توجيهات حول قيادة المرأة للسيارة

الجمعة 29 شوال 1439هـ 13-7-2018م

اعلمي أختي الكريمة أن الإسلام جاء بخير ي الدنيا والآخرة، ورب العالمين الذي شرع هذا الدين أعلم بشؤون عباده، لذلك فمن أسمائه الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه، وهو سبحانه خلق المرأة ويعلم ما ينفعها وما يضرها، وهو أرحم بها من نفسها التي بين جنبيها، ولقد وضع سبحان التشريعات المناسبة لبني آدم وجعل لكل فرد من أفراد المجتمع المسلم حقوقاً وواجبات، وخص المرأة بخصائص ليست لغيرها، فهي الأم والزوجة والبنت والأخت والقريبة وغيرهن، ولكل واحدة منهن حقوق تكون على من يقوم على رعايتها.

ولقد أثنى جل وعلا على النساء الصالحات، بل وذكر منهن أمثالاً في كتابة الكريم للدلالة على أن المرأة مكلفة مثل الرجل، فإن أحسنت أجرت وأثيبت، وإن أساءت أثمت وعوقبت، مثل قصة امرأة فرعون، ومريم بنت عمران وبعض أمهات المؤمنين وغيرهن، وأيضاً ذكر المسيئات منهن كامرأة نوح وامرأة لوط فلم ينفعهن النسب لأنبياء الله، بل كل واحدة منهن دخلت في العقاب الذي عمّ قومها في الدنيا قبل الآخرة.

فكيف يليق بالمرأة المسلمة أن تحيد عن طريق الرشاد الذي وضعه الله لها ربها لحفظها وصيانتها ورفع مكانتها.

لقد أدرك أعداء الله تعالى من اليهود والنصارى وأذنابهم من المنافقين مكانة المرأة الحقيقية في المجتمع المسلم ودورها في صنع الرجال، وتربية الأجيال، وبناء المجتمعات، فأيقنوا أنهم متى أفسدوا المرأة ونجحوا في تغريبها ونزع حجابها وتضليلها وإفسادها وإظهار زينتها ومفاتنها وقيادتها إلى التبرج والسفور هان عليهم السيطرة على المسلمين والقضاء عليهم، كما ترين مما حل بكثير من الدول التي حادت عن طريق الله المستقيم فاحتلها أعداء الله فكرياً وسياسياً واقتصادياً، وهكذا.

وأيضاً هذه الإرهاصات الموجعة التي تتابع على المسلمين منذ سنوات عبر البث المباشر بأنواعه ووسائل التدمير الأخلاقي للمسلمين في جميع شؤون حياتهم ما هي إلا سلسلة من خطط أعداء الله ومؤامراتهم على المرأة المسلمة العفيفة والمجتمعات المسلمة المحافظة.
ولقد نبتت في السنوات الأخيرة في المسلمين نابتة نشأت في حضن الإسلام وتربت في بلاده، وعلى خيراته فلما شبت عن الطوق استساغت علقم العدا، واستحبت العمى على الهدى، وحملت معاول الهدم، ورفعت ألوية الكيد والمكر على دينها وأمتها وأخلاقها، وتنكرت لقيمها ومبادئها وأخلاقها التي أصّلتها وقننتها شريعة الإسلام الخالدة.

