128 – الشباب زينة الحاضر وأمل المستقبل pdf

الثلاثاء 25 رجب 1445هـ 6-2-2024م

 

128 –  الشباب زينة الحاضر وأمل المستقبل pdf

 

 

رسالة بعنوان

الشباب زينة الحاضر

وأمل المستقبل

 

تأليف

أ.د/ عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102).

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (النساء:1).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً}(الأحزاب:70، 71)، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أحبابي وإخواني في الله: 

في هذه الليلة المباركة وفي مساء هذا اليوم الخميس الموافق للعشرين من شهر جمادى الآخرة من هذا العام ثمانية وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وفي هذا المهرجان الصيفي بمحافظة الزلفي وفي هذا الجمع المبارك الطيب، في مجلس نرجو أن تحفه الملائكة، وتغشاه الرحمة، وتتنزل عليه السكينة، في مجلس ندعو أن يحبه الله تعالى ويباهي به ملائكته، في مجلس نسأل الله ألا يقوم فيه من حضره إلا وقد غفرت له ذنوبه، كما قال صلى الله عليه وسلم:(هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)([1]) ، وقال أيضاً: (ما جلس قوم يذكرون الله تعالى إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفورا لكم) ([2]).

إخواني وأحبابي في الله:

فمع تقلب الأيام والأزمان، ومع تصرُّم الشهور والأعوام، ومع ظهور الفتن التي تجعل الحليم حيراناً، نجلس سوياً في هذا المجلس المبارك لنتكلم عن موضوع في غاية الأهمية، نتكلم فيه عن زينة الحاضر وأمل المستقبل، نتكلم فيه عن كنز الأمة الثمين، وقوتها الكبيرة، وثمرتها اليانعة.

أتدرون من هم زينة الحاضر وأمل المستقبل؟

أتدرون من هم كنز الأمة الثمين الذي لا يقدر بثمن؟

أتدرون من هم ثمرتها اليانعة التي تؤتي أكلها كل حين؟

إنهم الشباب، نعم؛ إنهم الشباب.. فالشباب هم الكنز الثمين، وهم قوة الأمة في الحاضر، وأملها في المستقبل، وهم العون بعد الله في قيام أمة الإسلام القوية بدينها وشبابها.

 

لماذا الشباب؟

وربما يقول سائل: لماذا اخترت الشباب فقط دون غيرهم؟

نقول وبالله العون والتوفيق:

إن الشباب في كل أمة يعتبرون المصدر الأساسي لنهضتها، ومعقد آمالها بعد الله، والدرع الواقي الذي تعتمد عليه في الدفاع عن كيانها، والذود عن حياضها، وفي تحقيق أهدافها.

والشباب هم ثروة الأمة، وعدة مستقبلها بعد الله، ولقد كان للشباب في الأمة الإسلامية تاريخ حافل، وكان لهم دور عظيم في حمل لواء الدعوة الإسلامية، وصنع الحضارة الإسلامية، وقيادة الجيوش المظفرة في سبيل الله، ولئن كانت الحاجة إلى الشباب في الماضي ملحة، فالحاجة إلى الشباب وطاقات الشباب الفكرية والجسمية والاجتماعية في وقتنا الحاضر أشد إلحاحاً وأكثر وضوحاً.

والشباب اليوم هم دعامة الإنتاج في جميع ميادين الحياة، وهم أغلى رأسمال للأمة التي تريد أن تصنع لها حاضراً زاهراً ومستقبلاً مشرقاً.

والشباب هم عماد الأمة، وهم أمانة في أعناق المجتمع والأمة، والشباب هم أمل الحاضر، وعدة المستقبل، ورجاله، وقادته، وأمراؤه، ووزراؤه، وقضاته، وأطباؤه، ومهندسوه، ومعلمو أجياله التالية.

ومن هنا تبرز أهمية مخاطبة شبابنا وخاصة في الوقت الحاضر التي تكاثرت عليهم فيه الفتن من كل حدب وصوب.

ولذلك فإن مرحلة الشباب دور من أدوار العمر يمر به الإنسان في أثناء تنقله بين مراحل العمر المتتالية إذ ينتقل من الطفولة إلى الشباب ثم الرجولة فالكهولة، فالشيخوخة. وهذه المرحلة ـ أي مرحلة الشباب ـ أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان، ولذا توقف عندها علماء الشريعة، وعلماء النفس، وعلماء الحياة لما يحدث فيها من الحوادث الجسمية والعقلية والروحية التي تترتب عليها حياة الشاب، ويرسم من خلالها مستقبله.

وقد اهتم الإسلام بهذه المرحلة اهتماماً كبيراً، ويظهر ذلك من خلال اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالشباب تعليماً وتربية وتوجيها إلى الخير، وانتفاعاً بنشاطها وحماسها وإخلاصها دون إفراط أو تفريط، ومن مظاهر الاهتمام قوله صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بالشباب خيرا..).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك…).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزولُ قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، وذكر منها: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه).

