حول الالتزام بنظام المرور 28/10/1417هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى وأشهد أن لا إله إلا الله سخر لنا كل ما في الكون منة منه وفضلا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أسرج بسنته الدجى وأنا لنا سبيل الهدى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فيا أيها المؤمنون !
لقد بين الله الغاية التي من أجلها خلقنا فقال تعالى: [ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون] وقال تعالى: [وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ] .
وأمر الله سبحانه أفضل خلقه بأن يعبده حتى الموت [ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ] .
والعبادة بمفهومها الشامل الواسع تشمل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأوقال والأعمال الظاهرة والباطنة، فكل مجامع الأخلاق والأعمال ومحاسنها داخل في نطاق العبادة.
لقد أفسح الإسلام مجال العبادة ووسع دائرتها بحيث شملت أعمالا كثيرة لم يكن يخطر ببال الناس أن يجعلها – شرعنا الحنيف- عبادة وقربة لله، فكل عمل اجتماعي نافع يعده الإسلام عبادة من أفضل العبادات ما دام قصد فاعله الخير لا حب الثناء والمدح واكتساب السمعة الزائفة عند الناس، كل عمل يمسح به الإنسان دمعة محزون أو يخفف به كربة مكروب أو يضمد به جراح منكوب أو يسد به رمق محروم أويعين به مظلوما أو يقضي به دين غارم مثقل ركبته الهموم حتى أصبح يتوارى عن أعين الناس، أو يهدي حائرا أو يعلم جاهلا أو يؤوي غريبا أو يدفع به شرا عن مخلوق أو أذى عن طريق أو يسوق إحسانا لحيوان أو دابة من الدواب، كل ذلك عمل صالح نافع إذا أحسنت فيه النية وكان موافقا للكتاب والسنة.
عباد الله! يقول الله تعالى: [وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ] .
وهذه واحدة من نعمة الله علينا التي لا تحى وقد أوجب الله علينا أن نحسن التصرف بها ليتم الانتفاع بها ونأمن غائلتها وهذه النعمة العظيمة هي نعمة المركوب قال تعالى: [وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ . وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ . وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ] .
لقد سخر الله لنا الحديد لننتفع به ونبلغ عليه حاجة في صدرونا فعلينا أن نعتدل في الاستعمال وألا نسرف وفي استخدامه وألا نستعمله في سخط الله.
إخوتي في الله! لقد تطورت وسائل النقل وتيسر للناس في أزمنة المتأخرة مالم يتيسر لمن قبلهم وصدق الله العظيم [ ويخلق ما لا تعلمون] أي يخلق من وسائل المركوب وغيرها ما لا تعلمون ولا يخطر ببالكم وها هي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
إن هذه الوسائل وسائل نقل ولا وسائل قتل، فمن أحسن استخدامها وصل إلى مقصوده بيسر وسهولة وأمن بإذن الله من التلف والضرر، ومن أساء استخدماها فلا يلومن إلا نفسه إذا حلت به المصائب من ذهاب مال أو نفس أو حصلو ضرر.
كم هي ضحايا السيارات في العام الواحد رغم سهولة الطرق وسعتها ورغم توفر الامكانات ولله الحمد، لكن التفريط وعدم استشعار المسؤولية يحدث نتائج وخيمة يكون مردودها كبيرا وضررها بالغا على الشخص وعلى المجتمع.
إن السفيه الذي لا يحسن التصرف ولا يعبأ بعظم المسؤولية فإنه لا يمكن من المال بل إن كان المال بيده حجر عليه حتى يرشد ويأمن الناس من شره وخطره.
عباد الله! كم هي الحوادث التي أيتمت الأطفال ورملت الناس؟ وإذا بحثنا في الأسباب وجدناها في كثير من الأحيان التهور والسرعة ومخالفة الأنظمة. ألا يعلم الشخص أنه بسوء تصرفه في استخدام المركوب يجني على نفسه وعلى غيره، ومتى حصلت وفاة معه أو مع غيره وكان هو السبب وجبت عليه الدية والكفارة، وإذا تنازل أهل الميت عن الدين فإن الكفارة باقية في ذمته وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا بعذر شرعي يسوغ الفطر في رمضان.
فاتقوا الله أيها المؤمنون في أنفسكم وفي إخوانكم وأموالكم واتقوه بطاعة ولاة أمركم إذا أمروا بما فيه صلاحكم وسبب لسلامتكم وطاعتهم واجبة وذلك بمراقبة الله والتزام العليمات الخاصة بنظام السير وتجنب المخالفات ضمانا للسلامة والعافية.
