أحكام صلاة المرأة في الحرمين

الخميس 13 ذو القعدة 1439هـ 26-7-2018م
إعداد
أ.د عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية
بجامعة القصيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.أما بعد:
فإن أعظم ما يُنْعِم الله به على عبده المسلم أن يوفقه لاتباع سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ولزومها وعدم مخالفتها ، قال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (سورة النور الآية:61) ، قال الإمام أحمد- رحمه الله- : (أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.)

ومما ينبغي للمسلم العاقل أن يعلمه ويكون على بينة منه أن الأعمال الصالحة تتفاوت في أجرها وثوابها ، ولا سبيل لمعرفة الحسن والأحسن منها والفاضل والمفضول من الأعمال الصالحة إلا بالوقوف على ما جاء في الكتاب وصحيح السنة ، مسترشدين في هذا بأقوال العلماء العاملين من سلف هذه الأمة ومن تبعهم بإحسان ، فإن العمل وإن كان حسنا يثاب فاعله ، قد يكون تركه لما هو أولى وأحسن منه أعظم ثوابا عند الله تعالى. والمسلم الذي يبتغي بعمله الأجر والثواب من الله تعالى ينبغي أن يكون هذا الأمر منه على بال ، وأن يحاول ما استطاع جاهدا أن يعلم أحسن العملين فيعمله وإن كان خلاف ما تهوى نفسه.

والمرأة كالرجل فيما ذكرناه فلقد عنيت الشريعة بتكريمها أشد العناية، فأحست المرأة بالحياة، حيث أعطاها الإسلام عزاً وكرامة لم تكن لها من قبل، فغدت تتمتع بحياتها وحقوقها في ظل عدل الإسلام.

ومن أهم الأمور التي عنيت بها الشريعة تجاه المرأة المسلمة أن جعلت لها أحكاماً تخصها في بعض جوانب العبادات ومن ذلك الصلاة. فمع أنها كالرجل في جميع هيئات الصلاة على القول الصحيح، إذ ليس هناك دليل يخصها عن الرجل في ذلك، إلا أن هناك بعض الأحكام التي انفردت بها عن الرجل إذا زاحمته في المسجد.

ولما كان الحرمان الشريفان أكثر المساجد التي تهوى القلوب الصلاة فيهما كانت الحاجة ماسة لبيان بعض الأحكام المتعلقة بالمرأة في جانب الصلاة عند خروجها إلى الحرمين وسأذكر من خلال هذا المقال جانباً من هذه الأحكام:
أولاً: بعض ما جاء في بيان جواز حضور النساء الجماعة:‏
لقد جاءت النصوص الشرعية بأنه متى طلبت المرأة من زوجها أو وليها حضور لصلاة في المساجد فلا يمنعها ، ومن هذه النصوص، ما رواه ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ ” [ رواه البخاري ] .

وعنه _ أيضاً _ قَالَ : كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ ؟ قَالَتْ : وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي ؟ قَالَ : يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ” [ رواه البخاري ] .

وعن عائشة – رضي الله عنها – : قالت :”كُنَّ نساء المؤمنات يَشْهدْنَ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الفجر مُتَلفِّعات بمرُوطِهِنَّ ثم يَنْقَلِبْنَ إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة ، لا يعرفهن أحد من الغلس ” ، وفي رواية : ” ثم ينقلبن إلى بيوتهن ، وما يُعرَفنَ من تغليسِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة ” [ متفق عليه ] . وفي رواية أخرى للبخاري : ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغَلَس ، فينصرِفنَ نساء المؤمنين لا يُعرَفنَ من الغلس ، ولا يَعرِفَ بعضُهُنَّ بعضاً “.
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ). رواه البخاري.

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: “واستُدل بهذا الحديث على جواز إدخال الصبيان المساجد , وفيه نظر لاحتمال أن يكون الصبي كان مخلفا في بيت يقرب من المسجد بحيث يسمع بكاؤه ، وعلى جواز صلاة النساء في الجماعة مع الرجال.”( فتح الباري 2/202)

وقال النووي – رحمه الله -: تعليقاً على حديث ابن عمر ‏ أن رسول الله ‏ – ‏صلى الله عليه وسلم ‏-” لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ” قال: (هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث وهو أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها “.( شرح صحيح مسلم (2/186).)