فافتعلوا قضية المرأة، وفخموها ونفخوا فيها، حتى جعلوها القضية الأولى للمسلمين، يثيرونها في كل وحين حتى لبّسوا على فئام كثيرة من الناس أن المرأة في مجتمعات المسلمين مظلومة مهضومة الحقوق [يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ](آل عمران:167)، نعم جاؤوا ليقولوا:[إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ](البقرة:11) فرد الله عليهم مكرهم وخداعهم فقال:[أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ](البقرة:12)، هكذا يبذلون كل غالٍ ورخيص من أجل تحرير المرأة، وأي تحرير هذا الذي يريدونه؟ هل يريدونها مغنية؟ أم يريدونها راقصة؟ أم يريدونها تعمل خارج البيت إلى منتصف الليل؟ أم يريدونها تصاحب من تشاء وتخرج مع من تشاء؟ فهم يريدونها متحررة من القيم الفاضلة والأخلاق الكريمة حتى سلعة رخيصة تباع وتشترى كما يفعل بالمرأة في الغرب، وعلى مانسمع ونرى مما يحصل بسبب انحلال المرأة وخروجها من بيتها من المآسي والجرائم التي تقطع القلوب وتدمي العيون.
ولو نظرنا في مجتمعنا الآن وهو يحكم بشريعة الإسلام وما يحدث فيه من المعاصي والمنكرات التي تشيب لها الرؤوس من ظهور جرائم الزنا واللواط، وشرب الخمور والمسكرات، وانتشار أفلام العري والفساد، فما بالنا إذا غابت شمس شريعة الإسلام عن الناس ووضعت مكانها شريعة الغاب، فسوف يزداد الأمر سوءاً إلى سوء، وينساق المجتمع إلى حافة الهاوية التي ترديه إلى نار جهنم والعياذ بالله.

إن ما يدور حول موضوع قيادة المرأة للسيارة يحتاج منا إلى وقفات مع أنفسنا وقفة جادة، وقفة نتحاكم فيها إلى أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى[فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ](النساء:59)، وعليه نقول بعون الله وتوفيقه: إن المرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقود الحمير والبغال والإبل ولكن لم تكن تحتاج إلى رخصة قيادة، ولا تصوير وجهها، ولا تحتاج إلى مراجعة رجال المرور لوقوعها في المخالفة، ولا تقف أمام محطة وقود لتعبئة حمارها، ولا تحتاج إلى الوقوف أمام نقطة تفتيش للتأكد من صحة حملها لرخصة قيادتها واستمارة سيارتها، وهكذا لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم من تركب حمارها لتذهب إلى الميكانيكي لإصلاح عطل فيه، ولا تقف على الطريق لإصلاح عجلة من عجلات حمارها، فهل يستوي ذلك مع ذاك؟ لا والله، ولكنها إرهاصات الذين يفسدون ولا يصلحون، أما الآن فقيادة المرأة ينبني عليها عدة أمور:

الأول: نزع الحجاب، لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال، وربما يقول قائل إنه يمكن أن تقود السيارة بدون نزع الحجاب بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداويين؟ والجواب على ذلك أن يقال: هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة واسألن من شاهدهن في البلاد الأخرى، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فلن يدوم طويلاً بل سيتحول في المدى القريب إلى ما كانت عليه النساء في البلاد الأخرى كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة.

ثانياً: نزع الحياء منها؛ والحياء من الإيمان كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحياء خلق كريم تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتن، ولهذا كانت مضرب المثل فيه، فيقال: (أحيا من العذراء في خدرها)، وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها.

ثالثاً: أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت، والبيت خير لها كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

رابعاً: أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت، ومتى شاءت، وحيث شاءت لأن معها مفتاح سيارتها فتركبها في أي وقت بليل أو نهار، وربما تبقى خارج البيت إلى ساعات متأخرة من الليل ولا يعلم بها أحد من أهلها، وإذا كان الناس يعانون من هذا في بعض الشباب فما بالك بالشابات.

خامساً: أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها، فلأدنى سبب يثيرها تخرج من البيت وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها.

سادساً: أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة منها: عند استخراج رخصة قيادة لها فيتم تصويرها، ثم وضع صورتها على الرخصة أو في ملفها الخاص بها، ويطلع على ذلك العاملون في المرور، وأيضاً عند الوقوف في إشارات المرور، وعند محطات البنزين لتعبئة سيارتها، وعند نقاط التفتيش، وعند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث، أو الوقوف لإصلاح عطل بالسيارة، أو تعبئة إطار السيارة بالهواء، وهكذا.. فكل هذه المواقف وغيرها سوف تكون فتنة لها ولغيرها.

