لزوم الجماعه وخطر السرورية – خطبة الجمعة 16-3-1443هـ

الأحد 18 ربيع الأول 1443هـ 24-10-2021م

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِِ ربِّ العالمينَ، أَمَرَ عبادَه بالإيمانِ بهِ وتوحيدِه، ونبذِ الشركِ والبعدِ عنه، وحثَّهم على الاعتصامِ بالكتابِ والسنةِ والبعدِ عن التشتّتِ والفرقةِ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدُاللهِ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم ورضي الله عن صحابته الأخيار، أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].

أَيُّهَا المؤمنونَ: لقد أَدَرَكَ سلفُ هذهِ الأمةِ معنى التوحيدِ والوحدةِ، فكانوا كالجسدِ الواحدِ، تحطَّمتْ على توحيدِهم ووحدتِهم ورابطتِهم جميعُ المكائدِ والمؤامراتِ، مستجيبينَ في ذلكَ لأمرِ ربِّهم القائلِ في محكمِ كتابِه:{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا..}[آل عمران: 103]، قالَ ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: «عليكُم بالجماعةِ فإنَّها حبلُ اللهِ الذي أَمَرَ بهِ وإنَّ ما تكرهونَ في الجماعةِ والطَّاعةِ خيرٌ ممَّا تحبونَ في الفرقةِ».

عباد الله: إنَّ لزومَ الجماعةِ واجبٌ، وهُوَ مِنْ مسلَّماتِ الدينِ، وقد تَقرَّرَ عندَ أهلِ السنةِ والجماعةِ في معتقدِهم أنَّ الجماعةَ حقٌ وصوابٌ، والفُرقةَ زيغٌ وعذابٌ.

كما تقرَّرَ عندَهم أنَّ الطَّاعةَ لوليِّ الأمرِ واجبةٌ، وأنَّ الخروجَ عليهِ أمرٌ محرمٌ، وهوَ من أخطرِ الأشياءِ لما يترتَّبُ عليهِ من المفاسدِ العظيمةِ التي تَلحقُ الأفرادَ والمجتمعَ، فالسمعُ والطَّاعةُ لولاةِ الأمرِ أصلٌ منْ أصولِ العَقيدةِ عندَ المسلمينَ، إذْ بالسمعِ والطَّاعةِ تَنتظمُ مصالحُ الدينِ والدنيَا معًا، وبالافتياتِ عليهم قولاُ أو فعلاً فسادُ الدينِ والدنيَا، وقد عُلمَ بالضرورةِ من دينِ الإسلامِ أنَّه لا دينَ إلا بجماعةٍ، ولا جماعةَ إلا بإمامةٍ، ولا إمامةٍ إلا بسمعٍ وطاعةٍ، وصدقَ اللهُ العظيمُ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا}[النساء:59].

أيُّها المؤمنونَ: إنَّ ما حدثَ أخيرًا في بلادِ المسلمينَ من عللٍ وأدواءٍ وتفرقٍ وضياعٍ كان سببُه الرئيسيُّ التعصبَّ للحزبيِّاتِ المقيتةِ، والانتماءَ لغيرِ اللهِ ورسولِه، والولاءَ لفئاتٍ أو جماعاتٍ تَرْفعُ شعاراتٍ برَّاقةٍ، فَتَفَرَّقَ الناسُ بعدَ اجتماعٍ، وتشتَّتَ شملُهم بعدَ الوحدةِ، وضَعفُوا بعدَ القوَّةِ، وتمكَّنَ الأعداءُ بسببِ ذلكَ من النَّيلِ من كثيرٍ من بلادِ المسلمينَ، كلٌّ حَسَبَ مقصدِه ومشربِه، وصَدَقَ اللهُ العظيمُ {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم}[آل عمران:105].

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون}[الأنعام:159].

