نجاح الحج عام 1443هـ وثمراته – خطبة الجمعة 16-12-1443هـ

الجمعة 16 ذو الحجة 1443هـ 15-7-2022م

 

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والعاقبةُ للمتقينَ، ولا عدوانَ إلا على الظالمينَ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:

فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].

عبادَ اللهِ: بعدَ عامينِ من المعاناةِ معَ وباءِ كورونَا، وما شَهِدَه موسمُ الحجِّ في هذينِ العامينِ من ضوابطَ احترازيةٍ، وإجراءاتٍ وقائيةٍ لسلامةِ الحجيجِ، أَذِنَ اللهُ عزَّ وجلَّ بزوالِ الوباءِ، وعمومِ الرخاءِ، فكانَ نجاحُ حجِّ هذا العام 1443هـ بشكلٍ لا نظيرَ له في الإعدادِ، والاستعدادِ، وحسنِ التجهيزِ، ودقةِ التخطيطِ، وبشاشةِ الاستقبالِ، وسهولةِ الإجراءاتِ، وتَوفُّرِ الخدماتِ الصحيةِ والأمنيةِ والرقابيةِ والإرشاديةِ، وغيرِها.

إنَّ بلادَنا ـ حفظها اللهُ ـ أنفقتْ، وتُنفقُ، وسَتنفقُ على الحرمينِ الشَّريفينِ، والمشاعرِ المقدسةِ كلِّها الملياراتِ، توسعةً، وتطويرًا، وتهيئةً لحُجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرامِ، ومسجدِ رسولِه عليه الصلاةُ والسلامُ، وتَبذلُ بسخاءٍ في سبيلِ التيسيرِ على الحجيجِ، وخدمتِهم، ورعايتِهم، بأحدثِ الأساليبِ التَّقَنِيِّةِ، والخَدَماتِ الرَّقّمِيِّةِ، التي تُسهِّلُ على الحجِيجِ أداءَ مناسكِهم بيسرٍ وسهولةٍ.

 

أيُّها المؤمنونَ: تابَعَ عامةُ المسلمينَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، بلْ وغيرُ المسلمينَ، عَبْرَ الفضائياتِ، وخِدْمةِ البثِّ الحيِّ المباشرِ الذي تُنَظِّمهُ بلادُنا؛ ليشاهدوا موسمَ الحجِّ، ركنِ الإسلامِ الأعظمِ، ومؤتمرِ المسلمينَ الأكبرِ، في البقاعِ الطاهرةِ، والمشاعرِ المقدسةِ.

وفي هذا العامِ 1443هـ شَهِدَ الحَجيجُ كلُّهم بموسمٍ ناجحٍ، وتنظيمٍ دقيقٍ، وإعدادٍ مسؤولٍ، ورعايةٍ كريمةٍ من خادمِ الحرمينِ الشريفينِ، وسموِّ وليِّ عهدهِ الأمينِ، وخَدَماتٍ تليقُ بضيوفِ الرَّحمنِ، بَلْ وشاهدَ هذهِ النجاحاتِ غيرُ الحجيجِ من جميعِ بقاعِ الأرضِ عَبْرَ البثِّ المباشرِ، وخَلْفَ الشاشاتِ.

إنِّ النجاحاتِ الضخمةَ التي حقَّقتَها بلادُنا متمثلةً في التَّوْسِعاتِ الكبيرةِ للمسجدِ الحرامِ والمشاعرِ المقدسةِ، والجسورِ المُمْتدَةِ عَبْرَ المشاعِرِ، والقطاراتِ التي تَنْقِلُ الحجَّاجَ داخلَ المشاعرِ، حوّلتْ تلكَ الرحلةِ الشَّاقةِ المُكَبَّدةِ بالمتاعبِ والمخاوفِ قديمًا، إلى رحلةٍ آمنةٍ، يسيرةٍ، مُيَسَّرةٍ، يَنعمُ فيها الحاجُّ بأداءٍ نُسْكهِ، وإتْمامِ حَجِّهِ، وَسْطَ عنايةٍ ورعايةٍ لا نَظَيرَ لها.