ولقد وضع العلماء رحمهم الله تعالى قواعد مبنية على نصوص الشريعة، ومنها في مسألة قيادة المرأة للسيارة:

القاعدة الأولى: أن ما أ
فضى إلى محرم فهو محرم.

القاعدة الثانية: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

أما موضوع المطلقة والأرملة أنهما لا تجدان من يقضي حوائجهما فهذا مناقض لما نعيشه في مجتمعنا ولله الحمد والمنة، فالجميع يقوم بخدمتهن والقيام بشؤونهن، وإن حصل تقصير في بعض الأحيان فهذا لا يبرر أن جميع النساء الأرامل والمطلقات لا يجدن من يقوم عليهن.

وأما استجداء الرجل في الذهاب إلى أي مكان تريده المرأة، فهذا مخالف لقول الله تعالى[وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى](الأحزاب:33)، وقوله صلى الله عليه وسلم: =وبيوتهن خير لهن+(رواه أبو داود)، والمرأة بنفسها عاطفية تريد تلبية طلباتها مباشرة ولا تصبر على رفض وليها وهذا راجع للمصلحة التي يراها وليها فهو أدرى بشؤونها، وربما يقسو بعض الأزواج أو بعض الآباء في هذا الأمر ولكن الغالب بفضل الله أن جميع النساء يخرجن إلى المتنزهات،أو البر،أو إلى زيارة الأهل والأقارب، أو زيارة الجيران، أو الخروج لشراء الأغراض التي يحتجنها، والرجل لا يتأخر عن أهل بيته في ذلك إلا إذا اعترته ظروف عمله، أو ظروفه الصحية، أو غير ذلك مما هو معروف.

وأقف هنا وقفة: إذا أبيح للمرأة قيادة سيارتها وأرادت الخروج في أي وقت خرجت لأنها تريد الخروج لضرورة أو لغير ضرورة، وهذا ينبني عليه مفاسد كثيرة والعياذ بالله.

وفي آخر كلماتي هذه أوجه نصيحتي لفتياتنا الكريمات الطاهرات العفيفات اللاتي تربين في أحضان شرعة رب العباد أن يتمسكن بدينهن، وألا ينساقوا وراء الناعقين والناعقات ممن يريدون دمار هذه البلاد، واحذرن من أقلام وكلمات المنافقين والمنافقات الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال عنهم:[الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ](التوبة:66، 67).

فهل نسائنا يردن أن يلحقوا بركب هؤلاء ويكن معهم في العذاب الأليم؟ واسمعوا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:=وأريت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ورأيت أكثر أهلها النساء+ (متفق عليه) فهل يرضين فتياتنا أن يكن من أهل النار؟ من أجل ماذا؟ من أجل لحظات قصيرة تقضيها في الدنيا تعصي فيها ربها وتكون في الآخرة من الخاسرين، قال الله تعالى:[إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ](غافر:39)، فنظرة ثاقبة من فتياتنا هل يرضين بالباقية أم بالفانية؟ وليسألوا أنفسهن أين ذهب الأجداد والجدات، والآباء والأمهات؟ إنهم متوسدون التراب مرتهنون بأعمالهم في الدنيا فمن أحسن منهم فله الثواب والمآل إلى الجنات ـ نسأل الله من فضله ـ ومن أساء منهم فله العقاب والمآل إلى النار يوم الحساب والعياذ بالله، وأذكركن بقول الله تعالى:[وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ](البقرة:281) ونصيحتي لهن أن يحرصن على ما ينفعهن في العاجل والآجل فإنما هي أعمار تمضي، والمرأة الحصيفة العاقلة هي التي تحرص على ما يرضي ربها حتى تلقى ربها فيدخلها الجنة برحمته وفضله.

اللهم اهدي نسائنا واحفظهن من كل شر ومكروه وسوء، واجعلهن صالحات قانتات تائبات عابدات، وانفع بهن دينهن وأمتهن، وارفع درجاتهن في الجنان في صحبة خير الأنام صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله ومن تبعهم بإحسان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
25/3/1427هـ