ختام الشهر وزكاة الفطر 25-9-1442هـ
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللَّهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللَّهُ فلا مضلَ لهُ، ومنْ يضلِل فلا هاديَ لهُ. وأشْهدُ أنْ لا إِله إِلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشْهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلِه وأصحابِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ وسلَّم تسليماً مزيدا، أما بعدُ:
فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ جلَّ وعلا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102].
أيُّها الصائمون: كنَّا بالأمسِ القريبِ نستقبلُ شهرَ رمضانَ، وها هو قد مضتْ أيامُه وكأنَّها طيفٌ عابرٌ، ولم يبقى منها إلا القليلُ، مضتْ وهو شاهدٌ علينا بما استودعناه فيه من أعمالِنا، رَبِحَ فيه مَنْ جَاهدَ نفسَه واجتهدَ، وخَسِرَ فيه من فرَّطَ وأساءَ وظلمْ، وسوفَ نودِّعه قريبًا وقلوبُنا تَتَقطَّع حُزناً وأسىً على فراقِه.
فليتذكَّر كلُّ واحدٍ منَّا ونحنُ نودِّعُ شهرَنا سرعةَ مرورِ الأيامِ، وانقضاءِ الأعمارِ، فالعمرُ فرصةٌ، فإذا ما ذهبتْ ووَّلتْ، فهيهاتَ أن تعودَ.
ولقد كانَ السلفُ يجتهدونَ في إتمامِ العملِ وإتقانِه، ثمَّ يسألونَ اللَّهَ تعالى قبولَه. رُويَ عن عليٍّ رضي اللهُ عنه: أنَّه كانَ ينادي في آخرِ ليلةٍ من شهرِ رمضان: “يا ليتَ شعري! مَنْ هذا المقبولُ منَّا فنهنِّيْه، ومَنْ هذا المحرومُ فنعزِّيه، أيُّها المقبولُ هنيئاً لك، أيُّها المردودُ جَبَر اللهُ مصيبتَك”.
أيُّها الصائمون: لقدْ أمرَكم اللهُ تعالى في نهايةِ شهرِكم بإخراجِ زكاةِ فطرتِكم، والحكمةُ مِنْ إخراجِها أنَّها طهرةٌ للصائمِ من اللغوِ والرفثِ، وطعمةٌ للمساكين وشكرٌ للهِ تعالى على إكمالِ الصيامِ، فأدُّوها رَحمَكم اللهُ على الوجهِ المشروعِ طيبَةً بها نفوسُكم مِنْ أوسطِ ما تطعمونَ أهليِكم.
عبادَ الله: ومِنَ المسائلِ المتعلقةِ بزكاةِ الفطرِ ما يأتي:
أولاً: أنَّها واجبةٌ على الكبيرِ والصغيرِ، والذكرِ والأنثى، والحرِّوالعبدِ.
ثانيًا: أَنْ تكونَ صاعًا مِنْ غالبِ قوتِ البلدِ، سواءٌ كانَ تمرًا أو برًّا أو شعيرًا أو زبيبًا أو أقطًا أو أرزًا، أي ما يعادلُ: ثلاثة كيلو جراماتٍ تقريبًا، ويجزئُ عن هذهِ الخمسةِ كلُّ شيءٍ يُقتَاتُ في البلدِ: الأرزُ والذرةُ والدُّخنُ وغيرُها.
ثالثًا: يُستحبُ إخراجُها عن الحملِ في بطنِ أمِّهِ إذا نُفختْ فيه الروحُ.
رابعًا: لا يجوزُ إخراجُها مالاً، لأنْه خلافُ سنةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي أَمَرَ بإخراجِها طعاماً وقدَّرهُ بالصاعِ.
خامسًا: أن يُخرجها المسلمُ عن نفسِه وعمَّن يقومُ بنفقتِه.
