استقبال شهر رمضان

الخميس 13 ذو القعدة 1439هـ 26-7-2018م

كان سلف الأمة يتباشرون بقدوم رمضان ويهنأ بعضهم بعضاً بقولهم (اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر فسلمه لنا وسلمنا له وارزقنا صيامه وقيامه وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والنشاط وأعذنا فيه من الفتن)، وذلك لما يعلمون من فضل رمضان، وسعة فضل الله عليهم فيه، وما ينزله تعالى على عباده من الرحمات، ويفيضه عليهم من النفحات، ويوسع عليهم من الأرزاق والخيرات، ويجنبهم فيه من الزلات.

حيث يفتح لهم أبواب الجنان، ويغلق عنهم أبواب النيران، ويصفد فيه مردة الجن.

فهو للأمة ربيعها، وللعبادات موسمها، وللخيرات سوقها؛ فلا شهر أفضل للمؤمن منه، ولا عمل يفضل عما فيه، فهو بحق غنيمة المؤمنين، وموسم الطاعة للمتقين، والسوق الرائجة الرابحة للمتنافسين، يرتقي فيه أقوام إلى أعالي الدرجات، ويسف فيه أقوام استعبدتهم الشهوات.

هذا الشهر المبارك خصّه الله بالتشريف والتكريم، وأنزل فيه القرآن العظيم، وفرض صيامه على المسلمين، وسنّ قيامه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

هذا الشهر هو شهر إجابة الدعوات، ومضاعفة الحسنات، ورفع الدرجات، وإجزال الهبات، وكثرة النفحات. شهر تكفير السيئات، والصفح عن الموبقات، وإقالة العثرات.

شهر فضّل الله على أوقاته على سائر الأوقات، وخصّه بأسمى الصفات، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين)(رواه مسلم).
لقد فضّل الله شهر رمضان على سائر العام؛ فهو الشهر الذي جاء اسمه في القرآن الكريم، وهو الشهر الوحيد الذي أفاض الله فيه نعمه على عباده حيث أنزل صحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور والقرآن فيه. روى الطبراني في الكبير بسند حسن عن واثلة رضي الله عنه أن الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان)(رواه الطبراني والبيهقي).

إنه الشهر الوحيد الذي جمع الله فيه من الخير والنور والهداية ما يسع العالم كله.
ألا ما أشبه هذا الشهر بالواحة الروحية الرفرافة الندى والظلال، يجد فيها الصائم ما يمسح عن جبينه وعثاء الحياة، وما يزيل عن جسمه غبار المادة، وما يبعد عن بطنه ضرر التخمة، وما يمحوا عن إرادته الوهن والتردد، وما يدفع عن نفسه الحيرة والفتور، وما يتيح لروحه أن تتألق في عالم الصفاء والنور.

وهكذا دارت عجلة الزمن دورتها، وأجرى الله الفلك، وحلّ عام وليد مكان عام تليد من عمر البشرية والحياة سجل فيه كل شخص كشف حساب سيجده يوم العرض على الله، وهذا الحساب دقيق لأنه يسجل فيه مثاقيل الذّر، لكن ميزته الصدق والصراحة والوضوح لا كذب لا غش لا خديعة لا تحايل.

نعم لأن الشخص يعلم علم اليقين أن الكذب مع الناس وعلى الناس ممكن والنفاق والرياء والتملق والزلفى الجائرة كلها ممكنه مع بني البشر لكن أن يكذب الإنسان على نفسه فهذا مستحيل، وأن يكذب على ربه وهو يقابله فهذا متعذر لأن كشف حسابه سيعرض أمامه وسيكون الشهود من نفسه.
إن شهر رمضان محطة ينبغي أن نتوقف فيها كثيراً لنتأمل حالنا وحال أمتنا.
نتأمل حالنا ونحن عليه وفيه من أمن وطمأنينة ورغد عيش وحياة مستقرة كريمة، ونتذكر نعم الله علينا حيث حُرِم أقوام نعمة بلوغ رمضان.
فكم من أشخاص صاموا في العام الماضي هم في هذا العام تحت الأجداث مرتهنون بأعمالهم؟
وكم من أقوام أصحاء في العام الماضي وفي هذا العام لا يستطيعون الصيام لأمراض حلّت بهم؟
وكم من أقوام كانوا مجتمعين في العام الماضي فرّقتهم ظروف الحياة وأسباب المعيشة؟
وهكذا الحال في الدنيا دائماً لا تثبت على حال.

نسأل الله بمنه وكرمه أن يبلغنا رمضان، وأن يوفقنا لصيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيه عنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.