مخاطر الألعاب الالكترونية

السبت 29 رجب 1442هـ 13-3-2021م

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبتقديرهِ ضلَّ الضَّالون، ولِحكْمِه خَضَعَ الخلقُ أجمعونَ{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون}[الأنبياء:23]،{وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُون}[الروم:26]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون}[القصص:88]، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه الصادقُ الأمينُ، سيدُ الأولينَ والآخرينَ، وخيرُ خلقِ اللهِ أجمعين، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، فتقوى اللهِ خيرُ زادٍ يُدَّخر، وأفضلُ لباسٍ يُدَّثر، وأعلى نسبٍ يُفتَخر، تكفَّل اللهُ لأهلِها بالأمنِ ممَّا يَخافُونَ، وبالنجاةِ ممَّا يَحذَرون، وبالرزقِ من حيثُ لا يحتسبونَ{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}[الطلاق:2، 3]

أيُّها المؤمنونَ: في ظلِّ التَّقدمِ التَّقّنيْ، وتَنوَّعِ البرامجِ ووسائلِ التَّواصلِ، وانتشارِ الأجهزةِ الحديثةِ في كلِّ بيتٍ، بل إنَّ كلُّ جيبٍ لا يخلو من جوَّالٍ، وهي نعمةٌ عظيمةٌ، قَدْ نَفَعَ اللهُ بهَا نفعًا عظيمًا، ويسَّر بها أمورًا كثيرةً، وأمضى بها مصالحَ عديدةً، وسهَّلتْ التواصلَ بين الأرحامِ والأقاربِ والأصدقاءِ وكافةِ النَّاسِ إلا أنَّ بعضَهم تعلَّقَ بتلكَ الأجهزةِ تعلقًا شديدًا بسببِ ما حوتْ من برامجَ وألعابٍ ترفيهيةٍ.

وهذا بابٌ عظيمٌ من أبوابِ الشرورِ والفتنِ، لما يُعرضُ فيها من برامجَ وألعابٍ إلكترونيةٍ، حتى أصبحتْ تأخذُ الكثيرَ من أوقاتِهم وأعمارِهم.

وهذِه الألعاُب فيهَا مِنَ المخاطرِ ما اللهُ بهِ عليمٌ، وهذا واقعٌ نعيشُه، ونرَى أثرَه في حياتِنا، فهذَا شابٌ عاكفٌ على لُعبتِه بالساعاتِ، وهذه فتاةٌ منكبةٌ على لعبةٍ مخالفةٍ لفطرتِها وأنوثتِها، وهؤلاءِ الأطفالُ مشغولونَ بها أيَّما إشغالٍ، وإذَا أرادَ أحدُ والديْهم صَرْفهم عنهَا صاحُوا وبكوا، بلْ ربَّما وَصَلَ بهم الأمرُ إلى الغضبِ والسبِّ والشَّتمِ والتهديدِ بسببِ تعلقِهم بها.

عبادَ اللهِ: إنَّ لهذه الألعابِ الإلكترونيةِ أخطارًا كثيرةً، ومن أهمِّها:

1ـ الجلوسُ أمامَها بالساعاتِ، وتعلُّقُ القلبِ بهَا وإدمانِها.

2ـ التهاونُ بالصلاةِ، وعدمُ الخشوعِ والاطمئنانِ فيها.

3ـ ضعفُ التحصيلِ العلميِّ والدراسيِّ.

4ـ الحماسُ الزائدُ عندَ ممارستِها والتأثرِ بمَا فيهَا.

5ـ إصابةُ بعضِ الأطفالِ بالتوتُّرِ والقلقِ، وربَّما وَصَلَ الأمرُ إلى حصولِ التشنّجاتِ والصَّرعِ، وأمراضِ المفاصلِ وخاصةً في الحالاتِ المدمنةِ.

6ـ تأثيرُها على الأعصابِ وإضعافِ الذكاءِ والتركيزِ والاستيعابِ الدراسي.

7ـ سرعةُ الغضبِ والانفعالِ، والإصابةِ بالكآبةِ والضيقِ والحُزنِ عند تركِها.

8ـ الانعزالُ عن الأهلِ والمجتمعِ وتركُ مخالطةِ الناسِ والفشلُ في التعاملِ مع الآخرينَ.

10ـ استنزافُ الأموالِ لشراءِ تلكَ الألعابِ دونَ مبالاةٍ.

11ـ ما يُعرضُ فيهَا من المخالفاتِ الشرعيةِ التي تَتَسَبَّبُ في ضعفِ الإيمانِ والحياءِ.

12ـ إضعافُ البصرِ والشَّهيةِ.

عبادَ اللهِ: لقد كثرتْ شكاوَى الآباءِ والأمهاتِ، وكذَا المعلمينَ والمعلماتِ من تَغيُّرِ أخلاقِ الطُّلابِ والطَّالباتِ وسُلوكياتِهم وتعاملاتِهم، واتصافِهم بالفوضى والمشاجراتِ والاعتداءاتِ، مع إهمالِ الدُروسِ والواجباتِ، ومَنْ خَالطَ هؤلاءِ وَجَدَ أنَّ تلكَ الألعاب قد أحدثتْ تغيُّرًا كبيرًا في حياتِهم بسببِ الاقبالِ عليهَا والجلوسِ أمامَها بالساعاتِ.