وعد النبي صلى الله عليه وسلم الشاب الذي ينشأ في طاعة الله من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وخصَّ الشباب بوصيته الجامعة (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج).

وثبت عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن).

وحث الأولياء على متابعة الأولاد فقال صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر).

والمعصوم صلى الله عليه وسلم بهذه التوجيهات يلفت الأنظار إلى خطورة هذه المرحلة من عمر الإنسان للمسارعة والاستباق إلى رعاية تشكيلها وتلوينها على الصورة الطيبة الفاضلة التي يريدها الإسلام.

لذا وجب أن يُبدأ في تكوين الشباب منذ النشأة الأولى، منذ الطفولة الباكرة على أن يستمر هذا التكوين الراشد في أطوار العمر، وهذه مسئولية الأبوين في المراحل الأولى من تكوينه.

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ).

وهذا الحديث فيه توجيهات عظيمة لمن فهم مقصده، فهو يتكلم عن الفطرة التي يولد عليها المولود وأنها فطرة التوحيد التي فطر الله عباده عليها، فحين يعيش هذا المولود في بيئة معينة، فإنه يتأثر بما حوله من المؤثرات، فإن كان الوالدان مسلمين صالحين متمسكين بأوامر الله تعالى تربى هذا المولود على الطريق الصحيح الذي رسمه الإسلام، والعكس صحيح، فإن كان الأبوان بعيدين عن أوامر الله تعالى ومفرطين في حقه، بل ويأتون بأنواع المعاصي والمنكرات عاد أثر ذلك على أولادهم.

لذلك وجب على المسلم العاقل الاهتمام بهذه البذرة النابتة كي تخرج ثمرة يانعة تنتفع بها الأسرة أولاً، ثم المجتمع ثانياً، ثم الأمة ثالثاً، وهكذا يعود نفع هذه الثمرة على الجميع بالخير المرجو لها.

وبعد ظهور هذه الثمرة الناضجة التي خرجت للمجتمع نقية من العوالق والمؤثرات يتلقفها المجتمع المسلم لينتفع بها، وهذا لا يتم إلا بوجود القدوة الصالحة في مراحل التعليم، وفي جميع المجالات الأخرى التي يشارك فيها الشاب.

ومعلوم أن فترة الشباب هي أهم مرحلة من مراحل العمر بعد التنشئة الصغرى له، لذلك نبه القرآن على أن أصحاب الكهف كانوا فتية (أي شباباً) قال تعالى:{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} (الكهف:13)، قد آمنوا بالله تعالى وأبغضوا ما عليه قومهم من الضلال والكفر، فتولاهم الله تعالى وحفظهم، وجعلهم آية لمن خلفهم عبرة وعظة للمؤمنين.

ولقد ذكر القرآن الكريم أيضاً أن غالب من يتبع الأنبياء والرسل هم الشباب، قال تعالى:{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ}(يونس:83)، فقد نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم تنبيهاً له لأنه لم يؤمن به في أول بعثته إلا ذرية من قومه، وأما شيوخهم ورؤساؤهم فقد صعب عليهم أن يتركوا قديمهم.

ولقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم في سن الأربعين بعد أن أكتمل شبابه، وتهيأ للرسالة التي اختير لها، فالتف حوله الشباب من قريش، وأحجم عنه أولئك الرؤساء والشيوخ، لأنهم أنفوا أن يتبعوه وهو أقل منهم سناً وجاهاً {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (الزخرف:31).

وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: (ما بعث الله نبياً إلا شاباً، ولا أوتي العلم عالم إلا شاباً، ثم تلا قوله تعالى:{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (الأنبياء:60).

وكان من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من أربعين فرداً من الشباب، فانطلقوا ينشرون الدعوة، ويقيمون دولة الإسلام، فامتزجت طاقتا الإيمان والشباب فصنعت المجد الأول لأمة الإسلام.

لقد كان علي بن أبي طالب عندما أسلم صبياً في الثامنة من عمره، وكانت أسماء بنت أبي بكر عندما أسلمت في العاشرة من عمرها، وأسلم عمر وهو في حدود العشرين، وطلحة بن عبيد الله وهو ابن إحدى عشرة سنة، وجعفر بن أبي طالب وهو ابن ثماني عشرة سنة، وعثمان بن عفان وهو ابن عشرين سنة.

ولقد عين رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد قائداً لجيوش المسلمين لمقارعة إمبراطورية الرومان وهو في حدود الثامنة عشرة.

ولقد كان للصحابة رضي الله عنهم من الشباب مواقف عظيمة أثبتتها كتب السنة والسيرة، ومن ذلك موقف علي بن أبي طالب حينما نام مكان النبي صلى الله عليه وسلم مضحياً بنفسه في سبيل حفظ النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين.

