خطر الغلو والتطرف على المجتمع
(الخطبة الأولى)
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبدٌالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا, أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقاته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
عباد الله: لقد امتن الله _ جلا وعلا _ على عباده بنعمة الأمن وجعلها من أعظم النعم عليهم فقال ربنا جلا وعلا بسم الله الرحمن الرحيم (لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4)).
خلق الله _ جلا وعلا _ العباد لعبادته, خلق الجن والأنس لعبادته _ سبحانه وتعالى _ فقال ربنا _ جلا وعلا _: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} فالغاية من خلق الناس هي عبادة الله جلا وعلا وإذا كان الناس يتفاوتون في هذه العبادة فإنهم يتفاوتون أيضا في شكر النعمة التي أنعم الله بها عليهم، ومن أعظمها الأمن في الأوطان بعد الإيمان بالله _جلا وعلا _.
إن نعمة الأمن لا تعدلها نعمة، وأَيُّ إخلال بالأمن من الأفراد أوالجماعات، فإنه جريمة عظيمة؛ لأن آثاره وأضراره ليست على أفراد محدودين، وإنما هي على البلاد والعباد.
عباد الله: ومما استقر عند أهل السنة والجماعة أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بطاعة، وهذه الأمور متلازمة فيما بينها فأي إخلال بالطاعة أو إخلال بالجماعة فإنه يترتب عليه الإخلال بالدين عياذاً بالله.
وإن الإسلام حين جاء بالأمر بالطاعة وأكد على ذلك، إنما يريد أن يعيش المجتمع مستقرا آمنا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أصبح منكم آمناً في سربه معافاً في جسده عنده قوت يومه وليلته فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها” وقال _صلى الله عليه وسلم_: “من خرج عن الجماعة فمات فميتته جاهلية”.
وإن أقواماً من بني جلدتنا ويتكلمون بلغتنا ويعيشون أحيانا بيننا أولئك لا يريدون بالبلاد والعباد خيراً، إنهم يعتدون على الأنفس المعصومةوالأموال المحترمة، ويقدمون على الجرائم العظيمة وإن لزوم الجماعة أمر لازم وضرورة شرعية لا بد منها، يقول _صلى الله عليه وسلم_: “إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية” ويقول _صلى الله عليه وسلم_: “يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار” ويقول _صلى الله عليه وسلم_: “من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري؛ فقد أطاعني، ومن عصى أميري؛ فقد عصاني”.
والجماعة يترتب عليها الأمن والاستقرار ورغد العيش، ويهنأ الجميع بأمن وارف، ونعم عظيمة، والمؤمنون في توادهم وتراحمهم _ كما وصفهم رسولنا_صلى الله عليه وسلم_ : “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” وكما قال _صلى الله عليه وسلم_: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” ولا يخرج عن هذه الجماعة ولا يترك صفها إلا خارجي يحمل عليها السلاح، وقد وصف رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أولئك بأعظم الصفات، فقال للذي أنكر عليه قسمة الغنائم: “يخرج من ضئضئ هذا أقوام يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية” وقال _صلى الله عليه وسلم_ في وصفهم: “يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم” وقال _صلى الله عليه وسلم_: ” تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وصيامكم عند صيامهم”.
إنهم أحفاد الخوارج الذين استرخصوا واستسهلوا الدم الحرام؛ فقتلوا عثمان رضي الله عنه وأرضاه في بيته وهو آمن بل هو خليفة المسلمين.
وأحفادهم اليوم يعتدون على الأنفس المعصومة والدماء البريئة ويعتدون على الدماء والأعراض؛ فإلى الله المشتكى.
عباد الله: وإن مما يتأكد على الجميع أن يتعاونوا على الخير، ويتعاونوا على قمع هؤلاء؛ يتعاونون مع الجهات المختصة في متابعتهم والإبلاغ عنهم، وإن التعاطف معهم أمر محرم، لا يجوز أن يتعاطف معهم أحد لا بالإعانة ولا بالدلالة ولا بالإيواء، ولا بالمساعدة، ولا غير ذلك؛ لأن التعاون معهم تعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله جل وعلا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
وإن مما يؤكد الجماعة توحيد الصف؛ ألا ترون كيف يصطف المسلمون في صلاتهم يركعون مع إمامهم ويرفعون مع إمامهم؟
هذا مثال للجماعة الواحدة المتراصة المترابطة؛ فلنكن جميعاً متعاونين في هذا الباب.
عباد الله: وإن من أعظم ما يخل بالجماعة ويفرق صفها تلك الأحزاب المتناحرة، والجماعات المتصارعة، وقد حرم الله جل وعلا التفرق وذمه وأوجب الجماعة، فاحذروا عباد الله من هذه الحزبيات المقيتة والجماعات المضللة، وكونوا يداً واحدة مع علمائكم وولاة أمركم، وصدق الله العظيم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}.
إن التفرق ذلة وصغار، وهو يجعل الأمة أهون ما تكون على الأعداء، ووالله ما فرح الأعداء بشيء كما فرحوا بتفرق الناس وتشتتهم يقتل بعضهم بعضا، ويسب بعضه بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، ويكيد بعضهم لبعض، وقديماً قيل: (فرق تسد) فلنكن يداً واحدة، لِنعتصم بحبل الله جميعاً، ولنتمسك بكتاب الله جل وعلا وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ ولنحافظ على اللبنة الأولى وهي الأسرة، لنحافظ عليها في بنائها وتقوية هذا البناء، ولنحفظ أفرادها من الزيغ والضلال وتأثير أولئك.
إن الخطورة على أبنائنا وبناتنا من الفكر الضال بشقيه: فكر الضلال والانحراف والفساد، وفكر التطرف والتكفير والإجرام والتفجير.
