المخدرات دمار وخراب – خطبة الجمعة 2-3-1443هـ
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون][آل عمران:102].
أيُّها المؤمنونَ: جاءتْ شريعةُ الإسلامِ تأمرُ بكلِّ خيرٍ وتنهى عن كلِّ شرٍّ، وممَّا جاءتْ بوجوبِ حفظِه والعنايةِ به، الضروراتِ الخمسَ، وهي الدينُ، والنَّفسُ، والعرضُ، والعقلُ، والمالُ، ولا شكَّ أنَّ العقلَ مناطُ التكليفِ، وهو الذي يُميّزُ الإنسانَ على غيرِه من المخلوقاتِ، وهو الذي يَنبني عليه قيامُ مصالحِ النَّاسِ، وتنظيمُ أمورهِم وأحوالهِم. وقد أثنى اللهُ على أصحابِ العقولِ السليمةِ، قال تعالى: [إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون][الرعد:4]، والمسلمُ مأمورٌ بحفظِ عقلِه عن كلِّ ما يُؤثَّرُ عليه، ومِنْ أَخْطرِ ذلكَ وأكثرِه ضررًا المخدراتُ ذلكَ السُّمُّ القاتلُ الذي اتًَّخذه الأعداءُ سلاحًا لهم ضدَّ المسلمينَ.
أيُّها المؤمنونَ: إنَّ الصراعَ بينَ الإنسانِ وعدوِّهِ الأولِ إبليسَ اللعينَ مستمرٌ إلى قيامِ الساعةِ، فقد آلى الرجيمُ على نفسِه أن يبذلَ ما يستطيعُ لإضلالِ الإنسانِ وإبعادِه عن عبادةِ ربِّهِ، وصرْفِه عمَّا يُحقِّقُ له السعادةَ في الدنيا والآخرةِ، قالَ تعالى عن إبليس: [قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين][ص:82، 83]، وقد دارتْ معركةُ الحياةِ بينَ العدوِّ الَّلدودِ وبين الإنسانِ الضعيفِ، فحاولَ اللعينُ إغراءَ وإغواءَ الإنسانِ بكلِّ وسيلةٍ عن طريقِ المعصيةِ، تارةً، وعن طريقِ الغلوِّ في الطاعةِ تارةً أُخرى، وعن طريقِ السفكِ والقتلِ والتخريبِ والتدميرِ والإرهابِ تارةً ثالثةً، وعن طريقِ المخدراتِ تارةً رابعةً.
عبادَ اللهِ: إنَّها حربٌ ضروسٌ فتاكةٌ، عواقبُها وخيمةٌ، ونتائجُها أليمةٌ، هدفُها هدمُ الإسلامِ، وقتلُ الأنفسِ وهتكُ الأعراضِ، وإهدارُ الأموالِ، وتدميرُ العُقولِ، ضحاياهَا أعزُّ ما تملكُه الأمةُ من الشبابِ والفتياتِ.
إنَّ كلَّ شخصٍ تمتدُّ يدهُ إلى هذهِ السمومِ الفتَّاكةِ زراعةً وتجارةً وبيعًا وشراءً وتهريبًا وتناولاً وترويجًا يُعتبرُ مجرمًا في حقِّ نفسِه، وفي حقِّ مجتمعِه وبلادِه، فيجبُ الأخذُ على يديهِ حفاظًا على المجتمعِ كلِّه، وسلامةً لأبنائِه وبناتِه منْ أنْ يعبثَ بهم العابثونَ، ويتلاعبَ بهمُ المجرمونَ، ويفسدوهم ويشغلوا المجتمعَ بمتابعتِهم وملاحقتِهم ويَصرفوهُم عن العملِ بما هو أهمُّ ممَّا فيه صلاحُ المجتمعِ وسلامتُه وأمنُ البلادِ والعبادِ.
عبادَ اللهِ: ولعلَّ مِنْ أهمِّ أسبابِ انتشارِ المخدراتِ ما يأتي:
1ـ ضَعفُ الوازعِ الدِّينيِّ. 2ـ الفَراغُ.
3ـ قرناءُ السُّوءِ. 4ـ المشاكلُ الأسريةُ.
5ـ السفرُ إلى الخارجِ. 6ـ العمالةُ الأجنبيةُ السيئةُ، وقد تكونُ كافرةً.
7ـ الفقرُ وَقِلَّةُ ذاتِ اليدِ. 8ـ التقليدُ الأعمَى ومجاملةُ الآخرينَ.