وموقف عبد الله بن مسعود حينما أعلن إسلامه جلس بجوار الكعبة قرب نادي (أي مجلسهم) الكفار يتلو كلام الله تعالى ضارباً بعرض الحائط خوفه من المشركين فما كان منهم إلا أن قاموا إليه فأدموه حتى أنجاه الله من بين أيديهم.

وهذا بلال بن رباح كم عانى وتحمل من أجل إسلامه من التعذيب في حر الرمضاء، فما كان منه إلا أن يردد قولاً واحداً معتصماً به من أذى المشركين (أحد أحد).

وهذا مصعب بن عمير الفتى المدلل الذي تربى مترفاً لابساً أرق اللباس وأحسنه ترك كل شيء من أجل الإسلام، وغير هؤلاء كثير وكثير ولكن نُذَكِّر الشباب بهؤلاء كي ينظروا في حالهم مع دينهم، هذه النعمة العظيمة التي فرط فيها كثير من الشباب من أجل الشهوات والملذات الفانية.

ومعلوم أن الشباب لهم خصائص معينة يتميزون بها عن غيرهم، ومن هذه الخصائص:

  • القوة البدنية.
  • القوة الذهنية.
  • الحماس.
  • البذل والتضحية.
  • المسارعة إلى كل جديد.

فهذه الخصائص وغيرها تحتاج إلى توجيه ورعاية بحيث يستفاد منها لنفع الأمة، ولا يتم ذلك إلا بالأخذ بالأسباب التي تنمي فيهم حب الله تعالى، وحب رسوله، وحب الدين لكي يقوموا بالبذل والتضحية من أجل إعلاء هذا الدين ونفع الأمة بما يعود عليها بالخير العميم في العاجل والآجل.

 

الصوارف عند الشباب

هناك صوارف كثيرة تكون عاملاً كبيراً في صرف قوة هؤلاء الشباب وهمتهم إلى أدنى الصور، فمن هذه الصوارف:

أولاً: المشكلات النفسية والاجتماعية

(1) الهم والغم والضيق:

فالشاب الذي يعيش في أسرة بعيدة عن دينها، همها الطعام والشراب، والملبس والمسكن، والفسح والرحلات، والسفر والتنقل، والسماع والنظر لما أحل الله تعالى وحرم، تتقلب فيها الأحوال بحسب بعدها عن دينها، فكلما كانت الأسرة بعيدة عن الله ظهرت فيهم الهموم والغموم والمشاكل، حتى لو نظرت إلى عيشهم لوجدت الجميع مشتتين، الوالدان في واد، والأولاد جميعاً في واد، فإذا كان هذا حال الشاب أو الفتاة في هذه الأسرة فماذا يفعلون كي يحصلوا على السعادة التي يتمنونها، فإذا وقعوا في براثن الصحبة السيئة عاد ذلك عليهم بالفساد والانحلال الأخلاقي، فيقعون فيما حرم الله تعالى، ويصبحون عالة على الأسرة والمجتمع.

أما إذا كانت الأسرة قريبة من ربها، حريصة على تربية أولادها على الخير والهدى والرشاد كان ثمرة ذلك أن يخرج الأولاد صالحين، تنتفع بهم الأسرة والمجتمع، وهكذا.

(2) سوء التربية في البيت:

كما ذكرنا فبحسب وضع الأسرة من دينها يكون التأثير على الأولاد، فإذا خرج الأبناء والبنات من بيئة سوية كان لهم التأثير على من حولهم من قرنائهم، فيكونون أدوات بناء للمجتمع، وهنا تكون النتيجة نفع جميع التخصصات في المجتمع، فيتخرج منهم الداعية، والطبيب، والمعلم، والمهني، وغير ذلك مما يعود على المجتمع والأمة بالخير.

وأما إن كانوا عكس ذلك، خارجين من بيئة سيئة، قد تربوا على مساوئ الأخلاق وأراذلها كان تأثيرهم على من يصاحبونهم تأثيراً سلبياً كبيراً، فيكونون معاول هدم للأخلاق والآداب، وينشرون الرذيلة في المجتمع، ويكونون عالة على المجتمع، فلا ينتفع بهم، ولا تنتفع بهم أوطانهم ولا أمتهم، بل على العكس يؤثرون تأثيراً سلبياً على الحالة الاقتصادية حيث يستنزفون الطاقات والنعم دون أن يعود منهم النفع على مجتمعهم وأمتهم وبلادهم.

(2) البطالة:

التي أصيب بها بعض شبابنا، حيث يرغب الخريج من جامعته، أو الذي لم يكمل تعليمه أن يتعين في وظيفة تليق به، وإن لم تتيسر له ظهر عليه الإحباط والحزن، وجلس حبيس البيت، أو جائلاً بسيارته هنا وهناك ليضيع وقته الثمين، أو جالساً مع أصدقائه العاطلين يتحدثون وينفثون همومهم فيما بينهم لعدم وجود عمل يناسبهم.