وتبادلِ المعلوماتِ والتحدُّثِ مع الغرباءِ، مع ضعفِ الرقابةِ عليهم وتركِ مُتابعتِهم، حتَّى أصبحتْ تلكَ الأجهزةُ قنابلَ موقوتةً تَتَسبَّبُ في تحطيمِ أخلاقِهم ودينِهم ومستقبلِهم، فأخرجتْ لنا أجيالاً سلبيةً لا هَدَفَ لهَا إلا الَّلهوَ واللعبَ.

عبادَ اللهِ: إنَّ أولادَنا أمانةٌ في أعانقِنا، وهم ثمرةُ فؤادِنا وكنزُ أمَّتِنا، وأغلى ما نملكُ في هذِه الدنيا، وإن لمْ نستدْركهم بعنايتِنا ورعايتِنا ومتابعتِنا ضاعُوا مثلَ ما ضاعَ غيرُهم، وقد قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (كفى بالمرءِ إثمًا أن يُضيِّعَ مَن يقوتُ)(رواه أبو داود (1692)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1692)، فيا ويلَ من ضيَّعَ تلكَ الأمانةَ، وَتَركَ أولادَه نهبًا لتلكَ الألعابِ تذهبُ بهم إلى طريقِ الخسارةِ والضياعِ.

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}[التحريم:6]

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:  فاتَّقوا اللهَ أيها المؤمنون، واعلموا أنَّ الأمرَ جدُّ خطيرٌ يحتاجُ لتعاونِ وتعاضدِ الجميعِ، وأنَّه ينبغي علينَا الأخذُ بالوسائلِ التي تُعينُنَا على حمايةِ أولادِنا من براثنِ تلكَ الألعابِ، ومن ذلك:

1ـ يجبُ على الآباءِ والأمهاتِ تَحمُّلُ المسؤوليةِ، والرقابةُ الجادةُ على ما يُمارسُه الأولادُ من الألعابِ وما يجلسونَ أمامَه من البرامجِ والمواقعِ، يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(أَلا كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ..)(رواه البخاري (7138)  ومسلم (1829).

2ـ الجلوسُ مع الأولادِ عندَ لعبِهم ومشاركتُهم إيَّاها قَدْرَ المستطاعِ، بحيثُ لا يُحرمُ الطفلُ من الَّلعبِ، ويَجِدَ مَنْ يشاركُهُ فيهَا ويحذِّرهُ ممَّا يَظْهرُ فيها من تلكَ المخالفاتِ.

3ـ ملءُ الفراغِ عِنْدَ الأولادِ بأمورٍ مفيدةٍ بحيثُ يُدخلُ السرورَ عليهم ويَجْعلهم مُستجيبينَ لوالديْهم، كالخروجِ للبرِّ والحدائقِ العامةِ والمتنزهاتِ، وزيارةِ الأقاربِ مع إيجادِ بدائلَ ترفيهيةٍ في البيتِ لملأ فراغِهم وإسعادِهم.

4ـ النظرُ في إيجابياتِ تلكَ الألعابِ وسلبيِّاتِها بحيثُ يستطيعونَ الحكمَ عليهَا وإبعادَ الضَّررِ المترتبِ على ممارستِها.

5ـ تحديدُ وقتٍ معينٍ للأولادِ لممارسةِ تلكَ الألعابِ، وعدمُ تركِهم أمامَها لساعاتٍ طويلةٍ.

6ـ يجبُ على الأمِّ عدمُ إهمالِ أولادِها وتركِهم نهبًا لتلكَ الألعابِ، فبعضُ الأمهاتِ ـ هداهنَّ اللهُ ـ يتساهلنَ كثيرًا في إعطاءِ الطِّفلِ ما يريدُ حينمَا يَصرخُ أو يبكي حتَّى ترتاحُ منه، وهذه سلبيةٌ كبيرةٌ سوفَ تجدُ أثرَها بعد حينٍ.

وختامًا: أوصِيكُم ونفسِي بكثرةِ الدعاءِ للأبناءِ والبناتِ، فاللهُ تعَالى هُوَ الذي يملكُ قلوبَهم وجوارحَهم، وهوَ القادرُ على حفظِهم وهدايتِهم، وهوَ سبحانَه أرحمُ بهم منَّا، فاستعينوا باللهِ تعَالى على حفظِهم وتربيتِهم وتعليمِهم.

ووصيِّتي لأجيالِِ المستقبلِ من الشبابِ والفتياتِ أنْ يحذروا من تلكَ البرامجِ والألعابِ، وألا ينشغلوا بهَا عن أسمى هدفٍ خُلقوا من أجلِه، ألا وهوَ عبادةُ اللهِ جلَّ وعلا، وتوحيدُه وتعظيمُه ومحبتُه وخشيتُه، والحرصُ على طلبِ العلمِ والنجاحِ والتفوِِّقِ الدراسي، وملءُ الأوقاتِ بمَا يفيدُ وينفعُ. أسألُ اللهَ تعَالى وهوَ الرحيمُ بنَا أنْ يحفظَ أولادَنا من كلِّ شرٍّ، وأن يَفتَحَ على قُلوبِهم بحبِّ الدينِ وأهلِه.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].

الجمعة:  14 / 7 / 1442هـ