ومن خلال هذه النصوص وغيرها نقول بأنه يجوز للمرأة المسلمة أن تصلي في المساجد عموماً ، وليس لزوجها إذا استأذنته أن يمنعها من ذلك ما دامت مستترة ولا يبدو من بدنها شيء مما يحرم نظر الأجانب إليه، فإن كانت متكشفة قد بدا من بدنها ما يحرم على الأجانب النظر إليه أو كانت متطيبة فلا يجوز لها الخروج على هذه الحالة من بيتها فضلاً عن خروجها إلى المساجد وصلاتها فيها، لما في ذلك من الفتنة. وقد ثبت أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:( إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ). وفي رواية:(إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا) رواهما مسلم.

وثبت في الأحاديث الصحيحة أن نساء الصحابة كن يحضرن صلاة الفجر جماعة متلفعات بمروطهن (أي ساترات وجوههن) ما يعرفهن أحد من الناس ، وثبت أن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالت: سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ:(لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) فقيل لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. رواه مسلم.

فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن المرأة المسلمة إذا التزمت آداب الإسلام في ملابسها وتجنبت ما يثير الفتنة ويستميل نفوس ضعفاء الإيمان من أنواع الزينة المغرية، لا تمنع من الصلاة في المساجد، وأنها إذا كانت على حالة تغري بها أهل الشر وتفتن من في قلبه ريب منعت من دخول المساجد، بل تمنع من الخروج من بيتها ومن حضور المجامع العامة.
وهذه جملة من الشروط التي ينبغي على المرأة أن تراعيها عند خروجها إلى المسجد :
1-أن تؤمن الفتنة بها وعليها .
2- أن لا يترتب على حضورها محذور شرعي .
3- أن تستأذن زوجها أو ولي أمرها إذناً خاصاً أو عاماً.
4- أن لا تزاحم الرجال في الطريق ولا في الجامع .
5- أن تخرج تَفِلَة . أي : غير متطيبة .
6- أن تخرج متحجبة غير متبرجة بزينة .
7- أن تدخل من الأبواب المخصصة للنساء عند دخول الحرمين ،فيكون دخولها وخروجها منه، كما ثبت الحديث بذلك في سنن أبي داود وغيره.
8- أن تصلي في الأماكن التي خصصتها إدارة الجهة المشرفة على شئون الحرمين.
9- أن تحرص على أن تكون في آخر الصفوف فخير صفوف النساء آخرها بخلاف الرجال (كما ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).

ثانياً: هل صلاة المرأة في بيتها أفضل أم في المسجد الحرام ؟
كثيراً ما يرد هذا السؤال ولا شك أن هذا يدل على حرص السائل رجلاً أو امرأة على تحصيل الخير فنقول: قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36)رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37)}. سورة النور

قال الإمام ابن كثير – رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : “وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن لما رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود – رضي الله عنه – عَنْ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا)”.

قال الإمام القرطبي – رحمه الله – : في تفسيره لهذه الآية أيضاً “لما قال تعالى : (رجال) وخصهم بالذكر دل على أن النساء لا حظ لهن في المساجد إذ لا جمعة عليهن ولا جماعة وأن صلاتهن في بيوتهن أفضل. روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ – رضي الله عنه – :عَنْ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا)”.

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – : “اعلم أن صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من الصلاة في المساجد، ولو كان المسجد مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وبه تعلم أن قوله – صلى الله عليه وسلم – : «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» خاص بالرجال، أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن من الصلاة في الجماعة في المسجد.”( أضواء البيان . (5/759).)

ومن أدلة السنة الدالة على أن صلاة المرأة في بيتها أقضل من صلاتها في المسجد حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ سُوَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ – رضي الله عنه – عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ – رضي الله عنها – امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ – رضي الله عنه – أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: (قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي ، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي.) قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وحسنه الألباني.
وقال الشوكاني – رحمه الله – : تعليقاً على حديث ابن عمر – رضي الله عنه – قَالَ: -: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ.) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.”أي صلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد لو علمن ذلك ، لكنهن لم يعلمن ، فيسألن الخروج إلى الجماعة يعتقدن أن أجرهن في المساجد أكثر.”