ألم يرّ هؤلاء الشباب وغيرهم ممن لا يجدون وظائف أن بلادنا قد فتحت المجال لجميع فئات الشباب بالمشاركة في جميع الأعمال التعليمية والتربوية والفنية وغيرها مما يعود أثرها على المجتمع، فأين هم من تلك الأبواب التي أصبحت مشرعة على مصراعيها للكبير والصغير من أجل الكسب الحلال ونفع المجتمع.

(3) المخدرات:

هذا السلاح الذي يدمر الشخص تدميراً رهيباً، ومعلوم أن مشكلة المخدرات تؤرق العالم كله، لأنها تتسبب في هدم الضروريات الخمس التي جاءت جميع الأديان بالمحافظة عليها ورعايتها، فهي تزهق النفوس، وتضيع العقول، وتتلف المال، وتخرب البيوت، وتسبب العداوة والبغضاء بين الناس، وصدق الله تعالى إذ يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} (المائدة:90،91).

فإذا نظرت لمن تعاطى المخدرات وجدته مسلوب الإرادة والعزيمة، مسلوب الخير الذي في قلبه، منقاداً وراء ما تهواه نفسه من الملذات والشهوات حتى ولو كانت مضرة له، بل يحدث منه القتل، والنهب، والسرقة، والعقوق، والتنازل عن الغيرة التي جبل عليها، وغير ذلك من السلبيات التي سببتها المخدرات.

ثانياً: مشاكل التقنية الحديثة

لقد انتشرت في الآونة الأخيرة بعض وسائل الإعلام والاتصالات التي سهلت على الشباب الانفتاح على الدنيا والاطلاع على ما يعرض غرباً وشرقاً، ومن هذه الوسائل:

(1) القنوات الفضائية:

الغث منها والسمين، حتى أن غالب بيوت المسلمين الآن لا تخلوا من هذه القنوات إلا ما رحم ربك، فدخول هذه القنوات الفضائية بيوت المسلمين مع عرضها لكل ما هو صواب وخطأ، حلال وحرام، بدعة وسنة أصبح كثير من الشباب يتوجهون بحسب توجه هذه القنوات، فمنهم من يهتم بمشاهدة الرياضة، ومنهم من يهتم بمشاهدة الأفلام والمسلسلات، ومنهم من يهتم بالنظر إلى المحرمات بجميع أنواعها، ومنهم من تأثر بالبدع، ومنهم من تأثر بالأفكار الضالة المضلة، ومنهم من تأثر بالسحرة والمشعوذين، وهكذا أصبح الجو العام لغالب الشباب هو الانقياد خلف هذه القنوات بدون وعي أو هدف، حتى انشغل الكثير من الشباب بها كثيراً، فطغى ذلك على حياتهم العلمية والعملية، فركنوا للدعة والراحة، ورفضوا العمل في مجال يعينهم في حياتهم العملية، ويربيهم على الأخذ بالأسباب، وهذا ما يريده منا أعداء الإسلام، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}(النساء:89).

(2) الجوالات بجميع أنواعها:

وما تحتوي عليه من تقنية حديثة تقرب البعيد، وتحل الحرام، وتعرض كل ما يهواه أصحاب النفوس الضعيفة، فأصبحنا نرى الكثير من أبناء المسلمين وبناتهم يتوجهون بحسب ما يعرض عليهم من مقاطع الفيديو المحرمة، والأغاني الماجنة، والمناظر الخليعة، حتى أثر كل ذلك على تكوينهم الشخصي، فانتشرت كثيرٌ من المنكرات بين فئة الشباب والشابات، وتوجه الكثير منهم لاستنزاف طاقته في غير مرضاة الله ونفع الأمة، فأصبحت هذه الجوالات أداة هدم إذا لم تستعمل فيما يرضي الله.

(3) الانترنت:

وما أدراك ما الإنترنت، هذا الباب الفسيح الذي فتح على جميع أنحاء العالم، فأصبح المسلم وهو جالس في بيته يستطيع أن يرى ويسمع ما يريده، بل يستطيع أن يخاطب ويحادث من يشاء، فبعد أن كانت القنوات الفضائية هي التي توجه الشباب بما تريده، أصبح الإنترنت عامل مساعد على استغلال طاقات هؤلاء الشباب والفتيات فيما يعود عليهم بالضر والفساد، فأصبحت هناك منتديات تنادي من يريد التعرف على الغير من خلالها، وهناك غرف مخصصة للتعارف بين الشباب والفتيات حتى انتشرت انتشاراً رهيباً فأصبحنا نسمع عن مصائب تدمى لها القلوب بسبب هذا الشيء الذي لم يستعمل في طاعة الله، وأيضاً ما يعرض عليه من المحرمات، وخاصة أفلام الجنس والدعارة، والصور الفاتنة، والدعايات المضللة، والأفكار الهدامة، فلا ترى عن طريق هذا الإنترنت سوى الشر المستطير، وإن كان هناك مواقع للدعوة، وتوجيه الناس إلى الخير، وقد تكاثرت هذه المواقع التي تدعو إلى الله وإلى صراط الله المستقيم، فنحمده سبحانه أنه سخر هذه الأجهزة بعد أن كانت معاول نشر للفساد فأصبح الكثير منها أدوات بناء للخير.

