أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضل عشر ذي الحجة

الأثنين 9 شوال 1441هـ 1-6-2020م

الخطبة الأولى:

الحمد لله حرس الدين بحمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فرض على عباده الفرائض وأمرهم بالطاعات وكان منها ما قال في شأنه [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ](آل عمران)، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله الذي خير من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقو الله عباد الله، واعلموا أن الله خاطب نبيه وأمته قائلاً [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ](آل عمران).

إن سلف الأمة اكتسبوا الخيرية وحازوا على الشرف والأولوية لما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وكان فيهم من الغيرة على حدود الله ما دفعهم لحراستها والذب عنها بكل ما يستطيعون.

والمعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله، والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع.

والمنكر ضد المعروف: فكل ما حرمه الشرع أو قبَّحه وكرهه فهو منكر، فالمعروف طاعة والمنكر معصية.

عباد الله:  إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة الأنبياء والمرسلين، قال تعالى:[ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ](الأعراف).

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة الحكام [الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ..](الحج).

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وظائف العلماء، وهو واجب الآباء والمربين، يامرون به أبنائهم وتلاميذهم، قال تعالى على لسان لقمان [يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ](لقمان)

وقال تعالى:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ](التحريم).

بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلزم كل مسلم يستطيع ذلك، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)(رواه مسلم).

وطرد الله أمة بأكملها من رحمته لما قصرت في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال:[لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك ما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون]، ثم قال صلى الله عليه وسلم:(كلا والله، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنَّه على الحق قصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم)(رواه أو داود).

عباد الله:

إن المجتمع الصالح الراشد المسدد هو المجتمع الذي يتعاون أفراده على الخير وتتضافر جهودكم لدفع الشر ونفي الخبيث، والأخذ على أيدي السفهاء والعابثين، وصدق الله العظيم [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ](التوبة)

فالمرء يكمِّل نفسه ويزكِّيها بالطاعة، ويكمِّل مجتمعه ويرتفع إلى مراقي الفلاح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا لم يأخذ المجتمع على يدي السفيه ويردعه عن باطله فيخشى أن يعم الله المجتمع بعقوبة من عنده، قال تعالى:[ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ](الأنفال)، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: (أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب).

فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أنها مسؤولية عظيمة، وأمانة جسيمة تحمَّلها كلُّ مسلمٍ، وفي القيام بها بإذن الله سلامةُ المجتمع والإبقاءُ عليه، فلتتضافر منا الجهود، ولتصحَّ العزائم للأخذ بسُبل الإصلاح والقضاءِ على سُبل الفساد، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

عباد الله:

إن التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خطير وعاقبته وخيمة، ونتيجته وبيلة، لعنٌ من الله، وطردٌ من رحمته لما يحصل من تفشي المعاصي والمنكرات، وقد ينزل مع الطرد من الرحمة عقاب من الله شديد من حيث لا يحتسب الناس، ثم يحال بينهم وبين إجابة دعوتهم.

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)(رواه الترمذي).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

[وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ](الأنبياء).  

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل لأمة الإسلام أزمنة فاضلة يتنافس فيها الأخيار ويبادر لها عباد الله الأطهار، والصلاة والسلام على قدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله خير من بادر لاستغلال وقته فيما يعود عليه بالخير له ولأمته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: فالتقوى مفتاح كل خير، ومغلاق كل شر.

عباد الله: لقد اقتربت عشر أيام ذي الحجة، وهي من أفضل أيام العام كما ورد ذلك عن ابن عباس مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع من ذلك بشيء)(رواه البخاري).

وبهذا يتبين لنا أن عشر ذي الحجة من أفضل أيام العام على الإطلاق، ذلك أن أمهات العبادات تجتمع فيها، ولا تجتمع في غيرها، ففي عشر ذي الحجة الحج والعمرة وهما من أفضل الأعمال، وصيام يوم عرفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده)(رواه مسلم)، وفيها التكبير والذكر، وفيها الأضحية في يوم العيد وأيام التشريق، والحرص على النوافل من صلاة وقراءة وصدقة وتجديد التوبة والإقلاع عن الذنوب والمعاصي صغيرها وكبيرها، يقول ابن قدامة رحمه الله:(وأيام عشر ذي الحجة كلها شريفة مفضلة، يضاعف العمل فيها ويستحب الاجتهاد في العبادة فيها).

فينبغي علينا استغلال هذه الأيام فيما ينفعنا في العاجل والآجل، وهناك بعض التوجيهات الخاصة بمن أراد أن يضحي إذا دخل شهر ذي الحجة، ومن ذلك:

(1) من أراد أن يضحي عن نفسه وأهل بيته أو أن يتبرع لحي أو ميت فيحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره، حتى يذبح أضحيته.

(2) إذا دخل عشر ذي الحجة ولم ينو المسلم أن يضحي فأخذ من شعره وظفره ثم بدا له بعد يومين أو ثلاثة أو أكثر أن يضحي فعليه أن يمسك من حين نوى ولا حرج عليه فيما مضى.

(3) النهي عن أخذ الشعر والظفر خاص بمن أراد أن يضحي عن نفسه وأهل بيته، أو يضحي تبرعاً لحي أو ميت.

(4) لا حرج أن تذبح المرأة الأضحية، وما يظنه بعض الناس من عدم جواز ذلك فلا أصل له في الشرع.

(5) من أراد أن يضحي وعقد العزم على الحج أو العمرة فلا يأخذ من شعره وظفره عند الإحرام، أما الحلق أو التقصير للحج والعمرة فيجب ولو كان الحاج أو المعتمر سيضحي لأن هذا التقصير أو الحلق نسك فلا يشمله النهي عن أخذ الشعر والظفر.

وأما بالنسبة للتكبير في هذه الأيام فينقسم إلى قسمين: مطلق ومقيد:

فالمطلق: يبدأ من أول العشر إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة في أصح قولي العلماء.

والمقيد: يبدأ من فجر عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، هذا بالنسبة لغير الحاج.

وأما الحاج فيبدأ التكبير من صلاة الظهر يوم العيد إلى عصر آخر أيام التشريق لأن الحجاج مشغولون قبل ذلك بالتلبية.

والمطلق: يشرع في كل وقت من ليل أو نهار، والمقيد: خاص بأدبار الصلوات المفروضة بعد أن يقول المصلي: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، يكبر التكبير المقيد ثم يعود ويكمل الذكر.

ويستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور، والطرق، والمساجد، وأماكن تجمع الناس إظهاراً لهذه الشعيرة وإحياء لها، واقتداءً بسلف هذه الأمة.

وصفة التكبير المشروع أن يقول المسلم: ( الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)، وإن قال الله أكبر ثلاثاً جاز، وإن زاد (الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد) فهذا حسن لثبوته عن بعض الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ.

عباد الله:

احرصوا على ما ينفعكم وابتعدوا عما يضركم، واسعوا في بذل الخير والإسراع إلى الطاعة فاليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل. أسال الله تعالى بمنه وكرمه أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى.

اللهم احفظ علينا دينا وأمننا وولاة أمورنا وعلمائنا وإخواننا المسلمين، اللهم اجعل هذا البلد مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك الصالحين، اللهم عليك بمن يكيد بالإسلام والمسلمين، اللهم رد كيدهم في نحورهم، واجعل الدائرة عليهم يا قوي يا عزيز.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً،  اللهم أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم أسق به البلاد والعباد واجعله زاداً للحاضر والباد.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب:٥٦).                                                                           

                                                                                                           27/11/1428هـ