الحق أحق أن يُتبع

الخميس 13 ذو القعدة 1439هـ 26-7-2018م

اطلعت على التوضيح المشتمل على ملاحظتين ـ حول الحوار المنشور مع العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين في جريدة الأنباء. والتوضيح المذكور منشور في العدد 2107 الصادر يوم الخميس 12/9/1416هـ. بقلم عبدالله الهدلق ولما قرأت التوضيح الذي ناولنيه أحد طلابي طالباً مني الدفاع عن شيخي.

رأيت من الواجب الرد عليه لا لأن ما نص عليه يحتاج إلى رد لأنه ظاهر معلوم، ولأن الهدلون جهل اسم شيخنا فسماه بغير اسمه ولكن الدافع النصيحة لإخواننا ألا يتعجلوا في الكتابة والردود وأن تكون المناصحة شعارهم لا سيما وقد تيسرت سبل الاتصال فيما بين الناس عبر الهاتف، ولله الحمد والمنة.

وها أنذا أستعين بالله لبيان وجه الحق في الملاحظتين اللتين أبداهما الأخ عبدالله الهدلق حول كلام شيخنا فأقول:

الملاحظة الأولى حول علامات ليلة القدر حيث ذكر شيخنا أن من علامتها:ـ

1) أن الشمس إذا طلعت في صبيحتها لا يكون لها شعاع ويؤكد ذلك ما رواه زِرُّ بن حبيش (قال: سألت أُبيَّ بن كعب رضي الله عنه فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقيم الحول يُصب ليلة القدر. فقال رحمه الله: أراد أن لا يتكل الناسُ. أما إنهُ قد عَلمَ أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين. ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين فقلت بأي شيء تقول ذلك؟ يا أبا المنذر! قال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذٍ، لا شعاع لها). رواه مسلم 1/828 ح1169 برقم 220 في الباب. 2) ليلتها مضيئة أكثر من غيرها ويؤكد ذلك ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمراً ساطعاً ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى يصبح وإن من أماراتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ). قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 3/175 عن هذا الحديث. رواه أحمد ورجاله ثقاه.

3) ربما يرى الإنسان وهو نائم أن تلك الليلة هي ليلة القدر وما يؤكده حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (…. وإني أُريتها ليلة وتر وأنيِّ أسجد صبيحتها في طين وماء….) رواه مسلم 1/825 ح1167 برقم 215 في الباب وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أرى رُؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) رواه مسلم 1/822، 823 ح1165 برقم 205.

وقد ذكر القاضي عياض الأندلس قولين في حكمة كون الشمس تطلع لا شعاع لها.

1) أنها علامة جعلها الله تعالى لها.

2) إنَّ ذلك لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها ونزولها إلى الأرض وصعودها بما تنزل به سترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وأشعتها. انظر شرح الصدر بذكر ليلة القدر ص51، 52 للحافظ ولي الدين العراقي.

هذه نصوص صحيحة صريحة تدل على ما ذكره شيخنا الشيخ محمد فهل أتى بهذه الاجتهادات من نفسه؟ أم أنها افتراضات من عنده؟ كما ادعى ذلك الأخ الهدلق. لكن الجهل بالنصوص الشرعية هو الذي حدى بأخينا الهدلق أن يظن أن هذه الأراء من عنديات شيخنا وإني أُحمل الأخ الهدلق المسؤولية أمام الله مادمت أو قفته على هذه النصوص الشرعية أن يتراجع فالحق أحق أن يتبع. كما أنصح الهدلق وغيره من إخواننا الذين يعقبون على غيرهم إذا رأوا من أحد خطأ فيما يعتقدون أن يتصلوا به أولاً للمفاهمة معه دون أن يُسطر ذلك في كتب أو رسائل أو صحف فيحصل بذلك من البلبلة وعدم ثقة العامة في أهل العلم.

وربما يقع في قلب صاحبه ما يحمله أن يتكلم بعنف وشدة فيحصل بذلك تنافر القلوب ثم العداوة والبغضاء.

أمَّا بالنسبة لمسألة حكم تارك الصلاة فقد تنازع فيها أهل العلم سلفاً وخلفاً وكل شيء يختلف فيه أهل العلم يجب رده إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: [فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً] سورة النساء الآية 59.

وقوله تعالى: [وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ] سورة الشورى الآية 10.
قال أبو محمد بن حزم في المحلى 2/242: (وقد جاء عن عمر ومعاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك الصلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد). ولا نعلم مخالفاً لهؤلاء من الصحابة.

وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 1/394: (وقد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمداً لتركها حتى يخرج جميع وقتها وقد حكى إجماع الصحابة عبد الله بن شفيق وإسحاق بن راهوية) والنزاع في المسألة مشهور معلوم ولشيخنا الشيخ محمد رسالة مختصرة بين فيها أدلة تارك الصلاة وأجاب عن أدلة المخالفين فيحسن الرجوع إليها.

والأدلة على كفر تارك الصلاة كثيرة وهي من القرآن والسنة والإجماع. 
فمن القرآن أن قول الله تعالى :[ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ] سورة التوبة الآية 11.

وقوله تعالى: [فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ] سورة الماعون الآية 4، 5.
وعن مصعب بن سعد عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون فقال: (هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها). انظر الترغيب والترهيب للمنذري 1/387، مجمع الزوائد 7/143.

ومن السنة عن بريدة بن الحصيب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر). رواه أحمد 5/346 والترمذي 23 26 وقال: حديث صحيح وإسناده على شرط مسلم.

وما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه أبو داود 4678 والترمذي 22 26 وصححه.
ومن الإجماع ما ذكره الحافظ عبد الحق الأشبيلي رحمه الله في كتابه في الصلاة أنه ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمداً لتركها حتى يخرج جميع وقتها وهذا ما عليه أهل العلم إلى يومنا هذا. وهذا هو ما عليه المحققون من أهل العلم قديماً وحديثاً فأين الإجماع الذي يشير إليه الأخ الهدلق بأنه لا يكفر تارك الصلاة.

ومن هم العلماء المعتدلون إذا لم يكونوا هم الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين؟ ثم إننا لا نرمي أحداً بالكفر ما لم يأت بمكفر فإذا أتى بمكفر منصوص عليه فنحن نحكم عليه من خلال عمله الذي وقع به لأن النصوص حكمت عليه.

وهذا هو الرد إلى الله ورسوله. ولولا خشية الإطالة لبسطت هذه المسألة ولكن من أراد الاستزادة للاستفادة فليراجع كتاب الصلاة وحكم تاركها للإمام ابن القيم الجوزية من( ص37 إلى ص 51). وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.