ثالثاً: القرين وأثره على الشاب

إن الإسلام الحنيف أراد للشباب وغيرهم أن يكونوا متخذين الصاحب الطيب الذي يأمر بالخير ويذكر به، ويعين عليه، وهذا من أهم العوامل على صلاح الشاب أو فساده، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) ([3])، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسـك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحـا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة)([4]).

وهذا يدل على أن الصاحب ساحب، فإما يأخذ بيدك إلى مرضات الله فتكون ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) ([5]).

وإما أن يأخذ بيدك إلى سخط الله وعذابه فتكون ممن قال الله فيهم {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ}(الزخرف:67).

فتخير أيها الشاب الصديق الذي تريده، وأنصحك أن تبحث عن الصديق الذي يأخذ بيدك إلى مرضاة الله وجنته فهذه هي السعادة في الدنيا والآخرة.

رابعاً: القدوة وأثرها على الشباب

القدوة في البيت:

لها أثر على الشباب والفتيات وهي في غاية الأهمية من حيث التأثير على سلوكياتهم، وأخلاقهم، ومعاملاتهم، فكل قرين بالمقارن يقتدي، وكل شاب وفتاة يبحثان عمن يميلان إليه.

لذلك فإن الشاب ينظر إلى قدوته في البيت والمتمثل في والده، فإن كان الوالد صالحاً مطيعاً ذا خلق حسن، حريصاً على الخير، مؤدياً حق الله تعالى، مؤدياً حق الأهل والجيران، واصلاً لرحمه، عادلاً في أموره، حريصاً على منفعة غيره، مبادراً إلى مساعدة الخلق بما يعود عليهم بالنفع في الدنيا، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر كان هذا قدوة حية قادرة على الأخذ بيد هذا الشاب إلى ما يرضي الله عنه، وإن كان الوالد غير ذلك عاد أثره على الشاب فنشأ على غير هدى ونور، وهكذا الفتاة.

القدوة في المدرسة:

هو المعلم والمربي، فالمعلم ينظر إليه الطلاب في كل صغيرة وكبيرة، فينهلون منه كل صفة وفعل وقول، فإن كان قدوة حسنة أثر ذلك فيهم فعاد ذلك عليه بالخير العميم، وإن كان غير ذلك خرجت الأجيال مشتتة غير سوية لأن القدوة قد غابت عنهم في البيت والمدرسة.

القدوة في المجتمع:

فالشاب ينظر لمن حوله في كل صغيرة وكبيرة، فإن وجد من حوله يتمسكون بدينهم، ويتفاضلون في أخلاقهم ومعاملاتهم، ويحرصون على طاعة ربهم، ويتعاونون على الخير ويأمرون به، ويتناهون عن المنكر ويتركونه، فهذا يعطيه الدافع الكبير للحرص على سلوك الطريق المستقيم، وإن كان العكس فهذا أثره يكون سلبياً عليه فيخرج متحيراً من واقع الناس وتفريطهم في دينهم، فيسلك سبيل الشيطان، ويعزب عن طريق الرحمن، فينتكس بسبب ما عايشه من تناقضات في مجتمعه.

ونصيحتي لكل شاب إذا رأى قصوراً فيمن حوله من ناحية الاقتداء فلينظر إلى قدوته الحقيقية التي إن تمسك بها فاز في الدنيا والآخرة. لقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في القدوة الحسنة، وصدق الله تعالى إذ يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} (الأحزاب:21).

فرسولنا صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحقيقية لكل شاب مسلم يترسم الطريق الموصل إلى الجنة، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}(آل عمران:31).

فالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الهدف الرئيس لكل شاب لأنه يعلم أنه المثل الأعلى له، فيتعلم منه حسن العبادة، والأخلاق، والآداب، والمعاملات، فينظر في حاله مع ربه وكيف كان يقوم الليل خاشعاً باكياً طالباً عفو ربه وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

وينظر في تواضعه للناس، وحلمه عليهم، ورفقه بهم، وحرصه على هدايتهم، وكيف كان يتحمل الأذى منهم، بل وكان يقابل الإساءة بالإحسان، والظلم بالعفو والصفح.

ولينظر كيف كان حريصاً على قضاء حاجات أمته، وتوجيههم إلى الخير، وتربيتهم عليه، وغرس حب الله تعالى وطاعته في قلوبهم.

