كثرة الطلاق الأسباب والحلول – خطبة الجمعة 26- 2- 1441هـ

الأثنين 29 صفر 1441هـ 28-10-2019م

الخطبة الاولى:

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونعوذ باللهِ منْ شرورِ أنفسنَا ومنْ سيئاتِ أعمالنا منْ يهدهِ اللهُ فلَا مُضلّ لهُ ومنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:

فاتّقوا اللهَ أيها المؤمنونَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} [آل عمران:102].

عبادَ اللهِ: العلاقةُ الزوجيةُ مبنيَّةٌ على صلاحِ الطرفينِ، وصِدْقِ النيَّةِ، وطلبِ العفافِ، والذريةِ، فإذَا بدأَ الزوجانِ حياتَهُمَا عَلى ذلك حَصَلَ الوِفَاقُ والاتفاقُ، والتفاهُمُ والانسجامُ، فألقى اللهُ جلَّ وَعَلا المحبةَ والمودةَ بينهمَا؛ ونَالَا العيشةَ الهنيةَ الطيبةَ.

أمّا إذَا كانَ الأمرُ عكسَ ذلكَ، فَلَا غَرْو أنْ يحصُلَ الشّقَاقُ والخصامُ، ولمْ يبقَ للزَّوجينِ سبيلٌ إلّا الفراقَ والطلاقَ.

وقدْ ذكرتُ في الجمعةِ الماضيةِ ظاهرةَ كثرةِ الطلاقِ، والاستهانةَ بِهِ، وآثارَهُ السلبيةَ على المرأةِ والأسرةِ، وفي هذه الخطبةِ أذكرُ لكمْ شيئًا منْ أسبابِ كثرةِ الطلاقِ، وبعضَ الحلولِ المناسبةِ للحدِّ منه. فأقولُ وباللهِ التوفيقُ:

منْ أهمِّ أسبابِ حصولِ الطلاقِ بينَ الزوجينِ مَا يَلي:

1-عدمُ تحرّي الدّين والخُلُق عندَ اختيارِ كلٍّ منهمَا للآخَرِ، ذلكَ أنَّ بعضَ الشَّبَابِ يبحثُ فِي فتاةِ أحلامِهِ ومخطوبتِهِ عنِ الجمالِ والنَّسَبِ والمالِ، وأمَّا الخُلُق ُوالدينُ فَلا يلتفتُ إليهِ، وكذلكَ الفتاةُ تبحثُ عن الشَّابِّ الوسيمِ الجميلِ صاحبِ النسبِ والمالِ، ولا تلتفتُ إلى أخلاقِهِ ودينِهِ، فإذَا تزوَّجَا وأُغلقتْ عليهِمَا الأبوابُ ظهرتْ العيوبُ والأخطاءُ، ومعَ قلةِ الدِّينِ والإيمانِ في القلوبِ ينزغُ الشَّيْطَانُ بينهما ويحصلُ الطّلاقُ.

2-التقصيرُ في مسألةِ النّظرةِ الشّرعيّةِ الّتِي أبَاحَهَا الشَّرْعُ للطَّرَفينِ، فبعضُ الآباءِ – هداهم الله- يرفضُ أنْ ينظرَ المتقدمُ إلى ابنتِهِ، ويتحجَّجُ بحججٍ واهيةٍ.

3-عدمُ أخذِ إذنِ الفتاةِ في التزويجِ: اعتمادًا على موافقةِ وليِّ أمرِهَا فقطْ، وهُنا تُرغَمُ الفتاةُ على الزواجِ دونَ رغبتِهَا.

4-المعاملةُ السَّيئةُ منْ بعضِ الأزواجِ تجاهَ زوجاتِهِم، فيؤذيهَا في نفسهَا بالضربِ، والإهانةِ، والسبِّ، بل ربما طَرَدَهَا من بيتهِ، وهُنا لا تجدُ مفرًا إلا أن تطلبَ الخلعَ منهُ خلاصًا من جحيمِ عشرتِهِ.

5- تعدّي بعضِ الأزواجِ ظلمًا وعدوانًا على مالِ زوجتِهِ دون وجهِ حق، خاصةً إذا كانتْ لهَا وظيفة، فتتضررُ المرأةُ، وتسوءُ العشرةُ بينهمَا بسببِ ذلكَ، وبعدَ عناءٍ ومثابرةٍ معهُ تضطرُ لطلبِ الطلاقِ منهُ خلاصًا منْ ظلمِهِ.

6- ظلمُ بعضِ الرجالِ لبعضِ نسائِهِ في القسْمِ والعدلِ إذا كان مُعَدّدًا، وخاصةً في التعاملِ أو في الحقوقِ الماليةِ؛ وقدْ تضطرُ في آخرِ الأمرِ إلى طلبِ الطلاقِ منهُ.

7- إرهاقُ المرأةِ لزوجهَا بكثرةِ الطلباتِ والنفقاتِ غيرِ الضروريةِ والتي تُثْقِلُ كاهلهُ، وربّمَا تجعلُهُ يستدينُ من أجلِ ذلكَ.

8- تقصيرُ المرأةِ في حقوقِ زوجهَا الشرعيةِ، وشؤونِ بيتِهَا بسببِ كسلِهَا أو وظيفتِهَا التي تعملُ فيهَا، مما ينتجُ عنهُ دوامُ التَّشاحُنِ والخصامِ، وربمَا أَوْصَلَ ذلكَ إلى طَلَاقِهَا.

9- سوءُ معاملةِ الزوجةِ لأهلِ زوجهَا فيتأذى بسببِ ذلكَ، ويضطرُّ إلى طلاقِهَا، وكذلكَ سوءُ معاملةِ أهلِ الزوجِ لزوجةِ ابنهِمْ، فلا يُدَافِعُ عنها ولا ينْصفًها، مما يجعلُ المرأةَ لَا تتحمَّلُ زوجَهَا وتطلُبُ الطَّلُاقُ.

