(الجريمة النكراء في محافظة الزلفي) خطبة الجمعة بتاريخ 21-8-1440هـ

السبت 22 شعبان 1440هـ 27-4-2019م

 

الخطبة الأولى :

الحمدُ للهِ ربّ العالمين، الرّحمنِ الرّحيمِ، مالكِ يومِ الدّينِ والعاقبةُ للمتقينَ ولا عُدوانَ إِلّا على الظالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُالله وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا, أَمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُؤَمِّنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}[الحشر:18].

عبادَ الله: بلادُنا ـ حرسها اللهُ ـ ما زالتْ تُعاني مِنْ أصحابِ الفكرِ الضّال، وجرائمهم الشنيعةِ ولم تسلمْ كذلك من الحقدِ والحسدِ والضغينةِ التي امتلأتْ بها قلوبُ أعداءِ الدّينِ ممنْ أذهلَهم تماسُكها، والخيرُ الوفيرُ والعيشُ الرغيدُ المتدفِّقُ عليها.

ولعلَّ مِنْ أعظمِ المصائبِ والجرائمِ استمرارُ هذا الفكرِ وتسلِّطِهِ على بعضِ عقولِ شبابِنَا، فأقْدَمُوا على تكفيرِ المسلمينَ، وسفكِ دمائِهِمْ، واستحلالِ أموالِهِم، واللهُ جلّ وعلَا يقول:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}[النساء: 93]، ويقولُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم:(لَا يَزَالُ الْمُسْلِمُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)(رواه البخاري).

يقولُ ابنُ عمرَ رضي اللهُ عنهما: “إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأمورِ التي لا مخرجَ لمنْ أوقَعَ نفسَهُ فيهَا سفكَ الدمِ الحرامِ بغيرِ حِلِّهِ”(رواه البخاري).

لقد بيَّن لَنَا نبيُّنَا صَلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ أوصافَ هذهِ الفرقةِ الخارجةِ عنِ الإسلامِ ومن أمثلتِهَا الفكرُ الدّاعشيُّ وغيرُه من الأحزابِ الضالَّةِ المُضلَّةِ بفكرِهِم المُخالفِ وسلوكِهم المتطرّفِ، فهمْ يتَّخِذُونَ منَ التكفيرِ سبيلاً لهُ لاستحلالِ دماءِ المسلمينَ وأموالِهِمْ وأعْرَاضِهِمْ، ولَا يُفَرّقوُنَ بينَ كُفْرٍ أكبرَ وكفرٍ أصغرَ، ويكفّرونَ كلَّ منْ خَرَجَ عنْ جماعتِهِمْ، ويُكفّرون المعيّنَ دونَ مراعاةٍ للضوابطِ الشّرعيةِ في ذلك، ويكفّرونَ كلَّ منْ خالفَهُمْ في منهجِهِمْ ويقتلونَهُمْ، ويقولونَ بجاهليّةِ المجتمعاتِ المسلمةِ، كما يستبيحونَ قتلَ المُسْتأمَنينَ والمُعَاهَدينَ وغيرِهم بحجّةِ كفرِهِم، ضَاربينَ بالأدلّةِ الشّرعيّةِ والسنّةِ النبويّةِ عَرْضَ الحَائِطِ ـ كفانَا اللهُ شرَّهمْ وشرَّ مَنْ ورائهم ـ .

وها هي أيديهم الآثمةُ تمتدُّ مرةً أُخْرَى لرجالِ أمنِنَا البواسلِ، فقامُوا غدرًا وغيلةً بالهجومِ على مركزِ مباحثِ الزلفي لإحداثِ الخوفِ في القلوبِ، وإلقاءِ الرّهبةِ في النُّفوس، والتسبّب في اضطرابِ الأمنِ، وإصابةِ حُرّاس البلادِ من رجالِ الأمنِ، وهُنا أقولُ: إنّ كلّ عناصرِ الجريمةِ مُتَحَقِّقَةٌ في هذا الحدثِ، ومنْ أعظمِهَا الخروجُ على وليِّ الأمرِ، ومَا يترتَّبُ عليهِ مِنْ عواقبَ وخيمة على البلادِ والعبادِ، وانظروا إلى مَنْ حولَنا مِن البلادِ التي اشتعلتْ فيها الفتنُ ولمْ تُخْمَدْ بسببِ الخروج على حكّامِهِم.

