سنة الاستسقاء بتاريخ 4-4-1442هـ

الأحد 14 ربيع الثاني 1442هـ 29-11-2020م

خطبة الاستسقاء

الخميس: 4/4/1442هـ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين؛ مجيبِ دعوةِ المضطرِّين، القائلِ في كتابِه المبينِ {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد} [الشورى:28]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم ورضي الله عن صحابته الأخيار. أما بعدُ:  فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فهي وصيتُه تعالى للأولينَ والآخرينَ:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ.. }[النساء:131].

أيُّها المؤمنونَ: دلائلُ وحدانيّةِ اللهِ وآياتُ قدرتِه كثيرةٌ لا تُحصَى، وشواهدُ عظَمَتِه لا تُحدٌّ ولا تُستقصى في الخلقِ والإيجادِ، والموتِ والحياةِ، والكونِ والعبادِ، وفي الأرضِ والسماءِ، وفي الماءِ والأنعامِ والطيرِ والنباتِ والجمادِ، وفي كلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ تدلُّ على أنَّه واحدٌ، فلا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ القهارُ، ولكنَّ أكثرَ القلوبِ عن آياتِه غافلةٌ، وعن شواهدِ قدرتِه لاهيَةٌ، وعن دلائلِ عظمتِه شارِدةٌ، فأينَ المتفكِّرون؟ وأينَ المعتبرون؟ وأين الموقنونَ بعظمتِه وقدرتِه؟

ومن أعظمِ آياتِه ونعمِه على عبادِه نعمةُ الماءَ، فهي مادّةُ الحياةِ وعُنصرُ النماءِ وسَبَبُ البقاءِ، وصدق الله:{وَجَعَلنَا مِنَ المَاء كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤمِنُونَ}[الأنبياء: 30].

وهذه النعمةُ يُنْزلُها اللهُ تعالى برحمتِه على عبادِه بتقديرِه وحكمتِه، لتكونَ آيةً بالغةً لأولي القلوبِ والأبصارِ، فإذَا تأخَّر نزولُ المطرِ، ويَبسَتْ الأشجارُ والزروعُ وجفَّتْ العيونُ والآبارُ وهَلَكتْ البهائمُ، وخافَ العبادُ، وبَلَغَ الأمرُ مداهُ، هنالكَ لم يجدوا ملجئًا من اللهِ إلا إليهِ، فتابُوا وأنابُوا، وصَدَقُوا بالتضرِّعِ والدعاءِ، حينَها يستجيبُ الكريمُ في عطائِه، فيُرسلُ الرياحَ بشرًا بين يديْ رحمتِه، فيحملُ السحابَ الثقالَ إلى حيثُ شاءَ بقدرتِه، ويُنْزِلُ  القَطْرَ بتقديرِه وحكمتِه، فتسْتبشرُ الأرضُ، وينْبتُ الزرعُ ويَجْري الضَّرعُ، ويَفْرحُ العبادُ بنعمةِ الوهَّابِ، {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد} [الشورى:28].

وكانَ من هدي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّه إذَا خَرجَ لصلاةِ الاستسقاءِ خَرَجَ متذللاً متواضِعًا، فعنِ ابنِ عباسٍ رضيَّ اللهُ عنهمَا قالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَمْ للاستسقَاءِ مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً)(رواه الترمذي)، فتأمَّلوا ياعبادَ اللهِ قُرْبَ رحمةِ اللهِ من عبادِه المؤمنينَ الموقنينَ الذينَ صَدَقُوا اللهَ بالتَّوبةِ والاستغفارِ وحسنِ الظَّنِ والتَّعلقِ بهِ، فأغاثَهم واستجابَ دعَاءهُم. فكُونُوا مثلَ سلفِكم الصالحِ في طلبِهم الغيثَ، املأوا قلوبَكم بالإيمانِ واعملوا بطاعتِه، فذلكَ مفتاحُ نُزولِ القَطْرِ، وسَببٌ عظيمٌ لرفعِ الجدبِ والقحطِ.