وقال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في برنامج نور على الدرب “صلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد ـ وإن كان يجوز لها الصلاة في المسجد ـ حتى ولو كان هذا المسجد هو المسجد الحرام أو مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم ”

وأما قيام رمضان فإن من أهل العلم من يقول: إن الأفضل للنساء حضور القيام في المساجد مستدلين لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أهله وصلى بهم في قيام رمضان، وبأنه روي عن عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، أنهما كانا يأمران رجلاً يؤم النساء في المسجد.

والصواب عندي والله أعلم أن الأفضل في حق النساء أن صلاتها في بيتها أفضل مطلقاً أي سواء كانت فريضة أو نافلة إلا إذا ورد نص واضح على أن صلاتها في المسجد الحرام أفضل، ولكن لو جاءت وحضرت فيرجى لها أن تنال الأجر الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) رواه أحمد وصححه ابن حبان، أما إذا كان يترتب على حضورها فتنة فلا ريب أن بقاءها في بيتها أوجب .

وما استدل به بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أهله وصلى بهم في قيام رمضان، وبأنه روي عن عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. فنقول كون النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أهله ليس بصريح أنه يجمعهم في المسجد الحرام أو في بيتها؟ أما ما ورد عن عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فهو ضعيف لا تقوم به الحجة.

ثالثاً: إذا صلت المرأة في أحد الحرمين فهل تقطع صلاة من مرت أمامه ؟
نقول: ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقطع صلاة الرجل المسلم -أو قال- المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة، والحمار والكلب الأسود)، فإذا مرت المرأة بين المصلي وسترته إن كان له سترة، أو بينه وبين موضع سجوده إن لم يكن له سترة، فهل تقطع الصلاة ؟ هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم والجمهور على عدم القطع وإنما تنقص الأجر وهذا هو الظاهر ، وهل هذا خاص في المسجد الحرام أم هو عام في كل مكان ؟ الذي يظهر أنه عام لكن الأولى بكل حال ألاَّ تمر المرأة بين يدي المصلي وسترته أما مرورها بين المأمومين فلا إشكال فيه.

رابعاً : صلاة النساء أمام الرجال في الحرمين.
صلاة الرجال خلف صفوف النساء صحيحة في قول الجمهور مع الكراهة، لكن هذا خلاف السنة، والسنة أن يتقدم الرجال وتكون صفوف النساء متأخرة، ولكن لا تبطل صلاة الرجال إذا صفوا خلف النساء، لأنه لا دليل على بطلان الصلاة في هذه الحال والأصل صحتها لا سيما في أوقات الزحام والشدة.
والمسجد الحرام في هذا كغيره لعموم الأدلة، فإنها لم تفرق بينه وبين غيره، ولكن لكثرة الزحام في المسجد الحرام تأتي النساء وتصف، ويأتي رجال بعدهن فيصفون وراءهن وهذا يصعب الاحتراز منه وخاصة عند ازدحام الناس في الطواف، والمطلوب من كل مسلم أن يتقي الله ما استطاع فيحرص على أن لا يصف خلف النساء وتحرص النساء على أن لا تكون صفوفهن أمام الرجال، فإذا لم يكن بد من هذا فلا حرج والصلاة صحيحة ـ إن شاء الله تعالى ـ فإن المشقة تجلب التيسير كما هو مقرر عند أهل العلم.

خامساً: حكم صلاة المرأة بمحاذاة الرجل.
هذا يقع كثيراً في الحرمين، وقد اختلف الفقهاء في صحة الصلاة في هذه الحالة قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “وقوف المرأة خلف صف الرجال سنة مأمور بها، ولو وقفت في صف الرجال لكان ذلك مكروهاً، وهل تبطل صلاة من يحاذيها؟ فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد وغيره:
أحدهما: تبطل،كقول أبي حنيفة وهو اختيار أبي بكر وأبي حفص من أصحاب أحمد.

