أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائل وحقوق – خطبة الجمعة 3-7-1443هـ

الجمعة 3 رجب 1443هـ 4-2-2022م

الخطبة الأولى:

إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].

أيُّها المؤمنونَ: تواترتْ نصوصُ الكتابِ والسنةِ في بيانِ فضلِ الصحابةِ الكرامِ رضي اللهُ عنهم وأرضاهم، واشتَمَلتْ على الثناءِ عليهم، ومدْحِهم، وذِكْرهِم بأحسنِ المكارمِ والأخلاقِ، ووعْدِ اللهِ لهم بالرضَا والرضوانِ ودُخولِ الجنانِ. ومن ذلك قولُه تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران: 172ـ173]، وقولُه تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: 100]، وقوله تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}[الفتح: 29].

عباد الله: ومِنْ عقيدةِ أهْلِ السُّنَّةِ والجماعةِ وجوبُ محبَّةِ أصحابِ النبيِّ ﷺ وتعظيمِهم وتوقيرهِم وتكريمهِم، لما شَرَّفَهم اللهُ به من صُحبةِ رسولِ اللهِ ﷺ والجهادِ معه لنصرةِ دينِ الإسلامِ، وصبرهِم على أذى المشركين والمنافقين، والهجرةِ عن أوطانِهم وأموالِهم وتقديمِ حُبِّ اللهِ ورسولِه ﷺ على ذلكَ كلِّه. قالَ الطحاويُّ رحمه اللهُ: “ونحبُّ أصحابَ رسولِ اللهِ ﷺ ولا نُفرِّطُ في حُبِّ واحدٍ منهم، ولا نتبرأُ من أحدٍ منهم، ونبغضُ من يُبغضُهم وبغيرِ الخيرِ يذْكُرهم، ولا نذكُرُهم إلا بخيرٍ، وحبُّهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبُغضُهم كفرٌ ونفاقٌ وطغيانٌ ” شرح العقيدة الطحاوية (2/689).

فأهلُ السُّنَّة والجماعةِ يُحِبُّون أصحابَ النبيٍّ ﷺ ويفضِّلونَهم على جميعِ الخلقِ بعدَ الأنبياءِ؛ لأنَّ محبَّتَهم من محبةِ رسولِ اللهِ ﷺ ومحبةُ رسولِ اللهِ ﷺ من محبةِ اللهِ، وهم يُثنونَ على الصحابةِ، ويتَرَضَّون عنهم، ويستغفرونَ لهم؛ لأنَّهم خيرُ القرونِ قال ﷺ: (خيرُ النَّاسِ قرْني، ثمَّ الذينَ يلونَهم، ثمَّ الذينَ يَلونَهم) رواه البخاري (2652)، ومسلم (2533)، وهم الواسطةُ بين رسولِ اللهِ ﷺ وبينَ أمَّته، فعن طريقِهم تلقَّت الأمةُ الشريعةَ، وعلى أيديهمْ تَمَّتْ الفتوحاتُ الواسعةُ العظيمةُ، وهم الذينَ نشَروا الفضائلَ بينَ هذه الأمةِ من الصِّدْقِ والنُّصْحِ والأخلاقِ والآدابِ التي لا توجدُ عندَ غيرهِم، قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}[الفتح: 18]، وفي الصحيحَيْن عن النبي ﷺ أنَّه قال:(لا تسبُّوا أصحابي؛ فلوا أنَّ أحدَكم أنْفَقَ مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما بلغَ مُدَّ أحدهِم ولا نَصِيْفَه) رواه البخاري (3673)، ومسلم (2541).

عبادَ اللهِ: ومن فضائلِهم رضي اللهُ عنهم ما وَرَدَ عَنْ أبي موسى الأشعريِّ رضي اللهُ عنه قَالَ: صَلَّيْنَا المَغْرِبَ مع رَسُولِ اللهِ ﷺ ، ثُمَّ قُلْنَا: لو جَلَسْنَا حتَّى نُصَلِّيَ معهُ العِشَاءَ قالَ فَجَلَسْنَا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقالَ: ما زِلْتُمْ هَاهُنَا؟ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، صَلَّيْنَا معكَ المَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حتَّى نُصَلِّيَ معكَ العِشَاءَ، قالَ أَحْسَنْتُمْ، أَوْ أَصَبْتُمْ قالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّمَاءِ، وَكانَ كَثِيرًا ممَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلى السَّمَاءِ، فَقالَ: النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ ما تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي ما يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتي ما يُوعَدُونَ) رواه مسلم (2531).