عبادَ اللهِ، اعلموا أنَّ الذنوبَ والمعاصيْ شُؤومٌ على البلادِ والعبادِ، فعلينَا بصدقِ التَّوبةِ إلى اللهِ من جميعِ الذنوبِ والمعاصي، وأَنْ نُؤديَ حقوقَ اللهِ تعَالى، وخاصةً إخراجَ الزكاةِ، وبذلِ الصدقاتِ في السرِّ والعلنِ، والعملَ على إصلاحِ قُلوبِنَا وأعمالِنَا، وأن ندعَ أَكَلَ الحرامِ بجميعِ صورِه، ليغيثنَا اللهُ من عطائِه وواسعِ فضلِه، فقد قالَ نوحٌ عليهِ الصلاةُ والسلام لقومِه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}[نوح:10ـ 12].

نستغفِرُ اللهَ، نستغفِرُ اللهَ، نَستغفِرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلاّ هو الحيَّ القيومَ ونتوبَ إليه، { اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}[البقرة:286]، {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين}[الأعراف:23]، اللهمُ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنَّتَ، أنتَ الغنيُّ ونحنُ الفقراء، أَنْزلْ علينَا الغيثَ ولا تجعلنَا من القانطين، اللهمَّ أغثْنَا، اللهمَّ أغثْنَا، اللهمَّ أغثْنَا، اللهمَّ أسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريعاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غيرَ آجلٍ، اللهمَّ لتحييَ به البلادَ، وتغيثَ به العبادَ، وتجعلَه بلاغًا للحاضرِ والبادِ، اللهمَّ سُقيَا رحمةًٍ لا سُقيَا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غَرقٍ، اللهمَّ اسقِ عبادَكَ وبلادَكَ وبهائِمكَ وانشرْ رَحمتكَ وأحيي بلدَك الميَّتَ, اللهمَّ وأدرِّ لنَا الضَّرعَ، وأَنْزل علينَا منْ بركاتِكَ، وأجعلْ ما أَنْزلْتَه علينَا قوةً لنا على طاعتِك وبلاغًا إلى حينٍ، اللهمَّ إنَّا خَلقٌ من خلقِكَ فلا تَمْنعْ عنَّا بذنوبِنا فضلِكَ، اللهمَّ اكشفْ عنَّا منْ البلاءِ ما لا يكشفُه إلا أنت، اللهمَّ ارحمْ الأطفالَ الرضَّعَ والبهائمَ الرتَّعَ والشيوخَ الركَّعَ، وارحمْ الخلائقَ أجمعين، اللهمَّ أرسلْ لنَا سحَابًا ثقالاً وأَنْزلْ لنَا مطرًا مِدراراً وأخرجْ لنَا حبًّا ونباتًا وجنَّاتٍ ألفافًا، اللهمَّ ادفعْ عنَّا الغلاءَ والبلاءَ والوباءَ والرِّبَا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منهَا وما بطنَ، عن بلدِنا هذا خاصةً وعن سائرِ بلادِ المسلمينَ عامةً يا ربَّ العالمينَ، ربَّنا آتِنَا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النَّارَ.

اللهمَّ أتمَّ علينَا الأمنَ والإيمانَ، ووفقْ ولي أمرنا بتوفيقك، واكلأه برعايتكَ، ووفق رجالَ الأمنِ الذينَ يدافعونَ عن الدينِ والمقدساتِ والأعراضَ والأموالَ والدِّيارَ، واحفظهمْ من بينِ أيديهِم ومن خلفهمْ يا ذا الجلال والإكرام.

وكانَ منْ هدي نبيِّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عندَ طلبِ الاستسقاءِ أنَّه كانَ يقلبُ رداءَه تفاؤلاً بقَلبِ حالِ الشِّدَّةِ إلى الرخاءِ والقحْطِ إلى الغيثِ، ويستقبلُ القبلةَ، ويدعو ربَّه، ويطيلُ الدُّعاءَ، فاقتدوا به، وألحِّوا في الدعاءِ، عسى اللهُ أن يغيثَ قُلوبَكم بالإيمانِ، وبلادَكم بالغيثِ والأمطارِ.

وصلَّى اللهُ على نبيِّنَا محمدٍ وعلى آله وأصحابِه أجمعين.