نعمة الإيمان ومواصلة الطاعة بعد رمضان خطبة الجمعة 4-10-1440هـ

الأثنين 9 شوال 1441هـ 1-6-2020م

الخطبة الأولى: 

إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ :  فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].

عباد الله: نعمةُ الإيمانِ من أعظمِ نعمِ اللهِ علينَا على الإطلاقِ، وصدقَ اللهُ العظيمُ: {بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَان}[الحجرات: 17]. فأشكروا رَبَّكم أَنْ جعلَكُم مؤمنينَ معظمينَ أمرهَ ونهيَه.

أيُّها المؤمنون: والإيمانُ باللهِ تعالى نُورٌ يَسري في قلبِ المؤمنِ، يضيءُ لهُ طريقَ الهدايةِ، ويثبِّتَه عليه؛ فينالُ الحياةَ الطيبةَ في الدُنيا والآخرةِ، وصدقَ اللهُ العظيمُ:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكًا} [طه:123-124].

والقلوبُ المؤمنةُ هي التي تتأثرُ وتخشعُ عندَ ذكرِ ربِّها جلَّ وعلا، ويزدادُ وجلُها منه، كما قال جل وعلا:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].

وكم غيَّر هذا الإيمانُ في نفوسِ الصحابةِ رضي اللهُ عنهم وأرضاهم، وكذلك التابعينَ ومن تَبعهمْ، من حياةِ الكفرِ والشركِ إلى حياةِ الإيمانِ والتوحيدِ.

فالقلبُ إذَا كان نابضًا بالإيمانِ فقدَ مَلكَ أعظمَ أسبابِ الحياةِ، وإذا أرادَ المسلمُ أَنْ يزدادَ إيمانُه ويَثْبتَ على طريقِ الاستقامةِ والهدايةِ فعليه أَنْ يملأَ قلبَه بتوحيدِ اللهِ جلّ وعلا، وتعظيمِه وخشيتِه، وحُسنِ الظنِّ بِه واليقينِ بما عندَه وما وَعدَ به عبادَه.

وهكذا العبدُ المؤمنُ إذا نَظَرتَ إليهِ رأيتَه مشغولاً بغيرِ ما ينشغلُ بهِ الناسُ من أمورِ الدنيا، بل همُّه ورغبتُه وأملُه أن يُرضيَ ربَّه ويسعى في طلبِ رحمتِه وجنتِه، فيجاهدُ

نفسَه، ويُحسِّن أخلاقَه، ويكثرُ من الأعمالِ الصالحةِ، التي تقرِّبُه إلى حبيبِه ومولاه.

أخي المبارك: يا مّنْ أقبلتَ على اللهِ في شهرِ رمضان، وتركتَ شهواتكَ المباحةَ في نهارِه من أجلِه، واحتساباً للأجرِ منه، واجتنبتَ المعاصيَ والآثامَ خوفاً من عذابِه ورجاءً فيما عندَه من الرحمةِ والثوابِ، وظهرَ عليكَ سمتُ الصَلاحِ، وحسنُ الخلقِ، وملأتَ نهاركَ بالذكرِ والقرآنِ، وليلكَ بالصلاةِ والقيامِ، والتضرعِ والدعاءِ، وجاهدتَ نفسَكَ، وأضعفْتَ شيطانَك، وتركتَ الهوى، وسرتَ مع إخوانِك في ركبِ أهلِ الإيمانِ استمرَّ على طريقِك، ولا تُفرطْ فيه أبداً، فهو طريقُ سعادتِك في الدنيا والآخرةِ.

واعلم أنَّ زادَك إلى اللهِ هو إيمانُك به وما تقدَّمُه من عملٍ صالحٍ، فاحرصْ، وجاهدْ نفسَك، وشدَّ من عزيمتِك، واستمرَّ على الطاعةِ، وليكنْ شهرُ رمضانَ سببًا لكَ – بعدَ اللهِ – في لزومِ طريقِ الاستقامةِ.

أعوذُّ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ:  {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُون* نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيم}[فُصِّلَت:30-32].

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والعظاتِ والذكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفر لي ولكم إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ على فضلهِ وإحسانهِ، والشُّكرُ لهُ على تَوفيقهِ وامتنانهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه ومن سارَ على نهجِه إلى يومِ الدين، أما بعد:

فاتقوا اللهّ عباد الله: هناك ثلاثةُ تنبيهات هامةٍ:

الأول: كثرت الشكاوى من الأمهات من عدم قيام الأولاد والبنات لصلاتي الظهر والعصر في رمضان وبعد رمضان، ولا شك أن هذا أمر خطير؛ فكيف يصوم الشاب طيلة النهار ويضيع الصلاة، وهي أهم أركان الإسلام العملية.

فالحذر الحذر والمتابعة الجادة والحرص لأنهم يشاركون والديهم في صلاتهم.

الثاني: من الأمورِ الخطيرةِ التي انتشرتْ بين الناسِ وتأثَّر بهَا ضعافُ الإيمانِ من المسلمين، وهي قنواتُ السِّحرِِ والشَّعوذةِ والكهانةِ التي وضعها أعداءُ الإسلامِ من أجلِ إيقاعِ الناسِ في الشركِ باللهِ، والتعلّقِ بغيرِه، وجعلتْ كلَّ برامجِها في ادعاءِ علمِ الغيبِ وامتلاكِ النفعِ والضُّرِ، وممارسةِ طقوسِ السِّحرِ والشعوذةِ، وإظهارِ هؤلاء الأخباثِ بصفاتِ التوقيرِ والإجلالِ، من أجل الضحكِ على عوامِ الناسِ وجُهَّالهم.

ٍوهذا الوباءُ يا عبادَ اللهِ بالغُ الخطورةِ، فهو يفتكُ بعقائدِ النَّاسِ وقلوبِهم، ويدمِّرُ أسرَهم وبيوتَهم، فلا بدَّ من تعاونِ الجميعِ من أجلِ مكافحتِه، وحمايةِ المسلمين من شرِّه. وكذلك العملُ على وقفِ بثِّ هذه القنواتِ ومنعِها من الظهورِ.

وعلى كلِّ ربِّ أسرةٍ أن يُحصِّنَ أَهلَه وأولادَه بالتوحيدِ والإيمانِ، وأَنْ يُبعدَهم عنَها، ويجنِّبَهم إيَّاهَا، وأن يطهِّرَ بيتَه من تلكِ القنواتِ الخبيثةِ التي تضرُّهم في دينهِم ودنياهم.

الثالث: الانتباهُ والحذرُ – وخاصةً في الأيامِ- التي تكثُر فيها الرياحُ والأتربةُ لجميعِ من يتعاملُ مع الإبلِ، ولا سيَّما “المريضةِ” منها والأخذِ بالأسبابِ والاحتياطاتِ الوقائيةِ من أجلِ عدمِ التعرضِ للإصابةِ بفيروس الكورونا.

ووزارةُ الصحةِ في بلادِنا تبذُل جُهودًا مضنيةً من أجلِ احتواءِ هذا المرضِ، والتحذيرِ منه، والبحثِ عن جميعِ الوسائلِ التي تمنعُ انتشارَه، وكذلك الوصولِ إلى العلاجِ المناسبِ لهُ.

أسألُ اللهَ تعالى أن يحفظ َعلينَا وعليكم نعمةَ الإيمانِ والسلامةَ من كلِّ ما يضرذُنا في دينِنَا ودُنيَانَا.

هذا وصلُّوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم اللهُ بذلكَ فقال جلَّ من قائلٍ عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).  

              الجمعة: 4/10/1440هـ