عام 1416هـ… وأهم حدثين في بلاد الحرمين

الخميس 13 ذو القعدة 1439هـ 26-7-2018م

خلق الله الخلق لعبادته فقال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ] وكل ما في هذا الكون مسخر للإنسان تكريماً وإنعاماً له ليؤدي عبادة ربه على الوجه المطلوب والذين ينعمون بنعمة الإسلام ويتفيأون ظلال الأمن في الأوطان هم الذين يتلذذون بهذه النعمة الكبرى ونحن في بلاد الحرمين الشريفين ننعم بهذه النعم الظاهرة للعيان.

وهناك حدثان حدثا خلال العام المنصرم أحسبهما أهم حدثين في بلادنا وهما:

أولاً: حادث التفجير في العليا وما تبعه ولله الحمد من قبض على من نفذوا هذا العمل الإجرامي المروع ورغم ما كتب حول هذا الأمر من تحليل لا بعاده إلا أنه يحتاج لمزيد من البسط وتسليط الأضواء لأن هذه البلاد المباركة التي ترفع شعار الإسلام وتعلن تحكيم شرع الله لم تخل من الحاسدين والحاقدين الذين لبسوا كل لبوس وتقمصوا شخصيات شتى فهذه البلاد المباركة رغم ما تبذله من جهود خيره للقاصي والداني ورغم ما تنفق من أموال على المشروعات الإسلامية في الداخل والخارج ورغم ما تمتد به يدها من مساعدات للمسلمين في كل مكان ورغم قوافل الإغاثة التي تنطلق من عاصمة الحب والسلام ـ الرياض ـ ورغم عمارة المساجد والمراكز الإسلامية في كثير من البلدان في أوروبا وأمريكا وغيرهما. إلا أن يد السوء تمتد إلى هذا القلب النابض بالحب والمودة فتناله بالسوء وأحيانا هذه اليد تكون من الداخل وهذا أوجع وأقسى لأن من يلمس هذه النعم في بلادنا غير من يسمع بها.

إننا بحاجة ماسة لتحصين الجبهة الداخلية بحماية شبابنا وناشئتنا من تأثير الأعداء والجهلاء والأغرار الذين لم يرق لهم أمن الأوطان وسلامة المعتقد.

واستقرار الحياة فراحوا يعكرون الصفو بمثل هذه الأعمال الإجرامية الشنيعة.

ومما يزيد الأمر سوءاً أن ينبري من الجهلاء الذين أعمى الحقد قلوبهم فيبرروا هذه الأعمال ويزعموا أنها ضرب من الجهاد ومتى كان العبث بالأمن جهاداً بل متى كان قتل الأبرياء جهاداً ومتى كان ترويع الآمنين جهاداً بل متى كان تدمير الممتلكات جهاداً إن أخطر ما يواجهه ناشئتنا انحراف المفاهيم الذي يتبعه انحراف السلوك.

إن بلاد الحرمين الشريفين وهي تحظى بقيادة مؤمنة واعية تحرص على الخير وتزرعه في طول البلاد وعرضها. وترفع شعار الإسلام والحفاظ على العقيدة وتفاخر فيه في كل المنتديات والمؤتمرات إن هذه القيادة الواعية الحكيمة بحاجة إلى الدعاء إلى المساندة إلى التعاون معها في حماية هذه البلاد من مزالق الشياطين ومن عبث العابثين أما أن تقابل بعدم الشكر والحديث في المجالس فهذا من كفران النعم ومن العقوق لهذه الدولة التي فتحت قلبها لكل مسلم ويسرت الطريق أمامه ومدت له يداً حانيه تمسح عنه غوائل الدهر وفواجع الزمان.

ثانياً: نجاح الحج هذا العام الحج رحلة كريمة ينتقل فيها المسلم ببدنه وقلبه إلى مكة البلد الأمين الذي طهره الله ورفع منزلته وأوجب استقباله في الصلوات كلها وكأن المسلم وهو يؤدي مناسك الحج يردد مع شوقي قوله.

