العالم الزاهد الذي فقدناه

الجمعة 29 شوال 1439هـ 13-7-2018م

في مساء السبت 17/2/1426هـ ودعت محافظة الزلفي حرسها الله وسائر بلادنا الحبيبة- من كيد الكائدين وعبث العابثين. ودعت هذه المحافظة عالماً من علمائها ووفياً من أوفيائها وزاهداً من خيرة عصره وجيله ذلكم هو والدنا وشيخنا الغالي الشيخ أحمد بن علي بن أحمد بن علي الحميدان.

وإن من النعم التي تستوجب الشكر أن الله قبض لهذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم من يحمل الأمانة ويواصل المسيرة من العلماء الربانيين الذي هم في كل عصر ومصر ورثة الأنبياء وهم أنوار هدي الأمة ومصابيح دجاها وهم الشموع التي تنير الطريق للعلم والعمل والدعوة والإصلاح والقدوة للجيل الناشئ وصدق الله العظيم (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) (الزمر: 9)

وقال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا} وهذا يؤكد أهمية ارتباط الشباب بعلمائهم والإفادة منهم والاقتباس من نور سيرتهم واقتفاء أثرهم.

وإن شيخنا المفضال الزاهد الورع التقي العابد أحد هؤلاء العلماء الأعلام الذين كان لهم أثر في الساحة العلمية والقضائية وصدق القائل:

لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم
ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
والقائل:

ألا إنما التقوى هي العز والكرم
وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبد تقي نقيصة
إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم

ولعل من أبرز صفات شيخنا الراحل:
أولاً: خشية الله وصدق الله العظيم (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ  ) (فاطر:28)

ثانياً: التقوى ومن عايشه عرف ذلك جيداً وهذا هو العز والشرف والفخر (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (الحجرات:13)

ثالثاً: الورع والبعد عن المشتبه وكان معروفاً بذلك من بداية حياته ولقد سمعت منه رحمه الله قصصاً عجيبة تدل على ورعه وخشيته لربه.

رابعاً: الزهد والذي جالس الشيخ رحمه الله وسافر معه يلمس ذلك واضحاً في حياته فاهتمامه دائماً بالعلم والعمل وأما الدنيا فلا تساوي عنده شيئاً.

خامساً: التواضع لجميع الناس خاصتهم وعامتهم ولاسيما من يحتاجون إلى الفتوى فإذا قال الشيخ أبو حميدان فليس لأحد فول بعده وهذا أحد أسرار تواضعه رحمه الله.

سادساً:الهيبة والفطنة والذكاء والفراسة لاسيما في مجال عمله القضاء وهذا أمر لمسه الذين تعاملوا معه في هذا الجانب.

سابعاً: ملازمة الذكر والتسبيح والتحميد فلا تسمع منه إلا ذكراً وحمداً ودعاء.

ثامناً: محبة العلم وأهله والدعاء لهم بالخير وكم كانت مجالسه عامرة بالفائدة والقراءة وشغل الوقت بما ينفع.

تاسعاً: البذل والصدقة وتفريج كربات المحتاجين فكم فرَّج من كربات المحتاجين وبذل لمحتاج وأسأل الله أن يصدق عليه قول الحبيب صلى الله عليه وسلم { من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة} .

عاشراً: الكرم والسخاء وتلك سجية الكرام في كل زمان ومكان.
هذه نماذج من صفات شيخنا عليه رحمة الله.

وقد ولد- رحمه الله- عام 1329هـ وتربى في كنف والده وتعلم القراءة والكتابة وعلوم الدين والعربية وبزِّ أترابه وكان أحد أبرز طلاب سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله. وقد درس عليه شيخنا حملة من العلوم كما درس على الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ فالح الصغير وغيرهم .

وقد تولى شيخنا الوعظ والإرشاد في بداية أعماله ثم عمل مديراً لمدرسة الغاط الابتدائية بين عامي 1363هـ -1373هـ. ثم عين مدرساً بمعهد الرياض العلمي بين عامي 1374هـ-1376هـ

ثم عينه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم قاضياً بوادي الدواسر ما بين 1376هـ-1379هـ

ثم تعين قاضياً في ثادق ما بين 1379هـ-1386هـ

ثم تعين قاضياً في نفي ما بين 1386هـ 1389هـ

ثم تعين قاضياً في حوطة بني تميم ما بين 1389هـ1391هـ

ثم أحيل على التقاعد بناء طلبه وتفرغ منذ ذلك التاريخ في الزلفي يفتي ويعلم ويوجه ويرشد ولا تكاد مجالسه تخلو من قراءة وذكر وفائدة.

فرحم الله شيخنا وأسكنه فسيح جناته وبارك في عقبه وطلابه وجمعنا به ووالدينا في جنات النعيم .

أ. د . عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
مساء السبت 17/2/1426هـ