وصَدَق ًاللهُ العظيمُ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَاب}[البقرة:197].

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ على فضْلهِ وإحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلَه إلا اللهُ وحْدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحْبِه ومَنْ سارَ على نَهْجِه إلى يومِ الدِّينِ وسلم تسليما كثيرا، أما بعدُ:  

فاتَّقوا اللهَ عباد الله واعلموا أنَّ من ثمراتِ الحجِّ أنَّه يُرسِّخُ مفهومَ العبوديةِ للهِ، وذلكَ بتمامِ الطَّاعةِ والاستسلامِ للهِ ربِّ العالمينَ، وهذا يتجلَّى واضحًا في أعمالِ الحجِّ، فالحاجُّ يُقبِّلُ حجرًا ويَطوفُ على حَجَرٍ، ويَرمي حَجَرًا بحَجَرٍ، وَيتَرَدّدُ بين جبلينِ، يُسْرعُ أحيانًا ويقفُ أحيانًا، كلُّ ذلكَ امتثالاً واستسلامًا للهِ جلَّ وعلا ومتابعةً لرسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

ومِنْ ثمراتِ الحجِّ أنَّ فيه تربيةً أخلاقيةً عاليةً، فكلُّ حاجٍّ يَتَرفَعُ ويَتَحفَّظُ عن كلِّ كلامٍ سيّءٍ، وكلِّ فعلٍ سيّءٍ، وصَدَقَ اللهُ العظيمُ: {.. فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ..}[البقرة:197].

ومِنْ ثمراتِ الحجِّ الإكثارُ مِنْ ذكْرِ اللهِ في جميعِ المناسكِ، فالحجُّ كلُّه ذكرٌ ودعاءٌ.

ومِنْ ثمراتِ الحجِّ أنَّ فيهِ توحيدًا للأمةِ على الإسلامِ والإيمانِ مهمَا اخْتَلفتْ الألوانُ والأجناسُ والبلدانُ يَدْعونَ ربًّا واحدًا، ويُؤدُّونَ عبادةً واحدةً، ويَلْبسونَ ثيابَ الإحرامِ، لا فَرْقَ بينهمْ في جميعِ المناسكِ، يَسيرونَ على هديِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (لِتَأْخُذوا مناسِكَكم..) رواه مسلم (1218).

ومِنْ ثمراتِ الحجِّ أنَّ فيه تذكيرًا بيومِ الحشْرِ، فجميعُ الحُجَّاجِ يَمشُونَ ويَرْكَبونَ ويُلبُّونَ ويَتَنقَّلونَ بينَ المشاعرِ، كلُّ ذلكَ يُذَكِّرهمْ بيومِ الحَشْرِ، فتلينُ القلوبُ، وتَسْتَكْثِرُ من الأعمالِ الصالحةِ.

لَقَدْ نَعِمَ الحُجَّاجُ بأداءِ حَجَّهم بكلِّ يُسرٍ وسُهولةٍ دونَ عناءِ ومشقةٍ، فجزى اللهُ ولاةَ أَمْرنَا خيرَ الجزاءِ على ما يُقَدِّمونَه لحُجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرامِ، وزُوَّارِ مَسْجدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وَشَكَرَ اللهُ لكلِّ مَنْ سَاهَمَ في قيادةِ الحجِّ وأعطى مِنْ وَقْتهِ وجُهْدِه ومالِه، وزادَ اللهُ بلادَنا عِزًّا وتَمْكينًا، وحَفِظَ اللهُ عليها قيادَتها وأَمْنهَا واجتماعَ كلمتِها وَوَحْدةِ صفِّها.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفى فقد أَمَرَكم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ من قائلٍ عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:56].          

الجمعة: 16/12/1443هـ