ولينظر إلى معاملاته مع الناس، وكيف كان صادقاً في معاملاته، حتى أنه عندما كان مديناً ليهودي وجاء طالباً لحقه، وقف للنبي صلى الله عليه وسلم مطالباً إياه بهذا الحق مع غلظته وشدته في طلبه، إلا أنه قابل ذلك بالإحسان والعفو، وأدى ما عليه ولم يغضب أبداً لنفسه، بل كان جل غضبه لربه تعالى.

ولينظر إلى حاله مع المنافقين على الرغم من علمه بإفسادهم، وبث روح الهزيمة في صفوف من دخل في دين الله، وتحريضهم للمشركين على قتاله، إلا أنه آثر ألا يقتل أحداً منهم كي لا يوصم بأنه يقتل أصحابه درءً للمفاسد وجلباً للمصالح، وهكذا في كل حال من أحواله.

ولينظر إلى زهده في الدنيا وعدم تعلقه بها، مع حرصه على كل عمل يقربه إلى ربه، وهكذا.

 

الفكر المنحرف

لقد ظهر هذا الفكر عندما تصدر بعض المتعالمين في تعليم الشباب وتوجيههم فكرياً بعيداً كل البعد عن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، بحيث أثمر ذلك فكراً خارجياً أثر على عقول الناشئة الذين يحبون دينهم ويحرصون على خدمته ونشره، ولكن العقول الآثمة التي لا تريد للمجتمع المسلم الذي نعيش فيه أن يستمر في البناء والعطاء فبدئوا ينشرون هذا الفكر المنحرف البعيد كل البعد عن الكتاب والسنة فيتأولون من القرآن ما يشاءون، وما يوافق أهواءهم، فخرج علينا منهم من يقتل باسم الدين، ويكفر باسم الدين، ويفجر باسم الدين، وهكذا كلما قاموا بعمل فاسد نسبوه إلى الدين، والدين منه براء، لقد جاء ديننا الحنيف موضحاً كيفية التعامل مع الفتن، وظهور المفاسد، وكيف يقوم الإنسان بالتعامل معها، اتباعاً لهدي القرآن والسنة.

ولو نظرنا لهذه الفئة بفكرها المنحرف ـ والتي أثمرت مفاسد رهيبة ما كان يتوقعها أحد من المسلمين ـ من أين يأخذون العلم لوجدنا أنهم منساقون وراء بعض الأشخاص الذين تحمسوا من غير علم ولا رجوع لأهل العلم الربانيين الذين يقومون على نشر العلم بين الناس، ولكن هذه العقول التي ألقى فيها الشيطان حب الفساد انساقت وراء أفكار مضللة عادت على الأمة بالوبال والخسران.

لقد فرح أعداء الإسلام بما حدث في بلادنا، فهم حريصون على زعزعة أمن هذه البلاد لكي يعم فيها الفساد والإفساد، ولكي تطفأ فيها عقيدة التوحيد، ولكن هيهات هيهات فإن الله تعالى حافظ دينه ومعلي كلمته ولو كره الحاسدون.

ووصيتي لشبابنا الالتفاف حول علمائنا الربانيين، والنهل من علمهم، والسير على طريقهم لتكتب لهم النجاة من براثن الفتن التي أصبحت تموج موج البحر، وأوصيهم بطاعة ولاة أمورهم الذين جعلهم الله سبباً بفضله في حفظ هذه البلاد من براثن السير خلف من يحكمون القوانين الوضعية بدلاً عن شرعة رب العالمين فنحمد الله تعالى على هذا الفضل، ونسأله سبحانه أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وولاة أمرنا وعلمائنا.

هذه هي بعض المشكلات التي يعاني منها شبابنا.

فما هو المخرج من هذه المشكلات التي تبدو للجميع عويصة لا يمكن علاجها:

لو نظرنا في واقع السلف عندما انتقلوا من الكفر إلى الإيمان، ومن سوء الأخلاق إلى محاسنها، ومن الكذب والغش والخيانة إلى الصدق والأمانة والوفاء لظهرت لنا الثمرة التي عادت على الأمة وهي أنها انتقلت من براثن الجاهلية الجهلاء إلى نور الإسلام الذي انتفعت به الأمة منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا.

 

المخرج

من هذه المشكلات

إذا أراد الشباب حلا لمشكلاتهم التي يعانون منها فلينظروا بعين البصيرة إلى دينهم العظيم الذي جاء بحل لجميع المشكلات التي يعيشون فيها.

فتعالوا بنا أيها الشباب لنستوضح الحلول الحاسمة للمشكلات من خلال النصوص الشرعية فنقول:

أولاً: التمسك بدين الإسلام:

دين الإسلام دين عظيم حوى الخير كله لمن تمسك به وعمل بما فيه من أوامر ونواهي، وصدق الله تعالى إذ يقول:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}(آل عمران:19) وقال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}(آل عمران:85)، فديننا العظيم حوى مكارم الأخلاق، ومحاسنها، وأمر بكل خير، ونهى عن كل شر، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} (النحل:90)، وقال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2).