ولكنَّ اللهَ جلَّ وعلَا سلَّمَ مِن هذهِ الجريمةِ، فأحبطَ مُخَطَّطَهُمْ، وردَّ كيدَهُمْ في نُحُورِهِمْ، ونَالوا جزاءَ جريمَتِهِمْ وظُلْمِهِمْ، وحفظَ اللهُ رجالَ الأمنِ الذينَ يَقُومُونَ عَلى حِرَاسَةِ هَذَا الوطنِ الغَالِي.

عبادَ اللهِ: إِنّ بِلَادَنَا وللهِ الحمْدُ والْمِنَّةُ هِيَ مهبطُ الوحي ومتنزلُ الرّسَالةِ ومَهْوَى أفئدةِ المسلمينَ، وفيها البيتُ العتيقُ؛ قبلةُ المسلمينَ في صلاتِهِمْ، ومَحَطُّ رِحَالِهِمْ فِي حَجِّهِمْ وعُمْرَتِهِمْ، وَمِنْهَا تَنْطَلِقُ رِسَالةُ التوحيدِ إلى سائرِ بُلدانِ العالمِ شرقِهِ وغربِهِ، تدْعو إليهِ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، وتقومُ على تحكيمِ شرعِ اللهِ وإقامةِ حدودهِ، وشعارُ رايتِهَا الشّهَادتانِ، ترتفعُ خفاقةً وَلَا تنكَّسُ أبدًا لموتِ عظيمٍ حتى ولَو نُكِّسَت جميعُ راياتِ الدّولِ الأخرى.  

هذا هو حالُ بلادِنَا وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ، خلافاً لكثيرٍ منَ البلادِ الّتِي عصفتْ بِهَا رياحُ الفتنِ والخلافاتِ والشقاقاتِ والتفرقِ والتنازعِ، وتغلغلتْ فيها الحزبيّاتُ والجماعاتُ.

فماذا يريدُ هؤلاءِ الإرهابيُّون من بلادِنَا؟  ألَا يرونَ مَا نحنُ فيهِ منْ نعمةِ الأمنِ والإيمانِ، وتلاحُمِ الجميع صفًا واحدًا معَ ولاةِ أمورِهِمْ وعلمائِهِمْ، ألَا يروْنَ نعمةَ المعافاةِ من فتنِ الاختلافاتِ والمشاحناتِ، ألا يرونَ نعمةَ رغدِ العيشِ التي حُرِمَ منهَا كثيرٌ مِنْ بِلَادِ العالَمِ في وقْتِنَا الْحَالِي.

إنّ مَا تَقُومُ بِهِ الدّولةُ ــ حَرَسَها اللهُ ــ مِنْ جهودٍ فِي تَتَبّعٍ لِهَذا الْفِكْرِ الضّال وأتباعِهِ منَ الإرهابيينَ والمجرمينَ والكشفِ عنهم والقبضِ عليهم ومحاكمتِهِم، ومحاربةِ هذا الفكرِ الضّالِ والقضاءِ عليه هو واجبٌ وطنيٌّ ينبغِي أن تتضافرَ لهُ جهودُ الجميعِ، وهو منَ التعاونِ على البرِّ والتقوى، كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة: الآية 2].

واعلموا يا عباد الله أَنّنَا جميعًا في سفينةٍ واحدةٍ تسيرُ بأمنٍ وطمأنينةٍ، ورجالُ الأمنِ معَ غيرِهِمْ عيونٌ ساهرةٌ لمصلحةِ هذهِ السّفينةِ، فلنتعاونْ جميعاً في الحفاظِ علَيْهَا وسلامتِهَا حتّى تصلَ إلى شاطئِ الأمَانِ، وكلُّ مواطنٍ ومقيمٍ مسؤولٌ أمامَ اللهِ في الإبلاغِ عنْ هؤلاءِ ومُنَاصَحَةِ مَنْ يَتَعَاطَفُ معهم، فإنْ لمْ يستجبِ فَيُبْلِغُ عنهُ لمصلحةِ المجتمعِ، واللهِ ثمَّ واللهِ إنّ الإبلاغَ عن أقربِ النّاسِ مِمَّنْ تَوَرّطَ في هذا الفكرِ أرحمُ بهِ وبأهلِهِ ومجتمعِهِ وبلدِهِ مِنْ أَنْ يُقْدِمَ على مِثلِ هذا الفعلِ الذي يَضُرُّ بهِ نفسَهُ في الدنيَا والآخِرَةِ، ويضرُّ أهلَهُ وبلدَهُ ومجتمعَهُ وتترتَّبُ عليهِ الآثارُ الخطيرةُ التي تخدمُ الأعداءَ. فالأمرُ جدُّ خطيرٌ، ونهايةُ الإجرامِ هو الإقدامُ على القتلِ والعياذُ باللهِ.