وعن أبي هريرةَ رضيَّ اللهُ عنه عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: (افْتَرقتِ اليهودُ على إحدى أو ثِنتينِ وسبعينَ فِرقةً، وتفرَّقَتِ النَّصارى على إحدى أو ثِنْتَينِ وسبعينَ فِرقةً، وتَفترقُ أُمَّتي على ثلاثٍ وسَبعينَ فِرقةً)(رواه أبو داود (4596) واللفظ له، والترمذي (2640)، وأحمد (8377)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1083)، وفي روايةٍ: (كلُّهم في النّارِ إلا ملَّةً واحِدةً، قالوا: مَنْ هيَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أَنا علَيهِ وأَصحابي)(رواه الترمذي (2641)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي).

فهذِه الجماعاتُ وهذِه الفرقُ، وهذا التفرُّقُ، وهذا الاختلافُ لا يُقرِّه الشرعُ، بلْ يَنهى عنه

أشدَّ النَّهيِّ، ويأمرُ بالاجتماعِ على عقيدةِ التَّوحيدِ، وعلى منهجِ السلفِ جماعةً واحدةً، وعلى إمامٍ واحدٍ له بيعةٌ في رقبةِ كلِّ فردٍ في البلادِ.

قالَ شيخ ُالإسلامِ ابنُ تيميةَ في كتابهِ (الاستقامة 1/42): البدعةُ مقرونةٌ بالفرقةِ، كما أنَّ السنةَ مقرونةٌ بالجماعةِ، فيُقالُ أهلُ السنةِ والجماعةِ، كما يُقالُ أهلُ البدعةِ والفرقةِ) انتهى كلامه.

وصَدقَ اللهُ العظيمُ: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين}[الأنفال:46].

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على المبعوث رحمةً للعالمين، محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:  

فاتَّقوا اللهَ عباد الله، واعلموا أنَّ اجتماعَنا وتآَلفَنا وتعاضدَنا وتمسُّكنَا بالمنهجِ الحقِّ هوَ سبيلُ النجاةِ لنَا في الدنيَا والآخرةِ.

أيُّها المؤمنونَ: لقد أَنْعمَ اللهُ على بلادِنا فوحَّدَ أهلهَا بعدَ الفُرقةِ، وأَطْعمَهم بعدَ الجوعِ، وأمَّنهم بعد الخوفِ، وأَصْبحتْ بلادُنا وللهِ الحمدُ منارًا للعلمِ والمعرفةِ، ولذا يقفُ ولاةُ الأمرِ ـ أيَّدهم اللهُ ـ بكلِّ حزمٍ وقوةٍ ضدَّ من يسعى لخلخلةِ الصفِّ وتفريقِ الكلمةِ، بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ، من أيِّ طائفةٍ وفرقةٍ ونحلةٍ.

والسُّروريةُ وهي وجهٌ من وجوهِ الإخوانِ تَنْتَهجُ نَهْجَ السِّريةِ والتَّكتمِ، وتَتَّخذُ أُسلوبَ التهييجِ على الجهادِ والترغيبِ فيه، بلا شروطٍ ولا قيودٍ ولا ضوابطَ، ولا يَعتبرونَ شرطَ إذنِ وليِّ الأمرِ وكذلكَ شرطَ إذنِ الوالدينِ، ويُشغلونَ عامةَ الناسِ بالسياسةِ والأحداثِ الراهنةِ في أيِّ مكانٍ من العالمِ، ويُوجِّهونَ المواقفَ والأحداثَ في صالحِهم، وضدَّ الحكامِ والعلماءِ.

وهمْ كذلكَ تَبَعٌ للإخوانِ في تشجيعِ المظاهراتِ مهما تَرتَّبَ عليها من المفاسدِ، وقد ظَهَرَ ذلكَ واضحًَا في أحداثِ الربيعِ العربيْ التي أوقعتْ الدمارَ والخرابَ في بلادٍ كثيرةٍ من بلادِ المسلمينَ، والواقعُ خيرُ شاهدٍ على ذلكَ.