سادسًا: أَنْ يكونَ محلُّ إخراجِها البلدَ الذي وافاهُ تمامُ الشهرِ وهو فيه، ومَنْ كانَ في بلدٍ وعائلتُه في بلدٍ آخر فإنه يُخرجُ فطرتَهم في بلدِهم، ويخرجُ عن نفسِه في البلدِ الذي هو فيه، وإن عمَّدهم يُخرجونَ عنه وعنهم في بلدِهم جاز، وإن أخرجَ عنهم في بلدِه جاز.
سابعًا: تُعطى صدقةُ الفطرِ لفقراءِ البلدِ الذين تحلُّ لهم زكاة ُالمالِ، سواءٌ كانوا من أهلِ البلدِ أو من الفقراءِ القادمينَ عليه من بلدٍ آخرَ.
ثامنًا: يَجبُ على المسلمِ أن يعطي زكاةَ فطرهِ لمن يستحقُّها كي تجزئَهُ، ولا يصرفُها لفروعِه وأصولِه وزوجتِه ولا مَنْ تلزمُه نفقتُه.
تاسعًا: لا يجوزُ نقلُ صدقةِ الفطرِ إلى بلدٍ آخرَ إلا إذا لم يُوجدْ في بلدهِ فقراءُ من المسلمين، فإنَّه يرسلُها إلى فقراءِ أقربِ بلدٍ إليه، لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَرَ بإخراجِها إلى فقراءِ البلدِ الذي يُفطرُ فيه الصائمُ ليلةَ العيدٍ.
عاشرًا: السُّنةُ في وقتِ إخراجِها مِنْ بعدِ صلاةِ الفجرِ إلى وقتِ صلاةِ العيدِ، ويجوزُ إخراجُها قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومين.
احدى عشر: مَنْ فاتَه إخراجُها في يومِ العيدِ فإنَّه يخرجُها بعدَه قضاءً صدقةً مِنَ الصدقاتِ.
اثنا عشَرَ: أَنْ تُدفَع الزكاةُ في وقتِ الإخراجِ إلى المستَحقِّ أو إلى وكيلهِ، ولا يكفي أَنْ يجعلَها أمانةً عند شخصٍ ليس وكيلاً للمستَحقِ.
ثلاثةَ عشرَ: يجوزُ للفقيرِ أن يُخرجَ فطرتَه مما أُعطي مِنَ الصدقاتِ.
أربعةَ عشرَ: يجوزُ دفعُ صدقةِ الجماعةِ إلى فقيرٍ واحدٍ، ويجوزُ دفعُ صدقةِ الشخصِ الواحدِ إلى جماعةٍ من الفقراءِ.
وأخيرًا: أهمسُ في أذن الذين ينامون في النهار ويتثاقلون عن صلاتي الظهر والعصر وأقول لهم: الصلاة أهم من الصوم وأكثر، فاحذروا من تضييع الصلوات فهي أول ما يسأل عنه العبد في قبره.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}[البقرة:185].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ أيُّها المؤمنون، واعلموا أنَّ هذه اللياليَ المباركةَ فيها ليلةٌ عظيمةٌ أثنى اللهُ عليها في كتابِه بقوله{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}(القدر:1ـ 3)، وحثَّ نبيُّنَا صلى اللهُ عليه وسلَّم على قيامِها لما يترتَّبُ عليها من الأجرِ العظيمِ بقولِه:(مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)(رواه البخاري(35) ومسلم(760). وبيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن أرجى ليلةٍ هي ليلةُ السابِع والعشرينَ، فاجتهدوا باركَ اللهُ فيكُم في تحرِّيْها والاجتهادِ فيها، والإكثارِ من الدعاءِ والتضّرعِ والتذلُّلِ بين يدي ربِّنا جلَّ وعلا، وأكثروا مِنْ قولِ:(اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) (رواه الترمذي(3513).
أسألُ اللهَ تعالَى أَنْ يتقبلَ منَّا ومنكم الصيامَ والقيامَ والدعاءَ وصالحَ الأعمالِ، وأَنْ يجعلنَا وإيَّاكم فيه من المقبولينَ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].
الجمعة: 25 / 9 / 1442هـ