كل ضيق بعده فرج بتاريخ 30-6-1442هـ

الأربعاء 12 رجب 1442هـ 24-2-2021م

لمشاهدة الخطبة اضغط هنا

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ فاطرِ الأكوانِ وباريْها، ومُسيِّرِ الأفلاكِ ومُجْريْها، وخالقِ الدَّوابِ ومُحصِيْها، ومُقسِّمِ الأرزاقِ ومُعْطِيْها، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ المستحقُّ للثناءِ والمجدِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وعلى آلِه وصحبِه إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}[الحشر:18].

أيُّها المؤمنونَ: خَلَقَ اللهُ الخلقَ لعبادتِه{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات: 56]، وَجَعَلَ لهم الدنيَا دارَ ابتلاءٍ واختبارٍ، ليبلوَهًُم أيُّهم أحسنُ عملاً، وقلَّبَ أحوالَهم بين خيرٍ وشرٍّ، ومنشطٍ ومكرهٍ، وسراءَ وضراءَ، وشدةٍ ورخاءٍ؛ ليعلمَ سبحانَه وهو العليمُ بخلقِه ماذَا يصنعونَ وبمنْ يتعلقونَ وإلى منْ يتوجهونَ، قالَ تَعالَى:{وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء: 35]، فينبغي على العبادِ إذا نَزَلَ بهم بلاءٌ أو ضرٌّ أو همٌّ أو غمٌّ، أو مرضٌ أو فقرٌ أو ضيقٌ أو شدةٌ، أن يفزعوا إليهِ سبحانَه، وأن يستعينوا بِه في جميعِ أمورهِم، فهوَ الذي يَمْلكٌ الضُّرَّ والنفعَ، والسَّقمَ والشفاءَ، والغنىَ والفقرَ، والسراءَ واللأواءَ، والعسرَ واليسرَ، وصَدَقَ اللهُ:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء:67].

عبادَ اللهِ: اعلموا رَحمَكُم اللهُ أنَّ الكروبَ والشدائدَ مهمَا اشتدَّتْ وتعاظمتْ فإنَّها لا تدومُ أبدًا، بلْ هيَ إلى نهايةٍ وزوالٍ، وإذَا أصابَ اليأسُ القلوبَ، أتَى الفرجُ من علَّامُ الغيوبِ، وذَهَبَ الَّليلُ البهيمُ وأتَى بعدَه الفجرُ الصادقُ، قالَ اللهُ تعالى:{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}[الطلاق:7]، وقال سبحانَه:{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطلاق:2، 3].

وقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(مَن نَزَلتْ به فاقةٌ فأَنَزَلَها بالنّاسِ لَم تُسدَّ فاقتُه، ومَن نَزلَتْ به فاقةً فأنزلَها باللهِ فيُوشِكُ اللهُ له برزقٍ عاجلٍ أو آجلٍ)(رواه أبو داود (1645)، والترمذي (2326)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6566) .

وكان مِنْ دعائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ والعَجْزِ والكَسَلِ والجُبْنِ والبُخْلِ وضَلَعِ الدَّيْنِ وغَلَبَةِ الرِّجالِ) (رواه البخاري (6369).

عبادَ اللهِ: مَنْ ابتُليَ بشدةٍ أو امتحانٍ فعليهِ بلزومِ الصَّبرِ والدُعاءِ، فإنَّ اللهَ تعَالى برحمتِه يتولَّاه ويُعجِّلُ بفرجِه ويُنْجِيه بَعْدَ كَرْبِه وحُزْنِه، فهَا هو نبيُّ اللهِ ذو النُّونِ لمَّا حَزَبَه الأمرُ، قالَ:{لا إلهَ إلا أنتَ سُبحَانكَ إنِّي كُنتُ منَ الظالمينَ}، فَعَجَّلَ اللهُ له بالفرجِ، وقد أَمَرَ ربُّنا جلَّ وعلا عبادَه بالدعاءِ، قالَ اللهُ تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..}[البقرة:186].

وقد مرَّتْ بالمسلمينَ كُروبٌ وشدادٌ لا تتحمَّلهُا الجبالُ الرواسيْ، وابتُلوا وزُلزِلُوا حتَّى يعَلمَ اللهُ الصادقَ من الكاذبِ، ومِنْ ذلكَ ما حَدَثَ في غزوةِ الأحزابِ حينَما اجتمعَ المشركونَ بكاملِ قوتهِم وأحاطوا المدينةَ كيْ يكسِروا شوكةَ المسلمينَ ويقضُوا عليهم ولا يَجْعلوا لهم أثرًا، واشتدَّ الأمرُ على المؤمنينَ، وأصابَهم الخوفُ والجوعُ، حتَّى إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يخرجُ مع المسلمينَ في حَفْرِ الخندقِ وهو واضعٌ حَجَرًا على بطنِه مِنْ شِدّةِ الجوعِ، قالَ اللهُ تعَالى:{إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا}[الأحزاب:10، 11]، ولكنَّ اللهَ تَدَارَكَهم برحمتِه، وأَرْسلَ على المشركينَ ريحًا قويةً أزالتْ خيامَهم وأطفأتْ نيرانَهم وقلَبتْ قدورَهم وألقتْ الرُّعبَ في قلوبِهم، قال اللهُ تعَالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}[الأحزاب: 25].

