فضل يوم الجمعة

السبت 4 جمادى الأولى 1442هـ 19-12-2020م

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، اختصَّ أمةَ الإسلامِ بأفضلِ الخصائصِ، وامتنَّ عليهِم بأعظمِ النِّعمِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ كثيرُ الفضلِ والمنَنِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وعلى آلِه وصحبِه إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}[الحشر:18].

أيُّها المؤمنونَ: يومُ الجمعةِ يومٌ عظيمٌ وهو من أفضلِ أيامِ الأسبوعِ، اختصَّ ربُّنا جلَّ وعلا به أمةَ الإسلامِ عن سائرِ الأممِ، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:(أضلَّ اللهُ عن الجمعةِ مَنْ كانَ قبْلنَا، فكانَ لليهودِ يومُ السبتِ، وكانَ للنصَارى يومُ الأحدِ، فجاءَ اللهُ بنا فهدانَا ليومِ الجمعةِ، فَجَعلَ الجمعةَ والسبتَ والأحدَ، وكذلكَ هُمْ تَبعٌ لنَا يومَ القيامةِ، نحنُ الآخِرونَ مِنْ أهلِ الدُّنيَا، والأوَّلونَ يومَ القيامةِ المقضيُّ بينهُم قبلَ الخلائقِ)(رواه مسلم).

وهذا اليومُ العظيمُ خيرُ يومٍ طلعتْ عليهِ الشمسُ، قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:(خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ)(رواه مسلم).

قالَ ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ عن يومِ الجُمعةِ: “يَوْمُ عِبَادَةٍ، وَهُوَ فِي الْأَيّامِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ فِي الشّهُورِ وَسَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِيهِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ. وَلِهَذَا مَنْ صَحّ لَهُ يَوْمُ جُمُعَتِهِ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ جُمْعَتِهِ وَمَنْ صَحّ لَهُ رَمَضَانُ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ سَنَتِهِ، وَمَنْ صَحّتْ لَهُ حَجّتُهُ وَسَلِمَتْ لَهُ صَحّ لَهُ سَائِرُ عُمْرِهِ، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ مِيزَانُ الْأُسْبُوعِ، وَرَمَضَانُ مِيزَانُ الْعَامِ، وَالْحَجّ مِيزَانُ الْعُمْرِ”(زاد المعاد).

وأمرَ ربُّنَا جلَّ وعلا المسلمينَ بالاجتماعِ لصلاةِ الجمعةِ في هذا اليومِ المباركِ، فقالَ تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9]، ورغَّبَ رسولُنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في حضورِها ورتَّبَ على ذلكَ خيرًا عظيمًا، فقال:(مَن توضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ، ثمَّ أتى الجمُعةَ، فاستمعَ وأنصتَ غُفِرَ له ما بينَه وبينَ الجمُعةِ الأخرى وزيادةُ ثلاثةِ أيَّامٍ، ومَن مسَّ الحَصَى فقد لَغا)(رواه مسلم)، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (الصَّلواتُ الخمْسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ ـ مكفِّراتٌ لِمَا بينهنَّ إذا اجتُنِبَتِ الكبائرُ)(رواه مسلم).

عبادَ اللهِ: وهذا اليومُ يومٌ مباركٌ تشهدُ الملائكةُ صلاةَ الجمعةِ فيه، ويكتبونَ أسماءَ مَنْ حَضَرَ للصلاةِ، فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ:(عُرِضتْ الجُمعةُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم جاءَه بهَا جبرائيلُ عليهِ السلامُ في كفِّهِ كالمرآةِ البيضاءِ في وَسَطِهَا كالنُّكتةِ السوداءِ، فقالَ: ما هذه  يا جبرائيلُ؟ قالَ: هذه الجمعةُ، يَعْرِضُها عليكَ ربُّكَ لتكونَ لكَ عيدًا ولأمتكَ مِنْ بعدِكَ ولكم فيهَا خيرٌ، تكونُ أنتَ الأوَّلُ وتكونُ اليهودُ والنصارى مِنْ بعدِكَ وفيهَا ساعةٌ لا يدعو أحدٌ ربَّه فيهَا بخيرٍ هوَ لهُ قُسِمْ إلا أعطاهُ أو يتعوَّذَ مِنْ شرٍّ إلا أعطاهُ أو يتعوَّذَ من شرٍّ إلا دُفِعَ عنه ما هُو أعظمُ منه ونحنُ ندعوهُ في الآخرةِ يومَ المزيدِ)(رواه الطبراني، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حديث حسن صحيح).