لك الدين يا رب الحجيج جمعتهم *** لبيت طهور الساح والعرصات

أرى لناس أصنافاً ومن كل بقعة *** إليك انتهوا من غربة وشتات

تساووا فلا الأنساب فيها تفاوت *** لديك ولا الأقدار مختلفات

وحج هذا العام 1416هـ كان حجاً ناجحاً بكل المقاييس ولله الحمد والمنة. فقد تمتع الحجاج برحلة مباركة سعدوا فيها بالأمن الوارف في بلاد الحرمين الشريفين ينتقلون من مكان إلى مكان في طمأنينة وسكينة يتتبعون هدي المصطفى  يرفرف عليهم الأمن ويستفيدون من الخدمات الكبيرة التي تقدمها الدولة لحجاج بيت الله الحرام. أما إن سألت أخي القارئ عن الحرمين وعمارتهما فقد شهدا في هذا العهد الزاهر توسعة عظيمة بهرت الحجاج ووقفوا أمامها إعجاباً وإكباراً لقيادة هذه البلاد ولهجوا بالدعاء أن يحفظ الله قيادة هذه البلاد وأن يديم عليها نعمة الأمن والاستقرار وأن يُمتعها بالصحة والعافية لتواصل هذه المشروعات العملاقة التي تنفع المسلمين جميعاً ويلمسها القريب والبعيد وكل من وطئت قدماه ثرى هذه البلاد المباركة.

وأما عن المرور وحركته خلال حج هذا العام فقد كانت متميزة جداً وقد حججت خلال أعوام مضت ولم تكن الدقة في التنظيم والانسيابية في الحركة مثل هذا العام بل أن الكثيرين من الحجاج وصلوا إلى عرفات خلال ربع ساعة ومن عرفات إلى مزدلفة خلال ربع ساعة ومن مزدلفة إلى منى خلال نصف ساعة وهذا لم يتحقق خلال السنوات الماضية.

ولا ننسى الجمرات وما حدث فيها من توسعة وتنظيم لحركة السير بحيث لا يتقابل الناس وهذا يسَّر حركة الناس وجعلهم يسيرون في اتجاه واحد ومهما كانت كثرتهم فإن ذلك لا يسبب الزحام. إنما الذي يسبب الزحام هو تقابلهم في السير ودفع بعضهم لبعض.

هذه نماذج يسيره من مظاهر التسهيل والتيسير في حج هذا العام وإني آمل من المسؤولين عن الحج وخصوصاً وزارة الحج أن تضاعف من جهودها خلال المواسم القادمة إن شاء الله حيث لمس الناس آثار التوجيهات السامية في الحرص على راحة الحجيج وسلامتهم.

إن بعض الدول تتغنى إذا نظمت دورة من الدورات التي يحضرها مئات الألوف وتظهر في وسائل إعلامها ما تبذله من جهود جبَّاره خلال تنظيم مثل هذه الدورات وبلادنا ولله الحمد تستقبل الملايين الذين ينتقلون في مواضع محددة وبصورة جماعية ومع ذلك تعمل هذه البلاد بصمت وتخدم المسلمين دون منة ودون مقابل وإنما طمعاً في مرضاة الله وحرصاً على ما عنده.

إن في عنق كل من زار هذه البقاع الطاهرة حاجاً أو معتمراً ديناً لهذه البلاد وقيادتها ولا نطلب منهم أكثر من الدعاء لهذه البلاد وقيادتها بدوام نعمة الإسلام والاستقرار في الأوطان والأمن والأمان ورغد العيش وازدهار الاقتصاد.

اللهم إنا نسألك أن تحفظ بلادنا وولاة أمرنا من كل سوء ومكروه وأن تديم على هذه البلاد نعمك الظاهرة والباطنة وأن تحفظها من عبث العابثين وكيد الكائدين وأن تدفع عنها شرور المفسدين وأن تزيدها تمسكاً بشرعك القويم وثباتاً عليه وأن تتقبل من الحجاج حجهم يا سميع الدعاء وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.