توثيق الديون
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.. أما بعـد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الإنسان أياً كان على ظهر هذه الأرض يتقلب في أثناء حياته في أطوار من الطفولة والشباب والكهولة والشيخوخة وهو يمر خلالها في أحوال من العسر واليسر والفقر والغنى والحزن والسرور والصحة والمرض والقوة والضعف وغير ذلك من الأحوال و إذا أردت أن تخاطب الإنسان فلا بد أن تراعي الحال التي تكون عليها ليكون الكلام مناسب لمقتضى حاله فيصير ذا نفع وأثر حسن وتتحقق مقاصده ويقع التوجيه موقعه ومن لطف الله بأمة الإسلام أن شرع لهم حسنات يلمسونها في حياتهم وتدر عليهم وتنفعهم بعد مماتهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللهr قال ” إذا مات ابن أدام انقطع عمله إلا من ثلاث صدقه جارية أولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به ” رواه مسلم.
ولهذا فينبغي للمسلم أن يحكم أموره وأن يضبطها لئلا تضيع حقوقه أو حقوق الآخرين ولئلا يتأذى من وراءه ممن يتولون تركته. ومما لاحظته في واقع الناس مما يكثر التساهل فيه مسألة الديون للإنسان أو عليه وهذا باب عظيم ومدخل خطير ينبغي للمسلم أن يتحرز منه كيف لا والرسولr امتنع عن الصلاة على من عليه درهمان فكيف بمن يموت وعليه من الديون ما عليه. فليتق الله أولئك الذين يتساهلون في الدين ويغسلون الدين بالدين فإذا جاء وقت السداد ذهب وتدين أكثر من الدين الأول للسداد وهكذا حتى تتراكب عليه الديون ويعجز عن الوفاء ويتق الله أولئك الذين يتفاخرون بالإسراف والبذخ في الولائم والمناسبات وهم يستدينون ذلك. وكذلك الذين يبالغون في المهور وهي ديون على ظهورهم.
إخوتي في الله لا شك أن الحاجة تُلجأ الإنسان أحيانا للدين لكن ينبغي أن يكون ذلك في حدود الحاجة وأن يكون موثقاً ومكتوباً وأن لا يزيد عما يقدر على سداده ووصيتي لإخواني الذين أنعم الله عليهم وهم الذين يقدمون الأموال للمحتاجين على شكل ديون وصيتي لهم أن يتقوا الله وألا يستغلوا حاجة هؤلاء وأن ينطلقوا من قاعدة وجوب إنظار المعسر وأن يتحايلوا على الربا فما نلاحظه ونسمعه ينذر بشر عظيم إذ هناك أشخاص من الأخيار والصالحين لكنهم يتساهلون في مسائل الديون فيدخلون في الأبواب الربا من حيث يشعرون أولا يشعرون لقد لعب الشيطان بأفكار بعض الناس فجرأهم على المعاملة المحرمة السيئة فارتكبوا محارم الله وهم يعلمون وتجرؤا على الإثم كأنهم لا يعقلون وهمَّاهم الكسب وكثرة المال فبئس ما يصنعون لقد تجرأ كثير من الناس على المداينات المحرمة وجعلوا الكسب من ذلك مغنماً ووالله إنه لمغرم لأنه كسب حرام لا بركة فيه ولا مصلحة بل فيه مفاسد متعددة.
أيها المؤمنون لقد وقفت على معاملة صريحة في الحرمة ولما تحدثت مع الشخص الذي يتعامل بها رجع وقال إنني لا أعلم بحرمتها كان يقول لصاحبه المستدين منه استدن مني وأوفني أو أذهب إلى فلان واستدن منه وأنا أطمنك ثم أوفني وأدينك مرة أخرى لتوفيه وهذا تحايل صريح على الربا نعوذ الله من غضب الله .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه))
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثنية:
الحمد لله الذي منَّ علينا بالأموال وجعلها قياماً للناس في مصالح الدنيا والدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما. أمــــا بـــــعـــــد:
اتقوا الله تعالى واشكروه على ما منحكم من هذه الأموال واتخذوها قربة لمن وهبها لكم لقد بين الله طريق الحلال في اكتساب المال وأوجه صرفه وبين طرق الحرام اكتساباً وصرفاً فحذار حذار من جمع المال من طريق الحرام فوالله ليأتين يوم يندم فيه الإنسان ولكن هيهات أن ينفع الندم:
ونسعى لجمع المال حلاً ومأثما
وبالرغم يحويه البعيد وأقرب
نحاسب عنه داخلاً ثم خارجا
وفيما صرفناه ومن أين يكسب
ويسعـد فيـه وارث متعـفـف
تـقـي ويشـقى فـيه أخـر يتعــب
إخوتي في الله لقد تساهل الكثير في الديون فأصبحوا يتعاملون بها صباحاً ومساءً يرهقون كد أهلهم وهم يعلمون أنهم ليس بمقدورهم السداد ونهاية المطاف الإعسار والسجن أو الجمع لهم من أهل اليسار أو الموت ثم يشقى من بسوء صنيعهم من بعدهم والواجب على العاقل أن يتصرف حسب حاجته وفي حدود إمكاناته وقديما قيل * مـُـدَّ رجـلك على قدر لحافك *ولو أن الناس تركوا التفاخر فيما بينهم وابتعدوا عن الإسراف في المهور والولائم ولوازم البيوت لتخففوا من الكثير الذي يضرهم ونفعه قليل.
أيها المؤمنون وأُذكركم بمسائل ثلاث مهمة:
الأولى: المبادرة بسداد الدين عن الميت وتقديم ذلك على قسمة التركة وعدم التساهل في ذلك وليتق الله الأوصياء.
الثانية: توثيق الديون بكتابتها تفصيلاً سواء كانت لك أخي المسلم أو عليك وتضع الوثيقة في مكان معروف بحيث لو اخترقتك المنية يكون ذلك واضحاً للوصي فيسدد ما عليك ويطالب بمالك عند غيرك.
الثالثة: الحرص على تنفيذ وصية المال فكثير من الأوصياء يتساهل في ذلك ويجمع ما وراء الميت ويتصدق به دفعة واحده وهذا خطأ إذا كانت الوصية محدودة بأضحية مثلاً أو قربة أو نخل أو غير ذلك فالواجب تنفيذ الوصية وما زاد عليها يتصدق به لكن إن قال الميت وثلثي في أعمال البر حسب ما يناسب الزمان والمكان والأحوال على نظر الوصي فهنا للوصي أن يتصرف حسب المصلحة الشرعية. أسأل الله أن يبصرنا بأمور ديننا وأن يعلمنا ما جهلنا وأن ينفعنا بما علمنا.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )) اللهم صلي وسلم على نبينا محمد.