ومن فضائلِهم: قولُه ﷺ:(يَأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ، يَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ، فيُقالُ لهمْ: فِيكُمْ مَن رَأَى رَسولَ اللهِ ﷺ ؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، فيُفْتَحُ لهمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ، فيُقالُ لهمْ: فِيكُمْ مَن رَأَى مَن صَحِبَ رَسولَ اللهِ ﷺ ؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، فيُفْتَحُ لهمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ، فيُقالُ لهمْ: هلْ فِيكُمْ مَن رَأَى مَن صَحِبَ مَن صَحِبَ رَسولَ اللهِ ﷺ ؟ فيَقولونَ: نَعَمْ فيُفْتَحُ لهمْ) رواه مسلم (2532)، وقال ﷺ:(خَيْرُ أُمَّتي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ..) رواه البخاري (3650)، وقال ﷺ:(لا يَدْخُلُ النَّارَ، إنْ شاءَ اللَّهُ، مِن أصْحابِ الشَّجَرَةِ أحَدٌ..) رواه مسلم (2496).

أيُّها المؤمنونَ: وممَّا وَرَدَ من أقوالِ السَّلفِ في فضائلِ الصَّحابةِ رضي اللهُ عنهم:

قولُ الحسنِ رحمهُ اللهُ: ” إنَّ أصحابَ محمدٍ ﷺ كانُوا أكياسًا، عَمِلُوا صالِحًا، وأَكَلُوا طيبًا، وقدَّموا فضلاً، لَم يُنافِسُوا أهلَ الدنيَا في دنيَاهُم، ولم يَجْزعُوا من ذلِّها، أَخَذُوا صفْوهَا، وتَرَكوا كَدَرهَا، واللهِ ما تعاظمتْ في أنفسِهم حسنةٌ عَمِلُوها، ولا تَصاغرتْ في أنفسِهم سيئةٌ أَمرَهَم الشيطانُ بها”. رواه البيهقي في شعب الإيمان (10149).

وقالَ الشافعيُّ رحمه اللهُ: ” أثنى اللهُ تباركَ وتعالى على أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ في القرآنِ والتَّوراةِ والإنجيلِ، وَسَبقَ لهم على لسانِ رسولِ اللهِ ﷺ من الفضائلِ ما ليسَ لأحدٍ بَعْدَهم، فرحمَهم اللهُ، وهنَّأهم بما آتاهُم من ذلكَ ببلوغِ أعلى منازلِ الصديقينَ والشهداءِ والصالحينَ….” مناقب الشافعي للبيهقي (1/442).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}[التوبة:100].

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ -والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه، والشكرُ لهُ على جودِه وإنعامِه وإكرامِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُاللهِ ورسولُه خيرُ رسلِه وأنبيائِه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه ومن سارَ على نهجِه وسَلكَ سبيلَه إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ:  فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّ تَّقواه طريقُ النَّجاحِ والفلاحِ في الدنيَا والآخرةِ.

أيُّها المؤمنونَ: ومن أقوالِ السلفِ في الصحابةِ رضّي اللهُ عنهم أيضًا:

قولًُ ابنِ أبي حاتم رحمه اللهُ: ” أمَّا أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ فهم الذينَ شَهِدُوا الوحيَ والتنزيلَ، وعَرَفوا التَّفسيرَ والتَّأويلَ، وهم الذين اختارَهم اللهُ عزَّ وجلَّ لصحبةِ نبيِّهِ ﷺ ونُصْرتِه، وإقامةِ دينهِ، وإظهارِ حقِّهِ، فرضيَهم له صحابةً، وجَعَلَهم لنا أعلامًا وقدوةً: فَحَفِظُوا عنه ﷺ ما بلَّغهم عن اللهِ عزَّ وجلَّ وما سنَّ وشَرَعَ، وحَكَمَ وقَضَى، ونَدَبَ وَأَمرَ، ونَهَى … ”  الموسوعة العقدية (7/181).

وما رواهُ الإمامُ أحمدُ في فضائلِ الصحابةِ عنِ ابنِ عمرَ رضّي اللهُ عنهما أنَّه قالَ: “لا تَسبُّوا أصحابَ محمدٍ ﷺ فلمقامُ أحدِهم ساعةً خيرٌ من عبادةِ أحدِكم أربعينَ سنةً ” رواه أحمد في فضائل الصحابة (20)، (1/ 60ـ 61)، وقال محققه: إسناده صحيح، فلا يجوزُ لأحدٍ كائنًا مَنْ كانَ أَنْ ينتقصَ من أصحابِ النبيِّ ﷺ ، ولا يسبَّهم ولا يَبْخسَ حقَّهم، ولا يتَّخذَهم هدفًا يُرمى بقبيحِ الكلامِ، كما تفعلُ بعضُ الفرقِ الضَّالةِ البعيدةِ عن منهجِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ.

عبادَ اللهِ: عليكم بقراءةِ سيرتِهم العطرةِ، وأخبارِهم الحاضرةِ، وآثارِهم الباقيةِ، وعلِّموهَا لأولادِكم، ونَشَّئوهُم على حبِّها واتِّباعِها، والاقتداءِ بهم، ففي سيرتِهم الخيرُ العظيمُ، وهي طريقُ النجاةِ لمن أرادَ اللهُ به الخيرَ في عاجلِ أمرِه وآجلِه، فهم القدوةُ والأسوةُ لنَا بعدَ نبيِّنا ﷺ.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا][الأحزاب: 56].         

الجمعة:  3/7/ 1443هـ