فالمخالفات من أعظم مشاكل المجتمع والملاحظ في هذه الأوقات أن الوفيات بسبب الحوادث أكثر من الوفيات بسبب الأمراض، فعلى المسلم أن يلزم الأدب والرفق وأن يستشعر عظم المسؤولية أما الله ثم أما بعاده ويحذر السفه والطيش.
وصدق الله العظيم : [وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعين وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي سخر لنا الأنعام والحديد وجعل منه ما يجري على البحر وما يجوب الفضى وما يمشي على الأرض.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واشكروه على أما أنعم عليكم من النعم الظاهرة والباطنة واسلكوا طرق السلامة وابحثوا عن أسبابها ووسائلها ليتم لكم الانتفاع بهذه النعم العظيمة وتسلموا من شرورها ومصائبها.
إخوتي في الله! تأملت في أسباب السلامة من الحوادث التي إذا أخذ بها المرأ يسلم بإذن الله حسب سنن الله الكونية ولا مفر من قضاء الله وقدره، فتبين لي ما يأتي:
- أن يستحضر الشخص المسؤولية عند ركوب المركوب ويذكر الله ويشكره على نعمه ويستحضر أنه ما ركب هذا المركوب إلا بحول الله وقوته.
- ومن أسباب السلامة تفقد المركوب وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاح وتكميل النواقص.
- ألا يسمح لمن لا يحسن القيادة أو لم يكن كفؤا من الصغار والسفهاء الذين لا يعرفون قدر الخطر والمسؤولية ولا يحسنون التحكم في المركوب ولا يخلصون أنفسهم في ساعة الخطر وحصول المضايقات.
- أن يكون السائق في كامل قواه العقلية والبدنية، ولا يقودها وهو مريض أو مرهق أوبه نعاس أو متناولا أدوية تؤثر على الجسم.
- أن يمنع منعا باتا من قيادة السيارة من يتناول المخدرات والمهدرات وما في حكمهما.
- الرفق والانتنباه للطريق واليقظة الدائمة مع الاعتماد على الله سبحانه وتعلى، فالرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه.
- الحذر كل الحذر من الغرور والطيش والتفحيط الذي يدل على سخافة العقل والنقص في الشخص فضلا عن تعريض النفس والمال للخطر، ولو لم يكن في التفحيط إلا أنه إسراف وجهل وسفه وعدم مروءة لكفاه ذما ولا يفعله إلا سفيه جاهل يجب الأخذ على يديه وصدق الله العظيم: [وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً ].
- ومن أسببا السلامة التقيد بالسرعة المعقولة لكل طريق فالسرعة الزائدة عن المحدد عرضة للهلاك للفرد والمجتمع وشواهد الواقع كثيرة فيها عبرة وعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
- الالتزام التام بالنظام ومراعاة أنظمة السير وخصوصا الإشارات، فكثير من الحوادث في وسط المدن سببه قطع الإشارة الحراء ولا شك أن ذلك عمل محرم، ومن تسبب في وفاة نفسه للتهلكة وإذا جنى عيه فيخشى عليه والعياذ بالله أن يكون ذلك من القتل العمد، وأقل أحواله أن يكون قتلا شبه عمد فلننتبه لهذا الأمر الهام ولنحرص على الالتزام التام بأنظمة السير التي وضعتها الجهات المختصة حرصا على سلامة النسا ودرءا للأخطار عنهم.
وهؤلاء الذين يخالفون هذه الأنظمة ويتجاوزون الإشارة الحمراء فيحصل منهم حادث هنا وهناك يذهب ضحيته شخص أو أكثر من شخص هذه الأرواح ارتفعت إلى ربها تشكو ظلم هؤلاء الذين رملوا النساء ويتموا الأطفال وألقوا بأنفسهم وركابهم في هاوية الخلاك فأصبحوا خبرا بعد عين.
ولو أراد كل واحد منا بصره على من حوله من أسرته أو أقاربه أو جيرانه أو معارفه لوجد ضحية من هذه الضحايا إما هالكا او معوقا أو مغمى عليه ليس مع الأحياء ولا مع الأموات .
فاتقوا الله عباد الله واسلكوا أسباب السلامة وحذار حذار من ركوب المخاطر والاحتجاج بحصول المقدر فتلك مغالطة سافرة بالمقدر حاصل لا محالة لكننا مأمور بسلوك أسباب النجاة ثم إن الإنسان إذا بذل ما عيه من الوسائل ثم حصل أمر خارج إرادته فليس مسؤولا عنه وفرق كبير بين المفرط وغير المفرط.
أسأل الله جل وعلا ألا يرينا في حبيب لنا سوءا أو مكروها وهذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل وعلا: [ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما] اللهم صل وسلم على نبينا محمد.