب اختيار شريك الحياة لابنته من أهل الدين والتقى لأن ذلك من مقتضى الأمانة المنوطة به.

7) استئذان الأبناء عند الدخول على الأبوين في الأوقات الخاصة؛ وقد تساهل الكثيرون بهذا الأدب الرائع، فنشأ عن ذلك الإطلاع على ما لا يحمد، وقد أدّبنا الله بهذا الأدب في آية الاستئذان، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ}[النور: 58].

8) ومن ذلك إشاعة المحبة والألفة بين الأولاد؛ في المنزل والعدل بينهم في العطف والتسوية في كل شيء حتى لا يقع في قلب واحد منهم بغض لأخيه أو غيرة منه، ولعل في قصة يوسف شاهد واقعي لما نقول، وصح عنه صلى الله عليه وسلم قولهُ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بيْنَ أَوْلَادِكُمْ).

9) ومن ذلك عدم الدعاء على الأولاد؛ وهذا مما يؤسف له كثير في مجتمعنا، وهو عادة قبيحة وأكثر ما يكون ذلك من الأمهات مع أولادهن، ولو أنها بدل الدعاء عليه دعت له بالهداية والصلاح لكان ذلك أفضل وأحسن. وقد حذَّر من ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم فقال: (لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ).

* الآداب التي تخص علاقة الأسرة بغيرها:

1) من ذلك علاقة الأسرة بالقرابة وذوي الأرحام؛ ويكون ذلك بالصلة والمودة والإحسان إليهم، والزيارة لهم، والتفقد لأحوالهم، والسؤال عنهم.

2) ومن ذلك علاقة الأسرة بالخدم؛ وذلك بالإحسان والرفق، وترك التكبر عليهم أو أذيتهم، والحرص على راحتهم وعدم تحميلهم ما لا يطيقون من الأعمال، وإعطائهم مستحقاتهم في وقتها. فا الله جل وعلا سائلنا عن ذلك، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (هم إخوانكم جعلهم اللَّه تعالى تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما لا يطيقون).

3) ومن ذلك علاقة الأسرة بالجار؛ وذلك بإكرامه والإحسان إليه، وترك أذيته وسبابه، وإطعامه من فضول الطعام، وحفظه في حضوره وغيبته. صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ).

4) ومن ذلك أدب الدخول على بيوت الآخرين؛ فيبدأ المسلم بالاستئذان ثلاث مراتٍ لأنهم في المرة الأولى يُنصتون، وفي الثانية يستصلحون، وفي الثالثة يأذنون أو يردون، ويكون ذلك بالتسليم قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا..}[النور: 27].

وإذا لم يؤذن له بعد الثالثة ينصرف وقلبه طيب، {وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ}[النور:28]. ولا يقف مستقبلاً الباب، بل يقف حال استئذانه عن يمين الباب أو شماله.

5) ومن ذلك أدب خروج المرأة؛ حيث أوصاها الإسلام بالحجاب حرصاً عليها وحفاظاً لها من العابثين أصحاب السهام القاتلة، ولما في الحجاب من الستر والعفـاف والصون، وصدق الله العظيم:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}[النور: 31].

وقد شدّد الشرع في نهيه عن السفور والتبرج لما في ذلك من الأخطار الظاهرة على الأخلاق والآداب والأعراض {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31].

وبهذه الآداب بعث الإسلام في الأسرة الحب والتعاون والمودة والإخلاص لتنظيم المجتمع، والسمو به إلى الخير والعدالة والطهر والشرف والإخاء، وصانها عن مزالق الرذيلة ومواطن الفرقة والبغضاء؛ فأصبحت أسرة قوية سليمة البنيان وهي النواة للمجتمع المسلم الكبير.

ولعلي أركز في حديثي على أدب من الآداب الواجبة التي فرّط فيها الكثيرون وهو أدب علاقة الأبناء بآبائهم فأقول:

يكون الطفل في رحم أمه تكابد مشاق الحمل والوضع، ثم إذا وضعته ترضعه وتطهره من الأخبثين، وتتحمل أذاه وتفديه بنفسها وما تملك، وتتكرب بأدنى ما يصيبه حتى يشب عن الطوق، وكذلك والده يحبه ويعطف عليه ويجتهد في تحصيل مطاعمه ومشاربه وملابسه ويكفي جميع مؤنته.

وهنا لا بد من برهما وخفض الجناح لهما طاعة لله وشكراً لهما، وعقوق الوالدين هو الخسران المبين في الدنيا والآخرة.

الولد غراس الوالدين ونتاجهما، وهما سبب وجوده وسعادته، فإذا أثمر هذا الغراس طاب لهما أن يقطفا من ثمره، وأطيب ما يأكل الإنسان من كسب يده.

وشروط البر ثلاثة:

1) أن يؤْثر الولد رضا والديه عليه.

2) طاعتهما في كل شيء؛ سواء وافق رغباته أو لا، ما لم يكن معصية.

3) تقديم كل ما يرغبانه بكل سرور ومودة مع الشعور بالنقص والتقصير ولو بذل لهما دمه وماله.  

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.