بعد رمضان

الأثنين 9 شوال 1441هـ 1-6-2020م

الخطبة الأولى: 

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

 أيها المؤمنون: قبل أيام قليلة ودعنا شهر رمضان وقد عاش المسلمون هذا الشهر، في جو إيماني ذاقوا فيه طعم الإيمان وحلاوة الطاعة ولذة القرب من الله، يصوم المسلمون ويفطرون باسم الله وينامون ويقومون على ذكر الله ويعيشون لحظات هذا الشهر الكريم وأوقاته وهم راضية أنفسهم قريرة أعينهم، التقوى زادهم والعمل الصالح مجال تنافسهم، وصدق الله العظيم (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).

عباد الله: لعل شهر الصيام حقق شيئا من آثاره في نفوس الصائمين، لامس القلوب المريضة فشفاها، والعقول الضالة فهداها، والضمائر الميتة فأحياها، والأرواح المظلمة فأنارها.

لعل شهر الصيام علم الصائمين طهارة اليد وغض البصر وحفظ الجوارح من مقارفة الحرام، وبهذا يحس المسلم الصائم بألم فراق شهر الصيام، ويلمس آثاره على الفرد والمجتمع.

عباد الله: كانت الشياطين مقيدة في رمضان وقد أطلقت من قيودها،فهل وقفت حائلا دون حضور الجمعة والجماعة؟ هل منعت من حضور صلاة الفجر والظهر والعصر؟ هل منعت الناس من البذل والصدقة؟ هل حالت دون الجلوس في المساجد وقراءة القرآن وصلاة النافلة في الليل والنهار؟

إننا بأمس الحاجة إلي مواصلة الطاعة وعدم القعود والكسل والاعتماد على التسويف والأماني الخادعة، فبحرها لا ساحل له، وهو مركب المفاليس، والأماني بضاعة النوكى من كل صاحب نفس خبيثة خسيسة همتها تحت قدمها.

لابد أيها الإخوة  أن نصدق مع خالقنا بالتوبة النصوح بالتزام فعل ما يجب وترك ما يكره، والله جل وعلا علق الفلاح المطلق على فعل المأمور وترك المحظور، وربطه بالتوبة، قال تعالى (وتوبوا إلى الله جميعا أيه  المؤمنون لعلكم تفلحون).

أيها المؤمنون: لقد عودنا شهر رمضان على الاقتصاد في كثير من الأشياء مثل الطعام والشراب والكلام  والاعتياض عن ذلك بكثرة الذكر والتسبيح والدعاء وتلاوة القرآن، كما عودنا شهر الصيام على الابتعاد عن الخلطة السيئة التي لا يسلم صاحبها من اللغو والرفث والفسوق العصيان، وقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم).

عباد الله: ومما هو معروف عند أهل الصلاح والتقى أن مفسدات القلب خمسة أشياء هي:

كثرة الخلطة، والتعلق بغير الله، والشبع، والمنام والتمني، فاحذروا منها بعد أن عمرتم أوقاتكم بالطاعة وسلمتم من هذه المفسدات خلال هذا الشهر الكريم.

فأما المفسد الأول: فهو كثرة الخلطة وهي تملأ القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما، وكم جلبت خلطة الناس – غير النافعة ــ من نقمة ودفعت من نعمة، والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير ويعتزلهم في الشر، فإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشر ولم يتمكن من اعتزالهم: فالحذر الحذر أن يوافقهم وليصبر على أذاهم، فإنهم لابد أن يؤذوه لكن يعقب هذا الأذى عز ومحبة، وتعظيم وثناء عليه. أما موافقتهم فيعقبها ذل وبغض ومقت وذم له، وهذه سنة الله في الناس أجمعين.

وأما المفسد الثاني: فهو التعلق بغير الله، وهذا من أعظم مفسدات القلب على الإطلاق، فمن تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به، فلم يحصل على مقصوده، ولا يصل إلى مطلوبه، بل إن مثل المتعلق بغير الله كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي شرع لعباده مواسم الطاعات وأنعم عليهم بتتابع الفضل والخيرات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا،

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن المفسد الثالث للقلب: هو كثرة الطعام، وذلك بتعدي الحدود في ذلك، بالإسراف والشبع المفرط وذلك يثقله عن الطاعة وقد قيل: من أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا، قال صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، فحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسِه).

وأما المفسد الرابع للقلب: فهو كثرة النوم، لأن كثرته تميت القلب وتثقل البدن وتورث كثرة الغفلة والكسل، وأنفع النوم ما كان من حاجة. ولا ينبغي بحال أن يقتصر النوم على النهار كما يفعله بعض الناس، إلا إذا كان يحيي ليله كله بالصلاة وهذا ليس في كل العام، بل في أيام خاصة، كالعشر الأخيرة من رمضان دون غيرها.

وأما المفسد الخامس: فهو التمني وهو لا يحقق شيئا بل مجرد أماني لا واقع لها، فليحذر المسلم من أن يضيع وقته بالتمني الذي لا يتحقق معه عمل، وقد يبني من الأماني قصورا لكنها لا تلبث أن تكون سرابا، وهذه حال كثير ممن يخططون لكثير من الطاعات بعد رمضان لكن لا تلبث أن تكون مجرد أماني لا يفعلون منها شيئا.

فاحرصوا أيها المؤمنون على الاستمرار في الطاعة وبادروا لقضاء ما عليكم من أيام رمضان، واعلموا أنه لا يجوز الفطر في القضاء بأي حال من الأحوال إلا إذا كان هناك عذر من مرض أو سفر أو حيض أو نفاس بالنسبة للمرأة، وأما ما يظنه بعض الناس من جواز الفطر في صيام القضاء لمجرد مناسبة أو نزهة فهذا غير صحيح.

كما أوصيكم بصيام ست من شوال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان ذلك كصيام الدهر) فاغنموا بارك الله فيكم هذا الفضل العظيم.

هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا لكل خير، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. وأقم الصلاة.                                   

                                      6 -10-1420هـ