أيُّهَا المؤمنونَ: ومِنْ أعظمِ ما ابتُلي به البيتُ النَّبويُّ حادثةَ الإفكِ، عندمَا نَزَلَ البلاءُ بأمِّ المؤمنينَ عائشةَ رضَّي اللهُ عنهَا، لمَّا رموهَا في عرضِها الشريفِ، وتحدَّثَ النَّاسُ في أمرِها، وَوَصَلَ لَسمعِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرَها، وأصْبحَ أبَواهَا في حُزنٍ وهمٍّ وغمٍّ شديدٍ، وظلَّتْ رضَّي اللهُ عنَّها في بيتهَا تبكي ليلهَا ونهارهَا، لا يرقأُ لهَا دمعٌ ولا تَكْتحلُ بنومٍ وهي تدعو ربَّها أنْ يكشفَ الغمَّةَ عنها، حتَّى جاءَ الفرجُ من اللهِ ونَزَلَ الوحيُّ من السماءِ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتبرئتِها فسُرِّيَ عنه وعنها وعن والديْها رضي اللهُ عنهُم أجمعينَ.

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِين* قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُون}[الأنعام:63، 64].

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:  

فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وأنزلوا حاجاتِكمْ بِربِّكم، وأبْشروا بالفرجِ العاجلِ.

ذَكَرَ ابنُ كثيرٍ في (السيرةِ النبويةِ 3/130) عن الليثِ بنِ سعدٍ قالَ: “بلغني أنَّ زيدَ بنَ حارثةَ رضي اللهُ عنه اكتَرى (أي استأجَرَ) من رجلٍ بغلاً من الطائفِ، واشْتَرطَ عليه المُكري أَنْ يُنزلَه حيثُ شاءَ، قال: فمالَ بهِ إلى خَرِبةٍ، فقالَ له: انْزلْ، فَنَزَلَ، فإذَا في الخَربةِ قتلى كثيرون، قال: فلمَّا أرادَ أنْ يقتلَه قالَ له زيدٌ: دعني أُصلِّى ركعتين، قال: صلِّ فقد صلَّى قبلكَ هؤلاءِ فلمْ تنفعهْم صلاتُهم شيئًا، قال: فلمَّا صليتُ أتاني ليقَتلَني، فقلتُ: يا أرحمَ الراحمينَ، فَسَمعَ صوتًا: لا تقْتلْه، فهابَ الرجلُ ذلكَ فَخَرجَ فلمْ يجدْ شيئًا، فَرَجَعَ إلى زيدٍ ليقتلَه فقال زيدٌ: يا أرحمَ الراحمينَ، فَسَمِعَ صوتًا: لا تَقْتلْه، فهابَ الرجلُ، وخَرَجَ ينظرْ فلم يجدْ شيئًا فعادَ ليقتلَ زيدًا، فقالَ: يا أرحمَ الراحمين، فإذَا بفارسٍ على فرسٍ في يدِه حربةُ حديدٍ، في رأسِها شُعْلةٌ من نارٍ فَطَعنَه بها، فأنْفذَها مِنْ ظَهْرِه، فوقَعَ ميتًا، ثمَّ قالَ لزيدٍ: لمَّا دعوتَ المرةَ الأولى: يا أرحمَ الراحمينَ، كُنتُ في السماءِ السابعةِ، فلمَّا دعوتَ المرةَ الثَّانيةَ: يا أرحمَ الراحمينَ كنتُ في سماءِ الدُّنيَا، فلمَّا دعوتَ في الثالثةِ: يا أرحمَ الراحمينَ، أَتيْتُك .

عبادَ اللهِ: إنَّ ما يُصيبَ المسلمَ من الشدائدِ والكُروبِ ابتلاءٌ وامتحانٌ من اللهِ جلَّ وعلا، ومعَ ذلكَ فلها فوائدُ عظيمةٌ، ومن ذلكَ: أنَّها تُعلِّقُ قلبَه بربِّه جلَّ وعلا، فَيُسلِّمُ له زمامَ الأمورِ، ويرَضى بقضائِه وقدرِه. وكذلكَ ما يَعْترِيه من الانكسارِ والتَذلَّلِ والتَّضرعِ والتَّوبةِ والاستغفارِ والافتقارِ إلى اللهِ جلَّ وعلا، وكذلكَ هيَ مكفرةٌ للخطايَا، ورافعةٌ للدرجاتِ.

فاتَّقوا اللهَ تعالى وأخلِصوا لهُ الدعاءَ في جميعِ شدائدِكم وكروبِكم، فهوَ سُبحانَه أقربُ إلى أحدِنا من حبلِ الوريدِ، وهو أعلمُ بضعفِ عبادِه وحاجتِهم إلى فضلِه.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].

الجمعة:   30 / 6 / 1442هـ