{عاشوراء دروس وعبر} خطبة الجمعة في جامع النهضة الشمالي بالخرج 6 / 1 / 1438هـ
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُالله ورسوله، صلى الله عليه و آله وصحبه ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (102) آل عمران
أيها المؤمنون والمؤمنات : خلق الله جلا وعلا الخلق لعبادته وأمرهم سبحانه وتعالى بأن يلتزموا هدى أنبيائه ولذا قص الله جلا وعلا علينا قصصاً كثيرة في القرآن ومن أعظم وأكثر هذا القصص قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون الطاغية المتجبر تلك القصة العظيمة التي نوع الله جلا وعلا اسلوبها وكررها في القرآن لأهميتها ولما فيها من الدروس والعبر لقد اتخذ فرعون قراراً غاشماً ظالماً وهو قتل مواليد بنى إسرائيل لماذا ؟ لأنه أخبره بعض المنجمين والكهنة أنه يولد مولود صغير يكون تقويض ملك فرعون على يديه فاتخذ قراراً بقتل جميع مواليد بنى إسرائيل الذكور فأخذ يقتلهم يتتبعهم عبر زبانيته الظالمة عبر الزبانية الظالمين الذين لهم حاسة الغربان وشامة النمل كانو ا يتتبعون المواليد الذكور فيقتلونهم ولما مر سنوات قال قوم فرعون إنه بعد سنوات لن يكون هناك خدم لنا لأنهم اتخذوا بنى إسرائيل خدماً لهم اتخذوهم خداماً لهم فقرر أن يترك المواليد عاماً ويقتلهم عاماً آخر فشاء الرحمن وله القدرة العظيمة سبحانه شاء أن يولد هارون عليه الصلاة والسلام في العام الذي ترك فيه القتل ويولد موسى عليه الصلاة والسلام في العام الذي فيه القتل لكن الله جلا وعلا كما قص علينا في القرآن أوحى إلى أمه أن ترضعه فإذا خافت عليه أن تلقيه في اليم فلما خافت عليه ذات مرة ألقته في اليم وكانت تربط حبلاً تجره به عند الحاجة لكن الله جلا وعلا شاء أن ينقطع الحبل فمشى الصندوق الذي فيه موسى إلى الشاطئ الثاني فألقى القبض عليه زبانية فرعون في الساحل فوجدوا وليداً صغيراً فأعطوه زوجة فرعون آسية التي أخبر الله جلا وعلا عنها في القرآن وأنها قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فلما ألقت نظرها عليه وقع حبه في قلبها فطلبت من فرعون أن يتركه لها فتركه لها شاء الرحمن أن يتربى موسى عليه الصلاة والسلام في بيت فرعون يأكل من طعامه ويشرب من شرابه ويستظل ببيته ويتنقل فيه وهو الذي بعثه الله جل وعلا إلى فرعون, هنا تظهر الحكمة العظيمة , وهنا ينبغي أن يقف المؤمنون الصادقون في الأزمات والابتلاءات
ينتظرون الفرج من الله ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب , يا أخى المبارك لا يضق صدرك فكلما عظم الأمر الجأ إلى الله , والفرج عنده سبحانه هنا تربى موسى وشب عن الطوق حتى حصل منه ما حصل من قتله للقبطي انتصاراً للإسرائيلي ثم أخبروا فرعون عنه فأخذ يبحث عنه فجاءه من يقول لموسى هذا الأمر فهرب موسى إلى مدين وكان منه ما كان مع المرأتين وأبيهما حتى أنهى العقد الذي بينه وبين أبيهما في رعاية الغنم عشر سنوات يقول صلى الله عليه وسلم ما كان لأخي موسى إلا أن يفي بأكثر الأجلين يعنى عشر سنوات ثم رجع و معه زوجته ثم أوحى الله إليه ثم جاء إلى فرعون ودعاه وحصل ما حصل من التواعد يوم الزينة يوم العيد وجاء فرعون بجنده وسحرته وجبروته وجاء موسى ومعه ربه سبحانه وتعالى فلما القى السحرة سحرهم أمر الله موسى أن يلقى عصاه.