وهكذا فكل صور الإسلام تبين وتوضح أهميته في حياتنا، وأنه متى تمسكنا به عشنا سعداء في الدنيا والآخرة، ومتى فرطنا فيه تعس الجميع في الدنيا والآخرة.

والتمسك بدين الإسلام لابد أن يكون ظاهراً وباطناً، بحيث يظهر أثره علينا في حياتنا كلها، فنحافظ على عقيدتنا من أن تمسها شائبة، ونحافظ على الصلوات الخمس في بيوت الله مع جماعة المسلمين، ونحافظ على أداء الزكاة وصيام رمضان والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من أوامره ونواهيه.

وعلى الشاب أن يعلم أن الله تعالى خلقه لعبادته، وامتن عليه بنعمه من أجل أن يتقوى بها على طاعته، فليحرص شبابنا على التمسك بدينهم وعدم التفريط فيه، فالنجاة يوم القيامة لمن أتى وهو متمسك به.

وليحرص شبابنا على هذا الدعاء العظيم كما ورد في كتاب الله: {أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (يوسف:101).

ثانياً: حفظ الجوارح:

وحفظ الجوارح لا يتأتى إلا برقابة الله تعالى، والعلم اليقيني بأنه مطلع علينا، وأن كل عمل يحصيه لنا، قال تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}(الانفطار :10ـ12). وقوله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}(ق:18)، وقال صلى الله عليه وسلم:(احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله)([6]).

فلو علم كل شاب بأنه محاسب عن كل صغيرة وكبيرة، وأنه مجزي عنها، وأن اللذة وإن طال وقتها فهي مؤقتة لن تنفعه، بل ستكون عليه حسرة وندامة، وأنه إن حفظ أمر الله في جوارحه بتسخيرها في طاعته كانت له النجاة في الدنيا من المنغصات والهموم والغموم والأكدار والفوز بالجنة يوم أن يلقى الله تعالى.

وإذا ضيع أمر الله تعالى بأن سخر جوارحه في غير مرضاته كانت له التعاسة والشقاء في الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى:{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (النور:24، 25)، وقال أيضاً:{ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ}(فصلت:21ـ23)، وقال صلى الله عليه وسلم : (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)([7]).

ثالثاً: اختيار القرين الصالح:

قد ذكرنا سابقاً أن من المشكلات التي يعاني منها الشباب نوعية القرين، فإن كان سيئاً أخذ بيد قرينه إلى الشر والفساد، وإن كان صالحاً أخذ بيد قرينه إلى الخير والرشاد، وهذا مصداق الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة)([8])، فليحرص الشاب على مصاحبة من يعينه على طاعة الله تعالى، ويأخذ بيده إلى الخير، فالنجاة كل النجاة في مصاحبه الصالحين السائرين على منهاج النبوة.

رابعاً: لزوم الجماعة:

معلوم أن بلادنا هي البلاد الوحيدة على مستوى العالم التي تطبق شرع الله، وتقيم حدوده، وتنشر العدل بين أجرائه، وما تم هذا إلا بفضل الله أولاً ثم بتمسك ولاة أمر هذه البلاد بشريعة الله وتحكيمها في جميع جوانب الحياة، فوجد الأمن بعد الخوف، ووجدت السعة بعد الضيق، ووجدت السعادة بعد الشقاوة، لذلك وجب علينا أن نتمسك بديننا وأن نتعاون مع ولاة أمرنا في حفظ هذه البلاد من الحاسدين والحاقدين والمفسدين فيها، وعلينا أن نتمسك بجماعة المسلمين، فبدون الجماعة فالأمة تصير مشتتة لا خير فيها فيتحكم فيها الأعداء، ويتسلطون عليها، وعندئذ يخسر المسلمون ما يعيشونه في هذه النعم، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران:103)، وقال e: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية)([9]).

خامساً: لزوم حلقات العلم الشرعي:

قال الله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام:153)، لذلك وجب على المسلم أن يتمسك بهذا الصراط، ولن يستطيع أن يتمسك به إلا إذا علم ما يحتويه من أوامر ونواهي، ولن يتأتى ذلك إلا بالسعي لطلب العلم الشرعي الذي يعينه على التمسك به والعمل بما فيه، فعلى الشباب الحرص على حضور مجالس العلم والعلماء والنهل من علومهم، ويا بشرى من سلك هذا الطريق وحرص عليه فنهايته بمشيئة الله الجنة، قال صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)([10]).

فمن يريد الجنة من الشباب فعليه بتعلم أمور دينه، والعمل على نشره بين الناس، وتعليمهم الخير ليعم الأمن والأمان والسلامة والإسلام بين ربوع بلادنا، وعليهم بالقدوة الصحيحة وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فالسلامة في التمسك بأخلاقه ومعاملاته، وإن وقف أمامهم شيء لا يفهمونه فليرجعوا إلى العلماء فهم أدرى بذلك، وصدق الله تعالى إذ يقول:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43).