واشتهروا كذلكَ بتأليبِ الرأي العامِ والهجومِ على مَنْ يُخالفهُم، واتِّهامِه بالعمالةِ وتنفيرِ الطُّلابِ من دروسِه، وأنْهُ لا يفهمُ في أمورِ الدَّعوةِ ومعرفةِ الواقع.

أيُّها المؤمنونَ: وقد كثَّفَ هؤلاءِ جهودَهم في حوادثَ مرَّتْ على بلادِنا، واَذكرُ من ذلك على سبيلِ المثالِ:

أولاً: في أحداثِ الخليجِ حينَما صدرتْ الفتوى من هيئةِ كبارِ العلماءِ برئاسةِ سماحةِ شيخنَا ابنِ بازٍ رحمه اللهُ بجوازِ الاستعانةِ بالقوْاتِ الأجنبيةِ حيث شكَّكّوا في هذهِ الفتوى، وأنَّ هؤلاءِ لا يعرفونَ الواقعَ، ولكنَّ اللهَ أَظْهرَ أمرَه، وتبيَّنَ أثرُ هذهِ الفتوى في سلامةِ البلادِ والعبادِ وحِفْظِ الكويتِ وشعبِها وللهِ الحمدُ.

ثانيًا: حينما أفتى شيخُنا ابنُ بازٍ رحمه اللهُ في جوازِ الصُّلحِ مع اليهودِ تَنَاولتْهُ ألسنتُهم بالهمْزِ والْلمزِ تصريحًا وتلميحًا، وثَبَتَ الشيخُ على فتواه كالجبلِ الشامخِ لأنَّه ينطلقُ من نورِ الكتابِ والسنةِ، أمَّا همْ فينطلقونَ من العواطفِ التي لا تسمنُ ولا تغني مِنْ جوعٍ.

ثالثًا: حينما بدأتْ الأحداثُ في سُوريَا وصَدَرتْ الفتاوى من أهلِ العلمِ فيْ وقْتها عن حرمةِ الذهابِ إلى تلكَ المواقعِ لأنَّه ليسَ فيهَا راياتٌ شرعيةٌ وإنِّمَا مواطنُ فتنٍ، وبيَّن هؤلاءَ العلماءُ أنَّه لابدَّ من استئذانِ وليَِّ الأمرِ واستئذانِ الوالدينِ، لكنَّ هؤلاءِ الحزبيِّينَ خاضُوا في وسائِل التواصلِ وزعموا أنَّ الذين يَرونَ حرمةَ الذهابِ إلى تلكَ المواطنِ لا يُدركونَ الواقعَ ولا يفهمونَ معنى الجهادِ، لكنْ سرعانَ ما تكشَّفَتْ الأمورُ وظَهَرتْ على حقائِقها ونَكَصَ هؤلاءِ على عقبِهم وعرفُوا فسادَ رأيِهم.

عبادَ اللهِ: الحزبيُّونَ ومنهم تنظيمُ جماعةِ الإخوانِ المسلمينَ ـ والسروريةُ وجهٌ منها ـ يَمتَنعونَ عن الدعاءِ لولاةِ الأمورِ، ويجتهدونَ في بذْرِ الفرقةِ والخلافِ بين عامةِ الناسِ وولاةِ أمورِهم بنشرِ الكذبِ والزورِ، وتضخيمِ الأمورِ فوقَ حجمِها، بلْ ويسوؤُهم ويقضُّ مضاجعَهم ما تعيشُ فيه هذهِ البلادُ من أمنٍ وطمأنينةٍ ورغدِ عيشٍ وتلاحمٍ بين قيادتِها وشعبِها، وقد صَدَرتْ الفتوى من هيئةِ كبارِ العلماء في بلادِنا في 24/2/1442هـ باعتبارِ جماعةِ الإخوانِ جماعةً إرهابيةً، والسروريةُ وجهٌ من وجوهِهِا، فتأخذُ حكمَها.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[ال.0أحزاب: 56].