والثاني: لا تبطل،كقول مالك والشافعي، وهو قول ابن حامد والقاضي وغيرهما، مع تنازعهم في الرجل الواقف معها: هل يكون فذاً أم لا؟ والمنصوص عن أحمد بطلان صلاة من يليها في الموقف” (الفتاوى الكبرى (2/325).
والصحيح عندي صحة الصلاة لعدم وجود دليل يدل على بطلان الصلاة قال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله: ” الصلاة صحيحة والحمد لله وهذا يقع كثيراً في المسجد الحرام، والمسجد النبوي عند زحمة الناس وقت الحج، يختلط الرجال بالنساء، فالصلاة صحيحة، ولكن يجب على النساء أن يتأخرن عن الرجال، وليس لهن أن يتقدمن بين الرجال، أو أمام الرجال لكن إذا وقع ذلك بسبب الزحام، فالصلاة صحيحة، ولا يضر ذلك، والحمد لله، أما في حالة الاختيار فإنها تؤخر، يقال لها تأخري خلف الرجال”.(فتاوى نور على الدرب).

سادساً: حكم اقتداء المرأة وهي في شقتها بإمام أحد الحرمين.
اختلف الفقهاء في هذه المسألة قال العلامة عبد الرحمن السعدي: “الصواب جواز ذلك إذا أمكنها المتابعة, بأن سمعت تكبير الإمام أو من وراءه أو شاهدتهم, وبعض الأصحاب يشترط الرؤية ولو في بعض الصلاة ويشترط أن لا يكون بينهما طريق وهو قول ضعيف لا دليل عليه” (المجموعة الكاملة لفتاوى السعدي : 125) .

وسئل سماحة الشيخ ابن باز عن هذه المسألة فأجاب بقوله : “إذا كانت لا ترى الإمام ولا المأمومين فالأحوط لها أن تصلي وحدها ولا تتابع الإمام” (مجلة البحوث الإسلامية 30/110).
والذي أراه في هذه المسألة أن صلاة المرأة في بيتها مقتدية بصلاة إمام أحد الحرمين صحيحة إذا لم يكن الفاصل كبيراً كأن تكون الشقة التي تسكن بها قريبة من أحد الحرمين، أما إن كانت تسكن في شقة بعيدة وتسمع تكبيرات الإمام وقراءته فالذي أراه عدم صحة الصلاة لأن الاتصال المكاني بين الإمام والمأموم شرط عند جماهير العلماء، لأن الاقتداء يقتضي التبعية في الصلاة، والمكان من لوازم الصلاة، فيقتضي التبعية في المكان ضرورة، وعند اختلاف المكان تنعدم التبعية في المكان، فتنعدم التبعية في الصلاة لانعدام لازمها.

سادساً : أفضل صفوف النساء آخرها.
إذا كان الرجال مع النساء في مكان واحد فإن آخر صفوف النساء أفضل من أولها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها”. وإنما كان كذلك لأن آخرها أبعد عن الرجال وأولها أقرب إلى الرجال.والمرأة كلما كانت أبعد عن الرجال كان ذلك أصين لها وأحفظ لعرضها وأبعد لها عن الميل إلى الفاحشة.
وأما إذا كان لهن مكان خاص كما يوجد الآن في الحرم فإن خير صفوف النساء أولها كالرجال لزوال المحذور، ولأجل مصلحة القرب من الإمام والقبلة.

سابعاً : تسوية صفوف النساء في الحرمين.
ما جاء في تسوية الصفوف والتحذير من الاختلاف فيها عام يدخل فيه الرجال والنساء وظاهر النصوص الواردة في ذلك يفيد الوجوب لأن فيه تهديداً لمن يتهاون بمساواة الصف وإقامته ومن هذه النصوص ما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أقيموا صفوفكم ثلاثا ،والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن بين قلوبكم ” رواه أبو داود. وفي رواية : ( عباد الله لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، )رواه مسلم .

وروى أحمد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم و لينوا في أيدي إخوانكم و سدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم مثل الحذف”.

ويشرع في صفوف النساء ما يشرع في صفوف الرجال، من حيث تسويتها، وانتظامها، وإكمال الصف الأول فالأول منها، وسد الفرج فيها ،فهن شقائق الرجال ، ويؤمرن بتسوية صفوفهن كما يؤمر الرجال بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : “وأقيموا الصف في الصلاة ، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة”.رواه البخاري .