عبادَ اللهِ: ومِنْ مزايَا وفضائلِ يومِ الجُمعةِ ما يَلي:

1ـ أَنَّه يُستَحبُّ أخذُ الشَّعرِ وقصُّ الأظافرِ والاغتسالُ ووضعُ الدُّهنِ والتَطيُّبُ ولبسُ أحسنِ الثيابِ, لقولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:(إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ)(رواه البخاري ومسلم)، وقوله صلى الله عليه وسلم:(لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يوم الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ ما اسْتَطَاعَ من طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ من دُهْنِهِ أو يَمَسُّ من طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فلا يُفَرِّقُ بين اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي ما كُتِبَ له ثُمَّ يُنْصِتُ إذا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إلا غُفِرَ له ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى)(رواه البخاري).

2ـ أنَّ التبكيرَ لصلاةِ الجمعةِ، والمشيَ إليهَا، والقربَ من الإمامِ، وأداءَ ما تيَّسرَ منْ الصلاةِ والإكثارَ من الذكرِ، والإنصاتَ للخطبةِ، وتجنَّبَ الانشغالِ عنهَا ولمسِ الحَصَى، فيهِ فضلٌ عظيمٌ وثوابٌ جزيلٌ، لقولِه صلََّى اللَّهُ عليهِ وسلََّم:(مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وقولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:(مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً, وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ)(رواه البخاري، ومسلم).

فبَادِروا إليهًا رحمكمُ اللهُ، وسارعوا وتسابقوا واحذروا من التأخيرِ والتثاقلِ، ولا يشغلكم عنها شيءٌ من أعراضِ الدنيًا الزائلةِ.

أعوذُ باللهِ منْ الشَّيطانِ الرجيمِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون* فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}[الجمعة:9، 10].

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:  

فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّ من فضائلِ ومزايَا يومِ الجُمعةِ أيضًا:

4ـ أنَّهُ يُستَحبُّ قراءةُ سورةِ الكهفِ فيهِ؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:(مَنْ قَرأَ سورةَ الكهفِ يومَ الجمعةِ أضاءَ لهُ مِنَ النُّورِ ما بينَ الجمعتينِ)(رواه الحاكم، والبيهقي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب).

5ـ أنَّهُ يُستَحبُّ الإكثارُ فيهِ من الصلاةِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلًَّم لقولهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:(إنَّ من أفضلِ أيامِكم يومَ الجُمعةِ، فيهِ خُلِقَ آدمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النفخةُ، وفيه الصعقةُ، فأكثِروا عليَّ من الصلاةِ فيهِ، فإنَّ صلاتَكم مَعروضةٌ عليَّ)(رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة).

6ـ أنَّ فيهِ ساعةً مَنْ دعَا اللهَ فيهَا استُجيبَ لَهُ، قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:(إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

7ـ أنَّه ما مِنْ مسلمٍ يَموتُ فيهِ أو في ليلتِه إلا وُقيَ فتنةَ القبرِ وعذابَه، لقولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:(مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ)(رواه الترمذي، وأحمد، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح).

أسألَ اللهَ جلَّ وعلا أَنْ يوفقنَا في هذَا اليومِ المباركِ لما فيهِ رضاهُ والوصولِ إلى جنَّتهِ بفضلهِ ورحمتِه إنَّه تعالى قريبٌ مجيبٌ.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].

الجمعة: 3 /5/1442هـ