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم:{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [آل عمران:103].

باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيم ونفعنِي وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الذي علَّم أمتَه كلَّ خيرٍ، وحذَّرهم من كلِّ شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعدُ:

فاتقوا اللهَ أيُّها المؤمنون، وتمسُّكوا بالوسطيّةِ والاعتدالِ، وإيّاكُمْ والاغترارَ بهذا الفكرِ الضَّالِ، والانجرافَ وراءَهُ، وعليكُمْ بسبيلِ علماءِكُمْ الرّبّانيّين الذين رسختْ أقدامُهُم في العلمِ وطالتْ أعمارُهُمْ فِي تحصِيلِهِ وعَلَتْ مَكَانتُهُمْ بما قدَّمُوهُ مِنْ أَجْلِهِ، ومَا آتَاهُم اللهُ عزّ وجلّ من العلمِ والحكمةِ والرزانةِ والأناةِ والنظرِ في عواقبِ الأمورِ وخاصةً في ظلِّ هذه الظروفِ التي تعيشُها بلادُنا -حرسَها اللهُ-، يقولُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه:”لَا يَزَالُ النَّاسُ صَالِحِينَ مُتَمَاسِكِينَ مَا أَتَاهُم الْعِلْمُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمدٍ ومن أكابِرِهِمْ ، فإذا أتاهُم من أصاغرِهِمْ هَلَكُوا “.

واعلموا أنّ أعداءَ الإسلامِ ـ من كلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ ـ يتربصونَ بكمْ فانتبهوا لِئَلّا تُؤْتَى بِلَادُكُمْ مِنْ قِبَلِكُم، وإيّاكُمْ وفتاوى أهلِ الغيِّ والضَّلالِ والفكرِ المنحرفِ، فإنّهُمْ يريدونَ لكمْ الهلاكَ، ونزعَ نِعَمِ اللهِ الّتِي تتقلبُون فيها ليلَ نهار، مِنْ أمنٍ وأمانٍ، واستقرارٍ ورغدِ عيشٍ، وتوحُّدِ الصَّفِ واجتماعِ الكلمةِ، وتآلفٍ بين الرّاعِي والرّعِيّةِ.

وإنّ مِنْ أهَمِّ أَسْبَابِ وقوعِ مثلِ هؤلاءِ الشّبابِ في مصيدةِ هذا الفكرِ الضّالِ التواصلَ مع الأعداءِ عبرَ وسائِلِ التّوَاصلِ ممن يخدعونَهُمْ ويدَّعونَ أنَّهم من أهلِ الخيرِ، وهمْ منْ أعداءِ الدِّين والعبادِ والبلادِ، وقد تكشَّفتْ بعضُ الحقائقِ في إدارةِ حساباتٍ وهميَّةٍ يديرُهَا اليهودُ والنّصارى والمجوس.

عبادَ اللهِ: إنّ رِجَالَ أَمْنِنَا البَوَاسِلَ الّذِينَ يُدَافِعُونَ عن البلادِ والعبادِ ويتصدُّونَ لِكُلِّ عدوٍّ في الداخلِ والخارجِ بكلِّ شجاعةٍ وبسالةٍ، ويؤدونَ ما أوجبَ اللهُ عليهمْ منْ حِفْظِ سفينةِ المجتمعِ ومتابعةِ الأعمالِ الإجراميةِ، يستحقونَ الإشادةَ والدُّعاء لهم بالتوفيقِ والإعانةِ والحفظِ والصّلاحِ والفلاحِ في العاجلِ والآجلِ، فنحنُ ننامُ ويسهرونَ، ونرتاحُ ويتعبونَ. أسألُ اللهَ لهم الثّباتَ، وحُسْنَ النّيةِ والعملِ. 

واللهَ أسألُ أنْ يحفظَ علينَا دينَنَا، وولاةَ أمرِنَا، وعلمائَنا، وبلادَنا من شرّ الأشرارِ، وكيدِ الفُجّارِ، وأنْ يحفظَ رجالَ أمنِنَا بحفظِهِ وأنْ يُمِدَّهُمْ بعونِهِ وتوفيقِهِ، وأنْ يُدِيمَ عليْنَا نعمةَ الأمنِ والأمانِ والاستقرارِ.

هَذا وصلُّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى والنبيّ المجتبى محمد بن عبد الله فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦).                         

الجمعة: 21-8-1440هـ