نماذج فريدة في صلة الأرحام

الجمعة 29 شوال 1439هـ 13-7-2018م

الحمد لله الذي أمر بصلة الأرحام ورتب عليها جزيل الثواب ودخول الجنان، والصلاة والسلام على واصل الأرحام وموصي المؤمنين بالحرص عليها لتقوية الإيمان وإرضاءً للرحمن،

وبعد:

فصلة الرحم قربة عظيمة، وعبادة جليلة، وثمرة طيبة لمن حرص عليها وعمل بها ابتغاء وجه الكريم المنان، ولقد أمر الله تعالى بالحرص عليها والتمسك بها لما فيها من إئتلاف القلوب، وتقوية الصلات، وترابط أفراد العائلات، فقال عز من قائل:[إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى]، وقال أيضاً:[وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ]، وقال تعالى:[وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى].

فكل هذه الآيات وغيرها تدل على فضل صلة الرحم، وأن من يقوم بها ابتغاء وجه الله له الأجر العظيم، والثواب الجزيل، والبركة في العمر، والسعة في الرزق، كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه
.
وإن ممن كان حريصاً على صلة الأرحام والدتي ـ رحمها الله رحمة واسعة وأنار لها قبرها وأسكنها فسيح الجنان ـ فقد كانت حريصة على اجتماع أفراد الأسرة دائماً، حتى لو أراد أحد من أبنائها السفر عزمت عليه أن يأخذ الجميع لشدة حرصها على الاجتماع، وكانت تسعد غاية السعادة، وتفرح غاية الفرح، وتسر غاية السرور إذا رأت أبنائها وبناتها وأحفادهم من حولها، فكان البيت يشع نوراً، ويطيب أنساً طالما كان هناك اجتماع للأسرة.

فكنا نجتمع عندها ـ رحمها الله ـ اجتماعاً يومياً بعد صلاة المغرب، واجتماعاً أسبوعياً ظهر الجمعة، علاوة على الاجتماع اليومي عند الإفطار والغداء والعشاء، ومن كانت تفقده تتصل عليه وتسأل عنه، وتتفقد أهله وأولاده، وإذا رغبنا في لقاء في إحدى الاستراحات دعت الخاص والعام من الأقارب، وكانت تقول ـ رحمها الله ـ:الله يجمع شملكم ولا يفرقكم، وكان أيضاً من قولها:الاجتماع عز والتفرق ذلة.

وكانت ـ رحمها الله ـ لها علاقات حميمة ببعض أفراد الأسرة وخاصة خالتي أم راشد سبيكة بنت سابح الطيار، وكانت لها مكانة خاصة عندها، وكانت خالتي تسكن بالرياض، وعندما كنت أريد السفر إلى الرياض كانت تحرص على الذهاب معي لزيارتها وزيارة خالي صالح الذي يكبرها سناً، وكذا كانت تحرص على صلة ابن أختها الحبيب سعود السليمان الطيار الذي كان وفياً باراً بها.

وكانت ممن تحب لقاءه خالي الشيخ/ عبد الله بن سابح الطيار ـ رحمه الله ـ، وخالي الدكتور/إبراهيم بن سابح الطيار الذين كانا يزورانها كل جمعة، ويجلسان عندها، ولا يمكن لهما التخلف عن زيارتها إلا إذا عرض لهما سفر، وكانا يخبراها بسفرهما حتى تطمئن عليهما وتدعو لهما.

وهكذا كانت أمي حريصة على الاجتماع وصلة الأرحام، وعلى بذل الخير لجميع أفراد الأسرة وغيرهم، وكانت دائماً تفرح بوجود الجميع حولها وتأنس بهم، بل وكانت عندها عادة طيبة وهي حرصها على إعطاء الصغار شيئاً مما عندها، فتخرج لهم الحلاو والعلك والبسكويت والكاكاو والفيشار وغيرها من مأكولات الأطفال، وحتى إذا خرجت للزيارة أو لتلبية دعوة أو لصلاة الجمعة كانت جيوبها مليئة بمثل هذه المأكولات، فكانت ـ رحمها الله ـ تنظر إلى شيء واحد ترجوه وتتمناه هو رضى الله عنها.

فأسأل الله تعالى بمنه وكرمه وعظيم فضله أن يرحمها برحمته الواسعة،وأن ينزل عليها من شآبيب فضله، وأن ينور لها قبرها ويوسع لها فيه، وأن يجعله روضة من رياض الجنة، وأن يجمعنا بها ووالدي وإخواني وأخواتي وذرياتنا وجميع أقاربنا وأحبابنا في جنات النعيم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

كتبه
أبو محمد عبد الله بن محمد الطيار
23/5/1427هـ