وصدقَ اللهُ العظيمُ: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون][المائدة:90].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ -والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه، والشكرُ لهُ على جودِه وإنعامِه وإكرامِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُاللهِ ورسولُه خيرُ رسلِه وأنبيائِه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه ومن سارَ على نهجِه وسَلكَ سبيلَه إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّ التَّقوى سرُّ النجاحِ والفلاحِ والفوزِ في الدنيَا والآخرةِ.
أيُّها المؤمنونَ: اعلموا باركَ اللهُ فيكم أنَّ الشَّارعَ الحكيمَ مَنَعَ كلَّ ما يُؤثِّرُ على العقلِ، ويُسبِّبُ لهُ الضررَ، وإنَّ مِنْ أضرِّ الأشياءِ التي تُؤثِّرُ عليه وتُوقعُه في العظائمِ المخدراتِ، ومضارُّها أكثرُ من أَنْ تُحصرَ، ولعلَ من أهمِّ أضرارِها ما يأتي:
1ـ أنَّ مُتعاطيهَا يُضيِّعُ الصلاةَ، وسائرَ الواجباتِ المأمورِ بهَا شرعًا.
2ـ أنَّها طريقٌ للوقوعِ في السَّرقةِ، والزِّنَا، واللواطِ، وسفكِ الدِّماءِ، والاعتداءِ على الآخرينَ.
3ـ أنَّها سببٌ كبيرٌ للعقوقِ، وقطعِ الأرحامِ، وإهمالِ الزَّوجةِ والأولادِ.
4ـ أنَّها سببٌ لتركِ الوظيفةِ وأسبابُ تحصيلِ الرِّزقِ.
5ـ أنَّها سببٌ لانتهاكِ الأعراضِ، والوقوعِ على المحارمِ والعياذُ باللهِ.
6ـ أنَّها مِنْ أعظمِ أسبابِ الصَّدِّ عنْ ذكرِ اللهِ.
7ـ أنَّها سببٌ عظيمٌ يُؤجِّجُ العداوةَ والبغضاءَ بين المؤمنينَ.
8ـ أنَّها سببٌ في إتلافِ المالِ، فكمْ من غنيٍّ باتَ بسببِها فقيرًا، وكمْ من شَخْصٍ باعَ مسكنَه وتَرَكَ مركوبَه من أجلهَا.
9ـ أنَّها سببٌ في وقوعِ الحوادثِ المروريةِ وحصولِ الإصاباتِ والإعاقاتِ والوفياتِ.
10ـ وهيَ مِنْ أسهلِ الطرقِ الموصلةِ للانتحارِ، والإحصائياتُ العالميةُ تؤكِّدُ ذلكَ.
عبادَ اللهِ: ومن فضلِ اللهِ تعالى على بلادِنا ـ حَرَسهَا اللهُ ـ أَنْ منَّ عليهَا برجالٍ مخلصينَ يقفونَ بالمرصادِ لهؤلاءِ المتربصينَ الذينَ يُريدونَ الإفسادَ في الأرضِ، والإضرارَ بالخلقِ، وجمعَ المالِ من أيِّ طريقٍ، وإغراقَ البلادِ بهذهِ السُّمومِ المدمِّرةِ ـ والدَّولةُ أيَّدهَا اللهُ تعالى ـ لا تألوا جهدًا في الوقوفِ أمامَ هذِه الهجمةِ الشَّرسةِ عن طريقِ رجالِ مكافحةِ المخدراتِ المرتبطينَ بالمديريةِ العامةِ لمكافحةِ المخدراتِ التي تبذلُ جهودًا مشكورةً في صدِّ هذِه الحربِ على بلادِنا، وتساعدُها في ذلكَ جهاتٌ حكوميةٌ أخرى، منها حرسُ الحُدودِ، والجوازاتُ، ورجالُ الأمنِ، والهيئاتُ، وأمنُ الدولةِ وغيرُها من القطاعاتِ الأمنيةِ في منظومةٍ متكاملةٍ تعملُ جميعًا كيدٍ واحدةٍ، وهم في رباطٍ وجهادٍ ضدَّ هؤلاءِ المجرمينَ، جَعَلَ اللهُ ما يقومُ بهِ رجالُ المكافحةِ وغيرُهم بَرَكةً في أعمارِهم وأرزاقِهم، وصلاحًا في نيِّاتِهم وذرِّياتِهم، وأَنْ يحفَظَهم من كلِّ سوءٍ ومكروهٍ.
أسألُ اللهَ تعالى أَنْ يحفظَ علينَا دينَنَا وأمْنَنَا وسلامةَ بلادِنا من كلِّ عدوٍّ متربصٍ بهَا، وأنْ يصرفَ عنَّا كلَّ شرٍّ وسوءٍ ومكروهٍ، إنَّه وليُّ ذلكَ والقادرُ عليه.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا][الأحزاب: 56].
الجمعة: 2/3/ 1443هـ