إننا مطالبون _ أيها المؤمنون _ بأن نكون يداً واحدة، وصفاً واحداً، في وجه هؤلاء.
ووالله حينما يتوحد صفنا وحينما تكون كلمتنا واحدة؛ لا يستطيع أحد أن يخترق هذا الصف مهما كانت قوته؛ لأننا نرتبط مع الله، ونتعلق بالله جل وعلا ونتكل عليه _سبحانه_ ومن كان مع الله كان الله معه، وصدق الله العظيم، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}.
إن التفرق ذلة _ أيها المؤمنون _ فاحرصوا على جمع الكلمة وتوحد الصف، رزقنا الله وإياكم الثبات في الأمر والاستقامة عليه، وأقول ما سمعتم، فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
(الخطبة الثانية)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله _ عباد الله _ واعلموا أن تقوى الله هي الزاد في يوم المعاد؛ فاستعدوا لهذا اليوم العظيم بما تستطيعون من الزاد، وفقنا الله وإياكم للعمل الصالح الرشيد.
عباد الله: لقد حرم الله جل وعلا الاعتداء على الأنفس المعصومة، وجعل الاعتداء عليها من أعظم الذنوب وأشدها، وأنكر على من اعتدى عليها، وسواء كانت هذه الأنفس من المسلمين أو من الذميين، أو من المستأمنين، أو من المعاهدين؛ فالكل معصوم الدم والمال، ولو لم يكن من الوعيد إلا قول الله جل وعلا: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} لو لم يكن _ أيها المؤمنون _ في عقوبة المعتدي على الأنفس المعصومة إلا هذا الأمر لكفى، والعياذ بالله، كيف وقد قال الرسول _ صلى الله عليه وسلم _: “لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما” وقال صلى الله عليه وسلم: “من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن رائحتها من مسيرة كذا وكذا”.
إن الاعتداء على الأنفس المعصومة جريمة نكراء بكل المقاييس، فماذا سيقول هذا المعتدي لربه _ جل وعلا_ حين يقف بين يديه ويقول له المقتول: سله يا ربِّ لم قتلني؟ بماذا سيجيب؟ أيقول قتلته لفكر ضال؟ أيقول قتلته لتبعية فلان وفلان؟ أيقول قتلته بشبهة كذا وكذا؟
إن الأمر جد خطير؛ فلننتبه _ يا عباد الله _ ولننبه غيرنا.
وإن من أعظم ما يحمي ناشأتنا من البنين والبنات أن يتعاون البيت والمدرسة والشارع والمسجد في حمايتهم ورعايتهم ومتابعتهم؛ وذلك بغرس العقيدة الصافية في نفوسهم، وتحصينهم من الأفكار الضالة والأفكار السيئة ومن الانحراف والضلال والفساد والشهوات، لابد من تحصينهم، ولابد _ أيضاً _ من تحصينهم ضد تلك القنوات التي تصب سمومها صباح مساء في كل بيت إلا من رحم الله.
لابد أن نحصن الجيل من أجل أن يكون جيلاً نافعاً صاعداً؛ فهم زينة الحاضر، وأمل المستقبل، شبابنا هم زينة الحاضر وأمل المستقبل، وعلى قدر إعدادهم والعناية بهم وحماية أفكارهم وأجسادهم؛ بقدر ما يكون مستقبل أمتهم؛ فلنحرص أيها الإخوة على ذلك بقدر ما نستطيع، وقد أمرنا ربنا جل وعلا أن نصونهم وأن نحفظهم، وصدق الله العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
إن حماية الناشئة أمر لابد منه وإلا تسلل إليهم الأعداء، ووالله ثم والله إن هذه البلاد محسودة على ما أنعم الله جل وعلا عليها به من نعم عظيمة، من الإيمان، وتحكيم الشرع، وتوحيد الصف، والأمن في الأوطان.
لكن الأعداء أقلقهم ذلك فراحوا يكيدون لها، ولعل من أبرز ما وصلوا إليه زرع هذه النابتة في جوف الأمة في سائر بلاد المسلمين، الذين يروعون الآمنين ويخوفونهم، فنسأل الله _جل وعلا_ أن يكفينا شرهم.
وإن مما يتأكد علينا عباد الله من أجل أن تتحقق الجماعة، وتتحقق الطاعة أن لا نكترث بالشائعات ولاسيما التي تأتي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي؛ لنحرص على إماتتها وعلى ردها بقدر ما نستطيع.
وإن قوماً _ أحياناً _ ينشرونها عن حسن نية، ولا يعرفون آثارها على العباد والبلاد، فمثل هذه الشائعات أفضل ما يكون في قمعها هو عدم نشرها وإماتتها وعدم الانصياع إليها والالتفات إليها؛ فغالباً ما يكون وراءها أعداء يتربصون بهذه البلاد,وساكنيها؛ يتربصون بهم الدوائر.
فعلى كل مواطن ومقيم على ثرى هذه البلاد أن يكونوا واعين وأن يكونوا متعاونين مع الجهات المختصة في الإبلاغ عن هذه الشائعات ومصادرها إذا عرفوا ذلك.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يتم على بلادنا الأمن والأمان والطمأنينة، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفق ولاة أمرنا لكل خير، اللهم وفقهم لما فيه خير البلاد والعباد.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك.
اللهم إنا نسألك بمنك وكرمك وجودك وفضلك أن ترحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استرعوراتهم وآمن روعاتهم، وارفع درجاتهم في الجنات، واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم، وذرياتهم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فاتقوا الله عباد الله واستغفروه، وتوبوا إليه، وأكثروا من الاستغفار والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. الجمعة: 6/2/1436هـ.