أيها المؤمن التقي النقي لا تحزن مهما تكالب عليك الظلم ومهما عظم عليك الابتلاء
من فوقك ربك سبحانه وتعالى الجأ إليه وأعلم أن الفرج قريب منك ألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف مايأفكون ابتلعت جميع ما شوهوا به ولبسوا به وضللوا به الناس تعجب السحرة وعلموا أن ذلك من الله فاتخذ فرعون قراراً ظالما ًغاشماً فقتل السحرة ثم تبع موسى عليه الصلاة والسلام وقومه فذهب موسى إلى عرض البحر فلما وصلوا إلى الشاطئ خاف قومه (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) (61) الشعراء
ماذا كان جواب موسى أيها المؤمنون (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ ) (62) الشعراء فأمر الله جل وعلا موسى أن يضرب البحر الهائج المتلاطم يضربه بالعصا الصغيرة لا إله إلا الله الله أكبر بحر هائج عظيم متلاطم يضربه موسى بعصاً صغيرة فيحول الله البحر إلى اثنى عشر طريقا بعدد اسباط قوم موسى وهنا يسلكه موسى وقومه فلما رأى فرعون ذلك قال أنا الذي جعلت البحر كذلك لنلحق بهم فلما تكامل خروج موسى عليه الصلاة والسلام وقومه وتكامل دخول فرعون وقومه أطبق عليهم البحر قال فرعون آمنت بالذي آمنت به بنو اسرائيل ولكن لم ينفعه إيمانه فأخرجه الله جل وعلا وجعله عبرة وعظة هكذا انتصر الحق وهكذا انخذل الباطل مهما كان الباطل عظيماً ومهما كان الحق صغيراً ومهما كان اتباع الحق قلة ومهما كان اتباع الباطل كثرة وفى القرآن قصص كثيرة وما قصة الهجرة و بدر وأحد والأحزاب عنا ببعيد
أيها المؤمنون : اعلموا بارك الله فيكم أن الحق يبتلى بالباطل وأن الباطل مهما انتفش ومهما أرعد وأزبد إلا أنه لا يساوى شيئا في جانب الحق لكن الحق يحتاج إلى رجال يحملونه يحتاج إلى رجال يثبتون يحتاج إلى رجال يقاومون الباطل وأنتم أيها المؤمنون اعلموا أن في قصة موسى عليه الصلاة والسلام دروساً وعبراً عظيمة منها أن الابتلاء سنة ماضية من الله جل وعلا يبتلى عباده بل يبتلى من يحب ولذا صح في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس بلاء الانبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه ومن الدروس المستفادة ان النصر للحق مهما كان الحق ظاهراً ضعيفاً إلا أن النصر له ومن الدروس إن مع العسر يسرا وأن مع الكرب فرجا وأنه مهما ادلهمت الأمور إلا أن الفرج قريب بإذن الله ألا ترون كيف أن العجماوات من الحيوانات إذا أتاها وقت الولادة ترفع رأسها إلى بارئها إلى خالقها من الذي ألهمها ذلك إنه الله سبحانه وتعالى فألجأوا إليه عند المدلهمات وعند الخطوب وعند الضوائق والشدائد والمصائب واعلموا أن فرجه قريب سبحانه وتعالى
ومن الدروس المستفادة أنه مهما خطط الباطل ومهما كانت طرائقه إلا أنه لا يساوى شيئا في جانب الحق ومن الدروس المستفادة أن الحق لابد له من رجال يحملونه ويثبتون في ثنيات الطريق من أجل قمع الباطل وأهله واعلموا بارك الله فيكم أن بلادنا المملكة العربية السعودية بلد محسود على ما أنعم الله جل وعلا عليها به من الأمن والأمان وتحكيم الشرع واجتماع الكلمة وتلاحم الراعي مع الرعية هذا الأمر أقلق الأعداء وأصبحوا يخططون ويكيدون ويكيلون التهم ولكن الله جل وعلا معنا ولن يتركنا هملا واعلموا بارك الله فيكم أنه كلما صدقنا مع الله صدق الله جل وعلا معنا وأن الباطل مهما تكاثر أتباعه ومهما تكالبت الأمم إلا أن الحق ثابت ومنصور فهل نكون من رجاله وجنوده الأوفياء أرجو ذلك واسأل الله جل وعلا أن يبارك لنا ولكم في القرآن العظيم واستغفروا الله إن الله هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين
أيها المؤمنون : اعلموا بارك الله فيكم أن هذا اليوم العظيم الذى نجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه هو يوم عاشوراء ولهذا جاء فضل هذا اليوم وصام موسى عليه الصلاة والسلام هذا اليوم شكراً لله جل وعلا أن نجاه ونجى وقومه ولما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في السنة الأولى من الهجرة ورأى الناس يصومون رأى اليهود يصومون في هذا اليوم فقال ما هذا اليوم قالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون ونحن نصومه شكراً لله قال عليه الصلاة والسلام أنا أحق بأخي موسى منكم فصام هذا اليوم وصامه الناس وذلك قبل أن يفرض رمضان ثم قال صلى الله عليه وسلم في آخر حياته لئن بقيت لأصومن التاسع فمات عليه الصلاة والسلام قبل أن يصوم التاسع معه وبعض الناس يستشكل في هذا الباب ويقول كيف قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة وأمر بصيام يوم عاشوراء وقال لأصومن التاسع ولم يصم مع أنه قدم المدينة في السنة الأولى من الهجرة وهؤلاء إما جاهلٌ وإما مغرض كما هو حال بعض من يحملون الشهادات العليا من خارج بلادنا ويشككون في صيام هذا اليوم وما علم هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أول قدومه للمدينة يحب أن يعمل ما يعمله أهل الكتاب لأنهم أهل كتاب فلما جاء في السنوات الأخيرة من حياته أُمر بمخالفة أهل الكتاب فقال لئن بقيت لأصومن التاسع ولكنه لم يصم كما ورد عن ابن عباس وغيره رضى الله عنهم واعلموا بارك الله فيكم أنه رؤي الهلال في هذا العام ليلة الأحد فيكون صيام يوم عاشوراء يوم الثلاثاء فمن أراد ان يصوم ثلاثة أيام فليصم يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء ومن أراد أن يصوم يومين فليصم يوم الاثنين والثلاثاء أو الثلاثاء والأربعاء
ومن أراد أن يصوم يوماً واحداً فليصم يوم الثلاثاء واعلموا أن ذلك كله جائز ولله الحمد والمنة لكن الأكمل أن يصوم يومين فإن صام ثلاثة أيام ونواها أيضاً ثلاثة من الشهر فهو على خير وعلى أجرٍ إن شاء الله تعالى واعلموا بارك الله فيكم أنه في بداية كل عام ترد رسائل بدعية حول بدء العام بالاستغفار حول بدء السنة الجديدة بعمل صالح وحول التحلل من الغير وكل هذا لا أصل له صحيح أنه ينبغي استغلال الوقت واستغلال العمر واستغلال كل دقيقة من حياة المسلم بالطاعة والعبادة لكن أن نحدد وقتاً أو أن نحدد عملا معيناً لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم تحديده فليس لذلك أصل ولكن جاء فضل صيام شهر الله المحرم فأفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم وينبغي للإنسان أن يكثر من الصيام فيه واعلموا بارك الله فيكم أن ما اتخذ من قرارات في الترشيد الاقتصادي أن ذلك خيرٌ لهذه البلاد والله ما ندري أين يكون الخير بعض البلاد مرت بأزمات خانقة وحصل لها ما حصل نحن نتذكر نعم الله علينا نعمة تحكيم الشرع نعمة الأمن نعمة الأمان نعمة التحام الصف نعمة توحيد الكلمة كل ذلك من الخير ولابد من التعاون مع ولاة الأمر ولو أدى ذلك إلى أن يتنازل الإنسان عن شيء من فضول ماله لأن بلادنا مستهدفة من جميع الجهات أسأل الله جل وعلا أن يرد كيد الكائدين إلى نحورهم اللهم زد هذا البلد أمناً وأماناً وطمأنينة .
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 6 /1 / 1438هـ