سادساً: السير على منهج علمائنا:

ذكرنا أن طلب العلم هام وضروري لكل شاب، ولن يحصل ذلك إلا بلزوم العلماء والاستفادة من علمهم، وهذا يحتاج من شبابنا السعي إليهم، وسؤالهم والاستفادة من زادهم الكثير، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: (وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)([11]).

سابعاً: محبة ولاة الأمر والدعاء لهم ومناصحتهم:

لو نظر شبابنا في البلاد التي حولنا لوجدوا شريعة الإسلام مغيبة في هذه البلاد، ونحمد الله تعالى أن وفق ولاة أمورنا في تطبيقها على الناس كافة، وقد آتت ثمرتها لما نراه من الأمن والأمان ورغد العيش، وهذا يحتاج منا إلى شيء مهم ربما قصر فيه الكثيرون ألا وهو الدعاء لولاة أمر هذه البلاد، حيث أن الدعاء نعمة من الله تعالى امتن بها علينا لا تكلفنا الكثير، أن يصلح الله ولاة أمرنا، فبصلاحهم يصلح المجتمع، ويعم في أرجائه الخير، وما هذه الخيرات التي نتقلب فيها إلا بفضل الله أولاً ثم بتوجيه ولاة أمرنا لما فيه الخير لأبناء هذا البلد الطيب المبارك.

وقد ورد عن الفضيل، والإمام أحمد أنهما قالا: ” لو كان لنا دعوة مستجابة لجعلناها لولي أمرنا”، وهذا من فقههم، لعلمهم أنه بصلاح الإمام يصلح حال الرعية.

فنسأل الله تعالى أن يصلح لنا ولاة أمرنا، وأن يسخر لهم البطانة الصالحة الناصحة، وأن يبارك في جهودهم لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن يمن عليهم بالمعافاة في النفس والأهل والذرية، وأن يوفقهم دائماً لما فيه خير للبلاد والعباد.

 

وأخيراً

وصيتي لكم أيها الشباب أن تبادروا بعد تعلم أمور دينكم للسعي إلى تعلم المهن المختلفة، فنحن نحتاج إلى الطبيب، والمهندس، والمحاسب، والفني، والمهني، والعامل، والسائق، ومختلف المهن التي يرجوها المجتمع من شبابنا، حتى تذهب عنا البطالة، وتنتشر السعادة في البيوت لحصول المال الحلال من هذه المهن.

ومن استحى من العمل فليس فيه خير، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم، ونبينا داود كان يعمل حداداً، ونوح كان يعمل نجاراً، فلماذا يستحي المسلم من تعلم هذه المهن، من الذي سيبني لنا بيوتنا إلا أنتم، ومن الذي سيعمرها بكافة الصنائع إلا أنتم، ومن الذي سيتعامل مع كافة المهن إلا أنتم، فلا تنتظروا في بيوتكم لتحصلوا على الوظائف التي تأملون، لا بل عليكم بالسعي والجد من أجل نفع أنفسكم ومجتمعكم وأمتكم.

أسأل الله تعالى بمنه وكرمه وجوده وإحسانه أن يصلح شبابنا وفتياتنا، وأن يبارك لنا فيهم، وأن يجعلهم ذخراً لأمة الإسلام، وأن يحفظهم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يمن عليهم بالخير والمعافاة في دينهم ودنياهم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

فهرس الموضوعات

الموضوع
لماذا الشباب؟
الصوارف عند الشباب:
أولاً: المشكلات النفسية والاجتماعية:
(1) الهم والغم والضيق:
(2) سوء التربية في البيت:
(3) البطالة:
(4) المخدرات:
ثانياً: مشاكل التقنية الحديثة:
ثالثاً: القرين وأثره على الشاب:
رابعاً: القدوة وأثرها على الشباب:
المخرج من هذه المشكلات:
أولاً: التمسك بدين الإسلام:
ثانياً: حفظ الجوارح:
ثالثاً: اختيار القرين الصالح:
رابعاً: لزوم الجماعة:
خامساً: لزوم حلقات العلم الشرعي:
سادساً: السير على منهج علمائنا:
سابعاً: محبة ولاة الأمر والدعاء لهم ومناصحتهم:
فهرس الموضوعات:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه مسلم.

([2]) صححه الألباني في صحيح الجامع رقم (5609).

([3])  حسنه الألباني في كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية.

([4])  متفق عليه.

([5])  متفق عليه.

([6])  رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي 4/667 رقم 2516.

([7])  رواه البخاري.

([8])  متفق عليه.

([9])  متفق عليه.

([10])  رواه مسلم.

([11])  صححه الألباني في صحيح الجامع رقم6297.