من أحكام صلاة الاستخارة – خطبة الجمعة 8 – 5 – 1441هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولي الصالحين، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه النبي الأمين، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقوا اللهَ أيها المؤمنونَ:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون](آل عمران:102).
عبادَ الله: الإنسانُ مهما بلغ من نضجهِ وفهمهِ وعلمهِ، فهو لا يَعلمُ الغيبَ، وقد يرى ما يظنُّه نافعاً فتكونُ عاقبتهُ سوءًا، والعكسُ كذلك، وربما أقدمَ على أمورٍ مجهولةِ العواقبِ، لا يدري خيرَها من شَرِّها ونَفْعَها من ضَررها، فيقعُ في حيرةٍ من أمره. كمنْ يريدُ الزواجَ، أو شراء سيارة، أو السفر لجهة معينة، أو إقامة مشروع معين، أو غير ذلك من أموره الحياتية. لذلك شرعت صلاة الاستخارة ليتبين له بعد ذلك الأمر الذي فيه الخير فيمضي بعمله. ومن فزع إلى صلاة الاستخارة، وجد فيها الخير الكثير الذي لا يُدرِكهُ العقلُ، ولم يكن بحُسبانِ العبد. وعلى الرغم من ذلك ومع مَسِيسِ الحاجة لهذه الصلاةُ، وعظم نفعها، إلاَّ أنّ كثيرا من المسلمين غفل عنها وتجاهلها كثيرًا فيما يقدم عليه من أمور معاشه. قال النووي رحمه الله: تستحب الاستخارة بالصلاة والدعاء وتكون الصلاة ركعتين من النافلة، والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب وبتحية المسجد وغيرها من النوافل. أ.هـ.
عباد الله: اعلموا بارك الله فيكم أن الاستخارة سنة، ودليل مشروعيتها ما رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال:(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ. وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ).
والحكمة من مشروعيتها: التَّسْليم لأمر اللَّه والالتجاء إليه سبحانه. للجمع بين خيري الدُّنيا والآخرة. ويحتاج في هذا إلى قرع باب الملك جلَّ جلاله، ولا شيء أنجع لذلك من الصلاة والدُّعاء; لما فيها من تعظيم اللَّه، والثَّناء عليه، والافتقار إليه، ثم بعد الاستخارة يقوم إلى ما ينشرح له صدره.
عباد الله: ومن المسائل المتعلقة بصلاة الاستخارة ما يلي:
أولاً: ينبغي للمسلم أن يعمل بهذه السنة، اتباعًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وإحياءً لها، وهو مأجور على ذلك.
ثانياً: ينبغي حفظ دعاء الاستخارة إذا تيسر ذلك، فإن شق حِفْظَهُ، جاز أن يقرأ من ورقة أو كتاب عند إرادة الصلاة والدعاء.
ثالثًا: لا تستحب الاستخارة في أمور العبادات لأنها خير محض، ويترتب عليها الأجر سواء كانت فرضًا أو نفلاً، ولكن يستحب الاستخارة في اختيار وقت أدائها.
رابعًا: تشرع الاستخارة في الأمور التي يشك في عاقبتها، ولم يترجح عنده احتمال الفعل أو الترك، أما الأمور التي هي خير محض، أو ظهرت مصلحتها، فلا تشرع.
خامساً: لا يجوز أداء صلاة الاستخارة في أوقات النهي؛ لأنها داخلة في عموم أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر، ولا تدخل في ذوات الأسباب؛ لأن وقتها واسع، ولا ضرر في تأخيرها ساعة أو ساعتين حتى يخرج وقت النهي.
سادسًا: لا مانع من الاستخارة بعد الصلاة في أكثر من حاجة إذا احتاج المسلم إلى ذلك.
سابعًا: من تردد في أمرين فعلاً وتركًا، فإنه يصلي صلاة الاستخارة، أما إذا ترجح عنده أحدهما ورأى نفسه تميل إليه، فليعزم على فعله سواء قبل الاستخارة أو بعدها، فإن كان الميل غير قوي، فله أن يستخير مرة أو مرارا.
ثامنًا: ينبغي لمن أراد أن يصلي صلاة الاستخارة أن يكون في وقت يسع صلاة ركعتين والدعاء بعدهما، أما إذا كان الوقت ضيقًا أو لا يتمكن من أدائها، فله في هذه الحال أن يدعو على أية حال يقدر عليها.
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: [وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون](البقرة:216).
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيم ونفعنِي وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الذي علَّم أمتَه كلَّ خيرٍ، وحذَّرهم من كلِّ شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعدُ:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن من المسائل المتعلقة بصلاة الاستخارة أيضًا:
تاسعًا: يشرع لمن استخار ولم يجد في نفسه ترجحًا لأحد الأمرين أن يكرر الصلاة والدعاء بعدها فإذا لم يترجح له الأمر فعليه أن يستشير من يثق به من الناصحين.
عاشراً: إذا أراد الشخص أن يصلي صلاة الاستخارة، وتوضأ لرفع الحدث، ثم ذهب إلى المسجد في غير وقت نهي، وصلى فيه ركعتين فتكفيان عن سنة الوضوء وتحية المسجد إذا نوى بهما ذلك.
الحادي عشر: إذا أرادت المرأة أن تستخير ومنعها الحيض أو النفاس، فلتنتظر حتى يزول عنها المانع، فإن كان الأمر الذي تستخير له ضروريًا ووقته يفوت، فلتستخر بالدعاء دون الصلاة.
الثاني عشر: الأولى أن يكون دعاء الاستخارة قبل السلام.
واعلموا يا عباد الله: أن الاستخارةُ فيها تعظيمٌ لله وثناءٌٌ عليه، ودليلٌ على تعلُّق قلب المؤمن بربه، وثقته وحسن ظنه، وتقديره الخير له في جميع أموره، وفيها كذلك مخرجٌ من الحيرةِ والشكوك والأوهام.
وعن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من سعادة ابن آدم استخارته الله تعالى، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله عز وجل، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله)(رواه أحمد) قال ابن القيم رحمه الله: فالمقدور يكتنفه أمران: الاستخارة قبله، والرضا بعده .
فاحرصوا عليها بارك الله فيكم، وبادروا إليها في جميع أموركم، فالخير كل الخير في اتباع سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.
هَذا وصلُّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى والنبيّ المجتبى محمد بن عبد الله فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 1441/5/8هـ