10- صِغَرُ الزَّوْجَينِ، وطَيْشُ وخفةُ عقولِهِمَا، وقصرُ نظرِ الزوجِ وتهاونِهِ في شأنِ عقدِ الزوجيةِ والزوجةُ كذلكَ.

11- كثرةُ المشاكلِ والخلافاتِ بينَ الزوجينِ، وقد يكونُ ذلكَ على أشياءَ يسيرةٍ لَا تستحقُّ الخلافَ ولا سيما في مسألة المقارنة بين الأقارب والقريبات فيما هم عليه من الحياة الزوجية وطلب أحد الزوجين من الآخر أن يكون على مثل ما هم عليه حتى يصلَ الأمرُ في نهايتِهِ إلى الطلاقِ.

12- ولعل أهم وأكثر الأسباب الموصلة للطلاق في وقتنا الحاضر ما جدّ من وسائل التواصل الحديثة من تويتر والواتس والسناب وغيرها حيث أدخلت الزوجين في خلافات حادة وأورثتهم شكوكًا كثيرة وفتحت على الناس أبوابًا عصفت بالحياة الزوجية لكثير من البيوت بعد استقرارها وعيشها الهني الرغيد.

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرّجِيمِ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء:19].

بَاركَ اللهُ لي ولكمْ في القرءانِ العظيمِ ونفعنِي وإيّاكُمْ بِمَا فيهِ من الآياتِ والذِّكْرِ الحكيمِ أقول ُمَا سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفر لي ولكُمْ إنَّهُ هو الغفورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشُّكرُ لهُ على توفيقِهِ وامتنَانِهِ، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلّا اللهُ وحدهُ لاَ شريكَ لهُ تعظيمًا لشأنِهِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الدّاعِي إلى رِضْوَانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا، أمَّا بعدُ:

فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلموا أنّ من الحلولِ الناجحةِ للحدِّ من كثرةِ الطَّلاقِ مَا يلِي:

1- أهميةُ اختيارِ الزوجِ للمرأةِ الصّالحةِ ذات الخلق والدين، وكذلكَ اختيارُ الفتاةِ للزوجِ الصّالحِ ذي الخلقِ والدينِ، وحصولُ الرؤيةِ الشرعيةِ، مع الاستخارةِ والاستشارةِ والدُّعَاءِ.

2- التمسُّكُ بحسنِ الخلقِ عندَ التعامُلِ بينَ الزوجينِ وصبرُ كلٍّ منهمَا على الآخرِ، والنظرُ للإيجابياتِ والتَّغَافلُ عن السّلبياتِ أو معالجتِها بحكمةٍ قدرَ الاستطاعةِ.

3- العملُ على تقويةِ الجانِبِ الإيماني عندَ الزوجينِ واستشعارُ الخوفِ منَ اللهِ ومراقبتِهِ، وتذكُّرُ أجرَ الإحسانِ والتعاملِ الحسن.

4- استشعارُ الزوجينِ أنهمَا لباسٌ وسكنٌ ومودةٌ ورحمةٌ لبعضهمَا، وأنهمَا من نفسٍ واحدةٍ، ونظرُ بعضهمَا للآخرِ نظرةَ تقديرٍ واحترامٍ.

5- تجنُّبُ الظلمِ من الزوجينِ، وتذكُّرُ عواقبهِ وأثرهِ في الدنيا والآخرةِ.

6- الحرصُ على أداءِ الحقوقِ والواجباتِ التي شرعَهَا اللهُ لهمَا عَلى أساسِ العدلِ والإحسانِ.

7- إيجادُ ثقافةِ التشاورِ والحوارِ فيمَا بينهمَا لحلِّ المشاكلِ التي تطرأُ على حياتهمَا.

8- حرصُ الحكمينِ عند تدخلهمَا بينَ الزوجينِ المختلفينِ على تحقيقِ الإصلاحِ فيمَا بينَ الزوجين قدرَ استطاعتهمَا حتى يحصلَ التراضي والتوافقُ.

9- نشرُ الوعيِ حولَ عواقبِ الطلاقِ وخطورتهِ، ونتائجِهِ وسلبياتِهِ، من خلالِ المنابرِ العلميَّةِ ومراكزِ التواصلِ الاجتماعي؛ ومنابرِ الخطباءِ، لتعزيزِ الاستقرارِ الأسريِّ في المجتمعِ.

10- التعامل المناسب مع وسائل التواصل والثقة المتبادلة بين الزوجين في هذ الباب واحترام كلِّ واحد منهما حقوق الآخر وعدم المساس بها.

أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّهُ حقٌّ على كلِّ زوجينِ أنْ يَتَرَيَّثَا عندَ إرادةِ الطَّلاقِ، وألَّا يصيرَا إليهِ إلَّا عندَ تعذّرِ جميعِ وسائلِ الإصلاحِ الممكنةِ، وإذّا وفقهمَا اللهُ إلى المعاشرةِ بالمعروفِ معَ التغاضي عن الهفواتِ والتنازلِ عن بعضِ الحقوقِ والواجباتِ فإنَّ ذلكَ أوْلَى من فراقِهِمَا ولا سيَّمَا في حالِ وجودِ أولادٍ بينهمَا لأنهمْ المتضرَّرُ الأكثرُ من فراقِ أبويهِمَا.

هَذا وصلُّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى والنبيّ المجتبى محمد بن عبد اللهِ فقدْ أمرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ مِنْ قائلٍ عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦).  

الجمعة:     26 –  2 -1441هـ