الانهزام النفسي أسبابه وعلاجه (2)

الجمعة 29 شوال 1439هـ 13-7-2018م

مر معنا في حلقة سابقة أسباب الانهزام النفسي واليوم نبين علاج هذه الظاهرة فنقول: العلاج ينقسم إلى قسمين علاج يقع على البيئة والمجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، وعلاج يقع على الشخص ذاته أما ما يجب على المجتمع تجاه من يتصف بالانهزام النفسي فإنه يجب:

أولاُ أن يشيع في المجتمع جو النصيحة بآدابها المعروفة فالكبير ينصح الصغير برفق ولطف والصغير ينصح الكبير باحترام ووقار، وبعض الناس يظن أن الحياء يمكن أن يمنعه من نصح من حوله وهذا ليس صحيحاً فالحياء لا يأتي إلا بالخير وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ).[1]

فلا بد وأن نأخذ على أيدي المقصر والمفرط وننصح المخطئ حتى يعيش المجتمع كله في جو إيماني صافي.

ثانياً: عدم مدح الآخرين في وجوههم كيلا نذبحهم ونقصم ظهورهم كما بين لنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في الأثر: ( احثوا في وجوه المداحين التراب ).
فكم من أناس كانوا يتحكمون في أنفسهم وصاروا بالمدح عبيداً لها ولم لا؟ والمدح هو الشيء الذي تتمايل به النفس نشوة وطرباً.

ثالثاً: التربية الإسلامية الصحيحة:
فضرورة عناية الآباء بتربية أبنائهم بطريقة صحيحة وفي جو صحي سليم يضمن عدم تشوه شخصياتهم وعد ضعف نفوسهم وليعلم الآباء أن أبناءهم يسرقون طباعهم وعاداتهم فلينتبهوا لذلك وليكونوا قدوة حسنة لأبنائهم.

رابعاً: محاولة بث التقوى والخوف من الله في نفوس الناس عن طريق العلماء من خلال خطبهم ومواعظهم ودروسهم ومحاضراتهم وبعض المواقف العملية** السلوكية لتي يمكن أن تؤثر في حياة البعض فتغير مسار حياتهم تماماً، وبالجملة أقول ليكن العلماء قدوة للناس في جميع سلوكياتهم وأخلاقهم ولينتبهوا أن الفعل الصغير منهم قبل الكبير له أثره العظيم في حياة العامة.

أما العلاج الذي يقع على الشخص ذاته فهو كثير وسنذكر منه نماذج على سبيل المثال لا الحصر.

1- أن يكون عنده اقتناع تام بأنه مريض بهذا المرض وبتعبير أدق يكون عنده إرادة التغيير ونية الإصلاح ويقبل النصح من غيره ويقوم على تنفيذ العلاج الذي يوصف له.

2- اللجوء إلى الله والصبر على ما قدره الله، وسؤاله الفرج، فمن رحمة الله بنا أنه يعلم أن لا طاقة لنا بجهاد أنفسنا ويعلم كذلك أننا لا نستطيع أن نقف بمفردنا أمام أسلحتها ومغرياتها فلم يطلب منا سبحانه وتعالى إلا الاعتراف بذلك وأن نخرج من حولنا وقوتنا إلى حوله وقوته سبحانه وأن نوقن بأنه لا طاقة لنا بأنفسنا وأننا لو تركنا بمفردنا لصرنا أسارى لها وعبيداً.

3- أن يطلب من بعض إخوانه الصادقين المخلصين أن يدلوه على عيوبه وأخطائه على أن يجلس مع كل منهم على حده ويسمع من هذا ومن هذا بصبر واقتناع ثم يبدأ العلاج الصحيح لهذه الأخطاء.

4- بناء الشخصية: وأقصد بذلك أن يبني نفسه وعقله وقلبه، فالعقل ينمو وتتسع مداركه بالعلم وبدونه لن يستطيع الإنسان أن يعبد الله على بصيرة لينجو من عذاب الله يوم القيامة والقلب هو الوعاء الذي ينضح إما بالإيمان وإما بالمعصية والذنوب، ولن يكون هناك علاج صحيح للقلب إلا بالتوبة النصوح مما مضى ومعاهدة الله بعدم الرجوع لمثل ذلك والعزيمة القوية للاستمرار على هذا الحال الطيب ثم تعهد القلب ليستمر على إشراقه.

5- الخوف من الله ومراقبة النفس ومحاسبتها عند الضرورة.
قال رجل لعمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: متى أتكلم؟ قال: إذا اشتهيت الصمت قال: ومتى أصمت؟ قال: إذا اشتهيت الكلام.
وكان رحمه الله إذا كتب كتاباً فخاف فيه العجب مزَّقه وقال: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي.

6- مصاحبة الأخيار الصالحين الذين يعينونه على عبادة الله وطاعته والأخذ بيده إلى طريق الله رب العالمين وتذكيره بالطاعات ونهيه عن المخالفات ولينظر دائماً إلى من هو فوقه في الدين ولينظر إلى من هو دونه في الدنيا وليلزم غرز العلماء الربانيين الذين يتصفون بسلامة المنهج وصحة المعتقد.

7- قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والاطلاع على أخلاقه الرفيعة وسجاياه العظيمة وكذلك أخلاق صحبه الكرام الذين سادوا الدنيا بأخلاقهم ومحاولة الاقتداء بهم لما في ذلك من خير عظيم للإنسان قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب: 21].

وأخيراً أذكرك ببعض الآداب التي ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله كعلاج لأسير الهوى ومنها:

– عزيمة حر يغار على نفسه وعليها.
– جرعة صبر يحمل نفسه على مرارتها ساعة الإغراء.
– قوة نفس تشجعه على شرب تلك الجرعة والشجاعة كلها صبر ساعة وخير العيش ما أدركه العبد بصبره.
– ملاحظة أن ما ينشأ عن الهوى من ألم أشد مما يحسه المرء من لذة.
– إيثار لذة العفة وعزتها وحلاوتها على لذة المعصية.
– إبقاؤه على منزلته عند الله تعالى وفي قلوب عباده وهو خير وأنفع له من لذة مرافقة الهوى.
– فرحه بغلبة عدوه وقهره له ورده خائباً بغيظه وغمه وهمه حيث لم ينل أمنيته.
– التفكير في أنه لم يخلق للهوى وإنما هيئ لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصية الهوى.
إلى آخر هذه الآداب التي ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله كعلاج لأسير الهوى تخلصه بإذن الله جل وعلا من براثن الشيطان عندما يغريه بمواقعة المعصية.
نسأل الله جل وعلا أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلِّ اللهم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.* **********

[1]- رواه مسلم